الخميس، 28 أبريل 2016

الوزيرة داليا خورشيد - وزيرة الاستثمار

جريدة الاخبار - 28/4/2016

وزارة الاستثمار من أكثر الوزارات «اللي تاعبة» الدولة منذ استحداثها عام 2004، فبعد أن سافر أول وزير للاستثمار في مصر - الدكتور/ محمود محيي الدين - لتولي منصبه الجديد في البنك الدولي عام 2010؛ والوزارة تعاني من عدم الاستقرار. فبعد سفره تولي المهندس/ رشيد محمد رشيد - وزير التجارة والصناعة في ذلك الوقت - مهام هذه الوزارة مؤقتاً. والوزارة عند استحداثها لأول مرة عام 2004 كانت معنية بملفات ثلاثة: الملف الأول: ترويج وتشجيع الاستثمار المباشر ورسم السياسات المتعلقة به، وإزالة العقبات التي تحول دون نموه. والملف الثاني: الإِشراف علي السياسات المتعلقة بالقطاع المالي غير المصرفي وتطويره، ويشمل هذا القطاع سوق رأس المال والتأمين والتمويل العقاري والتأجير التمويلي. وأما الملف الثالث :فهو ملف شركات قطاع الأعمال العام، وهي تلك الشركات التي تساهم الدولة في أغلبية رأسمالها وتخضع لقانون قطاع الأعمال العام، ومنها شركات الغزل والنسيج وشركات الأدوية، وشركات قطاع المقاولات - عدا المقاولون العرب، وشركات النقل البري والنقل البحري، وشركات السياحة والفنادق وشركات قطاع التعدين... وهكذا... وكان هناك اتجاه في نهاية عام 2010 لإلغاء وزارة الاستثمار، بحيث تنتقل تبعية القطاع المالي غير المصرفي لهيئة الرقابة المالية، ويتبع رئيسها رئيس مجلس الوزراء، ويدار قطاع الأعمال العام من خلال صندوق سيادي علي غرار التجربة الماليزية، وتنتقل تبعية هيئة الاستثمار إلي وزارة التجارة والصناعة، وتستخدم مكاتب التمثيل التجاري المنتشرة حول العالم للترويج للاستثمار في مصر. وقامت ثورة 25 يناير، ولم تتطور الفكرة إلي أبعد من ذلك، وارتأت حكومة د/ شفيق الثانية إلغاء وزارة الاستثمار برمتها، حيث كانت هناك وجهة نظر داخل المجلس العسكري أن هذه الوزارة «سيئة السمعة»!! استخدم حرفياً المصطلح الذي استخدمه عددً من المسئولين في ذلك الوقت، وتاهت الوزارة وما يتبعها من قطاعات رغم أهميتها، فأصبح رئيس هيئة الرقابة المالية يتبع رئيس الوزراء تارة ووزير المالية تارة أخري، وأصبح رئيس هيئة الاستثمار يتبع رئيس الوزراء، وصار لقطاع الأعمال العام قائم بأعمال الوزير. واستمر الوضع علي ما هو عليه حتي أعيدت وزارة الاستثمار مرة أخري للحياة في عهد الإخوان. وفجأة وبلا مقدمات تم فك وزارة الاستثمار مرة أخري عام 2016 في حكومة دكتور/ شريف إسماعيل الثانية، وفي هذه الحكومة انقسمت الوزارة إلي وزارة الاستثمار ووزارة قطاع الأعمال، وأصبحت وزارة الاستثمار مسئولة عن ملف وحيد أو رئيسي ألا وهو تشجيع الاستثمار والترويج له وإزالة العقبات المرتبطة به. ولم يوضح مجلس الوزراء ولا رئيسه أسباب هذا القرار أو مبرراته أو أهدافه، وهي عادة سيئة، فكأن إلغاء وزارات أو استحداث وزارات أمر يسير غير مكلف يخص رئيس الوزراء وحده دون غيره... ما علينا... ليس هذا هو موضوعنا اليوم... لكن كيف كان من المتصور أن ينجح الاستثمار خلال الخمس سنوات السابقة في ظل هذا التخبط المؤسسي الحكومي وغياب الرؤية، ناهيك عما كانت تعاني منه مصر؟.. لم أشرف بمعرفة وزيرة الاستثمار الجديدة الأستاذة/ داليا خورشيد، وسأحاول فيما تبقي من سطور أن أتوجه لها ببعض الخواطر، فملف الاستثمار تحت الوزارة الجديدة - كما أفهمه - يعتمد علي محاور رئيسية أربعة:
المحور الأول: ملف سياسات الاستثمار وإزالة العقبات ومعوقات الاستثمار.
المحور الثاني: ملف الترويج وتنشيط الاستثمار المباشر في مصر سواء أ كان هذا الاستثمار محلياً أو أجنبياً.

المحور الثالث: الملف الخاص بالإطار التنظيمي والرقابي لأنشطة الشركات التجارية، حيث إنه منذ عام 2004 ألغيت مصلحة الشركات وصار نشاطها جزءاً لا يتجزأ من الهيئة العامة للاستثمار التابعة بدورها لوزارة الاستثمار، فكل ما يتعلق بإنشاء الشركات وزيادة رءوس أموالها وتغيير نشاطها، وكذلك نظام المناطق الحرة والمناطق الاستثمارية الخاصة؛ يخضع للهيئة العامة للاستثمار.

