فليس له بديل سوي الرجوع إلي البرلمان واقتراح تعديل القانون بإضافة
تعديل تشريعي يخول للبنك المركزي وضع حد أقصي لعضوية مجالس الإدارة بالبنوك
أصدر مجلس إدارة البنك المركزي في 23 مارس قراراً غريباً عجيباً لا
مثيل له في عالمنا المعاصر. فنص القرار علي إنهاء خدمة كل الرؤساء التنفيذيين
للبنوك التجارية الخاصة إذا مضي علي أي منهم في منصبه تسع سنوات أو أكثر سواء كانت
سنوات خدمته في البنك متصلة أو منفصلة.
وهذا القرار يستوجب إنهاء خدمة عشرة رؤساء
تنفيذيين للبنوك المصرية من إجمالي أربعين، بمعني آخر فإن 25% من رؤساء البنوك
الحاليين عليهم أن يجلسوا في بيوتهم.... هكذا قرر البنك المركزي المصري. هذا
القرار ينطبق علي العديد من البنوك التجارية الخاصة الناجحة، مثل البنك التجاري
الدولي أفضل بنك تجاري خاص في مصر، والبنك العربي الأفريقي أكثر البنوك الخاصة
نمواً وتطوراً علي مدار العشر سنوات الماضية، وغيرهم من البنوك الخاصة مثل بنك
فيصل الإسلامي، والبنك الكويتي الوطني.. علي مساهمي هذه البنوك أن يجدوا بدلاء
لهؤلاء الرؤساء التنفيذيين الناجحين، ولهؤلاء الأخيرين الخيار إما الجلوس والقعود
في بيوتهم آمنين، أو السعي وراء العمل داخل مصر، والأفضل لهم العمل خارجها. هذا
القرار يذكرني بمذبحة القضاء عام 1969 حيث تم إنهاء خدمتهم، وتعيينهم من جديد فخرج
كل من كان صاحب رأي أو كان مشكوكاً في ولائه التام أو المطلق للرئيس جمال عبد
الناصر.. ولم يكن من المستغرب أن يثير هذا القرار الكثير من الجدل نظراً لخطورته
وشذوذه عن المألوف في الأعراف المصرفية الدولية، ولاعتدائه علي حقوق المساهمين،
خاصة وأن معظم رؤساء البنوك الذين طالهم القرار ناجحون في أعمالهم، وأصحاب رأي
ورؤية وحققوا نجاحات كبيرة في مجال أعمالهم.. وبعيداً عن القيل والقال، دعونا
نحاول استقراء هذا القرار وفهمه وتحليله وتقييمه من الناحية الموضوعية.
وطبقاً لما ورد حرفياً في حيثيات قرار البنك المركزي فإنه يسعي - أي
البنك المركزي - من وراء هذا القرار إلي «... إثراء وتحديث الجهاز المصرفي....
وإعداد صف ثانٍ ودفع بالشباب والصفوف الثانية للأمام وضخ دماء جديدة في شرايين
المؤسسات».
وبعيداً عن العبارات الفضفاضة البعيدة عن الانضباط المهني والقانوني
لما يجب أن تكون عليه مفردات قرارات البنك المركزي، فإن تقييم هذا القرار يجب أن
يكون من خلال محددات ثلاثة:
المحدد الأول: مدي مشروعيته ومطابقته للقانون.
المحدد الثاني: هو مدي ملاءمة القرار، وخطورة آثاره علي القطاع
المصرفي.
المحدد الثالث: هو مدي مراعاة القرار للأعراف المصرفية الدولية ومدي
التزامه بمبادئ حوكمة البنوك المستقر عليها.
ومن الناحية القانونية، فإن القرار - في رأيي - جاء مخالفاً للقانون
بشكل مريع. فهو يسلب حقاً من الحقوق الأصيلة للمساهمين دون سند من القانون، فوضع
حد أقصي لمدة عمل الرئيس التنفيذي في شركة خاصة أو بنك خاص دون نص في القانون هو
إضافة لشرط، واغتصاب لسلطة المشرع أي البرلمان، وانحراف لسلطة الرقيب، وافتئات علي
صلاحيات الجمعيات العمومية للمساهمين دون نص تشريعي.
لقد أعطي المشرع صلاحيات محددة للبنك المركزي فيما يتعلق بتعيين رؤساء
البنوك أو عزلهم، ونص علي هذه الصلاحيات علي سبيل الحصر لأنها تمثل استثناءً علي
القواعد العامة. فنصت المادة (43) من قانون البنك المركزي، علي أنه دون إخلال
بسلطة الجمعية العامة للبنك التجاري، يتم أخذ رأي محافظ البنك المركزي عند تعيين
رؤساء وأعضاء مجالس إدارة البنوك. كما أعطي المشرع الحق للبنك المركزي في حالات
محددة أن يطلب من الجمعية العامة للبنك التجاري تنحية واحد أو أكثر من أعضاء مجلس
الإدارة شريطة أن يثبت أن هذا العضو قد خالف قواعد السلامة لأموال المودعين وأصول
البنك.
