فإن المادة (29) من قانون الاستثمار
بعد تعديلها سقط منها الإشارة إلي المناطق الحرة الخاصة، فهل السقوط كان سهواً
أم عمداً؟ لا أعرف.
من أهم التعديلات التشريعية التي
أدخلت علي قانون الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 بمقتضي القانون رقم 17 لسنة 2015 الصادر
في 12 مارس من هذا العام؛ هو التعديل الخاص بالمادة (7) مكرراً (1). فهذه المادة تعد تطوراً تشريعياً جوهرياً في المسئولية
الجنائية، فنصت الفقرة الأولي من المادة المذكورة علي أنه في الأحوال التي
ترتكب فيها الجريمة باسم ولحساب الشخص الاعتباري؛ لا يعاقب المسئول عن الإدارة
الفعلية إلا إذا ثبت علمه بالجريمة واتجهت إرادته لارتكابها تحقيقاً لمصلحة نفسه
وغيره.
هذا الكلام معناه التأكيد علي أن
الجريمة شخصية، وأن رئيس مجلس الإدارة أو العضو المنتدب لشركة أو بنك لا
يعاقب ولا يكون مسئولا عن الجريمة الاقتصادية لمجرد صفته كرئيس مجلس إدارة أو
عضو منتدب. فالوضع السابق علي هذا القانون أدي إلي نتائج في غاية الغرابة،
فمثلاً لو أن هناك بنكا لديه 300 فرع، فقامت إحدي شركات الصيانة لفرع من
هذه الفروع بإلقاء مخلفات أو إشغالات للطريق، فإن رئيس البنك يجد نفسه
محبوساً، وهذا الوضع شديد الغرابة... وكذلك لو أن هناك شركة تقوم ببناء
مصنع، فقام المقاول أو الاستشاري بمخالفات لقانون البناء، يجد رئيس
مجلس الإدارة نفسه محبوساً بسبب أخطاء غيره رغم عدم علمه بوقوع الجريمة. فهذا
القانون جاء لكي يقرر مسئولية المدير عن الجرائم التي تقع باسم ولحساب شركته إذا
ثبت علمه بالجريمة واتجهت إرادته لارتكابها.
ويثور التساؤل؛ فماذا لو وقعت الجريمة
ولم يثبت علم المسئول عن الإدارة الفعلية بها، ولم تتجه إرادته لارتكابها؟
هل تظل المسألة بلا محاسبة ولا يكون هناك عقاب؟
جاوبت المادة (7) مكرر (1) في فقرتها الثانية علي هذا السؤال، فنصت علي
أنه في الحالة التي لا تثبت فيها مسئولية الشخص الطبيعي تعاقب الشركة أي
الشخص المعنوي- بغرامة
لا تقل عن أربعة أمثال الغرامة المقررة قانوناً للجريمة ولا تجاوز عشرة
أمثالها، ويجوز الحكم بإيقاف ترخيص مزاولة الشخص الاعتباري للنشاط مدة لا
تزيد علي سنة، وفي حالة العود أي ارتكاب الجريمة مرة أخري- يحكم بإلغاء
الترخيص أو حل الشركة بحسب الأحوال. فمعني هذا النص أنه إذا لم تثبت الجريمة في
حق الشخص الطبيعي أي مدير الشركة- كما لو ثبت عدم علمه بوقوع المخالفة،
أو أنه هو شخصياً لم يكن له أي تدخل فيما تم من مخالفات، ولم يسع لتحقيق
أي نفع لنفسه، أو ثبت وقوع الجريمة في وقت لم يكن هو شخصياً رئيساً للشركة
أو علي علاقة بها، ففي هذه الحالة توقع العقوبة علي الشركة المخالفة
ذاتها، وتصل العقوبة إلي إلغاء الترخيص ومنعها من مباشرة النشاط. فإذا افترضنا أن شركة قامت بتوريد أغذية فاسدة، ولم
يثبت في حق رئيسها أنه كان يعلم، وأن هذه التصرفات تمت بإهمال من
العاملين، أو لعدم اتخاذ الإجراءات الكافية لحفظها وتخزينها بشكل
سليم، فحتي ولو حكم بالبراءة علي الشخص الطبيعي لعدم اتجاه إرادته نحو
ارتكاب الجريمة، فإن عقوبة هذا الإهمال تصل إلي غلق نشاط الشركة بالكامل.