المحور الرابع: ملف فض المنازعات بين الجهات الحكومية والمستثمرين، وهذا الملف توقف لمدة ستة أشهر تقريباً بعد تعديل قانون الاستثمار في عام 2015، وعاد ليتباطأ بعض الشيء خلال الأسابيع القليلة الماضية.

والهيئة الرئيسية التي تتبع وزارة الاستثمار الآن هي الهيئة العامة للاستثمار، والتي ترأس الوزيرة مجلس إدارتها. الهيئة العامة للاستثمار معنية بشكل مباشر بالمحاور الثاني والثالث والرابع.. وفي رأيي أن هناك أولويات ثلاثا يجب أن تحظي باهتمام الوزيرة خلال الشهور الثلاثة القادمة هي: أما الأولوية الأولي فهي إعادة هيكلة وتطوير أداء الهيئة العامة للاستثمار، فهي البوابة الرئيسية للاستثمار في مصر.

والملفات الرئيسية التي تقع تحت مسئولية وزارة الاستثمار تتولاها عملياً الهيئة العامة للاستثمار. وأرجو من الوزيرة ألا يقتصر اهتمامها علي الملف الأول الخاص بالترويج، فالملفان الخاصان بالإطار التنظيمي والرقابي وكذلك فض المنازعات لا يقلان أهمية عن ملف الترويج، فالترويج ليس فقط لمشروعات بعينها، بل هو ترويج لمناخ الاستثمار باعتباره منتجا. فكيف يمكن الترويج لمصر أو للاستثمار فيها ما لم يتم رفع كفاءة الأداء الرقابي والتنظيمي وسرعة فض المنازعات؟ فهذه هي الملفات الرئيسية التي تشغل المستثمرين. وباعتباري واحداً من المتعاملين مع ملف الاستثمار علي مدار الثلاثين عاماً الماضية؛ أؤكد بلا تردد أن تطوير منظومة العمل وأداء الهيئة هو الأولوية الأولي وسيكون له مردود إيجابي، ويجب أن تكون القيادة التنفيذية الجديدة للهيئة ذات خبرة إدارية رفيعة المستوي ودراية بمقتضيات العمل الرقابي والتنظيمي المعنية بها الهيئة. فهيئة الاستثمار ليست بنك استثمار وليست مستشارا ماليا، وليست شركة من شركات ترويج الاستثمار بمفهوم سوق المال وأنشطة الاستحواذ، فمجرد نجاح شخص في هذه المجالات لا يعني قدرته علي إعادة هيكلة وتطوير هيئة الاستثمار، فدورها أكبر بكثير من ذلك، فهي تضم وظائف عدة رئيسية - التسويق واحد منها. ولكن منح التراخيص، واعتماد إجراءات التأسيس، وفض المنازعات، وتمثيل الجهات الحكومية، والتفتيش علي الشركات، وزيادات رءوس الأموال، واعتماد الجمعيات العمومية وقرارات مجالس الإدارة، واعتماد التقييمات، وتخصيص الأراضي، وإدارة ملفات المناطق الحرة العامة والخاصة، ومتابعة الموافقات الأمنية، وفك الاشتباك مع هيئة الرقابة المالية والتنمية الصناعية وجهاز شبه جزيرة سيناء، والمحافظات، والسجل التجاري... كلها أمور إجرائية ولكنها تمثل المنغصات الحقيقية للاستثمار في مصر، لو تم حلها بشكل عاجل لصارت مهمة الترويج للاستثمار مسألة في غاية البساطة، فالبداية لإصلاح مناخ الاستثمار تكمن في التطوير المؤسسي لأداء هيئة الاستثمار.

لو لم يكن الجهاز التنفيذي الأعلي للهيئة محيطاً وملماً بهذه الملفات فسيجد نفسه خلال أيام قليلة قد وقع في فخ البيروقراطية لا يقوي علي اتخاذ قرار إصلاحي واحد.

أما الأولوية الثانية خلال الثلاثة شهور الأولي فهي تخص وضع ملف السياسات وخطة العمل الخاصة بإزالة معوقات الاستثمار الرئيسية في مصر، علي أن تُعتَمد هذه السياسات والخطة من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، لأن تنفيذ هذه السياسات يدخل في اختصاص كافة أجهزة الدولة تقريباً، وهو ما يقتضي المسئولية التضامنية لمجلس الوزراء عن تنفيذ هذه السياسات، ولعل أبرز رءوس موضوعات المعوقات الواجب اقتحامها الآن: تخصيص الأراضي الصناعية - تخصيص أراضي الاستثمار الزراعي - توفير الطاقة - تراخيص التشغيل الصناعي - الموافقات الأمنية بشأن الأجانب المساهمين في شركات الاستثمار - الربط والفحص الضريبي - الإجراءات الجمركية - العملة الأجنبية - النقل البري والنهري فيما يخص التجارة الداخلية - تصفية المشروعات - إجراءات الصلح الواقي من الإفلاس - تسوية المنازعات التجارية.

وبالمناسبة سيدتي الوزيرة توجد سياسات ودراسات مستفيضة لدي الوزارة والهيئة بشأن هذه الموضوعات جميعاً... فقط تحتاج تنفيذها وأولويات لتطبيقها.

أما الأولوية الثالثة، فهي سرعة البت في المنازعات المنظورة الآن أمام لجان فض المنازعات المختصة، والأهم هو إنفاذ قراراتها. إذا تحققت الأمور الثلاثة السابقة فسنكون قد أزلنا 75% من مشكلات الاستثمار في مصر. لا تشغلي بالك كثيراً معالي الوزيرة بإصدار قانون جديد للاستثمار، فهذه خطوة تالية وليست ضرورية الآن.

