الأحد، 15 يوليو 2007

حلول سائقي التاكسي لمشكلات التنمية أكثر عمقاً من أهل النخبة


14/7/2007

كتاب «تاكسي: حواديت المشاوير» لمؤلفه خالد الخميسي، عمل إبداعي من الطراز الرفيع، فهو من أدق ما قرأت في وصف المجتمع المصري من خلال حواديت وانطباعات لسائقي التاكسي في القاهرة،

 مؤلف يمثل السهل الممتنع بكل المقاييس شديد البساطة مليء بروح الفكاهة التي تحلي بها المصري في أحلك الظروف، وهو في الوقت ذاته كتاب عميق وبه رصد دقيق لأحوال المجتمع، وما طرأ علي شخصية الإنسان من تغيير شارحاً في شكل الحواديت الشعبية معوقات التنمية، وآمال المواطن البسيط دون تعقيد أو فلسفة، فالأمور واضحة كوضوح الشمس للجميع ويعبر عنها واقعنا في الشارع المصري أبلغ تعبير.


بنظرة متأنية إلي الـ٥٨ حدوتة التي أوردها الخميسي نجدها تعكس المعوقات الثلاثة الأساسية التي تحول بيننا وبين تحقيق التنمية بمفهومها الشامل، فالكتاب أظهر لنا أن الكل اتفق علي هذه المشكلات والمعوقات، وإن اختلفت آليات التعبير عنها، ووضع حلولاً أكثر عمقاً لدي رجل الشارع لهذه المشكلات عن التي يطرحها المفكرون من النخبة كما يطلق عليهم.


هذه المشكلات أو المعوقات الثلاثة يجب أن نواجهها بشكل جذري لأنها تحول بيننا وبين تحقيق التنمية الشاملة لكل أبناء مصر، فالإصلاح الاقتصادي وحده لا يكفي، هذه المعوقات البيروقراطية والخلل المؤسسي ومايصاحبه من فساد إداري، وسوء حال التعليم وضعف التكافل الاجتماعي، والمسؤولية الاجتماعية للمجتمع ككل.


(البيروقراطية) وما يصاحبها من فساد إداري يعاني منه الجميع الذي عبرت عنه العديد من الحواديت، فمنها معاناة سائق تاكسي في سبيل تجديد رخصته لأسابيع مما استنزف مصدر رزقه وطاقاته، ومشاكل التعليم أدت بأحد السائقين أن يكفر بجدواه ويقوم بإخراج أبنائه من مدارسهم موفراً مبالغ الدروس الخصوصية حتي يعطيها لهم عند بلوغ سن الشباب لإقامة مشروع بعد أن اكتشف أنهم يكتبون أسماءهم بالكاد بعد أن أمضوا سنوات عديدة في المدارس.


أما ضعف التكافل الاجتماعي في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة ونفقاتها، أدي إلي انتشار النزعة التشاؤمية نحو مستقبل أفضل، ووجود نزعة تهكمية نحو برامج الإصلاح الاقتصادي وما يمكن أن تعود به من نفع علي المواطن، بل أدي التحسن في مستوي أداء الاقتصاد الكلي الذي لا يمكن إنكاره إلي مزيد من الحقد الطبقي ولم تصل بعد آثاره الإيجابية إلي الطبقات الدنيا.


كل هذه المعوقات أو التحديات الثلاثة أدت بدورها إلي حالة من اللامبالاة والسلبية في بعض الأحيان، بل الشعور العدواني نحو خطة التنمية الاقتصادية في أحيان أخري، وانتشار ثقافة انتهاز الفرص و«التهليب»، من منطلق «أحييني اليوم وأمتني غداً».


لذلك لابديل -في قناعتي- وهذا ليس اختراعاً أو اكتشافاً لم يسبقني إليه أحد عند النظرة الجادة والحاسمة نحو تنفيذ استراتيجيات وسياسات تهدف إلي معالجة معوقات التنمية وما ترتب عليها من آثار سلبية علي المدي القصير والمتوسط والطويل، فالإصلاح الاقتصادي لا يكفي لتحقيق التطور والتغاير والتنمية الشاملة وما يصاحبها من أمن واستقرار اجتماعي وسياسي.


