الخميس، 18 فبراير 2016

البرنامج الحكومي والخطايا العشر

جريدة الاخبار - 18/2/2016

تفننت الحكومات المتعاقبة في إصدار قرارات مفاجئة وبدأ الحوار بشأنها بعد إصدارها وليس قبل إصدارها


أول مقال لي في سلسلة مقالاتي الأسبوعية نُشر في 31/7/2014 أي منذ عام ونصف تقريباً تحت عنوان "الخطايا العشر". وكان الهدف من المقال إسداء النصح للحكومة لتجنب اقتراف أخطاء عشرة إن وقعت كانت في ظني أنها ستؤثر سلباً علي مسيرة الإصلاح، وقد استخلصت هذه الخطايا العشر من التجربة المصرية علي مدار الخمس سنوات الماضية، ومن القراءة المتأنية لتجارب دول أخري نجحت بامتياز مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة والإمارات والبرازيل ورواندا الأفريقية. كما طالعت تجارب دول أخري حاولت ولم تفلح محاولاتها بعد كما حدث في الأرجنتين وفنزويلا.

وبالمراجعة المتأنية لما حدث خلال الأعوام الماضية فإننا اقترفنا عدداً من الخطايا العشر مما أدي إلي تعثر الإصلاح في بعض جوانبه رغم وجود إرادة سياسية حديدية للنهوض بالدولة، وعلي الرغم من مجهودات جبارة وجهود مخلصة بُذِلت من العديد من المؤسسات المصرية، ولكن النتائج لم تكن بذات حجم الطموحات، وليست علي ذات قدر المجهود الذي بذل. ونحن علي أعتاب تقديم برنامج حكومة المهندس/ شريف إسماعيل إلي مجلس النواب لعله من المفيد تقييم التجربة المصرية علي مدار العامين الماضيين، ونرجو مخلصين من الحكومة أن تتجنب ارتكاب هذه الخطايا في المستقبل لكي تنجح مسيرة الإصلاح، ونخرج من المحن السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها في أسرع وقت. أولي الخطايا التي ارتكبت كانت في ظني خطيئة التراخي في تنفيذ خطط الإصلاح علي العديد من المسارات، فعلي المسار الاقتصادي علي سبيل المثال بدأنا بقوة في مواجهة العجز في الموازنة برفع محدود للدعم عن المواد البترولية وتوجيه جزء منه إلي الخدمات العامة وإلي برامج التضامن الاجتماعي، إلا أننا توقفنا عن استكمال ذلك رغم أنه كان لدينا فرصة مثالية نتيجة لانخفاض سعر البترول بشكل غير مسبوق مما كان سيجعل الآثار التضخمية محدودة، وأرجو ألا نفوت عام 2016 لأنها في رأيي الفرصة الأخيرة في هذا الاتجاه، وكذلك نجحنا بجدارة في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، وكانت الفرصة ذهبية لتحقيق الانطلاقة نحو جذب ما لا يقل عن عشرة مليارات دولار سنوياً كاستثمار أجنبي مباشر ورفع معدلات النمو الاقتصادي إلي 7% سنوياً، ورفع درجة تنافسية الاقتصاد المصري محلياً ودولياً، وزيادة مساهمة الصادرات إلي نحو 20% من معدل النمو، والقضاء علي ظاهرة العجز في الفائض النقدي الأجنبي، إلا أننا فشلنا في كل ذلك، ولم نستغل الفرصة التي لن تتكرر وتخاذلنا في إزالة معوقات الاستثمار علي كافة الجوانب، فابتعد المستثمرون عنا لصالح دول أخري. وتراخينا بشكل مريب في تنفيذ الاتفاقات أو المشروعات التي تم الإعلان عنها في شرم الشيخ.

أما الخطيئة الثانية، فقد وضح أن عملية الإصلاح تجري من خلال جزر منعزلة، فكان وزراء المجموعة الاقتصادية يفاجأون بقرارات تتعلق بسعر الدولار أو بالتعامل علي العملة الأجنبية من شأنها التأثير علي الصناعات المحلية، واستيراد مستلزمات الإنتاج دون أي تنسيق مسبق، والعكس صحيح كان كثير من السياسات المالية أو الضريبية تتخذ بشكل مفاجئ يربك السياسة النقدية، والأمثلة كثيرة في قطاعات أخري. لم يعد من المستغرب أن تجد تصريحات متناقضة للوزراء والهيئات، إن مجهودات الإصلاح ستذهب في مهب الريح لو استمرت المؤسسات الحكومية، وغيرها من مؤسسات الدولة كل منها يعمل في جزر منعزلة. فهل يمكن للسياحة أن تنجح بدون التنسيق الكامل ووضوح الهدف بين وزارة السياحة والطيران والنقل والآثار والداخلية. وهذا العبء يقع علي رئيس الوزراء بشكل مباشر.