كلمة أخيرة: إذا ركزنا في حل المشاكل السابقة - وهي ليست عويصة كما يبدو - فإن التسويق للاستثمار في مصر لن يكون أمراً عسيراً، ولكن اليقين أننا إذا بدأنا في الترويج والتسويق للاستثمار بشكل عام ولمشروعات أو أفكار مشروعات بشكل خاص دون إصلاح الهيئة وسياسات الاستثمار وفض المنازعات؛ فسوف نرمي فلوس المواطن الغلبان في الأرض، فنجاح التسويق يعتمد في الجانب الأكبر منه علي جودة المنتج، والمنتج هنا هو مناخ الاستثمار. لو لم نفعل ذلك فسيكون بمثابة الحرث في البحر. اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الأربعاء، 20 أبريل 2016

الانتحار القومي!!

جريدة الاخبار - 21/4/2015

استخدم الرئيس السيسي في أحد أحاديثه مؤخراً تعبير "الانتحار القومي"، وذلك في إشارة إلي انتشار حدة النقد لأداء الحكومة والمؤسسة الرئاسية في الإعلام وعلي مواقع التواصل الاجتماعي والتداول الإلكتروني، وكذلك انتشار ظاهرة جلد الذات وتضخيم الأخطاء وتسفيه الإنجازات. وأوضح الرئيس أن تعاظم تلك الظواهر يؤدي إلي فقدان الأمل في المستقبل ومتابعة الإنجازات علي أرض الواقع، وتفكيك الأمة. وقد أعزي الرئيس ذلك إلي وجود مؤامرة مدبرة تسعي لذلك وتعمل ليل نهار لتعزيز الانشقاق والاختلاف داخل مصر، والحد من التقدم والعمل علي انهيار مصر. واعتبر الرئيس ذلك الاستنزاف المعنوي لمصر يمثل الجيل الرابع من أنواع الحروب التي تساق ضد الأمم، فلم تعد الحروب ومحاولات الاحتلال عسكرية اقتصادية فقط بل تعدت ذلك إلي الحروب النفسية والإلكترونية.

ولاشك أن عمليات اصطياد الأخطاء وتضخيمها وتسفيه النجاحات أمر نشهده، ولا شك أيضاً أن هناك حالة من الإحباط تسود المزاج العام في مصر، وقدرا من التشاؤم حول غد أفضل، ويقيناً -في رأيي الشخصي -أن حالتي الإحباط العام والتشاؤم العام فيهما قدر من المبالغة لا يتناسب مع الواقع. ويقيني كذلك أن هناك كثيرا من المعلومات المغلوطة والمغرضة يتم تداولها علي مواقع التواصل الاجتماعي والتداول الإلكتروني، وأن كثيرا من هذه الأخبار يتم التعامل معها علي أنها أخبار مؤكدة ومعلومات صحيحة. ولا شك أن كثيرا من هذه المعلومات المغلوطة والأخبار غير الصحيحة تستهدف خلخلة الأفكار وإفقاد الثقة في المؤسسة الرئاسية وسلامة قراراتها ونزاهة المؤسسات الحكومية. ولا شك أيضاً أن هناك كتائب إخوانية وغير إخوانية تعزز هذا النوع من الحروب التي أسماها الرئيس الجيل الرابع أو الخامس من الحروب.ولا شك أيضاً أن هناك فوضي فيما يتم نقله وتداوله والتعامل معه علي أنه حقائق من قبل بعض المدونين، ويتم النقل عنهم في الصحف والبرامج التليفزيونية.

