والمشروع المذكور يستهدف إلغاء بعض الإعفاءات الضريبية الحالية، وتوسيع حصيلة الضريبة من خلال التوسع في الوعاء الضريبي. كما يسعى المشروع إلى تكرار المحاولة لتشجيع القطاع غير الرسمي لتقديم إقرارات ضريبية، ومن ثم إخضاع هذا القطاع للضريبة. وتضمن التعديل المقترح زيادة متواضعة في حد الإعفاء للعاملين بالدولة. ولنا في إطار تقييم هذا المشروع بعض الملاحظات.
أول ما يلفت النظر في هذا المشروع، هو أنه استمرار لذات النهج الخاص بإصدار "تشريعات نصف تشطيب" فتستشعر كرجل قانون منذ القراءة الأولى، أن المشروع قد تم وضعه على عجل، ولمواجهة أزمة مادون رؤية شاملة أو فلسفة تشريعية واضحة، ودون هدف اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي واضح. فجاء مشروع التعديل مبتسراً غير واضح المعالم والأهداف.
وللأسف الشديد، لا يقدم المشروع، ولا مذكرة الحكومة إجابات شافية على أسئلة محددة. ما هي الحصيلة المتوقعة للضريبة من مشروع القانون المقترح؟ ما هي الآثار الاجتماعية، ودور المشروع في تحقيق العدالة الاجتماعية، وكم عدد المستفيدين من رفع حد الإعفاء؟ هل لهذا المشروع أية آثار إيجابية مستهدفة لتشجيع الاستثمار المحلي أو الأجنبي؟ لا أعتقد أن أي من هذه الأسئلة له إجابة محددة عند الحكومة، لا يجوز يا سادة إصدار أي تشريع اقتصادي قبل دراسة متأنية لجدواه الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ودون تحديد واضح لأهدافه، فالقانون – أي قانون – ليس هدفاً في ذاته وإنما هو آلية لتحقيق أهداف اجتماعية، ورؤية اقتصادية واضحة، أو هكذا يجب أن يكون.
وقد تضمن المشروع في طياته بعض المتناقضات، إذ أبقى على حد الإعفاء للعاملين في القطاع الخاص 5000 جنيه كما هو دون تغيير. والسؤال هل يعقل أن يكون حد الإعفاء الضريبي أقل من الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة سواء للعاملين في القطاع الخاص أو الحكومة!! فحد الإعفاء الضريبي جاء أقل من الحد الأدنى للأجر، وهو حد الكفاف بأقل من 50% فهل من العدالة الاجتماعية وحسن السياسة التشريعية أن يقتطع من الحد الأدنى للأجر (700 جنيه شهرياً) 20% ضريبة على الدخل!! المطلوب إعادة النظر في الحد الأدنى للإعفاء ورفعه عن الحد الأدنى للدخل المستهدف وهو 1200 جنيه شهرياً. كما أن الحد الأدنى للإعفاء يشهد تفاوتاً غير مقبولاً بين العاملين بالقطاع الخاص، والعاملين في الجهاز الحكومي، ففي حين أن الإعفاء للعاملين بالقطاع الخاص 5000 جنيه، فإنه حوالي 9000 جنيه للعاملين بالجهاز الحكومي. وهو ما يشوب القانون بعدم الدستورية لإخلاله بمبدأ المساواة، كما أن هذه المعاملة الضريبية تتعارض مع الأهداف الاقتصادية للدولة، والتي تستوجب التشجيع على التوظيف في القطاع الخاص، وليس العكس. وهنا يجب التأكيد مرة أخرى على ضرورة إزالة هذا التشوه بحيث يكون حد الإعفاء على قدم المساواة بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص والعام فهم شركاء في المعاناة والهم العام.
