الاثنين، 24 ديسمبر 2012

المقومات الاقتصادية في الدستور المصري الجديد تحتاج إلى تعديل فوري!!

مجلة السياسى - 24/12/2012


تم التصويت على دستور مصر الجديد، وتم وضع مصر كلها أمام الأمر الواقع. وأقولها بعيداً عن أية مؤثرات سياسية، فإن دستورنا الجديد معيب، ومقوماته الاقتصادية لا تصلح لدفع مصر إلى المستقبل وإنما تشده إلى الخلف. وعلينا أن نبدأ من الآن في تعديله!! واستكمال بناء دستور صدر نصف تشطيب.

ومن أولى المواد المتعلقة بالاقتصاد، وتحتاج إلى علاج هي المادة (14). فالمادة المذكورة تربط الأجر بالإنتاج، وهو أمر لا بأس منه، ولكن تستوجب العدالة الاجتماعية ربط الأجر والحد الأدنى له كذلك بمعدلات التضخم وقد أكد المشرع الدستوري على وضع حد أدنى للأجر، وكان الأولى به التزام الدولة بحد أدنى للدخل أسوة بالدستور الألماني. فالمحافظة على كرامة الإنسان المصري وخاصة غير القادرين على العمل تستوجب التزام الدولة بضمان حد أدنى لدخلهم لتحقيق حد أدنى من الحياة الآدمية لأبناء هذا الوطن خاصة أن أكثر من 10 مليون مصري يقل دخلهم عن 250 جنيه شهرياً!!! فأولى مبادئ الاقتصاد الحر الاجتماعي هو التدخل المحدود للدولة في علاقات العمل مقابل تنظيم دورها للحد من الفقر وضمانة عدالة علاقات العمل وصحتها وتقوية مجتمعات العمل وقدراتهم الفنية والتفاوضية.  

ومن الأمور التي يتضمنها الدستور الجديد، وتتعارض مع أبسط المفاهيم الاقتصادية، هو ما جاء في المادة (24) والتي تنص على حماية الملكية الخاصة دون "احتكار"، والمادة في ظاهرها تبدو لغير المتخصص واضحة وعادلة، ولكنها تبدو مادة مضحكة للمتخصصين إذ إن ما تحظره كافة قوانين العالم دون استثناء هو الممارسات الاحتكارية غير المشروعة وليس الاحتكار ذاته، فالاحتكار يعني السيطرة على السوق بشكل معين كأن تقوم شركة بإنتاج دواء معين لا تنتجه غيرها، فشركة فايزر للأدوية شركة محتكرة، وشركة مايكروسوفت العالمية شركة محتكرة، والشركة المنتجة لـ "بامبرز" ولا مؤاخذة شركة محتكرة فالدستور المصري يحظر هذه الشركات!!، وتعد شركات توزيع الكهرباء الحكومية محتكرة، والشركة المصرية للاتصالات محتكرة، كما أن أبسط مبادئ الاقتصاد الاجتماعي هو حرية المنافسة بين الشركات الخاصة والعامة على حد سواء لتحقيق أفضل خدمة وأرخص سعر للمستهلك، فلا يجوز الترخيص بالاحتكار للشركات العامة ما لم يكن ذلك لمقتضيات الأمن القومي أخذاً في الاعتبار أن القطاع الخاص بشقيه الرسمي وغير الرسمي يوظف حوالي 14 مليون مصري في حين يوظف القطاع العام حوالي 5,6 مليون مصري ما هذا العبث؟

ومن عجائب الدستور الجديد في المادة (27) منه أنه في الوقت الذي عانى قطاع الأعمال العام من الفساد الإداري والمالي، وعانى من سوء الإدارة وعدم الفصل بين الملكية والإدارة جاء لينص على ألا يقل تمثيل العمال في مجالس الإدارة عن 50% من مجالس إدارة وحدات القطاع العام. وناهيك عن التسمية الخاطئة إذ لم يعد مصطلح القطاع العام مستخدماً إلا فيما ندر، فإن المشرع الدستوري نص على تمثيل العمال بما لا يقل عن 50% من هذه الشركات، فصار الواقع العملي أن تشكل مجالس الإدارة من العمال وموظفي الحكومة دون اعتبار للكفاءات الفنية. وهو ذات الوضع القائم قبل ثورة (25) يناير وأدى ضمن عوامل أخرى إلى انهيار القطاع العام الاقتصادي فليس من المفهوم ماذا يريد المشرع الدستوري من هذا النص، فلو كان يريد حماية حقوق العمال فإنه كان الأولى به دعم إنشاء النقابات المستقلة بدلاً من تقييدها، وكان عليه دعم آليات المفاوضات الجماعية وتمكين العمال من حماية حقوقهم. إن الإدارة لها فن وأصول فجاء الدستور الجديد ليزيد من أوجاع قطاع الأعمال وسوء الإدارة.

ونأتي إلى المادة (121) والتي تقضي بعدم الارتباط بمشروع يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة إلا بعد موافقة مجلس النواب. فخطورة هذه المادة أنها تستلزم موافقة مجلس النواب على أي مشروع مهما بلغت قيمته، وحتى لو كان ضمن خطة الدولة، والموازنة، وحتى ولو كان إنشاء المشروع بناءً على قانون. فضمان وزارة المالية لالتزام وزارة الصحة بإنشاء مستشفى تعليمي يقتضي موافقة مجلس النواب على إنشاء المستشفى، وهكذا بالنسبة للمدارس والطرق والكباري ومحطات الكهرباء والمياه. هل يندرج ذلك ضمن الرقابة على السلطة التنفيذية أم أنه يحل مجلس النواب محل الحكومة. وحتى لا أتهم بإثارة المشاكل، فإنني أضرب لكم مثلاً عملياً شاهدته خلال الأسبوع الماضي، فبعد التصويت على الدستور في المرحلة الأولى توقفت كافة البنوك عن تمويل مشروع إنشاء وتطوير مستشفى تعليمي، يستوجب قيام طيه وزارة المالية قيام وزارة الصحة بأداء التزاماتها المالية بضمان حيث اشترطت البنوك في ظل المادة (121) موافقة البرلمان على المشروع، هل نحن مع التنمية أم مع التعطيل، هل لكم أن تتخيلوا كيف يمكن أن يؤثر ذلك سلباً على إنشاء المشروعات وخاصة ما يتعلق بالصحة والتعليم ومرافق البنية الأساسية وهل من مقتضيات الرقابة الموافقة على مشروع بمشروع أياً كان حجمه وقيمته حتى ولو كان متضمناً في الموازنة العامة للدولة، وصدر بناءً على قانون وفي حدود صلاحيات الحكومة.

وأخيراً فإن المبادئ الاقتصادية الخاصة بالزراعة والتنمية والصناعة واستغلال الموارد الطبيعية جاءت أقوالاً مرسلة وعبارات خاوية لا يمكن أن تصلح لكي تكون مقومات اقتصادية لبناء مصر الحديثة.


أياً ما كان الأمر، فإن دستور مصر الجديد جاء مخيباً للآمال وطموحات مصر الحديثة، فلا شك عندي أن ذلك الدستور المعيب ولد هزيلاً مصاباً بأمراض عضال تحول دون استمراره فتياً قادراً على حمل آمال هذه الأمة. وبعيداً عن الدستور، فإن الأشهر القليلة القادمة تحمل تحديات اقتصادية ومخاطر مالية جسيمة محيقة بجسد الوطن العليل فيكفي أن الاحتياطي من النقد الأجنبي لا يكفي لمواجهة شراء احتياجات مصر من السلع الأساسية لمدة تزيد عن 3 أشهر، وهو ما يهدد بكارثة اجتماعية، فلو لم نتفق على تكوين حكومة كفاءات وطنية تضم أفضل ما في الوطن من عقول بغض النظر عن ميولهم السياسية، فإن شرور الانهيار الاقتصادي ستلحق بالجميع ولن تفرق بين أبناء الوطن الواحد .... أفلا تعقلون.