ليس لديّ اعتراض علي كل ما سبق، ولكن المؤكد أيضاً أن أجهزة الدولة -بما فيها مؤسسة الرئاسة -تساهم بشكل كبير غير مقصود في تكريس ظاهرة "الانتحار القومي"، وأنها ترتكب أخطاء جسيمة في إدارة الملف الإعلامي والتواصل مع الرأي العام داخلياً وخارجياً، ولا شك أن سوء إدارة هذا الملف يعطي فرصة ذهبية واحدة تلو الأخري للمتآمرين ومتصيدي الأخطاء -إن وجدوا، وفي يقيني أن 50% علي الأقل من الأخبار المغلوطة وغير الدقيقة أجهزة الدولة هي المسئولة عنها. ودعوني أضرب بعض الأمثلة لما أقول؛ قضية مقتل الطالب الإيطالي "ريجيني"، والتي تم استغلالها سياسياً في الداخل والخارج بشكل أضر بالمصالح الوطنية المصرية؛ لا شك أن أداء الأجهزة الحكومية في إدارة هذا الملف كان بالغ السوء، وتضمن أخطاء جسيمة وأساء لسمعة مصر بكل ما تعنيه الكلمة، وأساء لعلاقة مصر بإيطاليا... وهذه الأخطاء كانت صناعة مصرية حكومية 100%، وأعطت الدولة علي طبق من فضة الفرصة كاملة لكل من يريد استغلال هذا الملف. وقد كانت اللقطة الأولي حكومية حينما أعلن أحد المسئولين في اللحظة الأولي أن الحادث هو حادث سير مروري عادي!!! وتبين بعد ساعات قليلة أنها عملية قتل مصحوبة بتعذيب وحشي، فكان هذا التصريح المتسرع الأبله قرينة علي أن الحكومة المصرية تحاول أن تخفي شيئاً... وجاءت اللقطة الثانية حينما بدأ بعض الإعلاميين المحسوبين علي أجهزة الدولة في الترويج إلي أن الحادث مرتبط بشبهات علاقات شذوذ جنسي!! وبدأ بعد ذلك الترويج لفكرة وجود علاقات نسائية... وظهر في اللقطة الثالثة شاهد زور تمت استضافته في بعض البرامج الإعلامية أيضاً المحسوبة علي أجهزة الدولة!! وبعد أن تبين كذب هذه الادعاءات لم يعلن عما تم اتخاذه من إجراءات ضد هذا الشخص... وجاءت اللقطة الرابعة عن طريق الداخلية المصرية في حركة تراجيدية حينما أعلنت عن قتل أفراد عصابة، وأنها وجدت في منزل أحدهم كافة متعلقات "ريجيني" بما فيها نقوده بعد مقتله بأسابيع عدة... وكان بيان الداخلية مرتبكاً فأوحي في البداية بأن أفراد العصابة خمسة، وتبين أن أحد المقتولين برصاص الشرطة هو سائق ميكروباص لا علاقة له بأفراد العصابة، وبعد ذلك كان هناك تلميح بأن أفراد العصابة المقتولين هم المسئولون عن اختطاف وقتل "ريجيني" وبعد ذلك نفت الداخلية ذلك، وأعلنت الداخلية في بيانها أن "هذه العصابة متخصصة في سرقة وخطف الأجانب"!!. من هنا الذي يسيء إلي السياحة المصرية وينشر أخباراً سيئة عن الوضع الأمني؟ أعتقد أن بيان الداخلية "جه يكحلها عماها"، فأقرت بأن هناك عصابات في مصر متخصصة في خطف وقتل الأجانب في الوقت الذي يكرس كافة المصريين جهودهم لنقل صورة مشرقة عن مصر، وعن استتباب الوضع الأمني فيها... أيضاً تناولت الجهات الرسمية الحكومية قضية الشاب المصري المختفي في إيطاليا وكأنها رد فعل غاضب وليس إيماناً حقيقياً بأنها تبحث عن حقوق المصريين وتدعم مواطنيها. وأخيراً اتهام بعض البرلمانيين المصريين لأعضاء البرلمان الأوروبي بالعمالة وحصولهم علي رشاوي!! هذا العبث الحكومي والبرلماني فتح الباب علي مصراعيه للتشكيك والنيل من مصر، فالمؤامرة صنع محلي.

المثال الآخر، كان جزيرتي تيران وصنافير؛ لا شك أن إجراء المفاوضات بين الجانبين المصري والسعودي بشكل سري، واجتماع اللجان الوطنية المصرية أيضاً بشكل غير معلن عنه كان له مبرراته القوية من وجهة نظر المؤسسة الرئاسية، فكان هناك حرص علي عدم إضعاف العلاقة المصرية السعودية في هذا التوقيت وإثارة أزمات سياسية وتلاسن من خلال الوسائل الإعلامية، ولا شك أن المؤسسة الرئاسية ارتأت -وهذا تخميني وليس بناءً علي معلومات -أن السرية أفضل في معالجة هذا الموضوع، إذ إن الإعلان عنه مسبقاً في ظل الفوضي الإعلامية قد يسيء ويضعف أواصر الأمن القومي والعلاقات بين البلدين. أتفهم هذا... ولكن لا شك أن المؤسسات الحكومية لم تعالج الأمر، ولم تتواصل مع الإعلام والرأي العام الوطني بشكل جيد، لا قبل التوقيع علي المعاهدة الخاصة بترسيم الحدود ولا بعدها... ولا الشرح الحكومي لموقف مصر القانوني كان كافياً، فأنا شخصياً -وأقولها بمنتهي الموضوعية والحيادية -لم أقتنع بما جاء علي لسان المؤسسات الرسمية للدولة... ليس لأنني لا أصدقهم، ولا لأنني لديّ قناعات مختلفة، ولا لأنني لا أريد أن أقتنع بوجهة النظر الحكومية، ولا لأنني أريد التشكيك في كل ما هو حكومي، ولا لأنني أتعامل مع المسألة بشكل عاطفي، ولا لأنني غير قادر عقلياً علي فهم هذه الأمور القانونية والجغرافية والتاريخية والسياسية المتشابكة... ولكني لم أقتنع لسبب بسيط آخر هو أن ما تم عرضه من المؤسسات الرسمية كان مبتسراً وعاطفياً، وكان يعتمد علي لغة تخاطب فوقية تعتمد علي أن الحكومة تعرف أكثر، أو أن خبرتها فوق كل الشبهات، أو أن كل من يعترض فهو إما لا يفهم أو أنه يفتي أو أنه مغرض... لم تعرض الحكومة في مؤتمر تفصيلي خرائطها التي اعتمدت عليها، ولا الوثائق التاريخية الدامغة، ولا التسلسل التاريخي والقانوني ولم يكن هناك فريق فني يقف يشرح باستثناء د.مفيد شهاب، وكان حديثه أيضاً مختصراً وغير شافٍ. وكذلك فإن ظهور رئيس مجلس الوزراء وكأنه غير معني بالمسألة، والاكتفاء ببيان وحيد، والارتكان إلي مركز معلومات مجلس الوزراء في قضية سياسية بهذه الحساسية... كل هذا أضعف الموقف المصري الرسمي وترك الفرصة سانحة للتشكيك.

