الاثنين، 17 مايو 2010

اهم المباديء القانونية التي أرستها محكمة القضاء الإداري بشان عروض الشراء الإجباري بقصد الأستحواذ


16 مايو 2010
§  بالجلسة المنعقدة علنا في يوم السبت الموافق 10/4/2010 أصدرت محكمة القضاء الإداري المصري، دائرة المنازعات الاقتصادية والاستثمار، الدائرة السابعة برئاسة المستشار حمدي ياسين عكاشة نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة، وعضوية المستشارين جمال محمد سليمان عمار وحاتم داوود فرج الله نائبي رئيس مجلس الدولة، حكما قضائيا مهما أرسي مبادئ قانونية جوهرية بخصوص عروض الشراء الإجباري بقصد الاستحواذ وفقا لأحكام قانون سوق رأس المال المصري.

§  ويعد هذا الحكم القضائي هو الأول من نوعه في مصر الذي يتناول تفصيلا الأحكام القانونية المنظمة لعروض الشراء الإجباري، وله الريادة في هذا الخصوص.. وقد صدر هذا الحكم القضائي  بمناسبة النزاع الناشئ بين شركة أوراسكوم تليكوم و فرانس تليكوم والذي بدأت فصوله أمام هيئات التحكيم التجاري الدولي منذ أكثر من عامين مرورا بمحكمة القضاء الإداري المصري، وانتهاء بالتسوية الودية الدرامية بين طرفي النزاع.. ولاتزال تداعيات هذا النزاع الذي تابعه الملايين قائمة حتي الأن.

§  وسوف نحاول في هذا المقال أن نلخص للقارئ أهم المبادئ القانوينة  المهمة التي أرستها محكمة القضاء الإداري المصري بشأن عروض الشراء الإجباري، وذلك بعيدا عن وقائع النزاع بين أوراسكوم وفرانس تليكوم.. ولعله ضروريا أن نذكر بأن الفصل في هذا النزاع بشقيه المستعجل والموضوعي قد استغرق ثلاثة أشهر وبضعة أيام لا اكثر حيث تم رفع الدعوي من أوراسكوم تليكوم في 4/1/2010، وتحددت جلسة 9/1/2010 لنظر الشق العاجل سماع مرافعات الدفاع، وتحدد أجل غايته الثالثة عصر يوم الأحد الموافق 10/1/2010 لتبادل المستندات. وأجل غايته الثالثة عصر يوم ألأثنين الموافق 11/1/2010 لتبادل المذكرات وتحددت جلسة 13/1/2010 للنطق بالحكم في الشق المستعجل، والذي قضت فيه المحكمة بوقف تنفيذ قرار الهيئة العامة للرقابة المالية الصادرة بتاريخ 10/12/2009 بالموافقة علي عرض الشراء الإجباري المقدم من شركة أورنلج بارتسبيشنز لشراء أسهم الشركة المصرية لخدمات التلفون المحمول "موبينيل" بسعر "245" جنيها وما يترتب علي ذلك من آثار أخصها اعتبار الإعلان بعرض الشراء الإجباري المقدم من شركة أورنلج بارتسبيشنز كأن لم يكن.

    وعقدت المحكمة جلسات ثلاث بعد ذلك في 13/12/2010 و6/3/2010 و27/3/2010 استمعت فيها لمرافعات مطولة من جميع أطراف الدعوي، وبجلسة 27/3/2010 صرحت المحكمة للأطراف بتقديم مذكراتهم الختامية خلال أسبوع، ثم حجزت المحكمة الدعوي للنطق بالحكم في 10/4/2010.

   وفي الأجل الحدد لنطق بالحكم وبجلسة 10/4/2010 أصدرت المحكمة حكمها القضائي بإلغاء قرار الهيئة العامة للرقابة المالية الصادر في 10/12/2010 بالموافقة علي عرض الشراء الإجباري، مع ما يترتب علي ذلك  من آثار.

