الأحد، 26 أغسطس 2012

إستثمار القطاع الخاص فـى مشـروعــات الـبنيـة الأسـاسيـة

مجلة السياسي - 26/8/2014

حسناً فعل الدكتور/ هشام قنديل بإنشاء وزارة مستقلة للمرافق تكون مسؤلة عن إنشاء وتشغيل محطات مياه الشرب والصرف الصحى وغيرها من المرافق الأساسية، وإن ظلت مشروعات الكهرباء والطاقة مسؤلية وزارة الكهرباء

إن إستكمال خطة التنمية العمرانية، والتطوير الصناعى، والقضاء على العشوائيات والبدء فى مشروعات التنمية العملاقة مثل تنمية وتطوير سيناء وقناة السويس وخليج السويس، وإنشاء وتطوير الموانئ البرية والنهرية والبحرية يحتاج إلى مئات المليارات من الجنيهات. فمن أين تأتى الحكومة بهذه الأموال لمشروعات البنية الأساسية التى بدونها لا أمل فى التنمية الحقيقية للإنسان المصرى وللأجيال القادمة؟؟

وتزداد صعوبة السؤال بمراجعة الموازنة العامة للدولة للسنة المالية (2012/2013) لنجد أن الإيرادات العامة المتوقعة تبلغ حوالى 393،4 مليار جنيه مصرى فى حين تصل المصروفات إلى533،7 مليار جنيه مصرى تقريباً أى أن العجز فى الموازنة يصل إلى حوالى 140 مليار جنيه مصرى! وهو أمر مخيف. ويزداد الأمر تعقيداً إذا قمنا بتحليل بنود المصروفات العامة لنكتشف أن 25،6 % من المصروفات يذهب إلى الأجور والمرتبات بمبلغ قدره 36،6 مليار جنيه، وأن الفوائد المستحقة على خزانة الدولة لخدمة القروض المحلية والدولية بلغت تقديراتها 25% من مصروفات الموازنة بمبلغ وقدره 133،6 مليار جنيه. فإذا نظرنا على ال 50% المتبقية للمصروفات العامة نجد أن أكثر من نصفها بقليل يذهب إلى دعم السلع والخدمات والمنتجات البترولية بواقع حوالى 27،3% من إجمالى الموازنة بمبلغ وقدره 145،8 مليار جنيه، وتنفق ال 10% من المصروفات فى شراء السلع والخدمات للجهات الحكومية.

أى أن ما يتبقى من الموازنة لتمويل إستثمارات المرافق الأساسية يصل بالكاد إلى حوالى5% من إجمالى الموازنة لتمويل مشروعات البنية الأساسية وهى تعتبر نسبة ضئيلة للغاية ولا تغطى إحتياجات مصر للتنمية. ولذلك، فإنه لا غرابة فيما نشهده من سوء خدمات الطرق والصرف الصحى والمياه والكهرباء، وضعف التنمية الإجتماعية والإقتصادية.
عرضنا المشكلة فما هو الحل؟ لا أمل فى تحقيق التنمية الشاملة دون الإسراع بتنفيذ مشروعات البنية الأساسية، ولن تحقق الأخيرة دون مشاركة القطاع الخاص فى تمويل وتشغيل مشروعات البنية الأساسية. ولم يعد هذا الحل إلا الخيار الوحيد المتاح إن كنا جادين فى مشروع التنمية والإصلاح.

وأتوجه بنصيحة خالصة إلى الصديق الدكتور/عبدالقوى خليفة الوزير المسؤل عن المرافق الأساسية، لا تتعب نفسك كثيراً يا دكتور عليك فوراً ومن اليوم فى طرح المشروعات التى تحتاج إليها على القطاع الخاص لكى يقوم بتمويلها وتشغيلها. ونفس النصيحة أقدمها إلى وزير الكهرباء وخاصاً بشأن مشروعات محطات الكهرباء والطاقة المتجددة، فدور القطاع الخاص فى التنمية لم يعد رفاهية. فطرح هذه المشروعات على القطاع الخاص بضمان حكومى يعنى مواجهة العجز فى الموازنة الحكومية، ويعنى رفع قدرة الحكومة على إنشاء مشروعات أساسية ومرافق حيوية دون إبطاء، ويؤدى إلى توجيه جزء أكبر من الموازنة إلى الخدمات الإجتماعية كالتعليم والصحة، ويساعد فى تحسين مستويات أداء الخدمة ومواجهة البطالة. ومع ذلك فإن نجاح هذه المشاركة له شروطه ومتطلباته، أولها ضرورة خلق كوادر فنية حكومية رفيعة المستوى لدراسة الجدوى الإقتصادية والإجتماعية للمشروعات الواجب طرحها،  والتفاوض مع القطاع الخاص بما يحقق المصلحة العامة وتوجد وحدة متخصصة لمشاركة القطاع الخاص فى مشروعات البنية الأساسية بوزارة المالية، وبها خبرات وكفاءات متميزة، إلا أن هذه الخبرات لهذا النوع من المشروعات تكاد تكون منعدمة داخل الوزارات الأخرى المسؤلة بشكل مباشر إنشاء هذه المشروعات وتشغيلها.
 كما أن ضمان جودة الخدمة والعدالة مقابل أدائها يقتضى دور هام وفعال للأجهزة الرقابية والمعنية بهذه المرافق. ويجب أن تسعى الحكومة جاهدة إلى دعم هذا البرنامج وضمان مسؤلية الجهات والأجهزة الحكومية المعنية على أن تكون الأولوية للطرق والكبارى ومياه الشرب والصرف الصحى والكهرباء والطاقة المتجددة، وهى مشرعات لها جميعاً مردود إقتصادى وإجتماعى، وكم أتمنى أن تتسع التجربة لتشمل بناء المدارس والمستشفيات ولنا تجارب حديثة لا بأس بها ونحن هنا لا نخترع العجلة فقد سبقتنا فى ذلك دول كثيرة علينا أن نستفيد من تجاربها.       



الأحد، 19 أغسطس 2012

أزمة الرقابة على القطاع المالي غير المصرفي

مجلة السياسى- 19/8/2012

إتصل بي عدد من ممثلي شركات سوق المال والشركات المقيدة بالبورصة خلال الأسبوعين الماضيين يشكون مما قامت به هيئة الرقابة المالية من إحالة أكثر من 630 قضية إلى النيابة العامة للشئون المالية، وذلك في أسبوع واحد، فالهيئة قررت مؤخراً إلى إحالة عدد من الشكوى إلى النيابة العامة قبل فحصها من قبل الهيئة.


وقد تأكد ذلك فى تصريح لرئيس الهيئة لجريدة الأهرام الأسبوع الماضى كشف أن حوالى 60% من الشكاوى التى تم إحالتها الى النيابة العامة لم يتم فحصها من قبل الهيئة.

 وقد أزعجني هذا الأمر بشكل كبير لأنه يعني أن الهيئة قد قررت أن تتخلى عن دورها الرئيسى، كما أزعجتني أيضاً طريقة التعامل مع القضايا الاقتصادية.

إن هيئة الرقابة المالية هى الجهة المنوط بها الرقابة على القطاع المالي غير المصرفي، ويشمل سوق المال والبورصة والتأمين والتمويل العقاري والتأجير التمويلي، وغيرها من أنشطة التمويل غير المصرفي. فهو قطاع حيوي للاقتصاد القومي، ويضم آلاف العاملين، ويتعلق باستثمارات بآلاف المليارات من الجنيهات. والهيئة العامة للرقابة المالية مسئولة عن اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للحد من المخاطر غير التجارية للقطاع المالي غير المصرفي وحماية المستثمرين فيه، كما أنها مسئولة كذلك عن دعم هذا القطاع وتطويره. ولا يقل دور هذه الهيئة أهمية عن البنك المركزي المصري، وهو الجهة المنوط بها الرقابة على القطاع المالي المصرفي (البنوك) ووضع السياسة النقدية. وفي العديد من الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، فإن مسئولية الرقابة على القطاع المصرفي أسندت إلى هيئات الرقابة المالية وليس البنك المركزى، وهو ما يدل على أهمية تلك الجهة الرقابية.

وللأسف الشديد، فإن مسلك الهيئة الأخير وما دأبت عليه خاصة بعد ثورة 25 يناير من إحالة القضايا الاقتصادية الخاصة بالقطاع المالى غير المصرفى إلى النيابة العامة دون فحص أو تمحيص أو دراسة متأنية له دلالات في منتهى الخطورة وآثار سلبية هائلة على هذا القطاع، وهو ما يقتضي وقفة جادة في هذا الشأن.

فهذا المسلك يعني تخلي الهيئة عن الدور الذي أناطه بها القانون، فقانون هيئة الرقابة المالية - شأنه في ذلك شأن قانون البنك المركزي المصري- لا يجيز تحريك الدعوى الجنائية في قطاع القطاع المالي غير المصرفي إلا بناءً على طلب رئيس هيئة الرقابة المالية. وهو ما يعنى أنه لا يجوز تحريك أي دعوى جنائية تتعلق بالقطاع إلا بعد دراسة متأنية من الهيئة وفحص، فإحالة الدعاوى الجنائية للنيابة العامة دون دراسة داخل الهيئة يعني ولا شك تتخلي الهيئة عن مسئوليتها القانونية. وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً.

 كما أن إحالة كافة القضايا الاقتصادية المالية إلى النيابة العامة دون إخطار أطرافها أولاً بالمخالفة ومنحهم مهلة لإزالتها أو التصالح بشأنها فيه كذلك إخلال بفلسفة القانون، والتي تجيز التصالح على هذه  المخالفات حتى بعد صدور حكم نهائى فى الدعوة ويتعارض هذا السلوك أيضاً مع مبادئ العدالة ويهدر مبدأ المواجهة فيفاجأ الشخص المعني بإحالته إلى النيابة العامة ثم إلى المحاكمة دون إجراء أي تحقيق ودون مواجهته بالمخالفات المنسوبة إليه، ودون منحه مهلة لإبداء وجهة نظره ودفاعه، ودون إعطائه مهلة لإزالة المخالفة، أو التصالح، فكل هذا إهدار للمال والوقت، والأهم إهدار للعدالة.

أن هذا الكم من القضايا المحالة في أسبوع واحد يعادل ما تم إحالته من قضايا على مدار عامين أو أكثر، وذلك دليل على الفشل الذريع للرقابة المالية. فالرقابة المالية الحديثة تقوم فلسفتها على الرقابة الوقائية أي الرقابة المانعة لحصول المخالفات، فإحالة هذا القدر الكبير من المخالفات دليل على الفشل الرقابي الذي يستوجب الحد من ارتكاب المخالفات، وهو ما يسمى بالرقابة السابقة، أي رقابة الحد من المخاطر، فالرقيب دوره الرئيسى الحد من إرتكاب المخالفات، والحد من آثارها إن وقعت.

فى هذا الإطار يدور تساؤل مهم بشأن اعتبارات الملاءمة ومدى جدوى إحالة هذا القدر الكبير من القضايا مهما بلغت ضآلة قيمتها، ومهما انعدمت خطورتها الاقتصادية، ومهما انخفضت جسامتها. أليس في إحالة هذه القضايا دون إجراءات فحص مسبقة إرهاق شديد للنيابة العامة دون مبرر، أليس في ذلك مضيعة للوقت والمال وما يستوجبه من تعيين لخبراء ومحامين في قضايا تافهة القيمة ولا تمثل أية جسامة. إن لعب دور المحولجى من قبل الرقيب من باب راحة البال، هو تخلي عن المسئولية القانونية، وإلقاء عبء غير ضروري على القضاء والنيابة، ونوع من الاستسهال في هذه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة، وهو مصيبة ودلالة على عدم إدراك لخطورة الموقف. وأتساءل هل تدرك  الهيئة التكلفة المالية والإدارية والآثار الوخيمة لهذا السلوك، فالجميع يعلم أن أكثر من 50% من الشركات العاملة في هذا القطاع، وبخاصة سوق المال قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، وأنها مهددة بالتوقف عن النشاط وهو ما يهدد قوت الآلاف من العاملين في هذا القطاع حيث بلغ حجم التداول في سوق المال إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من عشر سنوات، فهل من الملائم في هذا التوقيت العصيب أن نضيف أعباء على أعباء دون دراسة، هل يتفق مع مقتضيات حسن إدارة الأزمات أن يكون الرقيب عبئاً إضافياً على السوق، وجزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل.

إن أداء الدور الرقابي الصحيح يستلزم المراجعة الكاملة للموقف، وإعادة النظر في كيفية معالجة الأمر، فأداء الدور الرقابي في هذه الظروف الحرجة يستوجب إعمال العقل والتدبر،إن فلسفة المعالجة للأزمة المالية والاقتصادية لا يكون عن طريق القانون الجنائي، فهذا أقرب ما يكون لسياسة إقحام الأمن لمواجهة مشكلات اجتماعية وتعليمية. وعلينا أن نتوقف عن ذلك فوراً.
رجاءً خاصاً للمسؤلين الحكومين والجهات الرقابية لا تكونوا جزءاً من المشكلة كونوا جزءاً من الحل، الأولى هو العمل على تقوية القطاع المالي غير المصرفي ودعمه في هذه المرحلة الحرجة والعمل على حل مشكلاته، والعمل الجاد على تفعيل الرقابة السابقة ومنع الضرر قبل وقوعه.

الأحد، 12 أغسطس 2012

وصية الدكتور إبراهيم شحاتة إلى أعضاء الجمعية التأسيسة لوضع دستور مصر (2)

مجلة السياسي - 12/8/2012 

استكملاً لمقالى السابق عن وصايا المرحوم العلامة الدكتور إبراهيم شحاته لإعداد دستور جديد لمصر اوضح فيه التالى: 

دور الدولة الاقتصادي والاجتماعى من الأمور الهامة، الأفضل فى معالجتها اتباع سنة الدساتير الحديثة في هذا الخصوص. فبينما تتضمن الدساتير الحديثة نصوصاً ذات طابع اقتصادي، مثل النصوص المتعلقة بحق الملكية الخاصة والنظام الخاص بالموارد الطبيعية، فإن معظم هذه الدساتير تتفادى النص على نظام اقتصادي معين تلتزم به الدولة. فيجب أن يترك الدستور الجديد للحكومة التي ينتخبها الشعب والتي قد تختلف توجهاتها الاقتصادية من حكومة لأخرى. فقد تحل حكومة اشتراكية محل حكومة ذات توجه رأسمالى فعلى كل حكومة منتخبة أن تعمل في إطار الدستور ذاته. فالأهم في هذا الإطار هو النص على دور الدولة في إقرار العدالة الاجتماعية، والنص على الحقوق الاقتصادية للمواطن دون التطرق أو التعرض للنظام الاقتصادي للحكومة. فما نريده للدستور الجديد هو أن ينص على التزام الدولة بتقديم الخدمات الأساسية لجميع المواطنين بمستويات عالية مقابل رسوم تمكن الدولة من توفير هذه الخدمات مع إعفاء غير القادرين مالياً من هذه الرسوم، وعلى أن تلتزم الدولة بتقديم خدمات التعليم الأساسي ومحو الأمية والصحة الوقائية لجميع المواطنين بغير مقابل، كما تلتزم بتوفير المنح الدراسية للطلبة المتفوقين والمحتاجين في التعليم العالي في حدود قدراتها المالية. وفي رأيي الخاص، أنه يجب أن ينص الدستور الجديد على إلتزام الدولة بحد أدنى للدخل لضمان حياة كريمة للمواطن المصري من خلال نظم التكافل والتأمين.

الإبقاء على مجلس الشورى من الأمور المحيرة وتأخذ معظم الدساتير الحديثة بنظام المجلسين في البرلمان. ويرى د/ شحاته الإبقاء على مجلس الشورى مع إعطائه اختصاصات تشريعية موازية لاختصاصات مجلس الشعب كما هو الحال في فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وكذا الدستور الهندي والجنوب أفريقي، على أن يتم انتخاب نصف أعضائه عن طريق الانتخاب العام المباشر في الدوائر التي يحددها القانون، ويتم انتخاب النصف الثاني بطريق الانتخاب غير المباشر أي بواسطة مجالس الجامعات والنقابات المهنية واتحادات العمال والفلاحين أو أن يتم الاختيار من جانب رئيس الدولة بعد التشاور مع الجامعات والنقابات والاتحادات المذكورة.  فالخلاصة، أنه لا جدوى من الإبقاء على مجلس الشورى في ظل دوره الاستشاري الحالي، وعلاقته الشائكة مع الصحف القومية.

 تعين ودور نائب الرئيس: من الأمور الغامضة في دستور (71). ومن ثم فإن وضع نائب الرئيس وما إذا كان هذا المنصب يشترط وجوده وجوباً وما إذا كان من الأفضل أن يُشغل بالانتخاب أو التعيين، من المسائل التي لا بد أن تحظى بالاهتمام عند وضع الدستور الجديد.

       سلطات رئيس الجمهورية الاستثنائية و الخاصة بحالة الطوارئ والحق في إصدار قرارات لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب والتفويض التشريعي والإجراءات الاستثنائية الأخرى الواردة بدستور (71)، لا مثيل لها في الدساتير الديمقراطية الحديثة، ويجب مراجعة هذه الأحكام للحد من الحالات التي يجوز فيها اللجوء إلى السلطات الاستثنائية وتحديد الفترة التي يمكن ممارسة هذه السلطات فيها بمدة قصيرة يحددها الدستور ولا يجيز تمديدها بغير موافقة مجلس البرلمان بأغلبية خاصة للتأكد من أن اللجوء إلى هذه السلطات سوف يظل محدوداً بالحالات الاستثنائية جداً التي تبررها، كما أنه سيكون من المفيد جداً أن ينص الدستور صراحة على عدم جواز تعليق الحريات الأساسية التي يحددها الدستور إبان هذه الفترات الاستثنائية، كما فعلت ذلك أكثر الدساتير الحديثة بل بعض الدساتير العتيقة.