النمو الاقتصادي أحد روافد التنمية وليس به وحده تتحقق الآمال، فإذا لم يصحب برامج الإصلاح الاقتصادي في الوقت ذاته وبالاهتمام نفسه إصلاحات فورية مؤسسية وتعليمية واجتماعية، فإن المؤشرات الإيجابية وتحسن الأداء الاقتصادي علي المستوي الكلي لن تدوم وسيكون بمثابة طفرات وقفزات من وقت لآخر تتعرض للهبوط أحياناً، ولن تصل آثارها الإيجابية إلي القاعدة العريضة من أبناء هذا الوطن علي النحو المرجو منها.


أي برنامج قومي للإصلاح عليه أن يسرع بمعالجة المشكلات الثلاث عبر محاور، الأول والأهم الإصلاح الهيكلي والمؤسسي، فلا يغيب عن كائن أنه لا أمل في تطبيق أي سياسات أو أفكار إصلاحية ما لم تكن الكوادر البشرية والمؤسسات المعنية قادرة علي استيعاب أفكار قادتها ومؤمنة بها، وراغبة وقادرة علي تنفيذ هذه الأفكار والبرامج الإصلاحية وتحويلها إلي واقع، بدون الإصلاح المؤسسي، ورفع كفاءة المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص علي السواء، ستظل دائماً برامج الإصلاح المعلنة بالرغم من صدق نوايا واضعيها وكفاءتهم من قبيل إعلانات النوايا الحسنة،


وسيستمر الانعزال بين الإصلاحيين وأرض الواقع، وستظل علاقة الطبقة الكادحة ببرامج الإصلاح ودعوات التخفيف من البيروقراطية ومحاربة الفساد مقصورة علي قراءتها علي صفحات الجرائد مما يدعم السلبية نحو ما يدور حولهم ويعمق من فقدان الأمل والتشاؤم في مستقبل أفضل، وقد يحتاج الأمر في البداية إلي بعض الحلول غير التقليدية بما فيها خلق إدارات متوازية علي غرار تجربة هونج كونج نهاية الستينيات.


المحور الإصلاحي الثاني الذي لا يختلف عليه اثنان هو التعليم بكل جوانبه الأساسي والصناعي والفني والجامعي والمهني والتعليم ما بعد الجامعة، قدرة مصر علي المنافسة والإسراع بخطي تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي تعتمد علي مدي سرعتنا في اللحاق بالركب وإنهاء عهود الفرص الضائعة، ولن يكون ذلك إلا بتطوير التعليم ورفع جودته، ولنا في كوريا الجنوبية وماليزيا والصين والهند القدوة، فالتعليم الكفء قاطرة الشعوب نحو التنمية، فالاستثمار البشري لا جدال أسمي صور الاستثمار وأجداها في تحقيق مجهوداتنا نحو التنمية الشاملة.


أما المحور الثالث: الإصلاح الاجتماعي، أو بعبارة أدق، التنمية البشرية والاجتماعية، فالبنية البشرية والاجتماعية لطبقة عريضة لاتزال تعاني الكثير من الخلل سواء فيما يخص الغذاء والعلاج والتعليم، ومما لاشك فيه، المراحل الأولي للتحول الجاد نحو الاقتصاد الحر أمر محمود، لكن يزداد العصف بالطبقات الدنيا ويتسرب مزيد من الوهن إلي بنيان الطبقة الكادحة، الأمر الذي من شأنه إضعاف الإحساس بأي آثار إيجابية للإصلاح الاقتصادي علي المستوي الكلي، ويعمق الرفض ومشاعر الكراهية نحو الاقتصاد الحر ويرفع درجات الخصام الاجتماعي بين طبقات المجتمع المختلفة.


دواعي الأمن والسلام الاجتماعيين تقتضي أن يصحب برنامج الإصلاح الاقتصادي برنامج متكامل للتنمية البشرية والاجتماعية له شقان، الأول علي المدي القصير، ويهدف إلي الحد من الآثار الاجتماعية السلبية للتحول نحو الاقتصاد الحر، والثاني علي المدي الطويل للتنمية الاجتماعية الشاملة.


علي المدي القصير تبرز أهمية المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية، فهذه المسؤولية لم تعد من الرفاهيات أو الكماليات بل أحد مكونات التنمية والحفاظ علي السلام والأمن المدني في المجتمع.