الجمعة، 7 ديسمبر 2012

دستور نصف تشطيب

المصري اليوم  - 6/12/2012

شهد العالم أخطر عملية سطو على الحريات تعرض لها الشعب المصرى بعد ثورة ٢٥ يناير العظيمة. ففى خلال أيام قليلة متعاقبة وثقيلة على شعبنا العظيم، تم إصدار إعلان دستورى- وهو ليس بكذلك- مكبل للحريات يعصف بالسلطة القضائية، ويحصن قرارات رئيس الجمهورية بأثر رجعى ضد أى طعون قضائية، ويغل يد القضاء عن الفصل فى أى قضايا منظورة أمامه تتعلق بقرارات رئيس الجمهورية أياً كانت طبيعة هذه القرارات، فأراد مستشارو السوء بهذا القرار تنصيب رئيس دولة بدرجة ديكتاتور، وبعد ذلك بدأت ماكينات الاغتيال المعنوى ضد قضاة مصر، وعلى وجه الخصوص قضاة المحكمة الدستورية العليا فنشر التيار المتطرف سمومه فى كل مكان- وللأسف- مستخدماً فى ذلك الصحف القومية والإعلام الرسمى .
وأعقب ذلك الإعلان الباطل، وعمليات الاغتيال المعنوى، والحملة المنظمة ضد القضاة، إتيان جريمة لا تغتفر فى حق هذا الشعب من خلال «سلق» دستور مصر ما بعد الثورة بواسطة الجمعية التأسيسية المطعون فى شرعيتها، فصدر فى عجالة دستور «نصف تشطيب» ملىء بالثقوب، وأوجه العوار مخيباً للآمال، موجهاً الضربة القاضية للمحكمة الدستورية العليا، وكأن رئيس الدولة فى خصومة شخصية مع السلطة القضائية .
وكأن الباعث الوحيد لدى أعضاء الجمعية ورئيسها على وصل الليل بالنهار هو إصدار مسودة الدستور المعيب قبل صباح ٢ ديسمبر، الموعد المحدد من قبل المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مشروعية الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى بعد أن تأكد لهم خيبة مستشارى الرئيس، وأنهم نصحوه بإصدار إعلان هو والعدم سواء لا يحول دون القضاء ومباشرته اختصاصاته ورقابته القضائية، فأراد واضعو الدستور الاستباق، وفرض سياسة الأمر الواقع بإصدار مسودة الدستور قبل الفصل فى القضية، وقد فاتهم كذلك أن ما بنى على باطل فهو باطل، وأن بطلان التأسيسية يعنى انعدام ما يتلوها من قرارات وآثار قانونية بما فى ذلك الدعوة إلى الاستفتاء، ولإحكام قبضتهم على المحكمة الدستورية، وللحيلولة دون إصدار حكم قضائى توجهت مجموعة من أنصار التيار المتطرف فى جنوح الظلام لمحاصرة مقر المحكمة الدستورية العليا لمنع شيوخ القضاة من أداء عملهم، مرتكبين عملاً من أعمال البلطجة السياسية، تأييداً للرئيس مناجين له بانتظار تعليماته «لتعبئة القضاة فى أشولة!»، وتم ارتكاب هذه الجريمة فى حماية الشرطة، شرطة النظام، فلم يتغير شىء بل يريدون ردة لن يرضى بها الله وشعبه .
وبعيداً عن هذه المأساة الملهاة، فإن لدى أسبابى لرفض هذا الدستور نصف التشطيب .
أرفضه لأنه لم ينبن على التوافق بل على منطق المغالبة، أرفضه لأنه لم يأخذ حقه بعد صياغته فى المناقشة والحوار الوطنى الحقيقى، وليس لجان المناقشة المزعومة، التى لا يوجد بها نقاش، أرفضه لأنه لم يحظر قيام الأحزاب على أساس دينى «م ٦»، أرفض هذا الدستور، لأنه لم يتضمن النص على حد أدنى للدخ، «وليس مجرد حق أدنى للأجر» لمن يعمل ولمن لا يستطيع أن يعمل «م ١٤». أرفض هذا الدستور، لأنه لا يفصل بين الملكية وإدارة المشروعات العامة، ويكرس لمزيد من الانهيار لمنشآت ومرافق الدولة «م ٢٥» أرفض هذا الدستور، لأن ما تضمنه من مقومات اقتصادية جاء ملتبساً يقترب من كونه برنامجاً انتخابياً بلا مضمون أو آلية للتنفيذ «م١٥-١٦» أرفض هذا الدستور، لأنه يقيد إنشاء النقابات المهنية والعمالية المستقلة، ولم يخولها رخصة الإنشاء بالإخطار، وفقاً للمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر «م ٥٢»، أرفضه لأنه لم يحظر عمل الأطفال بشكل مطلق، ولم يراع طفولتهم ويحميها بشكل كافٍ «م ٧٠» أرفضه لأنه قيد حرية الصحافة، وأبقى على عقوبة الحبس، وتهديد الصحفيين «م ٤٨» أرفضه لأنه أبقى على مجلس الشورى مجاملة لأعضاء حزبى الحرية والعدالة والنور دون أن تكون له أى صلاحيات تشريعية أو غير تشريعية واضحة، فأرهق ميزانية الدولة المتهالكة بمجلس لا طائل من ورائه «م ١٢٨-١٣١» أرفض دستوراً يطلق صلاحيات رئيس الدولة فى تعيين كل موظفى الدولة، ورؤساء الجهات الرقابية دون رابط، أرفض دستوراً لم يمنع كبار موظفى الدولة من الترشح للمجالس البرلمانية الرقابية، أرفض دستوراً أتى بما لم يأت به دستور فى التاريخ بتحديد عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وتخفيض عددهم إلى «١١»، للتخلص ممن يراهم الرئيس عقبة فى طريقه «م ١٧٦» أعترض على دستور يستهدف الحد من الآثار القانونية لحكم الدستورية العليا «م ١٧٨» أعترض على دستور جاء ليجامل أعضاء هيئة قضايا الدولة، فخلط بين دورهم ودور الإدارات القانونية بالحكومة والهيئات العامة، وكأن البيروقراطية فى مصر تحتاج إلى مزيد من التعقيد «م ١٧٩». أعترض على دستور يؤسس لانتخابات تشريعية ورئاسية دون إشراف قضائى «م ٢١٠»، أعترض على دستور يجعل آلية تغييره مماثلة لتعديل القوانين، ويجعله عرضة للتقلب والتغيير بتغير الأغلبية البرلمانية، ويكرس لعدم الاستقرار السياسى «م ٢١٨». أعترض على دستور تتناقض نصوصه مع بعضها البعض، ويدخلنا فى غياهب الخلافات الفقهية والمذاهب الشرعية دون ضابط أو رابط «م ٢٢٠» أعترض على دستور يجيز للقاضى أن يقضى بعقوبات، أو يقرر جرائم بدعوى أن الدستور أجاز تطبيق الأدلة الكلية للشريعة، وقواعدها الأصولية الفقهية مصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل الجماعة «م ٧٦» .
أرفض دستوراً يعطى الحق لبرلمانه فى تطبيق القوانين بأثر رجعى «م٢٢٣»، أرفض دستوراً يضحك على عمال مصر، فيقنعهم بأنه أبقى على حصتهم بـ٥٠٪ فى المجلس لمدة دورة برلمانية واحدة، ويأتى فى عجز المادة لكى يعتبر كل شعب مصر من مهندسين وأطباء وأساتذة جامعة من العمال «٢٣٦»!. أرفض دستوراً جاء ليقر نظاماً انتخابياً أبطلته المحكمة الدستورية العليا لإخلاله بالمساواة، ولا يهدف إلا تحقيق مصلحة فصيل سياسى بعينه «م ٢٢٩» .
أرفض إجراء استفتاء بلا رقابة قضائية، وفى إطار زمنى لا يتجاوز اثنى عشر يوماً، فكيف يتسنى للشعب مناقشته وفهمه فهماً صحيحاً، وكيف يتسنى للمصريين بالخارج التصويت على الدستور خلال تلك الفترة القصيرة؟! أرفض الاستفتاء على دستور لم يضع حداً أدنى للتوافق، ومشكوك أصلاً فى شرعية إجراءاته .
لكل هذه الأسباب أرفض الدستور نصف التشطيب، وأقاطع استفتاء شكلياً يؤدى إلى زيادة حدة الانقسام داخل بلد منقسم أصلاً على نفسه تحول فيه خلاف سياسى إلى صراع عقائدى مصطنع بفعل فاعل .


الاثنين، 19 نوفمبر 2012

تعـديلات الحكـومة المقتـرحة على قانـون الضـريبة عـلى الـدخل

مجلة السياسي - 19/11/2012

وافق مجلس الوزراء المصري بجلسته المنعقدة يوم الأربعاء 7 نوفمبر على مشروع مرسوم بقانون لتعديل قانون الضريبة على الدخل، القانون رقم (91) لسنة 2005.

والمشروع المذكور يستهدف إلغاء بعض الإعفاءات الضريبية الحالية، وتوسيع حصيلة الضريبة من خلال التوسع في الوعاء الضريبي. كما يسعى المشروع إلى تكرار المحاولة لتشجيع القطاع غير الرسمي لتقديم إقرارات ضريبية، ومن ثم إخضاع هذا القطاع للضريبة. وتضمن التعديل المقترح زيادة متواضعة في حد الإعفاء للعاملين بالدولة. ولنا في إطار تقييم هذا المشروع بعض الملاحظات.


أول ما يلفت النظر في هذا المشروع، هو أنه استمرار لذات النهج الخاص بإصدار "تشريعات نصف تشطيب" فتستشعر كرجل قانون منذ القراءة الأولى، أن المشروع قد تم وضعه على عجل، ولمواجهة أزمة مادون رؤية شاملة أو فلسفة تشريعية واضحة، ودون هدف اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي واضح. فجاء مشروع التعديل مبتسراً غير واضح المعالم والأهداف.


وللأسف الشديد، لا يقدم المشروع، ولا مذكرة الحكومة إجابات شافية على أسئلة محددة. ما هي الحصيلة المتوقعة للضريبة من مشروع القانون المقترح؟ ما هي الآثار الاجتماعية، ودور المشروع في تحقيق العدالة الاجتماعية، وكم عدد المستفيدين من رفع حد الإعفاء؟ هل لهذا المشروع أية آثار إيجابية مستهدفة لتشجيع الاستثمار المحلي أو الأجنبي؟ لا أعتقد أن أي من هذه الأسئلة له إجابة محددة عند الحكومة، لا يجوز يا سادة إصدار أي تشريع اقتصادي قبل دراسة متأنية لجدواه الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ودون تحديد واضح لأهدافه، فالقانون – أي قانون – ليس هدفاً في ذاته وإنما هو آلية لتحقيق أهداف اجتماعية، ورؤية اقتصادية واضحة، أو هكذا يجب أن يكون.