§  وبعد إصدار هذا الحكم في الموضوع ( والذي وصل عدد صفحاته الي 75 صفحة ) خلال "96" يوما بالرغم من صعوبة القضية، وضخامة مستنداتها، وتعقيدتها الفنية علامة فارقة في تاريخ الفصل في منازعات الاستثمار في مصر، ودليلا علي قدرة القضاء المصري علي سرعة حسم المنازعات القضائية الاستثملرية في أقل وقت ممكن لتحقيق العدل بين المتقاضين.. هذا العدل، الذي وصفه رئيس محكمة القضاء الإداري المستشار حمدي ياسين بأنه "لو تمثل خلقا جميل الطلعة، حسن المحيا، حلو الحديث، مؤلفا للقلوب، محققا إرضاء الناس كافة، في بسمته الطمأنينة والسلام، وفي راحته البركة والرخاء والنعيم المقيم".
§  وعود للمبادئ القانونية المهمة التي أرستها محكمة القضاء الإداري بشأن عروض الشراء الإجباري بقصد الاستحواذ، فإنني سأحاول إجمال أهم هذه الأحكام والمبادئ "التي يتعلق بعضها بأحكام موضوعية، والبعض الآخر بمسائل إجرائية" للقارئ الكريم من غير المتخصصين علي الوجه الآتي:
        المبدأ ألأول: لجمعيات حماية المستثمرين في الأوراق المالية. ومنها الجمعية المصرية لمستثمري البورصة مصلحة جدية للتدخل في الدعاوي القضتئية التي ترفع لإلغاء قرار إداري يمس بمصلحة الأقلية من المساهمين، وذلك في حدود وقائع الدعوي المطروحة.

        أكدت محكمة القضاء الإداري أنه إذا كان الثابت أن الجمعية المصرية لمستثمري البورصة هي جمعية مشهرة طبقا لأحكام القانون رقم"84" لسنة 2002 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية برقم 6747 تاريخ 22/11/2006، وانها جمعية تعمل في المجال الاقتصادي ومن أنشطتها توفير المعلومات لمستثمر بشكل واضح ومحايد وإيجادسوق مالي متوازن والعمل علي حل المنازعات بين المستثمر وشركات السمسرة، ومن ثم تكون الجمعية المتدخلة انضماميا في حالة قانونية خاصة بالنسبة للقرار المطعون فيه بحسبانه وثيق الصلة بالمستثمرين حاملي أسهم الشركة المستهدفة بعرض الشراء الإجباري الصادر بشأنه القرار المطعون فيه، الأمر الذي يجعل مثل هذه القرارات مؤثرة في مصلحة جدية للجمعية برر لها التدخل في الدعوي.

       ويعد هذا المبدأ انتصارا لحقوق المستثمرين في البورصة، والأخذ بمفهوم أكثر مرونة لشرط المصلحة الذي يعد أساسا لقبول الطعن في القرارات الإدارية، والانحياز لحماية مصالح المستهلك بمفهومه الواسع الذي يتسع ليشمل أقلية المساهمين والمستثمرين بالبورصة.

      المبدأ الثاني: لأقلية المساهمين في الشركة المساهمة المقيدة بالبورصة مصلحة جدية ومباشرة في الطعن علي قرارات الرقابة المالية بقبول عرض شراء إجباري.

      مثل هذا القرار يمس بالمركز القانوني لأقلية المساهمين من حملة الأوراق المالية محل العرض. فطبقا لما أقرته محكمة القضاء الإداري فإن لأقلية المساهمين مصلحة شخصية مباشرة في طلب إلغاء قرار الهيئة الرقابية بقبول عرض الشراء الإجباري.

     وقد أكدت المحكمة علي أن فصلها في الشق المستعجل بطلب وقف التنفيذ بتوفر شرط المصلحة للأقلية، وعدم الطعن فيه في المواعيد القانونية هو حكم قطعي له مقومات الأحكام القضائية، كما أنه حكم نهائي قيد المحكمة عند نظر موضوع الدعوي.

     المبدأ الثالث: إن القرارات الصادرة عن الجهات الرقابية بشأن تنظيم عروض الشراء الإجباري سواء بقبول العرض أو رفضه هي قرارات إدارية حقيقية يجوز الطعن ضدها بالإلغاء.

     وتتضمن هذه القرارات إفصاحا من جانب الهيئة عن إرادتها باعتبارها جهة إدارية، ويترتب عليها آثار قانونية تمس بمن ينتمون إلي المركز القانوني الذي تتعلق به هذه القرارات تقبل الطعن فيها بالإلغاء أمام القضاء الإداري الذي يراقب مشروعيتها في جميع أركنها، وهي ركن الاختصاص وركن المحل، وؤكن السبب، وركن الشكل والإجراءات، وركن الغاية مثلها في ذلك مثل جميع القرارات الإدارية.

المبدأ الرابع : ضرورة تحقيق المساواة بين مالكي الاوراق المالية محل عرض الشراء ، وكذلك فيما بين الأشخاص المعنية بالعرض :

هذا المبدا أقرته أحكام اللائحة التنفيذية ، وأكدت عليه المحكمة . وفي تحديد مفهوم المساواة- وهو أمر لم يعترض عليه الهيئة العامة للرقابة المالية بل أكدت عليه _ قالت المحكمة إن مؤدى المساواة وتكافؤ الفرص أن يكون العرض مقدماً لكل المساهمين وليس مقصوراً علي بعضهم دون البعض وأن تتحقق المساواة علي مستوي السعر بوجوب الشراء بسعر موحد دون التمييز بين المساهمين في السعر ، كما يجب أن تتحقق المساواة علي مستوي المعلومات بحصول مالكي الأوراق المالية محل عرض الشراء الأشخاص المعنية بالعرض علي المعلومات الكافية والفرصة المناسبة والتوقيت الملائم لتقييم عرض الشراء واتخاذ القرار الإستثماري بطريقة تكفل للمساهمين إجراء الموازنة ما بين الفوائد التي عساها تعود عليهم من جراء البيع ، وكذلك بما يفرضه من حظر للتلاعب في سهم الشركة المستهدفة بالعرض لتلاقي اضطرابات السوق وتضارب المصالح .
هذا المبدأ ، لم يكن محلاً للاعتراض من قبل الهيئة كما ذكرنا ، وإنما كان محل المنازعة هو مدي توفر الأسباب للمغايرة بين سعر شراء أسهم الشركة القابضة ، وسعر شراء أسهم الشركة التابعة المستهدفة بالعرض .

المبدأ الخامس : يتسع مفهوم المساواة بين حملة الأسهم المستهدفة بالعرض ليشمل المساواة بين حملة الأسهم في الشركة القابضة ، وحملة الأسهم في الشركة التابعة المستهدفة :

ينطبق ذلك تحديداً علي الحالات التي تنحصر فيها ملكية الشركة القابضة لأسهم شركة تابعة وحيدة هي الشركة المقيدة بالبورصة . والقول بغير ذلك يهدم أسس المساواة وتكافؤ الفرص التي استهدفتها قواعد عرض الشراء الإجباري .. وبطبيعة الحال ، يختلف الوضع لو أن للشركة القابضة شركات تابعة متعددة ، وأصولاً مختلفة ، فهذه الأحوال الأخيرة لا يجوز القياس عليها .

المبدأ السادس : إن من يستحوذ علي أغلبية رأس المال أو حقوق التصويت علي الشركة المستهدفة بالعرض بشكل غير مباشر من خلال شركة مرتبطة أو شركة قابضة يخضع لقواعد عرض الشراء الإجباري :

إن الهدف من عروض الشراء الإجباري وفقاً لما أكدته محكمة القضاء الإداري ، فضلاً عن الإستحواذ والسيطرة ، إقامة وضمان نوع المساواة بين المساهمين من الأقلية في الشركات المقيدة بالبورصة ، ومن ثم فإن عروض الشراء الإجبارية إنما تقوم علي التزام المساهم الذي تتجاوز ملكيته عدداً معيناً من أسهم الشركة التي لها حق التصويت .. وهذا الإجبار ولئن كان يخالف مبدأ حرية التعاقد ، إلا أنه إجبار يستهدف حماية الأقلية من المساهمين علي ألا يجبروا علي الإنصياع الي قرارات تحقق مصالح الأغلبية ، كما أنه من ناحية أخري إجبار يستهدف كذلك مصلحة مقدم العرض بإفساح المجال أمامه لإكمال سيطرته علي الشركة المستهدفة تطبيق التطوير وتحقيق الخطط المستقبلية ، وهو إجبار يتلافي بالدرجة الأولي ظاهرة تجميع أسهم الشركة المستهدفة من خلال عمليات شراء لأسهمها بأسعار مفاوتة علي فترات زمنية متعاقبة إخلالاً بمبدأ المساواة فيما بين المساهمين في الشركة المستهدفة ما دامت لا تتم عروض الشراء الإجبارية إلا بسعر واحد يتعين فيه دوماً ألا يقل عن أعلي سعر دفعه مقدم العرض أو أحد الأشخاص في عرض شراء سابق خلال الاثني عشر شهراً السابقة علي تقديم عرض الشراء المعني .

الغاية من عرض الشراء الاجباري هو حماية الأقلية من المساهمين ولا يغير من الأمر شيئاً أن يكون بلوغ السيطرة أو النسبة المستوجبة تقديم عرض شراء إجباري قد تم من خلال الاستحواذ المباشر علي أسهم الشركة المستهدفة بالعرض أو من خلال شراء أسهم شركة قابضة أو مرتبطة بالشركة المستهدفة بالعرض.

والقول بغير ذلك يعني إمكانية تأسيس شركات قابضة غير مقيدة بالبورصة ، أو شركات قابضة غير مصرية يتم التعامل علي أسهمها ونقل السيطرة الفعلية من خلال التعامل علي أسهم الشركة القابضة دون أية ضوابط ودون الالتزام بحماية حقوق الأقلية ، وهو ما يعني الإضرار بمصالح المساهمين من الأقلية في الشركات التابعة ، ويجعل من جميع القواعد الصادرة في هذا الخصوص لغواً لا طائل منه .. وقد أكدت علي هذا الفهم الهيئة العامة للرقابة المالية .

المبدأ السابع : إن اجراءات تقديم عروض الشراء الإجباري الواردة باللائحة التنفيذية إجراءات جوهرية تقتضيها المصلحة العامة ومصلحة الأفراد علي السواء :

وفي ذلك تقول محكمة القضاء الإداري " إنه بالنظر إلي أحكام قانون سوق رأس المال وطبيعة وغايات المشرع من أحكام الباب الثاني عشر من اللائحة التنفيذية للقانون المشار اليه وإذا عنيت بعروض الشراء بقصد الاستحواذ وهي عروض رائدها ومنطلقها ما قرره القانون من مسئولية للهيئة في تحقيق الشفافية والإفصاح وحماية المتعاملين في الأسواق المالية غير المصرفية ، وقد وردت عبارات المراحل والإجراءات المتعلقة بتقديم تلك العروض ، وايداعها ، وإعلام المساهمين والجمهور بها ، ومتطلبات الإفصاح عن البيانات والمعلومات والتوجهات العامة والخطط المستقبلية ، وفحص تلك العروض واعتمادها ، والإعلان عنها قاطعة الدلالة علي وجوب الالتزام بها حماية لمصالح المساهمين ، وهم جمع غفير إذا افترض المشرع علمهم وتحقق مصالحهم بأسلوب بذاته صار غيره لا يرقي بديلاً ، الامر الذي يتعين معه النظر الي تلك الإجراءات وفقاً لغاياتها مقتضي أمرها إنما هي إجراءات جوهرية يتعين علي الأطراف المعنية كل فيما يخصه مراعاتها نزولاً عند قواعد وضوابط الشرعية في ضوء غاياتها التي لا تتحقق إلا تلك الإجراءات ".

المبدأ الثامن : إن الإفصاح عن التعهدات والتوجهات العامة لمقدم العرض يجب أن يكون واضحاً لا يشوبه غموض أو إبهام :

وفي ذلك تقول محكمة القضاء الإداري " إذا شاب التعهدات الغموض والإبهام واحتاج من أطراف الخصومة للتناضل لبيان مضمونه فما حال صاحب الشأن المقدم له الإفصاح ، كما أنه يتنافي مع التزام تقدم العرض بمباديء الشفافية التي تعني التزام مقدم العرض بتوفير البيانات والمعلومات المتعلقة بنشاط الشركة بيسر وسهولة وعدم حجبها عنهم حتي يتمكن كل منهم من اتخاذ قراره السليم بالبقاء بالشركة المستهدفة بالعرض أو الرحيل عنها وبيع أسهمه.

المبدأ التاسع : لا يجوز للمتدخل انضمامياَ في دعوة الغاء القرار الإداري بقبول عرض الشراء الإجباري أن يضيف أسباباً لدعم صحة القرار إذا لم تكن هذه الأسباب قائمة عند إصدار القرار :

وهذا المبدأ من المباديء المستقر عليها في القضاء الإداري عند مراقبته لصحة السب كركن من أركان القرار الإداري .. فقضت المحكمة بانه لا يجوز للشركة المتدخلة انضماميا مع الهيئة ، إضافة أسباب إضافية للقرار بقبول عرض الشراء اعترفت الهيئة مصدرة القرار أنها لم تكن ضمن أسباب أو مقومات إصدار الإدارة لقرارها المطعون فيه ، فإضافة مثل هذه الأسباب تعد في حقيقتها تغييراً للسبب الحقيقي الذي صدر القرار علي أساسه .
إن المباديء القانونية السابقة الي أرستها محكمة القضاء الإداري ليست محلاً للمجادلة أو المنازعة ، فهذه المباديء تعد أساساً راسخاً لتحقيق العدالة ، وحماية حقوق المساهمين ، ودليلاً علي نضج سوق راس المال المصري .. قد يختلف الأطراف في ظل ظروف الدعوى أو النزاع المطروح أمام المحكمة علي ما إذا كانت هذه المباديء قد تمت مخالفتها أم لا ، إلا أن هذه المباديء في ذاتها لم ، ولا يجب أن تكون محلاً للخلاف .