أما الخطيئة الثالثة، فتمثلت في غياب الرؤية الواضحة لمجهودات الإصلاح وتكاملها، فالرؤية الحكومية في أي منحي من مناحي العمل الحكومي كالسياحة والتعليم والصحة تعني وضوح صورة المستقبل مع التوضيح لعموم الناس لماذا يجب أن يعمل الجميع علي تحقيق هذا المستقبل، فالرؤية علي هذا النحو لها أغراض ثلاثة هي توضيح الاتجاه العام للتغيير، وتحفيز الناس وأصحاب القرار علي التحرك واتخاذ قرارات في الاتجاه الصحيح لتحقيق هذه الرؤية أو الهدف، وأخيراً التنسيق بين تحركات وقرارات المئات من الهيئات والأجهزة الحكومية وآلاف العاملين في هذه الجهات. لقد افتقدنا البوصلة في العديد من المجالات خلال العام ونصف الماضيين خاصة بشأن الإصلاحين الاقتصادي والمؤسسي.

أما الخطيئة الرابعة، فتمثلت في التواصل الخاطئ مع أصحاب المصالح المشروعة والرأي العام، فتفننت الحكومات المتعاقبة في إصدار قرارات مفاجئة وبدأ الحوار بشأنها بعد إصدارها وليس قبل إصدارها، كما أن التواصل مع الإعلام كان دائماً كردة فعل بشأن حدث أو قرار أو أزمة وليس بشكل مؤسسي ومتواصل، فمن لا يعلم بالحقائق أكثر حدة ونقداً ممن يعلم بالحقائق، كما كان من الواضح أن عبء التواصل مع الرأي العام والإعلام ألقي كله علي رئيس الدولة، وبدأت أستشعر الأمل في تحركات رئيس الوزراء الأخيرة ولقاءاته مع الصحفيين والإعلاميين وممثلي البرلمان، وأرجو أن تكون هذه التحركات دلالة علي تغير إيجابي جديد في هذا الاتجاه.

وأما الخطيئة الخامسة، فكانت السماح في غير القليل من الحالات للمعوقات بالحيلولة دون تنفيذ الأهداف الواضحة، فأخفقنا في تمرير قانون الخدمة المدنية بسبب سوء التنسيق بين الحكومة والبرلمان، وعدم الاستماع لصوت العقل، ومازلنا لا نستطيع جذب استثمارات حقيقية لأننا سمحنا للبيروقراطية والكفاءات المحدودة أن تعرقل سياسات الإصلاح. لا يجوز قبول أو السماح لأحد بالحيلولة دون سياسات الإصلاح المتفق عليها.

أما الخطيئة السادسة، فكانت الإخفاق في خلق نجاحات حقيقية وسريعة علي المدي القصير تمس المواطن. لا شك أنه كانت هناك بعض النجاحات في مجال الإسكان الاجتماعي والكهرباء والتضامن الاجتماعي وتوفير رغيف العيش، والسلع الضرورية. أهمية النجاحات السريعة في أنها تبث الأمل في المستقبل، وأننا نتجه في الاتجاه الصحيح، انعدام الأمل في الغد يقتل الطموح ويقتل الصبر، ويجعلنا نعيش اجتماعياً علي بركان. يجب إلي جانب ما تحقق من نجاحات التعامل مع أمور يومية بشكل أكثر إيجابية مثل المرور والتعامل مع القمامة والنقل العام والمزلقانات، والمستشفيات العامة الرئيسية، والمحاكم وخدمات الشهر العقاري والتوثيق. لن يقبل غالبية الناس السير في طريق الإصلاح إلي نهايته ما لم يشهدوا دلالة واضحة أن رحلة الإصلاح إلي نهايتها ستؤدي إلي النتائج المرجوة منها وستحقق أهدافها.

أما الخطيئة السابعة، فتمثلت في الإعلان عن تحقيق نجاحات وانتصارات قبل الأوان، فمثل هذه الإعلانات تشكك في مصداقية الحكومة، كما أن الإفراط في الوعود له مردود سلبي، فرفع سقف التوقعات دون تحقيق لها يصيب الناس بالإحباط المجتمعي، وهو ما حدث بالضبط في أعقاب مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي.

أما الخطيئة الثامنة، فتمثلت في سوء إدارة الملف الإعلامي، وضعف التواصل السياسي مع النقابات المستقلة، والصفين الثاني والثالث من التنفيذيين من الجهات الحكومية، فهم جزء من صنع القرار وتنفيذه، فثقافة التغيير والإصلاح حتي تكون منهاجاً للعمل يجب أن يمتد الحوار والتواصل إلي الخطوط الخلفية من الجهاز الحكومي.

وفي قناعاتي أن الرئيس ومعه الحكومات المتعاقبة قد نجحوا إلي حد كبير في ألا تكون سياسات الإصلاح الاقتصادي علي حساب العدالة الاجتماعية، وهذه في رأيي كانت من نقاط الضعف الرئيسية في البرنامج الإصلاحي قبل 2010، يجب أن نستمر في ذلك الاتجاه ونتجنب هذه الخطيئة التاسعة في المستقبل.

أما الخطيئة العاشرة، فهي من الأمور التي لا يمكن إصلاحها في يوم وليلة، ولكن يجب البدء فيها، فإهمال الإصلاح المؤسسي للأجهزة الحكومية قنبلة موقوتة، فعلي الحكومة أن تعمل خلال المرحلة الإصلاحية علي ضخ كفاءات قيادية جديدة إلي الجهاز الحكومي خاصةً بالنسبة للصفين الثاني والثالث إلي جانب تصعيد الكفاءات الموجودة. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك


0 التعليقات:

إرسال تعليق