الخميس، 20 أكتوبر 2016

بعيداً عن الاقتصاد وهمومه

جريدة الاخبار - 20/10/2016

1) لم أفهم حتي الآن أبعاد الخلاف بين وزير التعليم العالي ورئيس جامعة القاهرة. الذي أعرفه أنه لا توجد في لوائح جامعة القاهرة أو في قانون الجامعات أية شروط تستوجب الإفصاح عن الديانة، ولكن في ذات الوقت لا يوجد نص يمنع فرض مثل هذا الإفصاح. والذي عرفته كذلك أن أحد الأقسام بإحدي الكليات التابعة لجامعة القاهرة أصدرت استمارات تتضمن خانة الديانة، ولما علم رئيس جامعة القاهرة بالأمر أصدر تعليماته بحذف خانة الديانة من الاستمارة وعمم هذه التعليمات علي كافة الكليات والمعاهد. القرار إذاً لم يخرج عن الأعراف المتبعة داخل كليات ومعاهد جامعة القاهرة منذ عشرات السنين. فعلي سبيل المثال؛ خانة الديانة لا توجد ضمن أية استمارات أو شهادات تصدرها كلية الحقوق العريقة. هذا العرف المستقر عليه داخل الجامعة يتفق مع القوانين والقرارات، فما أصدره رئيس جامعة القاهرة لا يخالف قوانين الجامعة ولا يخالف العرف المستقر داخل الجامعة منذ عشرات السنين بل يؤكد عدم الخروج عليه كما حدث مع أحد الأقسام التابعة للجامعة. والأهم من كل هذا أو ذاك؛ أنه لغير أغراض الإحصاءات لا يوجد مبرر لهذه الخانة، فالأصل أن كافة المصريين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات أياً كانت دياناتهم. فلا مبرر لهذا المطلب داخل الحرم الجامعي، فأبسط حقوق المواطنة طبقاً للدستور هو معاملة المواطنين علي قدم المساواة. لا شك أن خانة الديانة قد تكون مطلوبة في بعض المعاملات كتلك المتعلقة بالأحوال الشخصية أو الأغراض الإحصائية، أما عدا ذلك فلا وألف لا. أتذكر في يوم من الأيام أني رأيت خانة الديانة في استمارة فتح حساب بأحد البنوك العامة... لم أتمالك نفسي من الغضب، ما الذي يفيد البنك من هذا البيان؟! القصة عمرها 10 سنوات تقريباً، ولم يهدأ لي بال حتي قام رئيس البنك بإصدار تعليماته وإلغاء هذه الخانة.
قد تكون هناك مبالغة إعلامية إلي حد ما صاحبت القرار الصحيح لرئيس الجامعة، لأنه لم يأت بجديد وإنما أقرّ وأصرّ علي الأعراف الجامعية، ولكن بأمانة لم أفهم لماذا يهاجم وزير التعليم العالي مثل هذا القرار؟! ولماذا هذا التراشق بين الوزير ورئيس الجامعة؟! أين القدوة؟! وأين الموضوعية في النقاش؟! أعتقد أن هناك خلافات شخصية بين الرجلين تتجاوز المصلحة العامة، وللأسف هذا الخلاف المعلن غير المبرر أضر بالرجلين، وأساء إلي صورة الجامعة المصرية والتعليم العالي.