      تمثيل العمال والفلاحين بنسبة 50% فى مجلس الشعب من الأمور الواجب إعادة النظر فيها، حيث أثبت الواقع العملي أن أقدر النواب على الدفاع عن مصالح العمال والفلاحين لم يكونوا بالضرورة عمالاً أو فلاحين، كما أتى  التوسع في تعريف العامل والفلاح إلى تفريغ الأمر من مضمونه بحيث أصبح ضباط شرطة ورؤساء شركات قطاع أعمال عام يرشحون تحت وصف عمال أو فلاحين، فالمسألة تحتاج إلى بحث متعمق بعيداً عن الشعارات الرخيصة حتى نتبين ما إذا كانت المصلحة العامة بما فيها مصلحة العمال والفلاحين تقتضي الإبقاء على نسبة الـ 50% عمال وفلاحين.

      كما يجب أن يحظر الدستور الجديد الجمع بين عضوية مجلس الشعب والوظائف في الحكومة وقطاع الأعمال العام:  فقد استساغ الحزب الحاكم في الماضي ترشيح بعض أصحاب المناصب الكبيرة ورؤساء الشركات التي يعمل فيها أعداد ضخمة وبقى هؤلاء بعد انتخابهم في مناصبهم، ويرى د/ شحاته أن هذا الوضع لا يخلو من الغرابة ولا نجد له مقابلاً في معظم دساتير الدول الأخرى (إلا من حيث جواز الجمع بين منصب الوزير وعضوية البرلمان في الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني حيث يختار الوزراء عادة من أعضاء البرلمان).

      أما مسألة الرقابة على دستورية القوانين: فمن المفيد أن يسمح الدستور الجديد بممارسة المحكمة لاختصاصها قبل صدور القوانين بصورة نهائية وبعد صدورها كذلك، أي أن يسمح الدستور بالرقابة السابقة واللاحقة على دستورية القوانين. أما الرقابة السابقة فتكون بناءً على طلب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب أو من جانب عدد معين من أعضاء مجلس الشعب أو الشورى. أما الرقابة اللاحقة فتكون من خلال إجازة الطعن بعدم دستورية قانون أو لائحة ما بعد صدورهما لكل ذي مصلحة. فحق الأفراد والجمعيات في اللجوء مباشرة إلى المحكمة الدستورية للطعن بعدم دستورية القوانين التي يرونها كذلك من أهم الضمانات الفعلية التي يأتي بها الدستور لاحترام ما يرد به من أحكام،  وسواء تم ذلك أثناء نظر دعوى معينة أمام محكمة أدنى، أو جاء ابتداءً أمام المحكمة الدستورية.

هذه كانت بعض من ملامح وصايا العلامة الدكتور إبراهيم شحاته رحمه الله، فهذه الوصايا نضعها الان تحت نظرأعضاء الجمعية التأسيسية الحالية لمحاولة التوفيق بين الماضي والمستقبل لكي تسير مصر للأمام.


الأحد، 5 أغسطس 2012

وصية الدكتور إبراهيم شحاتة إلى أعضاء الجمعية التأسيسة لوضع دستور مصر (1)

مجلة السياسي - 5/8/2012

الدكتور إبراهيم شحاتة أحد أعظم فقهاء القانون الدولى للقرن العشرين، وعلى الرغم أنه كان نائباً أول لرئيس البنك الدولى إلا أنه لم ينسى أبداً مصريته فقد كان عاشقاً ومخلصاً لمصر حتى النخاع.
وقبل وفاته أصدر كتابه القيم "وصيتى لبلادى" ضمنه وأحلامه لوطنه، وقد كانت وصيته من أجل التغيير إلى الأفضل، تغيير أنفسنا وتغيير مفاهيمنا وتغير سلوكياتنا. إن وصية الدكتور شحاتة لمصر تقع فى (416) صفحة خص منها رؤيته لدستور مصر الجديد فى أكثر من (90) صفحة، ما أحوجنا هذه الأيام لأن تكون هذه الرؤية تحت نظر أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع دستور الجمهورية الثانية. وقد عرض د/شحاتة رؤيته الدستورية من خلال الإجابة على سؤالين،
-          الأول: هل هناك حاجة ضرورية لتغير دستور 1971؟
-          الثانى: كيف نعالج المسائل الأساسية والحساسة فى الدستور الجديد؟
وأما عن إجابة السؤال الأول، فقد إنتهى إلى عدم صلاحيتة دستور (71) لبناء مجتمع جديد. وتبدو أهمية هذه الإجابة فى الرد على من يقولون بأن دستور (71) يصلح للجمهورية الثانية مع بعض التعديلات بالحذف أو الإضافة هنا وهناك.  فدستور (71) برمته لا يصلح لمصر الحديثة، فدستور (71) يفترض مقومات إقتصادية لاتصلح لبناء مجتمع حديث وبناء دولة عصرية، كما انه أخضع كثيراً من الحريات والحقوق المدنية والسياسية الواردة فيه لقيود غير محددة قد يأتى بها التشريع، مما يفقدها أهميتها الدستورية. خاصة ما يتصل بحرية الرأى والتعبير وحرية المواطن فى التنقل والإقامة، فقد جاءت جميعها فى حدود القانون! أن دستور (71) يتضمن شعارات لم تطبق عملاً، فجاء فى صياغته خلط بين الحقائق والأوهام وأقرب فى بعض أحكامة الى النصوص الأدبيىة، والشعارات الجوفاء خاصة ما يتصل بالضمانات التى تكفل الحريات. ويضاف إلى ما تقدم أن دستور (71) توسع فى سلطات رئيس الجمهورية الإستثنائية التى تسمح له بتعطيل العمل بالدستور أو بالقوانين العادية. كما أنه تضمن تفاصيل ليس محلها الدستور، ولاتجد مقابلاً لها فى دساتير الدول الديمقراطية العريقة من ذلك النص على أن الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها على الوجه المبين– فى الدستور والقانون! ووضع نائب رئيس الجمهورية فى دستور (71) لا معنى له.
كما أن هذا الدستور يتضمن أموراً لا تتفق والديمقراطيات الحديثة خاصة ما يتصل بصفات أعضاء البرلمان، كما يعد من العبث جواز الجمع بين عضوية مجلس الشعب والوظائف في الحكومة والقطاع العام الموجود في دستور (71) إضافة إلى ما يتعلق بكيفية وطريقة موافقة مجلس الشعب على القروض. كما أن هذا الدستور يتضمن أحكاماً عقيمة خاصة بمسئولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وكذلك دور مجلس الشورى الملتبس.
وأخيراً، فإن دستور (71) رغم إسهابه لا يتضمن أحكاماً مهمة تنص عليها الدساتير الحديثة، فليس فيه مادة واحدة بشأن حماية البيئة، أو بحقوق المصريين في الخارج أو بحماية الآثار، أو دور المجتمع المدني. كما أن دستور (71) لا يتكلم عن مسئولية البنك المركزي عن السياسة النقدية ولا يكفل استقلاله.
لهذه الأسباب فإنه يجب على أعضاء الجمعية التأسيسية عدم الاعتماد على نصوص دستور (71) كأساس للدستور الجديد، فما  يتضمنه من أحكام وما سكت عنه من أحكام منتهي الصلاحية ولا يجوز التعويل عليه لصياغة (العقد الاجتماعي) الجديد.
والسؤال الثاني، يتعلق بمعالجة المسائل الأساسية والحساسة في الدستور الجديد، وأهمها مسألتى الحقوق والواجبات العامة، وعلاقة الدين بالدولة. فأما الحقوق والواجبات العامة، فإنه يجب أن يأتي النص على الحريات العامة الأساسية على النحو الذي يرد في الاتفاقات الدولية بشأن حقوق الإنسان التي انضمت مصر إليها وذلك حتى تتساوى التزامات مصر الدولية مع التزاماتها الدستورية ويتمتع المصريون بالحريات المقررة لشعوب الدول المختلفة طبقاً لهذه الاتفاقيات. كما يجب أن تأتي الإحالة إلى القانون أو الشريعة في النصوص التي تقيد الحقوق بضوابط محددة للقيود التي يسمح  الدستور بها في هذا المجال، وألا يترك الأمر للسلطة التشريعية في تقييد الحقوق الدستورية على أي نحو تشاء.
 ويجب أن توضح الحقوق الإيجابية (مثل الحق في العناية الصحية والحق في الإسكان والحق فى العمل) مدى الالتزام القانوني للدولة بتوفيرهذه الحقوق، ولا تتركها مجرد عبارات إنشائية. ويجب أن تأتي النصوص الخاصة بالواجبات العامة أكثر تحديداً، بتوضيح من يقع عليهم عبء كل واجب من هذه الواجبات والمسئولية القانونية في حالة الامتناع عن القيام بها. وأخيراً فإنه يلزم  إضافة نصوص جديدة تتصل بالحق في بيئة نظيفة وحقوق المصريين في الخارج وحقوق الوالدين والأطفال. وأما بالنسبة للعلاقة بين الدين والدولة (المادة 2 من دستور1971)، فقد أدرك الدكتور/شحاته إدراكاً عميقاً لحساسية أية محاولة لتعديل الدستور أو تغييره في العلاقة بين الدين والدولة فأية محاولة لإعادة النظر في الدستور ستكون مناسبة من جانب أصحاب الاتجاهات المختلفة لتغيير هذه الأحكام على النحو الذي يريدونه فالذين يرددون الشعارات الدينية سوف يحاولون بلا شك الإضافة إلى الأحكام القائمة بما يجعل الدستور دستوراً عقائدياً صرفاً على نحو الدستور الإيراني أو النظام الأساسي للحكم في السعودية، مع حذف النصوص الأخرى التي تتنافى مع هذا الاتجاه العقائدي أو تتأسس على اتجاه عقائدي مغاير. والذين يرون أن الخلاص هو بناء دولة عصرية حديثة تحترم الدين دون أن تجعل له دوراً في الحكم سوف يحاولون التخفيف من الأحكام القائمة أو حذفها ضمن محاولتهم تخليص الدستور من النصوص العقائدية المختلفة سواء ما كان منها دينياً أو غير ديني... وللحديث بقية.