وقد تضمن المشروع في طياته بعض المتناقضات، إذ أبقى على حد الإعفاء للعاملين في القطاع الخاص 5000 جنيه كما هو دون تغيير. والسؤال هل يعقل أن يكون حد الإعفاء الضريبي أقل من الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة سواء للعاملين في القطاع الخاص أو الحكومة!! فحد الإعفاء الضريبي جاء أقل من الحد الأدنى للأجر، وهو حد الكفاف بأقل من 50% فهل من العدالة الاجتماعية وحسن السياسة التشريعية أن يقتطع من الحد الأدنى للأجر (700 جنيه شهرياً) 20% ضريبة على الدخل!! المطلوب إعادة النظر في الحد الأدنى للإعفاء ورفعه عن الحد الأدنى للدخل المستهدف وهو 1200 جنيه شهرياً. كما أن الحد الأدنى للإعفاء يشهد تفاوتاً غير مقبولاً بين العاملين بالقطاع الخاص، والعاملين في الجهاز الحكومي، ففي حين أن الإعفاء للعاملين بالقطاع الخاص 5000 جنيه، فإنه حوالي 9000 جنيه للعاملين بالجهاز الحكومي. وهو ما يشوب القانون بعدم الدستورية لإخلاله بمبدأ المساواة، كما أن هذه المعاملة الضريبية تتعارض مع الأهداف الاقتصادية للدولة، والتي تستوجب التشجيع على التوظيف في القطاع الخاص، وليس العكس. وهنا يجب التأكيد مرة أخرى على ضرورة إزالة هذا التشوه بحيث يكون حد الإعفاء على قدم المساواة بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص والعام فهم شركاء في المعاناة والهم العام.


هناك اتجاه عام على ضرورة النظر في تطبيق ضريبة تصاعدية، وهو ما حدث بالفعل بزيادة سعر الضريبة على أرباح الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين إلى 25% إذا زادت الأرباح عن عشرة ملايين جنيه. ولكن لم يكن مفهوماً تطبيق سعر 22% على من تزيد أرباحهم عن مليون جنيه وتقل عن عشرة ملايين. فهل هذا السعر يعبر عن رؤية واضحة، وهل لهذه الضريبة أثر فعال في زيادة حصيلة الضرائب، وهل لتعدد سعر الضريبة في هذه المرحلة في ظل ضعف الجهاز الإداري عودة مرة أخرى لتعقد مشكلات الفحص والإقرارات والتحصيل في ظل واقع أننا من أكثر دول العالم تهرباً من أداء الضريبة، ألم يكن من الأفضل التمهل في هذا الخصوص لحين انتخاب سلطة تشريعية، وتبني مشروعاً متكاملاً واضح المعالم والأعباء الاجتماعية والاقتصادية بشأن الضريبة التصاعدية، أو رفع سعر الضريبة الموحدة.


وحتى نكون منصفين، فإن للمشروع بعض الإيجابيات، ويلبي بعض الإجراءات العاجلة الواجبة لمواجهة العجز في الموازنة. فالاقتراح بفرض ضريبة مقطوعة قدرها 10% على الأرباح التي يحققها الأشخاص الطبيعيون أو الاعتباريين من طرح للأوراق المالية لأول مرة في السوق الثانوي أي سوق التداول، أي البيع للجمهور أو لأشخاص محددين في البورصة لأول مرة أمر عادل ويتفق مع السياسات الضريبية المتبعة في معظم التشريعات المقارنة. وينطبق ذات الأمر على صفقات الاستحواذ على الشركات المقيدة بالبورصة متى تجاوز شراء ثلث رأس المال أو حقوق التصويت في هذه الشركات، فقد أخضع المشروع الأرباح الناشئة عن هذا البيع لضريبة مقطوعة قدرها 10%، وهو أمر بدوره  عادل ويتفق مع التشريعات المقارنة.


وقد أبقى المشروع على الإعفاء الضريبي المقرر للمتعاملين في سوق الأوراق المالية على ناتج تعاملهم في الأوراق المالية المقيدة بالبورصة في غير عمليات الاستحواذ والطرح في البورصة لأول مر. وهو أمر نؤيده لأن فرض ضريبة على تعاملات البورصة  في هذا التوقيت يعني توجيه الضربة القاضية للبورصة المصرية حيث يشهد التداول فيها أدنى معدلاته منذ ما يزيد عن عشر سنوات.


هذا، وقد حاول مشروع القانون المقترح – وحسناً فعل – إعادة محاولة تشجيع القطاع الاقتصادي غير الرسمي، ويشمل الورش الصناعية والمحلات التجارية الصغيرة، وغيرها للاندماج في اقتصاد الدولة، وإخضاعها للنظام الضريبي من خلال إعفائها عن الفترات الضريبية السابقة على تاريخ العمل بمشروع القانون أياً كان عدد هذه الفترات الضريبية وما يرتبط بتلك الضرائب من مقابل تأخير وغرامات وضريبة إضافية وغيره بشرط ألا يكون الشخص قد سبق تسجيله أو تقديمه لإقرار ضريبي أو خضع لأي شكل من أشكال المراجعة الضريبية، وأن يتقدم بطلب التسجيل وفتح ملف ضريبي خلال أثنى عشر شهراً من تاريخ صدور القانون. ومع ذلك، فإنه يجب أن نؤكد على أن هذا الإجراء وحده غير كاف لتشجيع القطاع غير الرسمي علي الاندماج في اقتصاد الدولة، بل يجب على الحكومة اتخاذ حزمة إضافية من الإجراءات لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتأهيلها للاندماج في الاقتصاد الوطني.


أرجو مخلصاً أن تعيد الحكومة النظر في بعض ما تضمنه المشروع خاصة ما يتعلق بالحد الأدنى للإعفاء، على أن تستمر الجهود لتطوير ورفع كفاءة الجهاز الضريبي، وأن تستمر الدراسة الجادة بشأن إعادة النظر في قانون الضرائب والمنظومة الضريبية برمتها في مصر، ولكن من خلال رؤية وأهداف سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة بعد مناقشات مستفيضة ودراسات كافية، ففرض تشريعات نصف تشطيب مدفوعة بسياسات ردود الأفعال والانفصال عن المجتمع لا تؤدي إلى النتائج المرجوة، بل تكون حصيلتها دائماً سلبية، وعلى عكس ما يسعى إليه المشرع.