2) إصدار الرخصة الرابعة لشركات المحمول، والتوافق علي مقابل الجيل الرابع من تكنولوجيا الاتصالات يصب في صالح المواطن المصري، فآن الأوان للدخول إلي العالم المعاصر، فخدمات الإنترنت والتواصل عبر الشبكات الإلكترونية صار أهم بكثير من استخدام التليفون كوسيلة للكلام من خلاله. ولم يكن من المقبول أن تكون مصر في مرتبة متأخرة عن معظم الدول العربية والأفريقية فيما يخص هذا النوع من الخدمات. حينما تسافر إلي الخارج وتتابع بريدك الإلكتروني أو تقوم بالتواصل الإلكتروني تكتشف أن السرعة فائقة في تحصيل المعلومات، في حين أننا نسير بسرعة السلحفاة في مصر... فالحمد لله أننا بدأنا أخيراً نلحق بركب التكنولوجيا الذي كاد أن يفوتنا. ولعل وزيري الاستثمار والمالية أكثر سعادة من وزير الاتصالات بهذا الاتفاق لأنه يدر عائداً مالياً مباشراً داخل خزينة الدولة. ولكن الأهم في رأيي من العائد المباشر هو أننا علينا أن ندرك أن قطاع الاتصالات والتكنولوجيا هو الحل الأمثل لتحقيق نهضة حقيقية للنمو في مصر... الهند والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا اعتمدت كثيراً في نهضتها علي قطاع التكنولوجيا. وهذا القطاع كان ولا يزال القطاع الاقتصادي الأقوي بعد القطاع المصرفي... فلا تهملوه أرجوكم. عودة إلي الرخصة الرابعة؛ لا أعتقد أن هذه هي نهاية المطاف، فمصر بحاجة لمزيد من الترددات لزيادة قدرتنا علي التنافسية، وأعتقد أن الكرة الآن في ملعب الجهات السيادية للسماح بمزيد من الترددات والقدرة علي التوسع التكنولوجي.

أيضاً هناك معضلة استمرار مساهمة الشركة المصرية للاتصالات بـ 45% في رأس مال فودافون، إذ إن مساهمة المصرية للاتصالات في فودافون منذ سنوات عدة كان بديلاً عن منح المصرية للاتصالات الرخصة الرابعة، أما وقد تم منحها الآن الرخصة الرابعة وصارت منافساً لفودافون فإن الأمر برمته يحتاج إلي معالجة حكيمة، واستعراض كافة البدائل التجارية بهدوء وبعيداً عن الزخم الإعلامي. من الأمور المستعصية التي تحتاج إلي حلول سريعة كذلك تلك الخاصة بتوفير البنية الأساسية ومنح شركات المحمول القدرة علي توفير احتياجاتها من الكابلات والأبراج لتحسين مستوي الخدمات. عموماً الرخصة الرابعة كانت خطوة علي طريق الإصلاح... أتمني أن نستكمل باقي الخطوات.

3) الكاتب الكبير محمد أمين في مقاله اليومي بالمصري اليوم اعترض علي أن يتحدث من لا يندرج تحت تصنيف الغلابة -من وجهة نظره-عن قضايا الغلابة. واعتبر أن كل من يناقش هذه الأمور إنما يتاجرون بالغلابة وبالطبقة المتوسطة... اسمح لي كاتبنا الكبير أن أختلف معك... فصوت الغلابة ليس مسموعاً، وواجب علي جميع السياسيين والكُتّاب -أياً كانت خلفيتهم الاجتماعية -أن يدافعوا عن قضايا المواطنين أياً كانت. وعموماً لا تقلق يا عزيزي... فمع ارتفاع الأسعار صار غالبية المصريين غلابة!!؟ اللينك
استمع الي المقال على ساوند كلاود.. اللينك

الخميس، 13 أكتوبر 2016

لاجارد «أكثر شفافية من حكومتنا»

