الخميس، 25 ديسمبر 2014

اقتصاد بطعم السياسة

جريدة الاخبار - 25/12/2014


لقد سبقتنا بنجلاديش والمكسيك والبرازيل وماليزيا وإندونيسيا وتايلاند والهند في هذا المجال، فالتوسع في منح الائتمان لأصحاب المشروعات الصغيرة ضرورة ملحة



 (1) الإقصاء التمويلي: يعاني قطاع كبير من أصحاب المشروعات الصغيرة من الفقر التمويلي. فغالبية هؤلاء؛ مثل صاحب ورشة النجارة،أو كوافير حريمي في بداية نشاطه،أو صاحب ورشة خراطة،أو محل صغير لإصلاح الثلاجات،أو إصلاح السجاد... كل هؤلاء يعانون من قصور فرصهم للحصول علي تمويل من البنوك أو مؤسسات التمويل لدعم أنشطتهم أو التوسع فيها. كما أن هؤلاء محرومون من فرص الحصول علي قروض شخصية لشراء سيارة جديدة أو شقة؛ رغم قدرتهم علي سداد الأقساط. فالبنوك ومؤسسات التمويل وصناديق التمويل العقارية كلها لا تُقرض ولا تمول إلا أصحاب الدخول الثابتة مثل الموظفين والعاملين برواتب شهرية،أما أصحاب الحرف أو المشروعات الصغيرة ممن ليس لديهم دخل شهري ثابت مصدره محدد فليس لهم الأحقية في الحصول علي تمويل لأنشطتهم ولا لتمويل احتياجاتهم الشخصية. وهنا تبدو ظاهرة «الإقصاء التمويلي» جلية؛ فهناك قطاع كبير من المهنيين والحرفيين وأصحاب المشروعات الصغيرة -ممن لا يعملون لدي الغير- محرومون من الحصول علي تمويل،علي عكس الموظفين وأصحاب المشروعات الكبري. ولهذه الظاهرة تداعيات اقتصادية واجتماعية سلبية،شديدة الخطورة.. وأتعرض شخصياً للعديد من الحالات،فأتاني شاب منذ أسابيع قام بتأجير محل لبيع الورد ومشهود له بالكفاءة في هذا المجال،ويسعي لتجهيز محله واستخدام بعض المعدات،وأنفق أكثر من مائة وخمسين ألف جنيه،وكان في حاجة لمبلغ لا يزيد علي 30 ألف جنيه لاستكمال التجهيزات وافتتاح المحل،وواجه استحالة الحصول علي تمويل،فبطبيعة الحال ليس لديه دراسة جدوي،وليس لديه دفاتر منتظمة ولا مراقب للحسابات،وليس لديه تاريخ ائتماني،فهذا المبلغ الذي أنفقه هو كل ما يملك هو ووالداه،ولذلك كاد هذا المشروع أن يفشل قبل أن يبدأ لولا تدخل أولاد الحلال.. مثال آخر لصاحب ورشة يعمل منذ أكثر من ثلاثين عاماً في صناعة المشغولات النحاسية،ورشته قيمتها تتجاوز خمسمائة ألف جنيه،أراد شراء شقة سكنية في نفس الشارع الذي توجد فيه الورشة،وقيمتها 300 ألف جنيه،فتصور أنه أخيراً سيحقق آماله بعد ثلاثين عاماً من العمل المجهد والمضني،وذهب إلي كل البنوك العقارية وصناديق التمويل العقاري،إلا أن الأبواب كانت مغلقة في وجهه لأنه ليس صاحب دخل ثابت وليس له مرتب شهري،فالبنك المُقرِض يريد دخلا شهريا محدد المصدر حتي يستطيع الاستقطاع منه مباشرة. ونفس الصعوبات تثور بشأن إصدار بطاقات الائتمان.. والمحصلة واحدة،وهي أن هناك قطاعا كبيرا من المصريين وأسرهم رغم أنهم يعملون ويربحون إلا أنهم محرومون من الحصول علي الائتمان المصرفي،وهو ما يعني أنهم محرومون من فرص النمو ولا يعاملون علي قدم المساواة مع المواطنين الآخرين ممن يعملون برواتب ثابتة.. لقد رصد البنك الدولي هذه الظاهرة في مصر في تقرير نشر منذ ثلاثة أشهر،وأشار التقرير إلي أن استمرار هذه الظاهرة هو صورة من صور انعدام العدالة الاجتماعية وتهميش لفئة من المجتمع المصري من العاملين تتجاوز أكثر من نصف قوة المجتمع العاملة. علي البنك المركزي المصري والحكومة أن تضع برنامجاً واقعياً لتحقيق «الاحتواء التمويلي» Financing Inclusiveness.