أدعو المؤسسة الرئاسية ورئيس الوزراء إلي دراسة ملف التواصل السياسي والإعلامي مع الرأي العام المصري، وكيفية التعامل السياسي مع القضايا الداخلية... نعم توجد مؤامرات إخوانية، ومعارضة داخلية، وفوضي إلكترونية، وتحرشات أجنبية ربما -لا أعلم - وسيوجد محاولات مستميتة لإضعاف المؤسسة الرئاسية... ولكن يجب أن نعترف - وهذه هي الخطوة الأولي في الإصلاح -أننا نرتكب أخطاء جسيمة وقاتلة من صنع أيدينا، فخطاب المؤسسة الحكومية السياسي ضعيف للغاية، وردود الفعل بطيئة، والأجهزة مفككة، ومن يتولون هذه الملفات السياسية والإعلامية الحساسة من غير المتخصصين، يجب معالجة هذه الأمور أولاً، فليس كل مشاكلنا بسبب التآمر علينا!!!


الحقوا أنفسكم قبل أن تتحول "مؤسسات الدولة العميقة" إلي "مؤسسات الدولة العبيطة"... نريدها مؤسسات وطنية ذكية احترافية. اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 14 أبريل 2016

وقت الشدة مفيش فصل بين السلطات!!! والله عيب

جريدة الاخبار - 14/4/2016

(1) أحداث هذا الأسبوع كانت مزعجة وصاخبة في معظم جوانبها. ولكن من أكثر الأمور التي هزتني كان تصريحاً منسوباً إلي رئيس البرلمان المصري د.علي عبد العال، هذا التصريح قرأته علي موقع يسمي «مصر العربية»، ونص التصريح المنسوب إلي رئيس البرلمان كالآتي: «ساعة الشدة مفيش سلطة قضائية ولا نيابية ولا تنفيذية واحنا في الوقت ده». وينسب الموقع إلي د.علي عبد العال كذلك قوله مخاطباً نواب الشعب: «كلكم تعلمون الظروف التي تمر بها البلاد، السلطات جميعها عليها أن تتعاون ولا يوجد فصل بين السلطات الآن!! وأحذركم من الهجوم علي الحكومة في الوقت الحالي، ما يصحش كده»!!... لا توجد أية تكذيبات لهذه التصريحات التي لو صحت فإنها تعد عاراً، ونكسة للسياسة والحياة النيابية في مصر. فإهدار مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، وإنكار الدور الرقابي للسلطة التشريعية حينما يصدر عن رئيس البرلمان في جلسة برلمانية هو فضيحة بكل المقاييس... هل يمكن أن نثق في البرلمان إذا كانت هذه هي عقيدة رئيسه؟ هل يمكن أن نثق في بناء حياة ديمقراطية ورقابة حقيقية علي أداء الحكومة ومساءلتها إذا كان هذا هو المبدأ الذي يريد أن يرسيه رئيس البرلمان؟ هل تأييد الحكومة - عمّال علي بطال - وعدم مساءلتها وعدم محاسبتها علي الأخطاء هو السبيل للاستقرار ومواجهة الأخطار؟ لا يا دكتور عبد العال، ما تقوله - إن صح -هو هدم للاستقرار، ومسح بأستيكة لبناء نظام سياسي ودستوري سليم في هذا البلد، ونفاق سياسي لا يليق بمقام رئيس مجلس النواب، وتغييب لنظام المساءلة السياسية، وقتل لآمال وطموحات شباب هذا البلد!! هيبة البرلمان والثقة فيه، ومن ثم تحقيق الاستقرار السياسي؛ لن يتحقق إلا باحترام الدستور، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات، وتفعيل الرقابة البرلمانية، واحترام حق أعضاء مجلس النواب في استخدام حقوقهم الدستورية والقانونية... أقسم بالله أن هناك بعض الوزراء في الحكومة الحالية صرحوا لي - وأعلم مدي صدقهم - بأنهم يسعون ويرغبون في رقابة حقيقية علي الحكومة وطلبات إحاطة وأسئلة ومناقشات جادة وموضوعية بعيداً عن التشنج لأن هذا هو الطريق الوحيد لبناء مصر جديدة وتقوية مؤسسات الدولة من خلال إعمال نظام المساءلة وتداول السلطة... حرام عليك مصر يا دكتور عبد العال... ليست بالنوايا الطيبة وحدها تبني البلاد.

(2) في ظل حالة التوهان والتعتيم ونظريات الحرب خدعة التي تتعامل بها أجهزة الدولة مع الرأي العام، فيفاجأ الجميع بأن هناك اتفاقات لترسيم الحدود تدور مفاوضاتها منذ شهور بين مصر والسعودية. في ظل غياب الإفصاح والشفافية، وفي ظل غياب التواصل الجيد والمنطقي، وفي ظل غياب المعلومة بشكل كاف وبشكل صحيح، وفي الوقت المناسب تنفتح الأبواب علي مصراعيها لكل التشوهات والقلائل التي نعيشها، وأؤكد أنها صناعة مصرية 100% ولا يوجد بشأنها لا مؤامرات خارجية ولا يحزنون.