جريدة الاخبار - 13/10/2016

صرحت رئيسة صندوق النقد الدولي؛ السيدة «لاجارد» -وهي محامية فرنسية الأصل -أن القرض المزمع منحه لمصر بقيمة 12 مليار دولار أمريكي لن يعرض علي المجلس التنفيذي للصندوق قبل قيام الحكومة المصرية بفرض سياسة مرنة تخص تسعير الجنيه أمام الدولار الأمريكي. وبعبارة أخري لن تحصل الحكومة المصرية علي القرض إلا بعد القضاء علي السعرين؛ السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، سواء من خلال تعويم الجنيه أو من خلال تحرير سعر الصرف وترك تحديده لقواعد العرض والطلب، أو من خلال تخفيض القيمة. فالصندوق ترك للحكومة حرية تحديد كيفية القضاء علي الازدواجية في السعر، كما ترك لها حرية اختيار التوقيت. أما ما ليس للحكومة أي قدر من المرونة فيه -إن شاءت القرض -فهو اتخاذ كافة الإجراءات الاقتصادية اللازمة للقضاء علي التعددية في سعر الصرف قبل الحصول علي موافقة الصندوق النهائية علي القرض. تصريح «لاجارد» ليس فيه أية مفاجأة لأن هذا هو ما أعلنه مندوب الصندوق في مصر منذ أكثر من شهرين، وهوما وافقت عليه الحكومة المصرية منذ شهرين ولكنها لم تعلن عن ذلك!! فالأمر كان مفاجئاً للمصريين وحدهم دون غيرهم لأن حكومتهم لا تصارحهم بكل الحقائق. وبالمناسبة؛ فإنه لم يحدث في تاريخ صندوق النقد الدولي أن وافقت اللجنة التنفيذية بالصندوق علي منح دولة ما قرضاً بمناسبة الإصلاح الهيكلي لاقتصادها قبل أن تصحح -من خلال سياساتها النقدية -الأمور المرتبطة بسعر الصرف، وبعبارة أخري لم يسبق في تاريخ الصندوق أن وافق علي منح قرض في حين أن الدولة طالبة القرض لديها سعران للصرف، فما بالنا بالحالة المصرية وقد وصل الفارق بين سعر الصرف الرسمي في البنوك والسوق الموازية أو السوق السوداء أكثر من 50%!! والصندوق يعد ذلك شرطا بديهيا للجدية نحو الإصلاح الهيكلي للاقتصاد وتشجيع الاستثمارات، وحصول تدفقات نقدية من الخارج، والحد من العجز في ميزان المدفوعات الخارجية. ناهيك عن أن التضخم قد حدث بالفعل، فكل أسعار الخدمات والسلع الآن في مجملها -إلا فيما ندر -تتخذ علي أساس سعر الصرف في السوق الموازية وليس السعر الرسمي!!


الأخطر من ذلك أن السيدة «لاجارد» صرحت كذلك بأن إلغاء الدعم علي المنتجات البترولية شرط مسبق للعرض علي اللجنة التنفيذية بالصندوق والحصول علي القرض. ويستهدف هذا الإجراء خفض الإنفاق العام ومن ثم الحد من العجز في الموازنة. ولذلك زادت حدة المضاربات في السوق السوداء خلال الأيام القليلة الماضية حتي اقترب سعر الصرف في السوق السوداء من 15 جنيهاً، فالكل ضارب علي أن قرار الحكومة بتحرير سعر الصرف ورفع الدعم قد آن أوانه، فزادت التكهنات وارتفعت المضاربات، وتوسعت مساحة الظلام وعدم التيقن، والنتيجة ارتفاع أسعار السلع لأعلي معدلاتها، وانسحق المواطن تحت مقصلة الأسعار... مازلت علي رأيي بأن الأزمة تكمن عند الحكومة في سوء إدارتها للأزمات. أما آن الأوان للخروج من هذه الحلقة المفرغة ومصارحة الناس بما يحدث، وبخطط الإصلاح إن وجدت، وما يترتب عليها من آثار؟!... أما آن الأوان أن تتعلم الحكومة من دروس التاريخ، وأن الإنسان عدوٌ لما يجهل؟ وقد صرنا جميعاً نجهل نوايا الحكومة وما تقوم به!! فأصبحنا نسمع عن نوايا الحكومة من «لاجارد» وغيرها، ولكن حكومتنا لا تتحدث إلينا وتتجاهلنا وكأننا غير معنيين بالأمر!!