الأحد، 21 أكتوبر 2012

رؤية اقتصادية لأزمة النائب العام

مجلة السياسى - 21/10/2012

أقال رئيس الجمهورية النائب العام، أو عينه سفيراً بالفاتيكان أثر صدور حكم ببراءة جميع المتهمين في موقعة الجمل---، أعلن النائب العام رفضه للتخلي عن منصبة ---- أعلن النائب العام رفضه للتهديدات التي بلغته من المستشار/ مكي وزير العدل، ومن المستشار، الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية، ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان --- الدكتور/ العريان والدكتور/ البلتاجي القياديان بحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الأخوان المسلمين يهاجمان النائب العام --- مظاهرات من أعضاء ومؤيدي حزب الحرية والعدالة لتأييد قرار الإقالة --- نادي القضاة ورجالات القضاء، ونقابة المحامين يعلنون دعمهم للنائب العام --- أعضاء المجلس الأعلى للقضاء يلتقون برئيس الجمهورية، ويتم الاتفاق على بقاء النائب العام في منصبة --- نائب رئيس الجمهورية المرتبك يعلن في مؤتمر صحفي انتهاء أزمة النائب العام --- ويعلن النائب العام في مؤتمر صحفي موازٍ بقائه في منصبه. هذه هي أهم ملامح ما حدث الأسبوع الماضي.
وبعيداً عن التحليل القانوني والسياسي لهذه الأزمة، فإن هناك بعض الدلالات والآثار اللازمة على وضع الاستثمار في مصر. ومن أبرز الدلالات، أن مؤسسة الرئاسة من الناحية التنظيمية في غاية الضعف، فصدرت تصريحات نائب الرئيس، والمتحدث الرسمي للرئاسة، ومدير مكتب الرئيس جميعاً متعارضة. كما بدا الموقف يعاني من تدخلات العديد من الأطراف بمن فيهم المستشار القانوني للرئيس، ووزير العدل والمستشار الغرياني، ناهيك عن تدخلات وتصريحات بعض القيادات من الأخوان المسلمين. فالمشهد برمته ينم عن أن الإطار المؤسسي والتنظيمي لمؤسسة الرئاسة يعاني من الضعف، وعدم وضوح الاختصاصات وتضاربها، وغياب دور رئيس الجهاز الرئاسي Chief Of Staff وهو ما يعني غياب المسئولية، وعجز الجهاز الرئاسي عن التحرك السليم والمدروس لمواجهة الأزمات. فالمؤسسة الرئاسية – في رأيي – تحتاج وبسرعة إلى إعادة هيكلة، وتنظيم حقيقي، وتفعيل لدور المستشارين بشكل مؤسسي وليس فردي، وإلا ستكون النتيجة عدم قدرة المؤسسة الرئاسية على التحرك السليم، ولا القدرة على إدارة الأزمات، فتعدد المستشار والضعف الواضح للكفاءة الفنية، ونقص الخبرة الإدارية والسياسية للعديد منهم، وضعف دور الرئيس التنفيذي للجهاز الرئاسي سيؤدي إلى كارثة، وخلق جزر منعزلة، وإحراج الرئيس والتنصل من المسئولية.
وبعيداً عن مؤسسة الرئاسة، فإن دور رئيس مجلس الوزراء السياسي بدا في غاية الضعف، وانحصر في محاولته دعوة النائب على "فنجان قهوة" في مكتبه، وبرر رئيس الوزراء رفض النائب العام دعوة رئيس الوزراء بأنه "يبدو أن النائب العام لديه بن في منزله"!! هذا ما نسب إلى السيد رئيس مجلس الوزراء أثناء الأزمة. فهنا أيضاً بدا لي أن الدور السياسي لرئيس مجلس الوزراء هامش وغير مؤثر --- وهو أمر ينذر بالخطورة في بلد تسيطر عليها الأزمات الفئوية والسياسية، فالدور السياسي الضعيف للحكومة يزيد من هموم الحكم ومن التفكك السياسي والإداري، ونصيحة خالصة يجب بناء إدارة فنية عالية المستوى وفاعلة تكون جزءً لا يتجزأ من هيئة مكتب رئيس مجلس الوزراء فيكون له مكتبين سياسي واقتصادي مقربين يعيناه على إدارة الأزمات، والقدرة على التحليل والتواصل مع أصحاب المشكلات والمصالح المشروعة. وقد أبانت كذلك أزمة النائب العام عن استمرار حالة الميوعة والسيولة داخل مؤسسات الدولة والتداخل بين المؤسسات المختلفة مما يؤدي إلى توهان المسائل.
وقد أبانت هذه الأزمة عن أمر في غاية الخطورة، هو أننا لم نعترف بالشرعية الثورية، لا نريد أن نحترم الشرعية القانونية، فاحترام الثورة، وتحقيق أهدافها لن يتم إلا من خلال إحترام القانون وإحترام استقلالية القضاء والمواجهة الحاسمة للفساد.
فإهدار استقلالية القضاء ومحاولة عزل النائب العام مهما إختلفنا على شخصه وعلى أدائه أمر يجب مواجهته بحسم. والمشكلة في رأيي أن الضغط الشعبي وأحياناً الرئاسي على النائب العام لتوجيه الإتهامات لمن أفسدوا الحياة السياسية في مصر دون وجود إطار قانوني وتشريعي يتيح ذلك أدى إلى عشوائية في توجيه الاتهامات دون أدلة وبشكل متسرع أحياناً. وبالزج بمتهمين في قضايا ذات طابع إقتصادي ولكن بنكهة سياسية، وهو أمر يسأل عنه النائب العام، فبدأ يحدث نوع من "تسييس" للقانون الجنائي وبدت النيابة العامة في بعض القضايا تدافع عن نفسها وليس عن المجتمع. وهذا أخطر مصير تواجهه العدالة الآن في مصر، وأدعى أنه أخطر ما يواجه مناخ الاستثمار في مصر.
فحالة الإحباط الشعبي والسياسي لدى أهل الشهداء، والثوار وجموع المصريين أدت – وعلينا أن نعترف بشجاعة – إلى إحالة العديد من القضايا إلى المحاكم دون أدلة، وتم إستخدام بعض المتهمين كأكباش فداء وقرابين ، ولا ننسى أن الرئيس السابق قام بنفسه بذلك في الأيام الأولى من أحداث الثورة حين ضحى ببعض وزراء حكومته كقرابين لإسكات صوت الثورة، فلا يجب أن نحمل القضاء ما لا يحتمل، ولا يجب أن نحمله تهاون الأمن وتورط قياداته في إخفاء الأدلة، فالأمر برمته يحتاج إلى إعادة النظر، وتطبيق العدالة الانتقالية. فهذه مسئولية رئيس الدولة والحكومة، ولا يجوز نقل عبئها ومسئوليتها إلى القضاء.
إن استمرار حالة الميوعه والسيولة داخل مؤسسات الدولة، وخلط ما هو قانوني بما هو سياسي واستحضار روح الشرعية الثورية تاره، وروح القانون تاره أخرى حسب المزاج لمواجهة الخصوم السياسيين، وضعف الدور السياسي للحكومة ورئيسها يعني بلغة الاقتصاد والاستثمار استمرار عدم الاستقرار السياسي ومن ثم هروب الاستثمار المحلي والأجنبي في بلد في العالم يعد اقتصاده حالياً من أسواء عشر دول.



الأحد، 7 أكتوبر 2012

أين مصر الآن بين دول العالم؟

مجلة السياسي - 7/10/2012



صدر منذ أسابيع قليلة التقرير السنوي العالمى للتنافسية
(The Global Competitiveness Report)
عن المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum) لعام 2012-2013.

ويعد مؤشر التنافسية العالمي المقياس الدولي الأهم والأكثر استخداماً في مجال قياس التنافسية على مستوى دول العالم (144) دولة. 

ويضع هذا التقرير والذي امتد اصداره على مدى أكثر من ثلاثين عاماً مؤشرات متعددة لقياس مدى نمو وتقدم دول العالم، ومدى نجاح حكوماتها على تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية لشعوبها.


وقد جاء التقرير السنوي ليضرب جرس الإنذار الآخير، ويؤكد للأسف على تدهور مستوى التنمية في مصر، والتي وصل ترتيبها بين دول العالم إلى الترتيب رقم (101)، فجاء ترتيب مصر تالياً بدرجات كبيرة لدول لم تكن على خريطة العالم منذ أقل من خمسين عاماً.

 جاءت مصر في مرتبة لاحقة وبمسافة كبيرة عن اليمن!! وفيتنام والمغرب ورواندا وكمبوديا وكينيا وزامبيا وغانا ونيجريا!!!
كنت أتصور أن مثل هذا التقرير، وهو الأهم والأدق على مستوى العالم أن يسبب إزعاجاً شديداً للسيد رئيس الوزراء ومجلسى وزرائه، وأنه كان من شأنه أن يدعو رئيس الجمهورية إلى الاجتماع بمجلس الوزراء وبالمجموعة الاقتصادية لمناقشة التقرير، ووضع خطة حقيقية للنهوض بركائز الإصلاح.

وتقرير التنافسية الدولية يضع اثنى عشر معياراً أساسياً ومعايير تبعية لكل معيار أساسي لقياس القدرة التنافسية لدول العالم وقدرتها على تحقيق النمو والازدهار لشعوبها. والمعيار الأول،
هو الإطار المؤسسي في الدولة المعنية، ويعني التنظيم الإداري والقانوني الذي يعمل في إطاره الحكومة والمواطنون والمستثمرون. ويقيس مستوى الأداء الحكومي والإداري ومدى كفاءة أجهزة الدولة وقدرتها على تحقيق خطط التنمية، ويقيس هذا المعيار كذلك درجة تفشي الرشاوي والبيروقراطية والمحسوبية ومدى الالتزام بالقوانين واستقلالية القضاء ودرجات الإنفاق الحكومي. وللأسف الشديد، جاء ترتيب مصر متدنياً بين دول العالم في هذا الشأن حيث جاء ترتيبنا الـ (96). وقد بلغ ترتيبنا في إهدار المال العام وإساءة إدارة الإنفاق الحكومي رقم (113). ولولا أن لدينا قدر من الاستقلال القضائي لقبعنا في ذيل دول العالم لا محالة! ما الذي تحتاجه حكومتنا المبجلة حتى تتحرك وتستشعر الخطر! يا سادة، مرة أخرى لا أمل في إصلاح مصر وتحقيق النهضة دون ثورة شاملة في الجهاز الحكومي والإداري للدولة. لقد بلغت درجة العفونة أقصى درجاتها في أجهزة الحكم المحلي والمحافظات والوزارات، وللأسف بدأت العفونة تنتشر في الجامعات، وحذاري من أن يمتد ذلك إلى القضاء.

أما المعيار الثاني، فيقيس كفاءة البنية التحتية للدولة المعنية، وقدرتها على دفع الاقتصاد وتحقيق الحاجات الأساسية للشعب بما في ذلك مرافق الطرق والمطارات والسكك الحديدية والكهرباء والاتصالات. وتحتل مصر في هذا الشأن المرتبة الـ (83) على مستوى العالم، وإن جاءت جودة الطرق وسلامتها في المرتبة الـ (109) على مستوى العالم، فلا عجب في أن نكون من أبطا مدن العالم مرورياً وأكثرها نزيفاً لدماء المصريين نتاج حوادث الطرق، ألا يحفز ذلك الحكومة على أن يكون من بين أولوياتها العمل مع القطاع الخاص على تطوير بنية الطرق في مصر للحفاظ على أرواح المصريين ووقتهم وتحين مستوى النقل لأغراض التجارة الداخلية، والربط بين المحافظات والموانئ والمطارات.

أما المعيار الثالث، فيقيس أداء الاقتصاد الكلي للدولة، وعلى وجه الخصوص عجز الموازنة، وحجم الاحتياطي النقدي الأجنبي، ومعدل التضخم، وحجم الدين الحكومي، والتصنيف الائتماني. وجاء ترتيب مصر الـ (138) من بين (144) دولة على مستوى العالم، أي أن مصر يعد أداؤها الاقتصادي ضمن أسوأ (10) اقتصاديات في العالم، وقد بلغ العجز الحكومي مداه فجاء ترتيب مصر الـــ (142) من بين (144)، نعم لا يوجد خطأ مطبعي!