فبعبارة بسيطة، لا يجوز للبنك المركزي أن ينهي خدمة أي من الرؤساء
التنفيذيين للبنوك الخاصة لأي سبب بخلاف تلك التي حصرها القانون والممثلة في
الإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة والمساس بحقوق المودعين، وأموال البنك. فلا يجوز
قانوناً للبنك المركزي أن يقيل رئيساً تنفيذياً لأنه ثقيل الظل أو أمضي وقتاً
طويلاً في رئاسة البنك، أو أنه لا يجيب علي تليفونات محافظ البنك أو أنه يعقد صفقات
أو يبيع أصولاً تحقق مصلحة المودعين والمساهمين، ولكن المشتري دمه ثقيل علي قلب
المسئولين، هذه الأسباب جميعها لا تنهض سبباً لإنهاء خدمة رؤساء البنوك.. ففي غير
الحالات التي وضعها القانون علي سبيل الحصر تظل السلطة للمساهمين والجمعية العامة،
فسلبهم لهذا الحق هو إهدار لحقوق الملكية فإذا تعارضت مصالح المساهمين مع مصالح
المودعين كانت الأولوية لحماية مصالح المودعين في الحالات التي حصرها المشرع. ووضع
حد أقصي لمدة أعضاء مجلس الإدارة، وحرمان حق المساهمين من تجديد العضوية هو بمثابة
إضافة شرط جديد ليس للجهة الرقابية الحق في إضافته فهي بهذا الشرط تغتصب صلاحيات
الجمعية العامة للمساهمين وتحرمهم من حق أصيل مرتبط بالملكية دون سند من القانون.
فبلغة رجالات القانون الإداري يعد هذا القرار هو والعدم سواء بسبب عدم مشروعيته
ولاغتصابه صلاحيات وسلطات لم يسوغها القانون للجهة الإدارية مصدرة القرار.
فإذا كان هناك بُد، ومصلحة مشروعة تسعي الجهة الإدارية لتحقيقها،
وأعني هنا البنك المركزي، فليس له بديل سوي الرجوع إلي البرلمان واقتراح تعديل
القانون بإضافة تعديل تشريعي يخول للبنك المركزي وضع حد أقصي لعضوية مجالس الإدارة
بالبنوك، ويخضع في قراراته هذه لرقابة القضاء الإداري.
فلا يجوز لأية جهة إدارية أن تعصف بالقانون وتتجاهله وتزدريه لأنها
تري أن القانون غير مقنع أو كافٍ، فلا يجوز للجهة أن تنشئ حكماً قانونياً جديداً
لم يصرح به المشرع.
وأما من ناحية ملاءمة القرار وتوقيته، فمن حق المتابع للأمور أن يتساءل
هل تغيير 20% أو 25% من قيادات القطاع المصرفي الناجح في ذات التوقيت أمر يصب في
مصلحة القطاع المصرفي والمصالح الاقتصادية للدولة؟ هل اضطراب الجهاز التنفيذي
للبنوك التجارية الخاصة يصب في المصلحة العامة؟ هل إنهاء خدمة رؤساء تنفيذيين
نجحوا في مهامهم ولم يخالفوا القانون أمر يصب في مصلحة هذه البنوك ومساهميها
والمودعين؟ هل من الملائم تطبيق قرارات إنهاء الخدمة بأثر رجعي؟ هل التدخل في
قرارات المساهمين بدون نص تشريعي يصب في مصلحة الاستثمار في مصر؟ هل الخلط بين
العام والخاص أمر منطقي؟ هل إصدار قرارات مربكة يعد قراراً يصب في مصلحة الاستقرار
المالي أم أنه يعمق الاضطراب المالي؟ هل إصدار قرارات من هذا النوع في ظل وجود
شبهات بخلافات شخصية قرار حكيم؟ هل عرض أي من هؤلاء الرؤساء التنفيذيين أموال
المودعين للخطر؟ هل يعد هذا القرار تأميما لإدارة البنوك الخاصة؟ ألا يعد هذا القرار
كيلاً بمكيالين، لأن هناك العديد من القيادات التنفيذية بالبنك المركزي ذاته مضي
عليهم في مناصبهم أكثر من تسعة أعوام؟
وبالرجوع إلي كافة التشريعات المقارنة، والقواعد الرقابية الصادرة عن
البنوك المركزية علي مستوي العالم، وبمراجعة مقررات «بازل» الخاصة بالبنوك،
والمراجعة المتأنية لكافة قواعد الحوكمة بالبنوك وعلي وجه الخصوص تلك التي صدرت في
أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008 بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية
والاتحاد الأوروبي... كلها جاءت خالية من قواعد أو قيود مشابهة لتلك التي صدرت
مؤخراً عن البنك المركزي المصري: قواعد الحوكمة في العالم كله المطبقة علي الرؤساء
التنفيذيين تستهدف عدم هيمنة الرئيس التنفيذي علي مجلس الإدارة وتشكيله، وعدم
طغيان صلاحياته علي صلاحيات المجلس، وذلك من خلال وضع صلاحيات محددة وإجراءات
معينة، وضمان تواصل الرئيس التنفيذي مع مساهميه، والإفصاح عن كافة ما يقوم به من
قرارات وإجراءات.
إن تحديد مدة عمل الرئيس التنفيذي في حد ذاته ليست ضمانة لتحقيق
الحوكمة أو حماية حقوق المودعين، ولذلك لم تتطلب أية تشريعات أو قواعد دولية تحديد
مدة عمل الرئيس التنفيذي. نيجيريا عام 2010 لجأت إلي هذه الحيلة للتخلص من رؤساء
البنوك الفاسدين. فهل يري البنك المركزي ذات المبررات التي لجأت إليها نيجيريا
للتخلص من رؤساء البنوك المصريين؟
للأسباب السابقة، فإنني أعترض علي قرار البنك المركزي، فهو من الناحية
القانونية مخالف للقانون، وباطل، ومن حيث الملاءمة فهو ضار ويمثل مذبحة لرؤساء
البنوك الخاصة بلا موجب، ومن ناحية مطابقته للأعراف المصرفية الدولية فقد جاء
ببدعة، وأطاح بكل مبادئ الحوكمة المتعارف عليها دولياً. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك