13/4/2010
بحكم طبيعة عملى
كأستاذ للقانون التجارى، والتشريعات الاقتصادية بحقوق القاهرة وكممارس للعمل
القانونى، أطلع بشكل منتظم على جميع القرارات واللوائح التى تتعلق بالشؤون
الاقتصادية والمالية.وللأسف
الشديد عند تحليلى ودراستي الدقيقة لهذه القرارات
واللوائح ينتابني الإحساس بالمرارة لما يشوب بعضا من هذه القرارات واللوائح من سوء
الصياغة وركاكة المعني وغموض المغزي.
فأما عن الظاهرة الأولي، وتتمثل في غزارة هذه القرارات علي حساب المضمون، فإن تفسير هذه الظاهرة في رأي يتمثل في وجود اعتقاد خاطئ لدي صانعي القرار في غير قليل من الحالات أن حل المشاكل القائمة، ووضع حلول للمعضلات الحالية لا يكون إلا من خلال إصدار قرارات جديدة وتعديلات علي كل ما هو قائم، وهو اعتقاد يشوبه الخلل في العديد من الحالات. فإصدار القرارات "عمال علي بطال" يؤدي إلي مزيد من التخبط، سيطرة لبيروقراطية، وإطلاق العنان لتفسيرات غير منطقية. فالأهم والأولي هو التطوير المؤسسي، وتفعيل النصوص القائمة والتخلص أو التقليل التدريجي من كل ما هو غير ضروري ولوزارة التجارة والصناعة تجربة لا بأس بها في هذا الشأن، وإن لم تكتمل بعد، حينما صدر قرار بإلغاء جميع القرارات التي لم تعد ذات محل، أو تتعارض مع ما صدر حديثا، أو تخالف توجهات الوزارة الاستراتيجية، وهذا لا ينفي أنه هناك مشاكل الا يمكن مواجهتها لا بقرارات ولوائح بل وتشريعات جديدة، ولكل الحل ليس بالضرورة كل مرة في إصدار قرار أو قانون جديد.
وأما الظاهرة الثانية، وهي ظاهرة القرارات واللوائح نصف التشطيب، فإنه لا يخفي علي كثير من رجالات القانون، أنه بمجرد مطالعة بعض القرارات واللوائح الصادرة مؤخرا يستشعر المتخصص وغير المتخصص بالقدر الكبير من "العجلة" و"السريعة" التي أصابت صانعي ومصدري هذه القرارات واللوائح، فصدرت غير مكتملة الملامح والشخصية، وكأن ثقافة النصف التشطيب التي انتشرت في مجال التنمية العقارية قد انطبعت علي لوائحنا وقراراتنا التنفيذية، فجاءت في بعضها متبسرة، وفي البعض الآخر متناقضة. فالحاجة إلي التطوير وثبات أن هناك تحريكا للمياه الراكدة، تدعو أحيانا إلي الاستسهال من خلال إصدار قرارات، وللأسف الشديد، فإن من هذه اللوائح تخرج مبتسرة غير مدروسة مفتقرة لأبسط قواعد الصياغة، فتصدر ركيكة الصياغة ضعيفة المضمون.
وأما الظاهرة الثالثة، وهي أخطر هذه الظواهر، وهو تعارض الغايات والمقاصد من هذه القرارات مع ظاهرة نصوص هذه القرارات واللوائح. فيتضح انقطاع الصلة بين واضعي السياسات من ناحية، والقائمين علي صياغة هذه السياسات في قوالب لائحية تنظيمية كانت أو تنفيذية من ناحية أخري. ولا يصلح في بعض الأحيان أية تفسيرات أو منهج غائي يعمل علي تفعيل المعاني والمقاصد من هذه النصوص إزاء عوارها وتناقضها البين.