اما المعياران الرابع والخامس فيقيسان مستوى التعليم الأساسي والصحة، والتعليم العالي، وقد جاء ترتيب مصر الـ (94) والـ (109) على التوالي. وقد تدنت مرتبة مصر فيما يخص جودة التعليم الأساسي إلى المرتبة الـ (137). ويقيس المعيار السادس كفاءة سوق السلع وقد جاء ترتيب مصر الـ (125) على مستوى العالم بسبب سوء السياسات الخاصة بمحاربة الاحتكار (الترتيب الـ 133) وسوء السياسات الضريبية والجمركية (الترتيب الـ 133).

اما المعيار السابع فيقيس جودة وكفاءة سوق العمل، وجاءت مصر ضمن أسوأ (3) دول في العالم في هذا الخصوص لا يليها إلا الجزائر وفنزويلا. وهو ما يؤثر على مناخ الاستثمار ومعدلات التشغيل والتوزيع المرن لسوق العمالة حسب احتياجات القطاعات الاقتصادية.

والمعايير الخمسة المتبقية تتصل بنمو وتطور أسواق المال (الترتيب 102) والجاهزية للتطور التكنولوجي (المرتبة الـ 91) وحجم السوق (المرتبة 29) وهي الميزة النسبية الأساسية الآن التي تتمتع بها مصر وتسمح بالنمو الاقتصادي، ومعيار الابتكار والتطوير (المرتبة 83)، والتجديد والاختراع (المرتبة الـ 109).

ويتضح مما سبق مدى خطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تواجهه مصر، وخاصة مايتعلق بسوق العمل، ومستوى الإقتصاد الكلى، والمؤسسات.

 وفي رأيي، فإن أخطر التحديات التي يجب على الحكومة مواجهتها الآن تتمثل في أمرين الأول: إصلاح مناخ الاقتصاد الكلي من خلال العمل على الحد من الإنفاق الحكومي، وخفض العجز في الدين الداخلي، وزيادة حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي، وخفض العجز في الموازنة، والعمل على رفع درجة ترتيب الائتمان. ويكون ذلك من خلال آليات محددة وجدول زمني محدد، فالحد من الإنفاق الحكومي وترشيده يستلزم إرادة سياسية قوية وخفض العجز في الدين الداخلي يستلزم وقف فوضى الدعم. كما أن إصلاح مناخ الاستثمار فوراً، وخفض درجة المخاطر الائتمانية يستلزم العمل على تحقيق الاستقرار السياسي وإرساء الأمن بقوة وبسرعة.

أما الأمر الثاني، فيخص كفاءة سوق العمل، وهو ما يقتضي العمل مع ممثلي العمال وأصحاب العمل والحكومة على اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية للحد من فوضى الإضرابات والاعتصامات لمدة عام واحد، وتحسين علاقات أصحاب الأعمال – العمال بشكل مؤسسي مع الاستمرار في دعم الإطار المؤسسي للمفاوضات الجماعية، والحريات النقابية، وربط الأجور بالإنتاج، وتحقيق العدالة الإجتماعية.

أما على المستوى المتوسط والبعيد فيما يخص التعليم والإصلاح المؤسسي والنبية التحتية فالأمر ليس بالصعوبة بمكان، ولكن علينا الآن أن نوقف النزيف ونحدد الداء والدواء.

أرجو من السيد رئيس مجلس الوزراء أن يضع تقرير التنافسية تحت نظره، وهو يخطط لاستراتيجية الحكومة، ويضع المعايير السابقة لقياس التنمية تحت نظر أعضاء حكومته الموقرة، فلو لم يكن هناك إطار وأهداف ومعايير محددة للقياس عليها وبرنامج زمنى محدد لكل معيار، فلن يتجاوز الأمر مزيد من "المكلمات" و"الحكاوي" وأحاديث "طق الحنك" التي نحن غنى عنها الآن.


هذه ليست دعوة لليأس، بل العكس دعوة للعمل لتحقيق آمال المصريين، وهو أمر فى متناول أيادينا.

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

أحلم

مجلة السياسى - 2/10/2012

القائد الحقيقي للأمة هو من يستطيع تحويل أحلام شعبه البسيطة والمشروعة إلى واقع ملموس وحقيقة مرئية. لا نريد برامج وأوهام، لا نريد كلام إنشائي ومكلمات. كفانا!! أحلم لأهلي جميعاً فقراء قبل الأغنياء بكوب مياه نظيف غير ملوث، أحلم لغير القادر والقادر منهم على أن يحصل على غذائه اليومي دون أن يدخل جوفه مواد مسرطنة تأكل أمعائه وتنخر في عظامه، أحلم للجميع استنشاق هواء ربنا النقي دون تلوث يقضى على رئة الإنسان دون هوادة، أحلم للمصريين جميعاً أن يتلقوا العلاج حيث يقطنون بتشخيص طبي سليم، وعلاج فوري، ودواء حال وفي متناول الجميع .. أحلم لأطفالي وأبناء وطني بتعليم أساسي يركز على بناء الإنسان يسلحه بالفكر والعلم يربي فيه ملكة الإبداع والحوار واحترام الآخر، تعليم يغرس قيم حب الوطن والعطاء وعمل الفريق البناء، تعليم يهتم بالكيف لا بالكم، تعليم معنى باحترام وغرس قيم التسامح والثقافة، تعليم يحترم العقل والفكر والفن والنظافة والإبداع والحق في الاختيار، تعليم يكرس قيم المساواة والعدالة --- أحلم لأبناء وطني جميعاً بمسكن نظيف يليق بكرامة وإنسانية البشر --- أحلم بالقضاء على العشوائيات --- أحلم لإبنتي ونساء مصر جميعاً بحقهم في التعليم والعمل دون أن يصنفن على أساس وصفهن الاجتماعي أو مظهرهن الخارجي، أحلم بحقهن جميعاً في ركوب المواصلات العامة دون تحرش أو إيذاء بدني أو لفظي ---- أحلم لهن بمعاملة كريمة على أنهن نصف المجتمع بما تعنيه الكلمة --- أحلم لأبني وأبناء مصر جميعاً بالحق في التعليم، وبالمساواة في العمل، وبحقهم في المنافسة المشروعة، وعدم التمييز.


أحلم لأبنائي وأخواتي وآبائي من أبناء هذا الوطن بألا يتعرضوا للإهانة من رجال الأمن، وألا يظلم منهم أحداً، وألا تهدر كرامتهم، وألا تلفق لهم قضايا، وألا يحتجزوا في السجون أو المعتقلات لآرائهم السياسية أو الفكرية--- أحلم لهؤلاء جميعاً بأن يكونوا في مأمن على حياتهم وأموالهم، وألا يتعرضوا للإهانة والبلطجة --- أحلم بمأوى للجميع --- أحلم بالقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع المصدر الرئيسي لعصابات المستقبل --- أحلم بحياة كريمة لهؤلاء الأطفال، والقضاء على أسباب هذه الظاهرة المشينة --- أحلم بطريق آمن لا تسفك فيه دماء الأبرياء نهاراً وليلاً جراء حوادث السيارات وعربدة سائقين بلا رادع يسفكون دماء شبابنا وأرباب الأسر، وأطفال في عمر الزهور --- أحلم بطرق مرور انسيابي لا يستهلك فيه الوقت والمال والصحة ولا يتآكل على الإسفلت اقتصاد بلد بأكمله --- أحلم بقضاء عادل الجميع أمامه متساوون أمام القانون --- أحلم بقضاء مستقل لا تتدخل في شئونه حكومة أو سلطان --- أحلم بقضاء كفء متخصص ينجز في الفصل في القضايا --- أحلم بخلو مصر من الفساد والرشاوى والمحسوبية --- أحلم لكل مواطن غير قادر على العمل بحد أدنى لدخله بما يسمح له بحد أدنى من الحياة الكريمة --- أحلم بنظام سياسي يحترم الحقوق والحريات --- أحلم بنظام سياسي يؤمن بتداول السلطة والمحاسبة يحترم الرأي والرأي الآخر، ويقوم على أهل الخبرة والكفاءة لا أهل الثقة --- أحلم بنظام سياسي يؤمن بالاحتواء لكافة أبناء الوطن لا إقصاء طائفة منهم على أساس دينهم أو جنسهم أو عرقهم --- أحلم برجال دين وعلماء يدعون لفضائل الإسلام والحب والوحدة الوطنية، لا رجال دين مدعون للعلم يحرضون على القتل والكراهية والعنصرية، أحلم بعلماء دين يشجعون على العلم والبناء والتحديث لا التقليد والجمود والهدم --- أحلم بجامعات ومعاهد تعليمية تربط برامجها بأسواق العمل واحتياجات مصر الحقيقية، وتكون مصدراً لإنتاج أفضل أيادي العمل والعقول في العالم أجمع --- أحلم لمصر بأن تكون دولة إنتاج لا استهلاك --- أحلم بأن تأتي مصدر في الصدارة بين دول العالم لا أن تقبع في المركز الـ 90 بين 139 دولة على مستوى كفاءة سوق العمل والصحة والتعليم والاقتصاد الكلي والابتكار والمؤسسات والبنية التحتية فهذه مرتبة دنيا لا تليق بالإنسان المصري --- أحلم بحاضر ومستقبل لمصر يليق بماضيها وحضارتها --- أحلم بالكرامة للمواطن المصري داخل بلاده وخارجها.

أحلامي ليست مستحيلة، فإذا ترجمنا أحلامي وأحلام الملايين من البسطاء إلى لغة النخبة ورجالات السياسة والاقتصاد فهي تعني أن تعمل الحكومة على تحقيق "التنمية الشاملة المستدامة" وأن تعتمد رؤيتها وبرامجها على الركائز الآتية:

الركيزة الأولى: بإصلاح الاستثمار البشري، ويشمل تطوير جودة التعليم، وسوق العمل والصحة.