لقد سبقتنا بنجلاديش والمكسيك والبرازيل وماليزيا وإندونيسيا وتايلاند والهند في هذا المجال،فالتوسع في منح الائتمان لأصحاب المشروعات الصغيرة ضرورة ملحة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتشجيع الأعمال الحرة والحد من القطاع غير الرسمي.

(2) بسكو مصر للمرة الأخيرة: أخذت عملية الاستحواذ علي شركة بسكو مصر مناحي سياسية،وجذبت اهتماما إعلاميا مبالغا فيه. وبنظرة هادئة للأمر برمته فإنه يمكن أن نخرج بعدد من الدروس المستفادة:
أولاً: مصر علي الرغم من كل ما تعانيه من أزمات لا تزال دولة جاذبة للاستثمار،خاصة في قطاع الصناعات الغذائية. وعلينا ألا نفقد الفرصة تلو الأخري؛ فنحن صرنا ننافس كل دول العالم علي جذب الاستثمار،فلا يجوز لنا أن نُصعّب المسألة علينا بالبيروقراطية وانعدام الرؤي،والصراخ الإعلامي والتحريض ضد الاستثمار الخاص.
ثانياً: الإعلام لا يزال يقفز علي النتائج ويضخم من القضايا،ويعطي بعض القضايا الاقتصادية منحي سياسيا أبعد ما تكون عنه،ويفتح ذراعيه لغير المتخصصين،وذلك دون تمحيص أو تأن أو دراسة،ولذلك؛ فإنه يجب الحرص في اختيار المعدّين لهذه البرامج وتأهيلهم ومدّهم بآلات البحث والدرس. فيجب أن نكون أكثر حرصاً في معالجة قضايا الاستثمار وألا نتعامل معها بشكل سطحي وكأنها أخبار حوادث.
ثالثاً: أسفرت هذه المسألة عن ظهور لوبي جديد للتأثير علي الرأي العام، وخطورة هذا اللوبي أنه يفتقر إلي أية حدود، فيبدو أن البعض في سبيل تحقيق مصالحه المالية لا يعبأ بقواعد المنافسة المشروعة،ولا يعبأ بنشر معلومات مغلوطة، ولا تعنيه مصلحة الوطن في شيء. كل ما يعنيه هو الفوز بصفقة هنا أو صفقة هناك.
إنني أدعو جهاز المنافسة ومنع الاحتكار، وكذا جهاز حماية المستهلك، وهيئة الرقابة المالية، ووزيرة القوي العاملة؛ لدراسة وتمحيص هذه القضية، ففيها دروس كثيرة مستفادة للمستقبل لتجنب التلاعب بالعاملين والمستهلكين والمصلحة الوطنية، واللعب بالوطن من أجل حفنة دولارات. اللينك
استمع الي مقالي عبر منصة اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الخميس، 18 ديسمبر 2014

عودة الوعي


جريدة الاخبار - 18/12/2014

إن عودة هؤلاء للعمل البرلماني مرة أخري -وهو أمر وارد في ظل التشرذم الحزبي- انتكاسة جديدة لمصر