هناك اتجاه عام على ضرورة النظر في تطبيق ضريبة تصاعدية، وهو ما حدث بالفعل بزيادة سعر الضريبة على أرباح الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين إلى 25% إذا زادت الأرباح عن عشرة ملايين جنيه. ولكن لم يكن مفهوماً تطبيق سعر 22% على من تزيد أرباحهم عن مليون جنيه وتقل عن عشرة ملايين. فهل هذا السعر يعبر عن رؤية واضحة، وهل لهذه الضريبة أثر فعال في زيادة حصيلة الضرائب، وهل لتعدد سعر الضريبة في هذه المرحلة في ظل ضعف الجهاز الإداري عودة مرة أخرى لتعقد مشكلات الفحص والإقرارات والتحصيل في ظل واقع أننا من أكثر دول العالم تهرباً من أداء الضريبة، ألم يكن من الأفضل التمهل في هذا الخصوص لحين انتخاب سلطة تشريعية، وتبني مشروعاً متكاملاً واضح المعالم والأعباء الاجتماعية والاقتصادية بشأن الضريبة التصاعدية، أو رفع سعر الضريبة الموحدة.
وحتى نكون منصفين، فإن للمشروع بعض الإيجابيات، ويلبي بعض الإجراءات العاجلة الواجبة لمواجهة العجز في الموازنة. فالاقتراح بفرض ضريبة مقطوعة قدرها 10% على الأرباح التي يحققها الأشخاص الطبيعيون أو الاعتباريين من طرح للأوراق المالية لأول مرة في السوق الثانوي أي سوق التداول، أي البيع للجمهور أو لأشخاص محددين في البورصة لأول مرة أمر عادل ويتفق مع السياسات الضريبية المتبعة في معظم التشريعات المقارنة. وينطبق ذات الأمر على صفقات الاستحواذ على الشركات المقيدة بالبورصة متى تجاوز شراء ثلث رأس المال أو حقوق التصويت في هذه الشركات، فقد أخضع المشروع الأرباح الناشئة عن هذا البيع لضريبة مقطوعة قدرها 10%، وهو أمر بدوره عادل ويتفق مع التشريعات المقارنة.
وقد أبقى المشروع على الإعفاء الضريبي المقرر للمتعاملين في سوق الأوراق المالية على ناتج تعاملهم في الأوراق المالية المقيدة بالبورصة في غير عمليات الاستحواذ والطرح في البورصة لأول مر. وهو أمر نؤيده لأن فرض ضريبة على تعاملات البورصة في هذا التوقيت يعني توجيه الضربة القاضية للبورصة المصرية حيث يشهد التداول فيها أدنى معدلاته منذ ما يزيد عن عشر سنوات.
هذا، وقد حاول مشروع القانون المقترح – وحسناً فعل – إعادة محاولة تشجيع القطاع الاقتصادي غير الرسمي، ويشمل الورش الصناعية والمحلات التجارية الصغيرة، وغيرها للاندماج في اقتصاد الدولة، وإخضاعها للنظام الضريبي من خلال إعفائها عن الفترات الضريبية السابقة على تاريخ العمل بمشروع القانون أياً كان عدد هذه الفترات الضريبية وما يرتبط بتلك الضرائب من مقابل تأخير وغرامات وضريبة إضافية وغيره بشرط ألا يكون الشخص قد سبق تسجيله أو تقديمه لإقرار ضريبي أو خضع لأي شكل من أشكال المراجعة الضريبية، وأن يتقدم بطلب التسجيل وفتح ملف ضريبي خلال أثنى عشر شهراً من تاريخ صدور القانون. ومع ذلك، فإنه يجب أن نؤكد على أن هذا الإجراء وحده غير كاف لتشجيع القطاع غير الرسمي علي الاندماج في اقتصاد الدولة، بل يجب على الحكومة اتخاذ حزمة إضافية من الإجراءات لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتأهيلها للاندماج في الاقتصاد الوطني.
أرجو مخلصاً أن تعيد الحكومة النظر في بعض ما تضمنه المشروع خاصة ما يتعلق بالحد الأدنى للإعفاء، على أن تستمر الجهود لتطوير ورفع كفاءة الجهاز الضريبي، وأن تستمر الدراسة الجادة بشأن إعادة النظر في قانون الضرائب والمنظومة الضريبية برمتها في مصر، ولكن من خلال رؤية وأهداف سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة بعد مناقشات مستفيضة ودراسات كافية، ففرض تشريعات نصف تشطيب مدفوعة بسياسات ردود الأفعال والانفصال عن المجتمع لا تؤدي إلى النتائج المرجوة، بل تكون حصيلتها دائماً سلبية، وعلى عكس ما يسعى إليه المشرع.