 أليس هذا هو الموقف الذي نواجهه اليوم بحذافيره، فالمطالبة بتطبيق الشريعة  - للأسف - قد أصبحت رمزاً لإتجاه سياسي، وهو رمز يعرف أصحاب هذا الاتجاه أن له وقعاً لدى الجماهير فيستغلونه لجلب التأييد السياسي، وليس لمجرد الاقتناع بجدواه أو أهميته، ولأن نتائجه سوف تختلف كثيراً عما هو كان فعلاً. فالأسلم والأجدى فى هذه المرحلة للمجتمع المصري أن نبقى على المادة (2) من دستور (71) كما هي دون أن نعبث بها، فتعديلها في تلك المرحلة تهديد للسلام الاجتماعي لهذا الوطن، وهذا ما أدركه العلامة ابراهيم شحاته منذ زمن بعيد، وأكد عليه شيخ الازهر الشريف حرصاً على سلامة الوطن ووحدته.

الخميس، 2 أغسطس 2012

حكـومة قنـديل ومنـاخ الثقة في الاستثـمار

مجلة السياسي - 29/7/2012

ارجو أن تعي الحكومة الجديدة أن إنعاش مصر اقتصادياً أصبح طريقاً لا مفر منه، ولا بديل عنه لحل مشاكل المجتمع المصري. مع الوضع في الاعتبار أن الحكومة الجديدة تتسلم المسئولية في مواجهة عجز غير مسبوق في موازنة الدولة، ومعدلات تضخم تصل إلى 18% عند أحسن تقدير، وعجز في الاحتياطي النقدي الاجنبي ينذر بوقوع كارثة محققة حال توقف الحكومة عن سداد ديونها الخارجية، ومواجهة احتياجات الوطن من سلع غذائية وهي أمور تسوء ما حدث لليونان  ولا تتوقف المواجهات المقبلة عند هذا الحد فهناك أزمة البطالة وتبعاتها الاجتماعية، وتوقف أكثر من 1200 مصنع عن العمل ، وتشابك أزمات الاستثمار تحت وطأة الإضرابات وإلغاء العقود والتحقيقات الجنائية، وملفات مفتوحة منذ سنوات دون حسم.

ومما يزيد الطين بلة أن المؤسسات الحكومية في حالة هزال، وضعف إداري يجعل من تنفيذ السياسات والاستراتيجيات مهما بلغت دقتها أمر شبة مستحيل، تتحول معه كل مشكلة إلى أزمة كبيرة.

وهنا اريد ان اتكلم على إحدى الوزارات الاقتصادية الهامة وكيف يمكن التعاطي معها في المرحلة القادمة ألا وهي وزارة الاستثمار. وهذه الوزارة رغم أهميتها بحكم الملفات التي كانت ملقاة على عاتقها أصيبت بالسكتة القلبية منذ سبتمبر عام 2010، ورحيل أول وآخر وزير لها، وهو الدكتور/ محمود محي الدين. فهذه الوزارة تضطلع بمسئولية ملفات اقتصادية ثلاثة هامة. أولها، القطاع المالي غير المصرفي ويشمل سوق المال والبورصة، وقطاع التأمين، ونشاط التمويل العقاري، والتأجير التمويلي والتخصييم. وثانيها، ملف الاستثمار ترويجاً ورقابة، وثالثها، الإشراف على شركاتقطاع الأعمال العام بمؤسساته القابضة والتابعة وبما في ذلك قطاع السياحة، والصناعة، والنقل، والإسكان والتشييد، والغزل والنسيج وغيرها.

الشاهد أنه لابد من الإبقاء على وزارة الاستثمار – من حيث المضمون حتى ولو تغير المسمى – في المرحلة الحالية لأن في تفكيكها وإعادة توزيع ملفاتها بين الوزارات الأخرى مزيد من الإرباك لدولاب العمل، وتعطيل لعملية الإصلاح بلا مبرر خاصة، وأن عملية صنع القرار في القطاع الاقتصادي أصيبت بالعطل منذ ما يقرب على عامين. كما أن في الإبقاء عليها بمثابة إصدار رسالة واضحة أن تشجيع الاستثمار ودعمه لا يزال من أولويات الحكومة في مصر.

إعمالاً لتفعيل الأداء الحكومي وتقليل النفقات، أرى ضرورة دمج وزارتي الاستثمار والتعاون الدولي في هذه المرحلة إلى وزارة واحدة. كما يجب إعادة الهيكلة والتطوير المؤسسي للجهات المعنية داخل الوزارة بهذه الملفات الاقتصادية الحيوية. وكذلك يلزم تطوير وإعادة هيكلة هيئة الرقابة المالية بحيث تتحقق لها الاستقلالية الكاملة بعيداً عن الحكومة فيكون هناك جهاز رقابي قوي للقطاع المالي غير المصرفي مسئول عن تطويره ودفع التمويل للأنشطة الاقتصادية وخاصة السوق الأولية. فالهيئة على الرغم من التطور الذي أصابها لا تزال تحتاج إلى عملية إصلاح هيكلي ومؤسسي كبيرة لكي تؤدي الدور المرجو منها، وعندئذ فقط يتم فصلها عن وزير الاستثمار، ويكون لها ذات الحكم القانوني للبنك المركزي المصري.

ويجب تطوير الدور الترويجي لهيئة الاستثمار، فالترويج يعني الترويج لمصر، ولمشروعات بعينها، فهيئة الاستثمار دون دعم كافة الوزارات والحكومة لها ستعجز عن الترويج لمشروع واحد، وهذه هي (المأساة الحقيقية) فالترويج للاستثمار في مصر هو ترويج للبلد بأكملها، وهو ما يخرج عن صلاحيات جهة بعينها. ومشاكل الاستثمار لا تخص الهيئة بل هي في حقيقتها تتعلق بكل الوزارات كالإسكان والصحة والتجارة والدفاع والداخلية. ومن هنا لزم تكوين لجنة وزارية يكون أمينها وزير الاستثمار ويرأسها نائب لرئيس الوزارء تكون مهمتها الرئيسية الحل الفوري على مدار الأربع وعشرين ساعة لأزمات الاستثمار وتنفيذ رؤية واضحة للحكومة في هذا الشأن.

إعادة النظر في لجان فض المنازعات، فهي آليات عقيمة لم يثبت نجاحها، وللأسف صارت معظمها مضيعة للوقت والمال.

فهذه اللجان يجب أن تكون لها فاعليتها، ولها قراراتها الإلزامية ويجب أن تعمل في إطار زمني محدد.

ثم ان اتخاذ قرار بتسوية كافة المنازعات محل التحقيقات الجنائية، يبعث برسالة واضحة عن الاستثمار في مصر.

وعلى الحكومة أن تسعى خلال الـ 120 يوماً الأولى على إعادة فتح كافة المصانع التي تم إغلاقها.
لا يمكن الاستمرار في إدارة قطاع الأعمال العام على ذات النحو الذي يسير عليه، ففي ذلك جريمة لا تغتفر في حق الوطن. فيجب فصل الملكية عن الإدارة بحيث تظل الملكية للدولة، على أن تعهد هيكلة القطاع وإدارته لكفاءات متخصصة تعمل وفقاً لآليات الكفاءة والإدارة الناجحة، فيحظر تدخل الدولة في عملية الإدارة، كما يجب أن تتخذ الحكومة الجديدة قرارات حادة وحاسمة بشأن الاستثمار الرأسمالي في قطاع الأعمال العام. وتجربة "الخزانة" في ماليزيا ليست بعيدة عن أعيننا أن كنا جادين حقيقة.

ولا يخفى على أحد أن ما طرحناه الآن إنما يدخل ضمن سياسات المدى القصير، ومحاولة إرسال رسائل إيجابية واضحة للمستثمرين الجادين لإعادة البدء فيما توقف من مشروعات، ووقف نزيف تسرب الاستثمارات والفرص الضائعة.

وفي جميع الأحوال، فلا أمل في تحقيق ما نصبو إليه دون عودة الأمن  إلى المجتمع، إرساء دولة القانون، وتنفيذ أحكام القضاء، ووضوح الرؤية السياسية، وإذا كنا نسعى إلى البناء والتنمية بحق، وأن يكون لهذا الوطن أمل في التنافس مع الأمم من حولنا وضخ استثمارات حقيقية في إطار من العدالة الاجتماعية فإن المشوار طويل، ويستلزم إعادة النظر في ملف التعليم برمته، والإصلاح المؤسس الحقيقي، واقتلاع الفساد الحكومي من جذوره.