بصدور  قانون تقسيم الدوائر تكون الخطوة التشريعية الأخيرة لنظام الانتخابات البرلمانية قد اكتملت. وهو ما يعني أن الانتخابات البرلمانية صارت علي الأبواب، وربما نري مجلس النواب القادم قد اكتمل تشكيله قبل نهاية مارس القادم. ولهذا المجلس دلالات هامة، فاكتمال الانتخابات البرلمانية بسلام –كما يتمني كل مصري مخلص لهذا الوطن- هو شهادة بشأن تعافي الوضع الأمني. وتشكيل البرلمان وممارسته لسلطته التشريعية الكاملة .هو الخطوة الرئيسية الأخيرة لاستكمال مؤسسات الدولة الدستورية، وتفعيل الدستور الجديد، والعديد من المؤسسات والتشريعات اللازمة لإرساء العدالة الاجتماعية.

والبرلمان الجديد سينهي الحالة الانتقالية التي تعيشها مصر منذ أربع سنوات تقريباً، وأصابت مؤسسات الدولة بالشلل، فتكوين البرلمان الجديد هو شرط دستوري لتشكيل حكومة مستقرة تباشر اختصاصاتها الدستورية. ولا شك أن الأمر لا يخلو من الخطورة. فنظام الحكم المصري في ظل الدستور الجديد جاء «برلماسياً» علي حد تعبير الفقيه الدستوري الراحل د. سليمان الطحاوي، فلا هو بنظام رئاسي واضح كما هو في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولا نظام برلماني كما هو الحال في إنجلترا، كما افتقر مقومات النظام شبه الرئاسي كما هو الحال في فرنسا. ومجلس النواب طبقاً للمادة (101) من الدستور هو الذي يتولي سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة، إلي جانب الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية. وكلها مسئوليات في منتهي الخطورة علي مستقبل مصر.

ومن مهام مجلس النواب القادم طبقاً للمادة (241) إصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا وفقاً للمعايير الدولية، فالمكاشفة السياسية ومحاربة الفساد صارت تكليف دستوري واضح للبرلمان القادم طبقاً للدستور المصري.

إن مجلس النواب الجديد له الحق كذلك في اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، والإعلان عن انتخابات رئاسية جديدة طبقاً للمادة (161) للدستور، بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس، ومن الناحية الاقتصادية فإن الموازنة العامة للدولة لا تكون نافذة إلا بعد موافقة المجلس عليها، والتصويت علي الموازنة باباً باباً. ولمجلس النواب الحق في تعديل النفقات الواردة في مشروع الموازنة.

ولمجلس النواب سحب الثقة من الحكومة وطرحها أرضاً بأغلبية أعضائه –أي 50% + 1، وهو ما أكدته المادة (133) من الدستور. وحال إصدار رئيس الجمهورية لأية قوانين في غيبة مجلس النواب، فإن كافة هذه القوانين يجب عرضها والموافقة عليها من المجلس خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون دون حاجة لإصدار قرار بذلك.

و يجب ألا ننسي أن الذي يوافق علي تعيين رئيس الحكومة وبرنامجه هو مجلس النواب، فصلاحيات البرلمان القادم في غاية الخطورة، وهي الأهم والأوسع في تاريخ العمل السياسي والدستوري المصري.

لا شك أن أداء البرلمان القادم إما أن يمثل دفعة قوية لمصر في إصلاح المسارات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية والفكرية والثقافية، وإما أن يكون نكسة لا يعلم مداها ومخاطرها إلا الله...