ولننتقل إلي أمر آخر لا يقل خطورة، وهو الخلاف المصري -السعودي وتداعياته بخصوص الشأن السوري. لا شك أن هناك خلافاً حاداً في الرؤي الاستراتيجية بين مصر والسعودية بخصوص التعامل مع القضية السورية؛ فالموقف المصري ينطلق من نقطة أساسية وهي أن سقوط النظام السياسي الحالي في سوريا دون مرحلة انتقالية ووجود بديل سلمي سيؤدي إلي وقوع سوريا في براثن الجماعات المتطرفة، وأن معضلة سوريا أن جيشها المبني علي أسس طائفية في صدام مباشر مع شعبه، وسقوط النظام السياسي دون إيجاد بدائل سيؤدي إلي تحول هذا الجيش إلي ميليشيات مسلحة متصارعة وهو ما سيعقد الأمور، كما حدث تماماً في العراق بعد تفكيك الجيش العراقي وحلّه بعد سقوط صدام حسين، فصارت الأسلحة الثقيلة في أيدي كل من يدفع. كما أن سقوط دمشق في أيدي الجماعات الإرهابية والمتشددة كما حدث في العراق وليبيا فيه تهديد مباشر للأمن القومي المصري بكل ما تعنيه الكلمة. فالموقف المصري ليس مع دعم نظام بشار، وإنما يخشي سقوط سوريا في أيدي الجماعات الإرهابية لو لم توضع بدائل سلمية تحول دون سقوط دمشق في أيدي هؤلاء. أما الموقف السعودي فينطلق من نقطة مغايرة وهي «إيران» فإيران استغلت الموقف في اليمن والعراق وغزة وجنوب لبنان وسوريا، من خلال توظيف النزعة الدينية والطائفية لمحاصرة السعودية، ومد نفوذها الإقليمي. فالأمن القومي من وجهة النظر السعودية يستوجب فك هذا الحصار الذي بدأ يزعزع الاستقرار داخل السعودية ذاتها، ولذا لم تجد السعودية بديلاً سوي مجابهة الحوثيين الشيعة في اليمن، وإسقاط النظام السوري العلوي الشيعي في سوريا للحد من النفوذ الإيراني. وهو ما يبرر التقارب التركي -السعودي والذي تم تتويجه بتوقيع أكثر من 18 اتفاقية اقتصادية. هذا هو مربط الفرس بشأن الخلاف المصري السعودي، وهو اختلاف أو خلاف مشروع، فكل دولة تسعي للحفاظ علي أمنها القومي المباشر. وهذا الاختلاف في الرؤي الاستراتيجية أمر طبيعي ويمكن حله بل ويجب حله من خلال إيجاد نقاط للتوافق. أما ما يحدث من عبث علي مواقع التواصل الاجتماعي، والشتائم المتبادلة بين الصحف والإعلاميين فهو هزل بكل ما تعنيه الكلمة، لا أعلم ما يدور في خفايا المعترك السياسي وأروقة صنّاع القرار السياسي، لكن الشئ المؤكد أنه لا يمكن ترك التصدع السياسي في العلاقات المصرية السعودية لأن يتفاقم بهذه الحدة، فهذا يضر مصر والسعودية وشعبيهما. لا شك أن آباء ومؤسسي إسرائيل ينظرون من عَلٍ علي الوضع العربي بمنتهي السعادة، فلم يكن أبداً في مخيلتهم أن يصل التصدع العربي إلي هذا الحد!! انهيار سوريا والعراق وإنهاك مصر والسعودية هو منتهي الأمل لهؤلاء.

كلمة أخيرة... إن الوضع الاقتصادي الداخلي في مصر وتفاقم الأزمة يضعف كثيراًقدرة مصر الاستراتيجية والسياسية، فالسيطرة التركية والإيرانية الآن علي زمام الأمور في الشرق الأوسط لم يكن متاحاً أبداً لو لم يحققوا ما حققوه من دفعة اقتصادية ومن مركز اقتصادي مريح، فرغم الخلاف التركي -الروسي السياسي تم التحرك وتوقيع اتفاقيات اقتصادية متنوعة منذ أقل من أسبوع. علي القيادات السياسية المصرية والسعودية حل الخلافات السياسية فوراً، فحجم الاختلاف بين مصر والسعودية لا شك أقل كثيراً جداً من حجم الخلاف الإيراني -الأمريكي، أو التركي -الروسي، ومع ذلك فالتحرك السياسي بين هذه الدول يصير بشكل أكثر كفاءة منه علي الجانب المصري -السعودي!! لا تجعلوا مواقع التواصل الاجتماعي والتراشق الإعلامي تهدم المصالح المشتركة للمصريين والسعوديين علي حد سواء... هل يسمعني أحد؟! اللينك
استمع الي المقال على Soundcloud.. اللينك