ولعله من الأمور الملفتة للانتباه، ظاهرة أخري تتمثل في تعدد الجهات الاستشارية في مجال إعداد القرارات واللوائح التنفيذية ومشروعات القوانين. فلدينا قسم التشريع بوزارة العدل، وقسم الفتوي والتشريع بمجلس الدولة ولهما خبرة كبيرة، وحصن لا يهين من الخبرة والدقة، إضافة إلي وزارة الدولة للشئون القانونية والمجالس البرلمانية، كما أنشئت لجنة عليا للتشريعات الاقتصادية ـ اختفت في ظروف غامضة ـ ناهيك عن لجان متعددة بكل وزارة علي حدة وما تتضمنه كذلك كل وزارة أو هيئة من جيش من المستشارين وأحيانا تعمل أكثر من جهة علي مشروع مختلف متصل بذات الموضوع والأمثلة عديدة، والنتيجة تشتت الجهود، ناهيك عن غياب استراتيجية موحدة بشأن السياسات التشريعية والقانونية، وتوهان أصحاب القدرة ونري التخصص في تيه ودواليب العمل داخل هذه الجهات. والمحصلة صفر في غير القليل من الحالات.
وإلي جانب ما تقدم، وطالما أننا نتحدث عن الجوانب القانونية للوائح والقرارات التنفيذية، فإن لي بعض الملاحظات عن التعليم والتدريب القانوني بشكل عام في مصر وكذلك بعض الملاحظات المرتبطة ببعض الممارسات المرتبطة بالعمل القانوني والحقوقي. فالمسألة تبدأ من التعليم القانوني ومناهج العلوم القانونية في جامعاتنا، اذ صارت العبرة بالكم لا بالكيف، ناهيك عن ابتعاد هذه العلوم عن الواقع العملي فيتخرج الطالب مفتقرا إلي الأساسيات والآليات الأساسية بما فيها البحث القانوني، والمنطلق التحليلي، والقدرة علي حل المشكلات بشكل منهجي ويجب ألا ننسي أن هؤلاء الخريجين هم نواة النخب القانونية فكيف يتوقع منهم خيرا اذا كانت بنيتهم الاساسية غير متينة.
ومن ناحية ثانية، علينا أن نعترف بغياب التعليم القانوني المستمر والتدريب المنظم عن جميع مؤسساتنا القانونية، سواء مكاتب المحاماة أو الوزارات المعنية، أو حتي نقابة المحامين، بل وفي ظل المعاهد القضائية بالرغم من المجهودات الكبيرة التي تبذل في هذا الشأن فلا يعقل ولم يعد من المقبول ألا يرتبط الترقي بحد أدني من التدريب الجدي وحضور الدورات المتخصصة لجميع المشتغلين بالعمل القانوني دون استثناء كما أن العديد من المراكز التدريبية داخل الجامعات صارت من قبيل باب الوجاهة الاجتماعية، والمحصلة ضعيفة.
هذا جانب ضئيل من المشكلة وليس كل جوانبها، ويحتاج الموضوع منا إلي تحليل أكبر قد لا تسمح به المساحة المخصصة للنشر. ولذا اختم هذه المقال ببعض التوصيات لعل يكون لها صدي، وذلك بإيجاز علي النحو التالي:
2- احياء برامج ومعاهد التدريب المتخصصة داخل نقابة المحامين العامة، والنقابات الفرعية، بحيث يكون لهذه المعاهد دور حقيقي وفاعل في التدريب المستمر لابناء المهنة.
3- إنشاء لجنة وطنية دائمة علي نسق ما هو متبع في الدول المتقدمة تضطلع بوضع برامج واستراتيجيات عامة وأسس لفن التشريع والربط مع جميع الوزارات والهيئات المعنية، ويكون لهذه اللجنة لجان فرعية تضم أفضل العناصر وأكثرها خبرة في مجال التخصص مع توفير سكرتارية فنية وإدارية دائمة. ولا تعني هذه اللجنة الغاء أدوار الجهات والوزارات المعنية، ولكنها تكون المحطة الاخيرة للتنسيق ولتوفير الجهد والتحقيق من استيفاء سياسة واستراتيجية عامة بما في ذلك التدريب علي صياغة اللوائح والقرارات ومشروعات القوانين.
حينما أطالع وأحلل هذه
القرارات واللوائح، أجد أننا أمام ظواهر ثلاث: أولاها، وكأن مصدري هذه القرارات
واللوائح يعانون من الإسهال التشريعي المزمن، وأما الظاهرة الثانية، أن هذه
القرارات جاءت في مجملها غير مكتملة، وكأنها نصف تشطيب. وأما الظاهرة الثالثة، فهي
تعارض ظاهر هذه النصوص في عدد من الحالات مع الغايات والمقاصد التي صدرت من أجل
تحقيقها.
فأما عن الظاهرة الأولي، وتتمثل في غزارة هذه القرارات علي حساب المضمون، فإن تفسير هذه الظاهرة في رأي يتمثل في وجود اعتقاد خاطئ لدي صانعي القرار في غير قليل من الحالات أن حل المشاكل القائمة، ووضع حلول للمعضلات الحالية لا يكون إلا من خلال إصدار قرارات جديدة وتعديلات علي كل ما هو قائم، وهو اعتقاد يشوبه الخلل في العديد من الحالات. فإصدار القرارات "عمال علي بطال" يؤدي إلي مزيد من التخبط، سيطرة لبيروقراطية، وإطلاق العنان لتفسيرات غير منطقية. فالأهم والأولي هو التطوير المؤسسي، وتفعيل النصوص القائمة والتخلص أو التقليل التدريجي من كل ما هو غير ضروري ولوزارة التجارة والصناعة تجربة لا بأس بها في هذا الشأن، وإن لم تكتمل بعد، حينما صدر قرار بإلغاء جميع القرارات التي لم تعد ذات محل، أو تتعارض مع ما صدر حديثا، أو تخالف توجهات الوزارة الاستراتيجية، وهذا لا ينفي أنه هناك مشاكل الا يمكن مواجهتها لا بقرارات ولوائح بل وتشريعات جديدة، ولكل الحل ليس بالضرورة كل مرة في إصدار قرار أو قانون جديد.
وأما الظاهرة الثانية، وهي ظاهرة القرارات واللوائح نصف التشطيب، فإنه لا يخفي علي كثير من رجالات القانون، أنه بمجرد مطالعة بعض القرارات واللوائح الصادرة مؤخرا يستشعر المتخصص وغير المتخصص بالقدر الكبير من "العجلة" و"السريعة" التي أصابت صانعي ومصدري هذه القرارات واللوائح، فصدرت غير مكتملة الملامح والشخصية، وكأن ثقافة النصف التشطيب التي انتشرت في مجال التنمية العقارية قد انطبعت علي لوائحنا وقراراتنا التنفيذية، فجاءت في بعضها متبسرة، وفي البعض الآخر متناقضة. فالحاجة إلي التطوير وثبات أن هناك تحريكا للمياه الراكدة، تدعو أحيانا إلي الاستسهال من خلال إصدار قرارات، وللأسف الشديد، فإن من هذه اللوائح تخرج مبتسرة غير مدروسة مفتقرة لأبسط قواعد الصياغة، فتصدر ركيكة الصياغة ضعيفة المضمون.
وأما الظاهرة الثالثة، وهي أخطر هذه الظواهر، وهو تعارض الغايات والمقاصد من هذه القرارات مع ظاهرة نصوص هذه القرارات واللوائح. فيتضح انقطاع الصلة بين واضعي السياسات من ناحية، والقائمين علي صياغة هذه السياسات في قوالب لائحية تنظيمية كانت أو تنفيذية من ناحية أخري. ولا يصلح في بعض الأحيان أية تفسيرات أو منهج غائي يعمل علي تفعيل المعاني والمقاصد من هذه النصوص إزاء عوارها وتناقضها البين.
ولعله من الأمور الملفتة للانتباه، ظاهرة أخري تتمثل في تعدد الجهات الاستشارية في مجال إعداد القرارات واللوائح التنفيذية ومشروعات القوانين. فلدينا قسم التشريع بوزارة العدل، وقسم الفتوي والتشريع بمجلس الدولة ولهما خبرة كبيرة، وحصن لا يهين من الخبرة والدقة، إضافة إلي وزارة الدولة للشئون القانونية والمجالس البرلمانية، كما أنشئت لجنة عليا للتشريعات الاقتصادية ـ اختفت في ظروف غامضة ـ ناهيك عن لجان متعددة بكل وزارة علي حدة وما تتضمنه كذلك كل وزارة أو هيئة من جيش من المستشارين وأحيانا تعمل أكثر من جهة علي مشروع مختلف متصل بذات الموضوع والأمثلة عديدة، والنتيجة تشتت الجهود، ناهيك عن غياب استراتيجية موحدة بشأن السياسات التشريعية والقانونية، وتوهان أصحاب القدرة ونري التخصص في تيه ودواليب العمل داخل هذه الجهات. والمحصلة صفر في غير القليل من الحالات.
وإلي جانب ما تقدم، وطالما أننا نتحدث عن الجوانب القانونية للوائح والقرارات التنفيذية، فإن لي بعض الملاحظات عن التعليم والتدريب القانوني بشكل عام في مصر وكذلك بعض الملاحظات المرتبطة ببعض الممارسات المرتبطة بالعمل القانوني والحقوقي. فالمسألة تبدأ من التعليم القانوني ومناهج العلوم القانونية في جامعاتنا، اذ صارت العبرة بالكم لا بالكيف، ناهيك عن ابتعاد هذه العلوم عن الواقع العملي فيتخرج الطالب مفتقرا إلي الأساسيات والآليات الأساسية بما فيها البحث القانوني، والمنطلق التحليلي، والقدرة علي حل المشكلات بشكل منهجي ويجب ألا ننسي أن هؤلاء الخريجين هم نواة النخب القانونية فكيف يتوقع منهم خيرا اذا كانت بنيتهم الاساسية غير متينة.
ومن ناحية ثانية، علينا أن نعترف بغياب التعليم القانوني المستمر والتدريب المنظم عن جميع مؤسساتنا القانونية، سواء مكاتب المحاماة أو الوزارات المعنية، أو حتي نقابة المحامين، بل وفي ظل المعاهد القضائية بالرغم من المجهودات الكبيرة التي تبذل في هذا الشأن فلا يعقل ولم يعد من المقبول ألا يرتبط الترقي بحد أدني من التدريب الجدي وحضور الدورات المتخصصة لجميع المشتغلين بالعمل القانوني دون استثناء كما أن العديد من المراكز التدريبية داخل الجامعات صارت من قبيل باب الوجاهة الاجتماعية، والمحصلة ضعيفة.
هذا جانب ضئيل من المشكلة وليس كل جوانبها، ويحتاج الموضوع منا إلي تحليل أكبر قد لا تسمح به المساحة المخصصة للنشر. ولذا اختم هذه المقال ببعض التوصيات لعل يكون لها صدي، وذلك بإيجاز علي النحو التالي:
1ـ
ضرورة اتخاذ خطوات جادة، والبدء في مؤتمر عملي مستمر يضم كل النخب القانونية في
مصر لاعادة النظر في المناهج العلمية الحالية داخل كليات الحقوق ووضع استراتيجية
عامة، وأهداف واضحة للسنوات العشر القادمة، والتخلص من النظم العقيمة المطبقة
حاليا، والعمل علي الاهتمام بالكيف لا بالكم.
2- احياء برامج ومعاهد التدريب المتخصصة داخل نقابة المحامين العامة، والنقابات الفرعية، بحيث يكون لهذه المعاهد دور حقيقي وفاعل في التدريب المستمر لابناء المهنة.
3- إنشاء لجنة وطنية دائمة علي نسق ما هو متبع في الدول المتقدمة تضطلع بوضع برامج واستراتيجيات عامة وأسس لفن التشريع والربط مع جميع الوزارات والهيئات المعنية، ويكون لهذه اللجنة لجان فرعية تضم أفضل العناصر وأكثرها خبرة في مجال التخصص مع توفير سكرتارية فنية وإدارية دائمة. ولا تعني هذه اللجنة الغاء أدوار الجهات والوزارات المعنية، ولكنها تكون المحطة الاخيرة للتنسيق ولتوفير الجهد والتحقيق من استيفاء سياسة واستراتيجية عامة بما في ذلك التدريب علي صياغة اللوائح والقرارات ومشروعات القوانين.