أصابني الهم والغم وأنا أتابع خلال اليومين الماضيين علي شاشات التلفزيون بعض الوجوه التي ساهمت في تشويه العمل التشريعي علي مدار العشرين عاماً الماضية، ولعبت دور أساسي في إفساد الحياة السياسية... إن عودة هؤلاء للعمل البرلماني مرة أخري -وهو أمر وارد في ظل التشرذم الحزبي- انتكاسة جديدة لمصر، إن اعتلاء المنبر التشريعي بواسطة من هو غير مؤهل؛ ليضع خطة مصر الاقتصادية والاجتماعية، ولكي يعين حكومة ويقصيها، ويشرع للمستقبل، ويراجع موازنة الدولة ويعد لها، سيكون كارثة علي مستقبل هذا البلد.

هذه دعوة خالصة لأهمية عودة الوعي للناخبين والقوي السياسية... تكاتفوا لاختيار الأفضل؛ فمصر لا تحتمل انتكاسة جديدة. اللينك
استمع الي مقالي عبر اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الخميس، 11 ديسمبر 2014

هجرة العقول من البنوك العامة

 جريدة الاخبار - 11/12/2014

إن المسئول الأول عن هذه الهجرة الجماعية هو وضع سقف نقدي علي المرتبات بالبنوك العامة والبنك المركزي اعتباراً من شهر يوليو الماضي. وهو الذي أدي إلي أن أصبحت مرتبات بعض القيادات التنفيذية أقل من نصف المرتبات منذ عشر سنوات

تواترت الأخبار خلال الأيام الماضية عن بدايات هجرة جماعية من الكفاءات الشابة والقيادات التنفيذية العاملة بالبنك المركزي والبنوك العامة. وطبقاً لما نشر ببعض مواقع الصحف القومية فقد بلغ عدد المهاجرين خلال الشهرين الماضيين إلي البنوك الخاصة أكثر من 164 قيادة تنفيذية –لا شك ستزيد الشهور المقبلة.


ولعل أبرز الاستقالات؛ استقالة نائب محافظ البنك المركزي، ونائب رئيس بنك مصر، ونائب رئيس البنك الأهلي. ويجمع بينهم جميعاً أنه مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والبراعة في أداء أعمالهم، إضافة إلي حسن الخلق والقدرة علي التواصل مع العاملين. كما يجمع بين هؤلاء المستقيلين أنهم جميعاً ينتمون إلي جيل الوسط، فتتراوح أعمارهم بين الأربعين والخمسين عاماً،وكلهم ينتمون إلي كتيبة الإنقاذ التي استعان بها محافظ البنك المركزي السابق د/ فاروق العقدة عام 2004 لإصلاح القطاع المصرفي وخاصة البنوك العامة واستقدمهم من البنوك الخاصة في مصر وخارجها.


ولكي نستشعر خطورة الموقف، أذكر حضراتكم بأنه بحلول عام 2003 كان هناك أكثر من عشرين بنكاً مصرياً في حكم البنوك المفلسة، وكان القطاع المصرفي يعاني من تدهور كبير رغم أنه يعد القلب النابض لجسم الاقتصاد.


فقاد الدكتور/ فاروق العقدة عام 2004 حملة إصلاح شاملة للقطاع المصرفي جوهرها جذب أفضل العناصر والكفاءات العاملة بالقطاع المصرفي داخل مصر وخارجها إلي البنوك العامة من خلال إعادة هيكلة الرواتب والمكافآت داخل البنوك العامة وقبل الكثيرون الانضمام إلي كتيبة العمل بأقل من 30% أو40% من نظرائهم في البنوك الخاصة لدعم خطة الإصلاح، ولدوافع وطنية ومهنية.