الركيزة الثانية: بإصلاح مؤسس شامل لكل أجهزة الدولة بكل ما تعنيه الكلمة بما في ذلك مرفق القضاء والقطاع الحكومي والمحلي.

الركيزة الثالثة: الإصلاح السياسي والدستوري. 


الركيزة الرابعة إصلاح الاقتصاد الكلي ويشمل معالجة العجز المالي والتضخم ومعدلات المدخرات الحكومية والدين الحكومي. 


الركيزة الخامسة: الابتكار والتطوير التكنولوجي. 


الركيزة السادسة: تطوير البنية التحتية. 


الركيزة السابعة: تطوير مناخ الاستثمار.



ألم يحن الوقت بعدلتعلق علينا الحكومة الجديدة ركائز الإصلاح التى تتبناها، وآلياتها والخطة الزمنية لتنفيذها، يا حكومة أين برامجك ورؤيتك لتحويل أحلام المصريين إلى واقع ملموس؟

الأحد، 9 سبتمبر 2012

الحزب الحاكم والمعارضة

9/9/2012


لدينا الان حزب حاكم بكل ما تعنيه الكلمة هو حزب الحرية و العدالة، فالرئيس المنتخب د/محمد مرسي هو رئيسه السابق، وبرنامجه الرئاسي الانتخابي هو برنامج الحزب، ومجلس الشوري اغلبية اعضائه من الحرية والعدالة، والذي قام بتعين رئيس الحكومة الجديدة هو الرئيس المنتخب، وتنوعت تشكيلة الحكومة من وزراء منتمين لحزب الحرية والعدالة وجماعة الاخوان المسلمين، وكانت لهم الكلمة النهائية في اختيار الوزراء من خارج الجماعة، فان الاختيار كان للرئيس/ محمد مرسي، وكان لجماعة الاخوان المسلمين و حزب الحرية و العدالة كذلك رؤية واضحة في رسم السياسات الخاصة بالحكومة.

وقد أعلن رئيس الحكومة تبنيه مشروع النهضة الذي أعلنه الرئيس مرسي، وهذا البرنامج بحذافيره هو برنامج حزب الحرية و العدالة. و قد أعلن عدد كبير من المحافظين وخاصة في الدلتا تأييدهم لبرنامج النهضة والالتزام به. ولأعضاء حكومة حزب الحرية و العدالة تأثير هام علي وزارات الحشد و الخدمات و منها، د/اسامة ياسين لوزارة الشباب ،والسيد/خالد الازهرى لوزارة القوي العاملة ،والسيد/ عبد المقصود لوزارة الاعلام، والمهندس طارق وفيق لوزارة الإسكان واخرين. ولحزب الحرية والعدالة الحاكم وجماعة الاخوان هيمنة علي النقابات المهنية، وتأثير كبير الان علي اتحاد عمال مصر ولا شك فيه ان حركة تعيين المحافظين الأخيرة شهدت نمو نفوذ الحزب الحاكم و هيمنته علي مؤسسات الدولة و خاصة المؤسسات الصحفية، ولم يسلم كل من المجلس الأعلي لحقوق الانسان، والمجلس الأعلي للصحافة من هذه الهيمنة. وبدأ نفوذ الحزب الحاكم يمتد كذلك وبسرعة شديدة إلي المؤسسات الاقتصادية وبدايتها كانت مع شركة المقاولون العرب وسوف تكون هناك محاولات بشكل اكبر خلال العام الحالى لنشر نفوذ الحزب الحاكم على الشرطة والمؤسسة العسكرية والقضاء.

ولا غضاضة فى ظل النظم الديمقراطية من سعى الحزب الحاكم الى نشر نفوذه ومحاولة تعميق جذوره فى المجتمع لتنفيذ برنامجه الحكومى وسياساته التى انتخب على اساسها. ولكن الخطر كل الخطر على الوطن ان يسعى الحزب الحاكم الى احلال اتباعه محل الدولى وان يكون الاختيار مبنيا فقط على الولاء والطاعة والثقة وهو ما يعنى اقصاء اصحاب الكفاءات ممن لا ينتمون الى الحزب الحاكم هو ما يهعنى ببساطة انتاج النظام السابق.

فالمعضلة الحقيقية فى رايي ان الحزب الحاكم قد بدا يستحسن فكرة الابقاء على الهيكل المؤسسى للنظام السابق مع الاقتصار على احلال قيادات جديدة تنتمى الى الحزب الحاكم الجديدة محل القيادات القديمة ومن ثم الاستفادة من السيطرة والتمكين القائم. وهذا هو مكمن الخطورة فمشكلة مصر لم تكن ابدا فى الاشخاص بقدر ما كانت تتعلق بفساد مؤسسات الدولة وعدم صلاحيتها وهشاشة الدولة وهو ما عبر عنه دكتور جلال امين بنظرية "الدولة الرخوة" . فلا افهم حتى الان مقاومة الحزب الحاكم لاصدار قوانين الحريات النقابية والنقابات المستقلة الا اذا كان السبب هو الرغبة فى الابقاء على اتحاد عمال مصر بهيكلة الحالى والهيمنة عليه واستخدامه وتطويعه لاغراض الحزب الحاكم على الرغم من ان هذا الاتحاد وفساده الهيكلى هو الذى اضر بالعمال وبحركة العمالية فى مصر. ولا افهم كيف يتم الابقاء على وزارة الاعلام فى حين ان الجميع اتفق على ان هذة الوزارة كانت مفسدة مطلقة وان الحل الوحيد هو الغائها واسناد شئونها الى اتحاد مستقل . ومع ذلك قررت حكومة الحزب الحاكم الابقاء على وزارة الاعلام ربما للرغبة فى تطويع الاعلام الحكومى لصالح الحزب الحاكم على النحو الذى مضى وربما لمحاولة التاثير عليه ومواجهة الانتقادات والهجوم على الحزب الحاكم من قبل الاعلام الخاص.

ولم أفهم كذلك تعيين أعضاء من الحزب الحاكم في مجلس حقوق الإنسان، مع أن الأصل هو أن يكون أعضاؤه مستقلين عن الحكومة.
إن الاستمرار في استغلال النظام المؤسس الحالي الفاسد من قبل الحزب الحاكم لن يحقق النهضة التي ينشدها، وإنما يعمق من الدولة الرخوة ويعجل بالانهيار.

في المقابل لن تتحقق التنمية والنهضة بدون معارضة قوية، "فكما نحتاج إلي حكومة منتخبة قوية نحتاج فورا إلي معارضة مستنيرة أقوي" لها كوادرها وكفاءتها ورؤيتها الواضحة، لديها جذور شعبية وقدرة علي الحشد والتأثير، والقدرة علي الوصول إلي الحكم عن طريق الصندوق الانتخابي، والأهم القدرة علي الحكم حال وصولها إليه. ولن نبني مصر قوية بدون حكومة قوية ومعارضة أقوي.فأين المعارضة الآن من الحزب الحاكم.للأسف الشديد، فإن المعارضة لاتزال ضعيفة رغم أنها تضم أفضل العقول، وأخلص الرجال مثل د/ محمد غنيم ود/ البرادعي والمهندس/منير فخري عبد النور، ود/أيمن نور، وحمدين صباحي، وعمرو موسي، والأهم أجيال مخلصة من خيرة شباب مصر وعقولها.

إلا أن المعارضة لاتزال منكبة علي مشاكلها الداخلية، ومحاولات تأكيد زعامات واهية، وتعاني من قصور في الهمة، وعدم الحماسة للعمل الشعبي، وقصور في التمويل، تركيز الأحزاب السياسية علي نقاط اختلافها وعلي مايفرقها أكثر مما يعمقها.علي قوي المعارضة المستقلة وأحزابها التوحد وخلق معارضة قوية لمواجهة حكومة قوية لأن هذه هي الديمقراطية، وهذا هو الحل الوحيد لبناء مصر قوية، وتحقيق النهضة، فإن لم يحدث ذلك من الآن، فلا تلوموا إلا أنفسكم، ولاتلعنوا حظوظكم، ولاتلوموا الحزب الحاكم فقد أفسحتم له الطريق.




السبت، 8 سبتمبر 2012

أزمة الإقتراض الحكومى وترشيد الدعم



مجلة السياسى - 2/9/2012

سألني أحد الصحفيين الشبان هل تحتاج مصر إلي الإقتراض للخروج من الازمة الحالية؟

فأجبته أن الإقتراض الحكومى من الخارج أو الداخل لا يكون إلا في حالات الضرورة القصوي وبشكل إستثنائي.

فسألني وهل نحن في حالة ضرورة الآن؟ أجبته للأسف نعم في حالة ضرورة، وأصبح الإقتراض شر لا مفر منه للحد من آثار الأزمة الإقتصادية الحالية ، فحجم العجز في الموازنة أي إنخفاض الإيرادات عن المصروفات يتراوح ما بين 30 إلي 35 مليار دولار أمريكي، أي أن حجمى العجز اليومي يبلغ 500 مليون جنيه، أي أن الحكومة تواجه يومياً عجز لمواجهة إحتياجاتها (500 مليون جنيه في اليوم الواحد)!!
كما وصل حجم الإحتياطي الأجنبي إلي حوالي 11 مليار دولار أمريكي بعد ان كان 40 مليار في بداية عام 2011.