سؤال بسيط، لماذا لم يحدث نفس اللغط والمشكلات التي تحدث بمناسبة مقتل الطالب الإيطالي ريجيني؛حينما قتل بطريق الخطأ عدد كبير من السياح المكسيكيين رغم جسامة المأساة؟ السبب هو المعلومة والإفصاح. ففي حالة المكسيكيين كان معلوماً ماذا حدث، وأنها كانت نيران صدرت علي سبيل الخطأ، وأن السياح كانوا في منطقة عمليات محظورة، واعتذرت الحكومة المصرية، وتحدث الرئيس السيسي هاتفياً مع القيادة المكسيكية في لحظتها... نعم كان للحادث تأثير سلبي علي السياحة وله تداعياته، ولكنه وضع في موضعه الحقيقي لأن ملابساته وظروفه أعلنت وتم تقييمها بحجمها الحقيقي. وتكرر نفس الشيء في حادث الطائرة الروسية، وحاولنا في البداية إخفاء الحقيقة وتعجلنا في التصريحات غير الدقيقة وكاد الأمر يتحول إلي كارثة لولا أن رضخنا في النهاية لصوت العقل وبدأنا في التعاون مع من حولنا، وهنا بدأنا نشهد انفراجة فبدأ الألمان خطوة نحو التصريح لسائحيهم في السفر إلي شرم الشيخ، ولا شك ستتبع الدول الأوروبية تدريجياً ذات الخطي بعد أن تعاملنا بشفافية وعلانية مع إجراءات التأمين المتبعة وسمحنا بسبل التعاون والتحقق من الدول المعنية. الموضوع بسيط ولا يتعلق بمؤامرة، فإذا كان لدينا سياسة فلدي الدول الأخري اعتباراتها السياسية أيضاً، وإذا كنا حريصين علي تدفق السياحة إلينا فهم حريصون علي سلامة وأمان مواطنيهم، وثبوت تراخي الحكومة البريطانية أو الألمانية في حماية مواطنيها أو السماح لهم بالسفر رغم وجود معلومات استخبارية بشبهة وجود حادث إرهابي كفيل بالإطاحة بديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في غضون ساعات، علينا أن نتفهم ذلك، ونضع ذلك في حسباننا...

نفس الأمر ينطبق علي عملية القتل والتعذيب البشعة للطالب الإيطالي في مصر... الأمر بالنسبة للحكومة الإيطالية والحوار كله يتصل بالرغبة في معرفة الحقيقة... هناك حوادث قتل لفرنسيين وإيطاليين وقعت خلال العشر سنوات الماضية أحيط أنا شخصياً ببعض وقائعها، ولم يثر هذا اللغط لأن ظروف هذه الجرائم كانت واضحة وتم الكشف عن مرتكبيها وكانت الملابسات معلومة لدي المحققين ولدي السفارات المعنية، أما هنا فنحن نتحدث عن تعذيب واختفاء قسري وظروف مريبة وتعتيم وضغط إعلامي وضغط من الرأي العام الإيطالي... نحن نتعامل مع الأمور وكأننا نعيش في عالم افتراضي، وكأننا نعيش وحدنا في هذا العالم، وكأنه لا توجد ضغوط علي رئيس الوزراء الإيطالي «ماتيورينزي» صديق مصر، وكأن الحكومة الإيطالية غير معنية بالحادث، وكأنها غير مطالبة بحماية مواطنيها، وكأن ملابسات الحادث عادية.

لنعترف... الحكومة تحاول طمس الحقائق، وأنها تتعامل مع الرأي العام المصري والرأي العام الخارجي بسطحية شديدة، وبتعال، وبنظرية «اخفي علي شمعتك تقيد»، وكان ذلك واضحاً في ملف جزيرتي تيران وصنافير، وحادث «جوليو ريجيني» وغيرهما... ويجب أن نعترف أننا «فشلة» في الإفصاح وفي التواصل مع الإعلام، وأننا نستحق «صفر» - شبيه بـ»صفر» المونديال - في التعامل مع الرأي العام والإعلام المصري والأجنبي، وأن عدم دقة المعلومات وإخفاءها أو تأخر الإفصاح عنها هو المسئول الأول عن حالة الجدل علي مواقع التواصل الاجتماعي والتشكيك، فرئيس الوزراء لا يتواصل بشكل دوري، ولا يوجد أي تواصل جيد بين أي من مؤسسات الدولة والإعلام والرأي العام في أوقات الأزمات وإن تحقق هذا التواصل فيكون عادة متأخراً ورداً للفعل... نحن نستخدم القوة الناعمة ضد مصالحنا وليس العكس... الشعب يريد أن يعرف!!... حينما يغيب البرلمان عن مناقشة هذه القضايا الحيوية يسيطر الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي علي المشهد، وتتفاقم العبثية بكل معانيها.

وبالمناسبة أهدي البرلمان المصري والحكومة المصرية خبراً اطلعت عليه مؤخراً وهو أن البرلمان التونسي أقر بأغلبية ساحقة في 14 مارس 2016 قانون حرية تداول المعلومات بعد إجراء بعض التعديلات عليه. وتشمل هذه التعديلات توسيع قاعدة الهيئات الحكومية الملتزمة بالإفصاح وتشمل علي وجه التحديد رئاسة الجمهورية ومكتب رئيس الوزراء والقضاء والبرلمان، كما أدخلت التعديلات لتوسع قاعدة المعلومات الواجب الإفصاح عنها، ووجوب نشر المعلومات علي المواقع الرسمية لهذه الهيئات، ويمكن لأي شخص أن يطلب معلومات دون توضيح الغرض أو تقديم بطاقة الهوية، ولا يجوز رفض تقديم المعلومة إلا لأسباب محددة علي سبيل الحصر وهي أن يكون الإفصاح عن المعلومة المطلوبة يهدد الأمن القومي أو العلاقات الدولية أو حقوق الآخرين في حماية حريتهم الخاصة، ويجب أن يكون قرار الرفض مسبباً ويخضع لرقابة القضاء... بالمناسبة مصر فيها مشروع لقانون حرية تداول المعلومات منذ عام 2006 ولكنه في الثلاجة... أرجو من أعضاء مجلس النواب إحياء هذا المشروع، فحق المواطن في المعرفة وفي المعلومة وفي الرقابة وفي المشاركة في القرار حق من حقوقه الدستورية... أنا آسف نسيت أن البرلمان المصري يرفض بث جلساته، أو الإفصاح عن ميزانيته... والله عيب!!! اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 7 أبريل 2016