وكانت النتيجة مذهلة، ففي عام 2009 وفي خضم الأزمة المالية العالمية؛ كان القطاع المصرفي المصري هو الأكثر سلامة ومتانة علي مستوي العالم لم تسبقه سوي سنغافورة. وتحسن الوضع داخل البنوك العامة فوصلت فجوة المخصصات بالبنوك الكبري الثلاث (الأهلي ومصر والقاهرة) إلي صفر بعد أن كانت 53 مليار جنيه في عام 2003. وزادت أرباحهم الحقيقية إلي 8 مليارات في عام 2014 بعد أن كانت 500 مليون جنيه في عام 2003، وتضاعف حجم الودائع بالبنك الأهلي علي سبيل المثال إلي 300% والقروض إلي150% بالمقارنة بما كان عليه الوضع في عام 2003. وارتفعت حقوق الملكية للدولة بهذه البنوك إلي 25 مليار جنيه.
إن المسئول الأول عن هذه الهجرة الجماعية هو وضع سقف نقدي علي المرتبات بالبنوك العامة والبنك المركزي اعتباراً من شهر يوليو الماضي. وهو الذي أدي إلي أن أصبحت مرتبات بعض القيادات التنفيذية أقل من نصف تلك المرتبات التي كانوا يحصلون عليها منذ عشر سنوات عند انضمامهم إلي البنك أول مرة!! كما أن هذا السقف النقدي يعني توقف سقف الطموح، ويعني كذلك انخفاض معدل مرتبات الصف الأول والثاني والثالث من القيادات التنفيذية إلي أكثر من 60% مقارنة بنظرائهم في البنوك الخاصة. كما أن تخفيض المرتبات بأكثر من 50% أو 70% في عدد من الحالات يعني أزمة إجتماعية لكثير من هؤلاء وذويهم، إذ أنهم رتبوا حياتهم علي دخل معين، وفجأة انقلبت حياتهم رأساً علي عقب بخسارة أكثر من نصف دخولهم، زادت التزامات البعض المالية والأقساط الشهرية عن دخولهم، وهو ما يعرض بعضهم للدخول إلي السجن، ومن ثم لم يكن لديهم بديل سوي الرحيل والبحث عن فرص عمل أفضل.


وفي رأيي أنه يجب إعادة النظر في سياسة وضع سقف نقدي داخل البنوك العامة والبنك المركزي، لوقف نزيف الهجرة والانهيار المحتوم لهذه المؤسسات، وضرورة الحفاظ علي النجاحات المؤسسية لهذا القطاع ليكون داعماً للنمو الاقتصادي وليس عبئاً عليه كما كان الحال منذ عشر سنوات.


إن وضع سقف نقدي للمرتبات داخل البنوك العامة -وهي بنوك تجارية في المقام الأول والأخير، وإن كانت مملوكة للدولة- يخالف نص المادة (27) من الدستور المصري والذي قصر الحد الأقصي علي العاملين في «أجهزة الدولة».ولاشك أن البنوك التجارية لا تعد من أجهزة الدولة.


وفي رأيي أن عرض هذه المسألة علي رئيس الجمهورية لم يكن عرضاً أميناً ومنصفاً، فالمنشآت التجارية -ومنها البنوك التجارية العامة-يجب أن تكون عنصراً جاذباً للكفاءات. ولا يتصور منطقاً ولا عقلاً أن يكون السقف النقدي لمرتب رئيس بنك لديه ودائع بأكثر من 400 مليار جنيه ومسئول عن تحقيق أرباح للدولة سنوياً بما لا يقل عن أربعة مليارات جنيه، هو ذات السقف النقدي لمؤسسات لا تزيد ميزانيتها وحجم أعمالها عن 20 مليون جنيه. لست ضد تطبيق الحد الأقصي للأجور ولكن يجب أن يراعي في ذلك مستويات الحد الأدني داخل ذات المؤسسة وطبيعة نشاطها والكفاءات المطلوبة لها وقدر المنافسة المحيطة بهذه المنشأة. ما نطالب به ليس إعادة النظر في مبدأ الحد الأقصي للأجور ولكن إعادة النظر في أسس تطبيقه.


إن رفع السقف النقدي عن البنوك ليس استثناء من تطبيق الحد الأقصي، فيجب أن يظل الحد الأقصي للأجور قائماً في البنوك، ولكن مع إزالة السقف النقدي، وربط الأجور والمرتبات فيها بالأرباح ومدي المساهمة في دعم الاقتصاد القومي. فيظل النص علي ألا يزيد الحد الأقصي للأجور عن 35 ضعفا أو حتي أقل من هذا قائماً، ليس في إعادة النظر في هذه المسألة مظاهر ضعف للدولة أو تراجع، بل دلالة علي عقلانية الدولة ومؤسساتها وموضوعيتها. اللينك

استمع الي مقالي عبر اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الخميس، 4 ديسمبر 2014

حصاد الأسبوع .. «سمك لبن تمر هندي»

 جريدة الاخبار - 4/12/2014

إن شركة بسكو مصر تمثل أحد نجاحات تطوير الإدارة وتوسيع قاعدة الملكية وهو ما عاد بالنفع علي العاملين والمساهمين والخزانة العامة. ارحموا مصر يرحمكم الله... ومن لا يعلم فليصمت.

(1)
حكم البراءة:ثورة 25 يناير لم ولن تموت بصدور الحكم القضائي ببراءة حسني مبارك, فحكم البراءة في القضية الجنائية لا يعني ولا ينبغي أن يفسر علي أنه حكم بالبراءة من المسئولية السياسية عن فترة حكمه. ولا ينبغي كذلك القول إن البراءة لأسباب إجرائية دلالة علي أن ثورة 30 يونيو كانت مؤامرة لوأد ثورة 25 يناير, فثورة 30 يونيو شأنها شأن 25 يناير كانت ثورة شعب, وللأسف ركب الثورتين من كانت له مآرب أخري غير مصلحة الوطن, فلا تسمحوا لأي من تيارات الماضي أن تطل علينا مرة أخري بوجهها القبيح. إن المجني عليه الأكبر في رأيي الشخصي –سياسياً- نتاج الحكم القضائي الأخير هو النظام السياسي الحالي الذي يحمّله الجميع ما لا ذنب له فيه. وقد أعلنها الرئيس السيسي تكراراً ومراراً أن النظام السياسي الحالي عقيدته هي التأسيس لدولة العدل ومحاربة الفساد, وأنه لا عودة للوراء, وعلي الرغم من أنني أؤمن بضرورة عدم الانغماس في الصراع مع الماضي إذ أنه صار تاريخاً بكل سلبياته, إلا أن تحقيق الاستقرار السياسي وبناء نظام سياسي متين يستوجب الاستفادة من دروس الماضي, والتصالح مع الحاضر من أجل بناء المستقبل. وهو ما يجعل من تطبيق مفاهيم العدالة الانتقالية ضرورة لبناء مستقبل سليم. وأرجو من الرئيس السيسي ضرورة تشكيل لجنة محايدة لتقصي الحقائق -بما تعنيه الكلمة- لتخرج علي المجتمع المصري بحقائق ما جري خلال الأعوام الماضية وخاصة أسباب الانحدار والمسئولين سياسياً عما جري لمصر والمصريين.


لابد من المحاكمة السياسية والخروج بخطة لبناء المستقبل. وأرجو ألا تختزل قضية الشهداء والفساد في التعويضات لأسر الشهداء, ولابد أن نسير بخطي متسارعة نحو الإصلاح المؤسسي والسياسي, ولا نتردد أو نتذرع بأن الأمن أولاً, فالأمن الحقيقي ثمرة بذور الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وليس العكس.

(2)
متاعب حرية الرأي:
حينما دعاني الأستاذ/ ياسر رزق للكتابة بشكل أسبوعي بجريدة الأخبار؛ لم أتردد في الإجابة لطلبه. وقد التزمت بمنهج محدد ألا وهو ألّا أعرض لمشكلة أو نقد إلا إذا كان ذلك مصحوباً بحل أو محاولة لإيجاد مخرج للمشكلة المطروحة. ولكن يبدو أن للكتابة متاعبها التي لا تنتهي, فما أن ينشر المقال إلا وأتلقي عتابًا من هنا أو هناك, وربما أسبب حرجًا غير مقصود لزملاء أو مسئولين أكن لهم الاحترام وهو ما يصيبني أحيانًا بالضيق بسبب ألم غير مقصود يصيبه قلمي. ولكنني عاهدت الله وأعاهد قرائي بأنني لن أحيد عن الحق والنقد الموضوعي مهما واجهت, فالكلمة مسئولية أمام الله وأمام الوطن. وما أحوجنا هذه الأيام لكلمة صدق يراد بها الحق. وأرجو مخلصًا من المسئولين ألا يقفوا عند الظاهر, ولا يسعدوا بالنفاق, فصديقك هو من صدقك القول حتي ولو أوجعك.

(3)
صفعة جديدة للاستثمار: طالعت الأسبوع الماضي تعليمات محافظ البنك المركزي والتي يستوجب فيها من البنوك الحصول علي موافقة البنك المركزي المسبقة قبل قبول تلقي الاكتتابات. وهذه التعليمات بالطريقة التي صيغت بها تعني أنه لا يمكن تأسيس أي شركة في مصر مهما كانت ضآلة رأسمالها أو طبيعة نشاطها إلا بعد الحصول علي موافقة البنك المركزي المسبقة, فلا تكفي موافقة هيئة الاستثمار ولا هيئة الرقابة المالية, ولا غيرها.
إن هذا القرار يعني مزيدًا من الموافقات الحكومية وتعاظم تباطؤ تأسيس الشركات وضخ رؤوس الأموال.
أرجو من محافظ البنك المركزي مخلصًا إعادة النظر في هذا القرار, وقصره إن كان ضروريًا علي الاكتتابات العامة أي حالات طرح أسهم للجمهور. فمناخ الاستثمار لا يحتمل أكثر مما هو عليه من إجراءات وبيروقراطية.

(4)
أصحاب المصالح غير المشروعة: شركة بسكو مصر... طريقة تناول بعض التقارير الصحفية لأخبار عروض الشراء بقصد الاستحواذ علي أسهم هذه الشركة أصابني بالهلع والصدمة, فالجميع يتكلم عن خصخصة الشركة, وبيع الحكومة للشركة، فكل التقارير افترضت أن الحكومة لا تزال تملك هذه الشركة وتسيطر علي إدارتها, والحقيقة أن أغلبية رأسمال هذه الشركة يا سادة مملوكة للقطاع الخاص والمساهمين بالبورصة منذ عشر سنوات!! إن جميع التقارير تتحدث عن أنه سيتم طرد العاملين بالشركة. هذه الشركة يا سادة كان العاملون بها لا يزيد عددهم منذ عشر سنوات علي 1200 عامل في حين زاد عدد العاملين تحت مساهمة القطاع الخاص إلي4000 عامل. إن عمليات الاستحواذ والتنافس بين شركات عالمية ومؤسسات استثمارية إقليمية ظاهرة صحية ودلالة علي تعافي الاقتصاد.

(5)
الإصلاح ممكن... ولكن: أعترف أن الأسابيع القليلة الماضية أفقدتني قدرًا من تفاؤلي, وإن لم تنجح الأحداث المتلاحقة والسلبيات أن تفقدني الأمل والعزيمة, فلازلت علي قناعة بقدرتنا علي الإصلاح والتقدم إلي الأمام, ولكن هل يمكن أن ننجح باتباع ذات طريقة التفكير القديمة, وإن تغير الأشخاص؟ وهل نستطيع أن نحقق قفزات من خلال الاعتماد علي ذات المؤسسات بكل ما أصابها من جمود وعفن؟... أشك. ومع ذلك لازلت أحتفظ بقدر من الأمل وقليل من التفاؤل اللينك

استمع الي مقالي عبر اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم اللينك