فهنا قرر المشرع المصري لأول مرة
المسئولية الجنائية للشركات، وهو حكم مستحدث. فالمشرع هنا أقام التوازن
بين المصالح المختلفة، ففي الوقت الذي لا يجوز فيه معاقبة شخص وحبسه لمجرد
صفته كمسئول، فإن العقوبة حال وقوع الجريمة الاقتصادية وعدم ثبوتها في حق
المسئول عن الإدارة الفعلية، فإنها ستوقع علي الشركة، وقد يكون لها
أثر أشد قوة لحماية مصالح المجتمع.
ورغم أنني مؤيد لهذا النص وفلسفته
إلا أن الحلو مايكملش، وللأسف حافظنا علي عادتنا السيئة، وهو عدم
إتقان صياغة النصوص التشريعية.
فالنص بصياغته الحالية فيه العديد
من الثقوب، وربما تكون مشاكله أكثر من فوائده. فهذا النص جاء كتعديل
لقانون الاستثمار وليس في قانون العقوبات، وعليه
فإنه لن يسري إلا علي الشركات المنشأة في ظل قانون الاستثمار، فشركات المقاولون العرب وبنك مصر والبنك الأهلي لن تستفيد من
هذا النص. وهنا
نقع مرة أخري في دائرة عدم الدستورية نتيجة عدم المساواة في أحكام القانون!! كما
أن النص بصياغته الحالية قد يمثل عقبة أمام القضاة عند تطبيقه لتعارضه مع
العقوبات المالية الواردة في قوانين المنافسة ومنع الاحتكار وحماية المستهلك
وغيرها. ويتغير تطبيق العقوبة رغم ارتكاب نفس الجريمة بحسب ما إذا كانت الشركة
أو المصنع المخالف تحت قانون الاستثمار أو قانون الشركات العادي!!
ومن التعديلات التي أدخلت علي هيكل
هيئة الاستثمار الحالية، هو النص علي تعيين رئيس تنفيذي لها، وأصبح
وزير الاستثمار هو رئيس مجلس إدارتها. وأنبه إلي ضرورة إعادة هيكلة الهيئة، فالوضع الحالي لم يعد مستقراً، فيجب أن يصدر وزير
الاستثمار فوراً قراراً بأن يكون للرئيس الحالي اختصاصات المدير التنفيذي
المنصوص عليها في القانون. فهناك حالة من شبه الشلل التام في أعمال الهيئة منذ
صدور القانون في 12 مارس، ولخبطة بشأن الاختصاصات، فتعطل كثير من
المصالح وتعطل دولاب العمل في أعقاب المؤتمر الاقتصادي، وهذه رسالة سلبية
للغاية أرجو التنبه إليها فوراً.
ولي ملاحظة أخيرة، فإن المادة
(29) من قانون الاستثمار بعد تعديلها سقط منها الإشارة إلي المناطق الحرة
الخاصة، فهل السقوط كان سهواً أم عمداً؟ لا أعرف. وهل سيترتب علي ذلك
إلغاء المناطق الحرة الخاصة القائمة أم سيستمر العمل بها؟ وهل سيتم المساس
بمراكزها القانونية المكتسبة أم ستعطيها الحكومة قبلة الوداع؟... هل من مجيب؟
ومن محاسن التعديلات الأخيرة إنشاء
لجنة للتظلمات من القرارات الإدارية الصادرة عن هيئة الاستثمار. وحسناً فعل
المشرع بأن جاء تشكيلها من خمسة أعضاء؛ ثلاثة من مستشاري مجلس الدولة،
واثنين من ذوي الخبرة ومن خارج العاملين بالهيئة، فلا
يتصور أن تكون الهيئة خصماً وحكماً في ذات الوقت، وهنا تفادي القانون أحد
العيوب الجوهرية الموجودة في قانون سوق المال، والتي تجعل إدارات هيئة الرقابة
المالية ممثلة في تشكيل لجنة التظلمات، وهو ما يخل بأبسط مبادئ العدالة
والحيادية. اللينك
|