دولة الفرص الذهبية بديلاً عن دولة الفرص الضائعة

جريدة الاخبار - 7/4/2016

تعرض الأستاذ ياسر رزق رئيس التحرير في مقاله يوم الأحد الماضي لموضوع في غاية الأهمية، وهو دعم الصادرات. وأبدي رزق في مقاله معارضته لزيادة دعم الصادرات المقترح في الموازنة الجديدة والمقرر أن يصبح 5.1 مليار جنيه بدلاً من 3.5 مليار جنيه طبقاً للموازنة الحالية، واعتبر الصديق ياسر رزق هذا الدعم أنه دعم للأغنياء. وتساءل: هل من المنطقي أن نتحدث عن ترشيد الدعم المقدم للمواطنين المصريين، بينما نحن ندعم المستهلك الأجنبي الذي يشتري السلع والبضائع المصرية؟!!


وليسمح لي الأستاذ/ ياسر رزق أن أختلف معه... فدعم الصادرات هو دعم لعملية الإنتاج، ودعم للفقراء وليس دعما للأغنياء... كيف؟ دعم الصادرات مفهومه - ببساطة مفرطة -يعني أن هناك جزءاً من تكاليف الإنتاج تسدده الدولة لحساب الشركات المصدرة للسلع والبضائع المنتجة أو المزروعة في مصر، وتكون مساهمة الدولة في هذه التكلفة مشروطة بإتمام عمليات التصدير إلي الخارج وتوريد العائد النقدي الأجنبي إلي داخل مصر.

والسؤال المطروح؛ هل يجب أن تستمر الحكومة في هذا الاتجاه؟ أم أنها يجب أن تعيد النظر فيه وأن توقفه؟... والرأي عندي قولاً واحداً؛ أنه يجب علي الحكومة أن تستمر في تحفيز النشاط التصديري وعليها أن تتوسع في هذا الاتجاه. إن دعم الصادرات ليس بدعة مصرية بل هو اتجاه تقوم به العديد من الدول التي نجحت في غزو الأسواق العالمية وعظمت من ناتج عمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي فيها.

ويحضرني في هذا الموضوع أنه أثناء إعدادي لدراسة الدكتوراه بجامعة لندن - منذ 25 عاماً تقريبا - كنت أتناول صناعة الإنشاءات الدولية، ولفت انتباهي أن المقاولين وموردي المعدات من كوريا الجنوبية وتركيا كان لهم نصيب الأسد في مشروعات البنية الأساسية والمشروعات الكبري في السعودية ودول الخليج خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي، وكان لها حصة أكبر من الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية - رغم فارق الخبرة في هذا المجال. وكانت الأسعار التي تضعها الشركات التركية والكورية أكثر تنافسية، وأقل بكثير من تلك التي يضعها منافسوها. أسفرت الدراسة التي أعددتها في ذلك الوقت أن السبب الرئيسي للقدرة التنافسية لهذه الشركات ليس في قلة تكلفتها أو بسبب انخفاض أجور العاملين فيها؛ بل كان نتيجة للدعم الحكومي لهذه الشركات الخاصة من حكومتي تركيا وكوريا الجنوبية... كيف؟ كانت أسعار هذه الشركات تقل عن الأسعار المحددة من الشركات العالمية المنافسة بأقل من 15% أو 20%! وكانت حكومتا كل من تركيا وكوريا الجنوبية تقومان بسداد هذا الفارق للشركات التركية والكورية... بمعني لو أن السعر العالمي للمشروع مليار دولار، فإن السعر الذي تضعه شركة هيونداي الكورية - علي سبيل المثال - كان 800 مليون دولار، فترسي عليها المناقصة، وتقوم الحكومة الكورية بسداد هذا الفارق لشركة هيونداي، فتصير هذه الشركات أكثر تنافسية وتحصل علي حصص أكبر في السوق الخليجية والسوق العالمية وتحقق نفس هامش الربح الذي كانت ستحققه الشركات المنافسة. لماذا كانت تفعل ذلك حكومتا تركيا وكوريا الجنوبية؟ لا شك لم تكن تفعل ذلك لدعم الخزانة السعودية!! وإنما كانت تفعل ذلك نظير التزام شركاتها بتشغيل العمالة الكورية والتركية، وتوسيع حصصها في السوق العالمية بشكل سريع، ودعم الميزان التجاري والنقدي لصالح هذه الدول، ومن ثم زيادة معدل نموها الاقتصادي بشكل سريع ومطرد. وبعد فترة - لم تزد عن عشر سنوات - رفعت الحكومات أيديها، وصارت الشركات التركية والكورية قادرة علي المنافسة والحفاظ علي حصصها في السوق العالمية دون دعم حكومي.