فمصر تنفق شهرياص (4) مليار دولار أمريكي يصلها إيراد قدره (2) مليار دولار أمريكي فقط، وحجم الفاقد من التدفقات النقدية يصل تقديره إلي 25 مليار دولار أمريكي نتيجة توقف الإستثمارات وضعف التدفق السياحي. والمحصلة 20 مليون عاطل عن العمل بكل مايحمله ذلك من عبء إنساني وأخلاقي وإجتماعي وسياسي.

فالإقتراض ضرورة لسد العجز في الميزانية الجارية، وضرورة لمواجهة أوضاع ومخاطر حالة مؤقتة.

ولكن الإقتراض عبء علي الدى المتوسط والطويل ولايصلح لتحقيق التنمية والنهضة والإستقلالية.

فالإقتراض من صندوق النقد الدولي وغيره من مؤسسات التمويل الدولي يعد من قبيل حالات الضرورة لمواجهة أزمة عاجلة، ولكنه أبداً لا يعد حلاً لمشاكلنا، واذا لم يكن هذا الإقتراض مصحوباً بإجراءات إصلاحية، إقتصادية، وإجتماعية ومؤسسية حقيقية وعاجلة فإنه سيكون وبالاً علي مصر إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً.

فنحن لسنا بحاجه الي صندوق النقد الدولي ليقول لنا لابد من زيادة الإنتاج، وتشجيع الإستثمار، وترشيد الدعم الحكومي وضمان وصوله لمستحقيه. فهذه أمور علينا أن نبدأ بها فوراً ودون لكاعة. ومن الأمور التي تلكعنا فيها كثيراً حتي وصلنا إلي ما وصلنا إليه هو مسألة "دعم المواد البترولية" الذي بلغ قدره في موازنة 2011/2012 حوالي 96 مليار جنيه. ويمثل هذا الدعم قيمة ما تتحمله الدولة نتيجة لبيع هذه المواد بأسعار تقل عن تكلفة توافرها للسوق المحلي سواء عن طريق الإنتاج المحلي أو إستيراد بعضها من الخارج.
والأصل في مفهوم الدعم أن يكون دعماً للفقراء لإعانتهم علي مواجهة أعباء الحياة والحصول علي الخدمات الأساسية والضرورية للحياة بتكلفة معقولة يستطيعون تحملها. ولكن للأسف فانه بسبب سوء السياسة والفساد والانهيار المؤسسي، فإن 80% من هذا الدعم يذهب للقادرين وغير المستحقين، ويعمق العجز في الموازنة وأصبح يستفيد من الدعم سكان المنتجعات والعمارات الشاهقة، وأصحاب السيارات الفارهة، والفنادق والمصانع الكبيرة. وتشمل المنتجات البترولية (الغاز الطبيعي والبوتاجاز والبنزين والسولار والكيروسين والمازوت). وأنبوبة البوتاجاز علي سبيل المثال تقع تكلفتها الفعلية بحوالي 60 جنيه للانبوبة، سعرها الرسمي أقل من 5 جنيهأي تتحمل الموازنة علي الأقل 55 جنيه، ويتم بيعها في الأسواق ما بين 20 جنيه و30 جنيه أي أن أكثر من 35% من الدعم يذهب الي الوسطاء والوق السوداء؟!

وقد ظلت الحكومات المتعاقبة علي مدار 40 سنة الماضية مرتعشة ومترددة من مواجهة هذه المشكلة التي تفاقمت حتي أصبحت مسألة تهدد بالإنفجار في أية لحظة. والموازنة الحالية 2013/2013 خفضت بالفعل حجم الدعم للمنتجات البترولية من حوالي 96 مليار جنيه الي حوالي 70 مليار جنيه أي أن التخفيض وصل في الموازنة الحالية إلي حوالي 26 مليار جنيه. وكان من المتوقع البدء في خفض الدعم وإجراءات ترشيده منذ أكثر من شهرين ولم يحدث ذلك حتي الآن. يجب أن نصارح الشعب المصري بحقيقة الأزمة وأبعادها وكيفية الخروج منها، يجب أن يكون الشعب شريكاً حقيقياً في القرار وصاحب الإختيار، لا يمكن أيتها الحكومة الإستمرار في سياسات التعتيم والمفاجأة، علينا بمواجهة الشعب بالحقيقة وجعله جزءً من الحل، وليس جزءً من المشكلة، علينا أن نجعل من هذا الشعب فاعل وليس مفعول به.

يا حكومة لا تتواري خلف صندوق النقد الدولي، والإدعاء بأن رفع الدعم وترشيده مفروض علينا من قبل المؤسسات الدولية، فأكرم للشعب المصري والحكومة أن يتخذ القرارات الصعبة، ويواجها الأزمات معاً بدلاً من فرضها علينا من الغير. فقد بلغ الشعب المصري سن الرشد ولم يعد قاصراً،  وأصبح قادراً علي اتخاذ القرارات الصعبة لبناء حاضر ومستقبل يليق بهذه الأمة، صارحوا الناس بالحقائق فهذا هو الحل.

ويجب أن يكون للحكومة سياسة واضحة بشأن الإصلاح المؤسسي، ودعم الإستثمار، والتنمية الإجتماعية، وترشيد الإنفاق الحكومي. وهناك قرارات أكثر صعوبة سيستعين علي الحكومة الحالية إتخاذها منها التوقف عن دعم الجنيه المصري في مواجهة الدولار وترشيد دعم السلع الغذائية.




الأحد، 26 أغسطس 2012

إستثمار القطاع الخاص فـى مشـروعــات الـبنيـة الأسـاسيـة

مجلة السياسي - 26/8/2014

حسناً فعل الدكتور/ هشام قنديل بإنشاء وزارة مستقلة للمرافق تكون مسؤلة عن إنشاء وتشغيل محطات مياه الشرب والصرف الصحى وغيرها من المرافق الأساسية، وإن ظلت مشروعات الكهرباء والطاقة مسؤلية وزارة الكهرباء

إن إستكمال خطة التنمية العمرانية، والتطوير الصناعى، والقضاء على العشوائيات والبدء فى مشروعات التنمية العملاقة مثل تنمية وتطوير سيناء وقناة السويس وخليج السويس، وإنشاء وتطوير الموانئ البرية والنهرية والبحرية يحتاج إلى مئات المليارات من الجنيهات. فمن أين تأتى الحكومة بهذه الأموال لمشروعات البنية الأساسية التى بدونها لا أمل فى التنمية الحقيقية للإنسان المصرى وللأجيال القادمة؟؟

وتزداد صعوبة السؤال بمراجعة الموازنة العامة للدولة للسنة المالية (2012/2013) لنجد أن الإيرادات العامة المتوقعة تبلغ حوالى 393،4 مليار جنيه مصرى فى حين تصل المصروفات إلى533،7 مليار جنيه مصرى تقريباً أى أن العجز فى الموازنة يصل إلى حوالى 140 مليار جنيه مصرى! وهو أمر مخيف. ويزداد الأمر تعقيداً إذا قمنا بتحليل بنود المصروفات العامة لنكتشف أن 25،6 % من المصروفات يذهب إلى الأجور والمرتبات بمبلغ قدره 36،6 مليار جنيه، وأن الفوائد المستحقة على خزانة الدولة لخدمة القروض المحلية والدولية بلغت تقديراتها 25% من مصروفات الموازنة بمبلغ وقدره 133،6 مليار جنيه. فإذا نظرنا على ال 50% المتبقية للمصروفات العامة نجد أن أكثر من نصفها بقليل يذهب إلى دعم السلع والخدمات والمنتجات البترولية بواقع حوالى 27،3% من إجمالى الموازنة بمبلغ وقدره 145،8 مليار جنيه، وتنفق ال 10% من المصروفات فى شراء السلع والخدمات للجهات الحكومية.

أى أن ما يتبقى من الموازنة لتمويل إستثمارات المرافق الأساسية يصل بالكاد إلى حوالى5% من إجمالى الموازنة لتمويل مشروعات البنية الأساسية وهى تعتبر نسبة ضئيلة للغاية ولا تغطى إحتياجات مصر للتنمية. ولذلك، فإنه لا غرابة فيما نشهده من سوء خدمات الطرق والصرف الصحى والمياه والكهرباء، وضعف التنمية الإجتماعية والإقتصادية.
عرضنا المشكلة فما هو الحل؟ لا أمل فى تحقيق التنمية الشاملة دون الإسراع بتنفيذ مشروعات البنية الأساسية، ولن تحقق الأخيرة دون مشاركة القطاع الخاص فى تمويل وتشغيل مشروعات البنية الأساسية. ولم يعد هذا الحل إلا الخيار الوحيد المتاح إن كنا جادين فى مشروع التنمية والإصلاح.

وأتوجه بنصيحة خالصة إلى الصديق الدكتور/عبدالقوى خليفة الوزير المسؤل عن المرافق الأساسية، لا تتعب نفسك كثيراً يا دكتور عليك فوراً ومن اليوم فى طرح المشروعات التى تحتاج إليها على القطاع الخاص لكى يقوم بتمويلها وتشغيلها. ونفس النصيحة أقدمها إلى وزير الكهرباء وخاصاً بشأن مشروعات محطات الكهرباء والطاقة المتجددة، فدور القطاع الخاص فى التنمية لم يعد رفاهية. فطرح هذه المشروعات على القطاع الخاص بضمان حكومى يعنى مواجهة العجز فى الموازنة الحكومية، ويعنى رفع قدرة الحكومة على إنشاء مشروعات أساسية ومرافق حيوية دون إبطاء، ويؤدى إلى توجيه جزء أكبر من الموازنة إلى الخدمات الإجتماعية كالتعليم والصحة، ويساعد فى تحسين مستويات أداء الخدمة ومواجهة البطالة. ومع ذلك فإن نجاح هذه المشاركة له شروطه ومتطلباته، أولها ضرورة خلق كوادر فنية حكومية رفيعة المستوى لدراسة الجدوى الإقتصادية والإجتماعية للمشروعات الواجب طرحها،  والتفاوض مع القطاع الخاص بما يحقق المصلحة العامة وتوجد وحدة متخصصة لمشاركة القطاع الخاص فى مشروعات البنية الأساسية بوزارة المالية، وبها خبرات وكفاءات متميزة، إلا أن هذه الخبرات لهذا النوع من المشروعات تكاد تكون منعدمة داخل الوزارات الأخرى المسؤلة بشكل مباشر إنشاء هذه المشروعات وتشغيلها.
 كما أن ضمان جودة الخدمة والعدالة مقابل أدائها يقتضى دور هام وفعال للأجهزة الرقابية والمعنية بهذه المرافق. ويجب أن تسعى الحكومة جاهدة إلى دعم هذا البرنامج وضمان مسؤلية الجهات والأجهزة الحكومية المعنية على أن تكون الأولوية للطرق والكبارى ومياه الشرب والصرف الصحى والكهرباء والطاقة المتجددة، وهى مشرعات لها جميعاً مردود إقتصادى وإجتماعى، وكم أتمنى أن تتسع التجربة لتشمل بناء المدارس والمستشفيات ولنا تجارب حديثة لا بأس بها ونحن هنا لا نخترع العجلة فقد سبقتنا فى ذلك دول كثيرة علينا أن نستفيد من تجاربها.       



الأحد، 19 أغسطس 2012

أزمة الرقابة على القطاع المالي غير المصرفي

مجلة السياسى- 19/8/2012

إتصل بي عدد من ممثلي شركات سوق المال والشركات المقيدة بالبورصة خلال الأسبوعين الماضيين يشكون مما قامت به هيئة الرقابة المالية من إحالة أكثر من 630 قضية إلى النيابة العامة للشئون المالية، وذلك في أسبوع واحد، فالهيئة قررت مؤخراً إلى إحالة عدد من الشكوى إلى النيابة العامة قبل فحصها من قبل الهيئة.


وقد تأكد ذلك فى تصريح لرئيس الهيئة لجريدة الأهرام الأسبوع الماضى كشف أن حوالى 60% من الشكاوى التى تم إحالتها الى النيابة العامة لم يتم فحصها من قبل الهيئة.

 وقد أزعجني هذا الأمر بشكل كبير لأنه يعني أن الهيئة قد قررت أن تتخلى عن دورها الرئيسى، كما أزعجتني أيضاً طريقة التعامل مع القضايا الاقتصادية.

إن هيئة الرقابة المالية هى الجهة المنوط بها الرقابة على القطاع المالي غير المصرفي، ويشمل سوق المال والبورصة والتأمين والتمويل العقاري والتأجير التمويلي، وغيرها من أنشطة التمويل غير المصرفي. فهو قطاع حيوي للاقتصاد القومي، ويضم آلاف العاملين، ويتعلق باستثمارات بآلاف المليارات من الجنيهات. والهيئة العامة للرقابة المالية مسئولة عن اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للحد من المخاطر غير التجارية للقطاع المالي غير المصرفي وحماية المستثمرين فيه، كما أنها مسئولة كذلك عن دعم هذا القطاع وتطويره. ولا يقل دور هذه الهيئة أهمية عن البنك المركزي المصري، وهو الجهة المنوط بها الرقابة على القطاع المالي المصرفي (البنوك) ووضع السياسة النقدية. وفي العديد من الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، فإن مسئولية الرقابة على القطاع المصرفي أسندت إلى هيئات الرقابة المالية وليس البنك المركزى، وهو ما يدل على أهمية تلك الجهة الرقابية.

وللأسف الشديد، فإن مسلك الهيئة الأخير وما دأبت عليه خاصة بعد ثورة 25 يناير من إحالة القضايا الاقتصادية الخاصة بالقطاع المالى غير المصرفى إلى النيابة العامة دون فحص أو تمحيص أو دراسة متأنية له دلالات في منتهى الخطورة وآثار سلبية هائلة على هذا القطاع، وهو ما يقتضي وقفة جادة في هذا الشأن.

فهذا المسلك يعني تخلي الهيئة عن الدور الذي أناطه بها القانون، فقانون هيئة الرقابة المالية - شأنه في ذلك شأن قانون البنك المركزي المصري- لا يجيز تحريك الدعوى الجنائية في قطاع القطاع المالي غير المصرفي إلا بناءً على طلب رئيس هيئة الرقابة المالية. وهو ما يعنى أنه لا يجوز تحريك أي دعوى جنائية تتعلق بالقطاع إلا بعد دراسة متأنية من الهيئة وفحص، فإحالة الدعاوى الجنائية للنيابة العامة دون دراسة داخل الهيئة يعني ولا شك تتخلي الهيئة عن مسئوليتها القانونية. وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً.

 كما أن إحالة كافة القضايا الاقتصادية المالية إلى النيابة العامة دون إخطار أطرافها أولاً بالمخالفة ومنحهم مهلة لإزالتها أو التصالح بشأنها فيه كذلك إخلال بفلسفة القانون، والتي تجيز التصالح على هذه  المخالفات حتى بعد صدور حكم نهائى فى الدعوة ويتعارض هذا السلوك أيضاً مع مبادئ العدالة ويهدر مبدأ المواجهة فيفاجأ الشخص المعني بإحالته إلى النيابة العامة ثم إلى المحاكمة دون إجراء أي تحقيق ودون مواجهته بالمخالفات المنسوبة إليه، ودون منحه مهلة لإبداء وجهة نظره ودفاعه، ودون إعطائه مهلة لإزالة المخالفة، أو التصالح، فكل هذا إهدار للمال والوقت، والأهم إهدار للعدالة.

أن هذا الكم من القضايا المحالة في أسبوع واحد يعادل ما تم إحالته من قضايا على مدار عامين أو أكثر، وذلك دليل على الفشل الذريع للرقابة المالية. فالرقابة المالية الحديثة تقوم فلسفتها على الرقابة الوقائية أي الرقابة المانعة لحصول المخالفات، فإحالة هذا القدر الكبير من المخالفات دليل على الفشل الرقابي الذي يستوجب الحد من ارتكاب المخالفات، وهو ما يسمى بالرقابة السابقة، أي رقابة الحد من المخاطر، فالرقيب دوره الرئيسى الحد من إرتكاب المخالفات، والحد من آثارها إن وقعت.

فى هذا الإطار يدور تساؤل مهم بشأن اعتبارات الملاءمة ومدى جدوى إحالة هذا القدر الكبير من القضايا مهما بلغت ضآلة قيمتها، ومهما انعدمت خطورتها الاقتصادية، ومهما انخفضت جسامتها. أليس في إحالة هذه القضايا دون إجراءات فحص مسبقة إرهاق شديد للنيابة العامة دون مبرر، أليس في ذلك مضيعة للوقت والمال وما يستوجبه من تعيين لخبراء ومحامين في قضايا تافهة القيمة ولا تمثل أية جسامة. إن لعب دور المحولجى من قبل الرقيب من باب راحة البال، هو تخلي عن المسئولية القانونية، وإلقاء عبء غير ضروري على القضاء والنيابة، ونوع من الاستسهال في هذه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة، وهو مصيبة ودلالة على عدم إدراك لخطورة الموقف. وأتساءل هل تدرك  الهيئة التكلفة المالية والإدارية والآثار الوخيمة لهذا السلوك، فالجميع يعلم أن أكثر من 50% من الشركات العاملة في هذا القطاع، وبخاصة سوق المال قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، وأنها مهددة بالتوقف عن النشاط وهو ما يهدد قوت الآلاف من العاملين في هذا القطاع حيث بلغ حجم التداول في سوق المال إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من عشر سنوات، فهل من الملائم في هذا التوقيت العصيب أن نضيف أعباء على أعباء دون دراسة، هل يتفق مع مقتضيات حسن إدارة الأزمات أن يكون الرقيب عبئاً إضافياً على السوق، وجزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل.

إن أداء الدور الرقابي الصحيح يستلزم المراجعة الكاملة للموقف، وإعادة النظر في كيفية معالجة الأمر، فأداء الدور الرقابي في هذه الظروف الحرجة يستوجب إعمال العقل والتدبر،إن فلسفة المعالجة للأزمة المالية والاقتصادية لا يكون عن طريق القانون الجنائي، فهذا أقرب ما يكون لسياسة إقحام الأمن لمواجهة مشكلات اجتماعية وتعليمية. وعلينا أن نتوقف عن ذلك فوراً.
رجاءً خاصاً للمسؤلين الحكومين والجهات الرقابية لا تكونوا جزءاً من المشكلة كونوا جزءاً من الحل، الأولى هو العمل على تقوية القطاع المالي غير المصرفي ودعمه في هذه المرحلة الحرجة والعمل على حل مشكلاته، والعمل الجاد على تفعيل الرقابة السابقة ومنع الضرر قبل وقوعه.