إن دعم الصادرات له أهداف عديدة ليس من بينها دعم الأغنياء بل تصب جميعها في المصلحة العامة والعدالة الاجتماعية... إن الهدف الرئيسي من دعم الصادرات النقدي هو خلق حافز لتشجيع الإنتاج والمصانع التي تقوم بالتصدير وتشغل عمالة مصرية وتجلب عملة أجنبية داخل السوق المصري، وتساهم في تقليل فجوة العجز في ميزان المدفوعات والميزان التجاري. إن دعم الصادرات هو دعم لعملية الإنتاج وليس دعما للاستهلاك... لن تقوم لمصر قائمة ولن تكون رقماً صحيحاً في العالم المعاصر لو لم نشجع الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، ونكون منافسين حقيقيين في التجارة العالمية. وتحفيز النشاط التصديري هو إحدي هذه الآليات، ويجب أن يتسع هذا التشجيع للمصانع كثيفة العمالة. وعلي الدولة تشجيع هذه المشروعات من خلال مزايا غير ضريبية منها أن تقوم الدولة بسداد جزء من مستحقات استهلاك الطاقة، أوسداد جزء من تكلفة التأمينات الاجتماعية، أو المساهمة في نفقات التدريب والتأهيل للعاملين... ويجب أن يتسع التشجيع ليشمل علي وجه الخصوص المشروعات التي تعمل في المناطق النائية وصعيد مصر، فذلك يصب في تحقيق العدالة الاجتماعية قولاً وفعلاً، إن الهدف هو تشغيل الشباب. إن تحفيز الصادرات ليس دعما للمستهلك الأجنبي وإنما لرفع قدرة شركاتنا التنافسية لأنه لو أن شركاتنا ومصانعنا لم تستطع تقديم أسعار منافسة؛ فإن الاستيراد سيتم من دول أخري تدعم صادراتها، وسيزداد العجز التجاري وتتفاقم مشاكلنا المرتبطة بتوفير العملة، ويزداد التضخم وارتفاع الأسعار داخل المجتمع المصري.

إن تحفيز النشاط الصناعي والزراعي أمر حتمي لزيادة الإيرادات السيادية ورفع كفاءة منظومة العدالة الاجتماعية. إن تحفيز الصادرات والإنتاج هو دعم للفقراء لتحسين أحوالهم المعيشية وخلق فرص عمل أفضل، ولزيادة موارد الدولة، وهو دعم للتشغيل، ودعم للإنتاج الوطني، ودعم للعملة الوطنية، ودعم للخزانة العامة، ودعم للاحتياطي النقدي الأجنبي... صححوا النظام إن كان هناك عيب في التطبيق ولكن لا تقتلوه، فالعيب فينا وليس في دعم الصادرات الذي نجح في العديد من دول العالم.

لقد تحولت مصر خلال العقود الماضية علي أيادي البيروقراطية المصرية من أرض الفرص الذهبية إلي أرض الفرص الضائعة. إن رؤية مصر 2030 التي وضعتها الحكومة المصرية، أعلنت فيها أنها تستهدف أن يصل صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلي 15 مليار دولار أمريكي عام 2020. ولك أن تعرف يا صديقي المواطن أن هذا الرقم الذي نسعي إليه عام 2020 كنا قد حققناه عام 2007، فما نسعي إلي تحقيقه في المستقبل بعد أربع سنوات من الآن هو أن نحقق ما سبق أن حققناه من عشر سنوات!! أي أننا نحلم في عام 2016 أن نحقق في عام 2020 ما كنا قد حققناه في عام 2007!!! 

لقد خسرنا الكثير بسبب البيروقراطية، وبعد أن كنا نحاول أن نلحق بكوريا الجنوبية انخفض سقف طموحاتنا في التسعينات لنلحق بماليزيا، فانخفض سقف الطموحات مرة أخري لكي نحاول أن نلحق بتركيا في بداية الألفية الثانية، وعدنا لنخفض طموحاتنا الآن لكي نحتذي بحذو المغرب وتونس. أرجو أن نرفع مرة أخري من سقف طموحاتنا وأحلامنا... مصر لديها القدرة علي جذب ما لا يقل عن عشرين مليار دولار سنوياً من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ولكن لن نستطيع أن نتحرك خطوة واحدة للأمام إذا تحركنا بنفس الفكر الحالي الذي يسيطر علي مناخ الاستثمار... انسفوا نظام التراخيص الصناعية العقيم الحالي الذي يستوجب خمس سنوات لتشغيل مصنع، وطبقوا النظم الحديثة في العالم من حولنا... حرروا نظم أسعار الأراضي للأنشطة الصناعية، فلا يجوز أن تزيد تكلفة الأرض عن 2% من إجمالي تكلفة الإنشاء والتشغيل... ادعموا المشروعات كثيفة العمالة، فكلما شغلنا مصريين أضفنا مزايا لهذه الشركات... دعموا مشروعات التصدير ولا تلغوا حوافز التصدير... ضعوا نظماً تناسب المشروعات الصغيرة من خلال نظم مرنة للمحاسبة المالية والموافقات والتراخيص والدعم الفني تلائم هذه المشروعات، بحيث يكون لدينا مئات الآلاف من هذه المشروعات في أقل من خمس سنوات... انسفوا كل الموافقات العقيمة التي لا لزوم لها والتي يعود بعضها إلي أكثر من مائة عام... طوروا من نظم السجل الصناعي والتجاري... فعلوا نظم الحكومة الإلكترونية ولا تخافوا من التجسس، فقوائم الأرقام القومية تباع للشركات في شارع عبد العزيز!!... انسفوا إجراءات الجمارك العقيمة بشأن التصدير وسهلوا ولا تعوقوا... رخص المباني لهذه المنشآت الصناعية يجب أن تصدر في خلال ثلاثين يوماً وليس ثلاثين شهراً... العالم كله يتحرك إلي الأمام... اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك