الخميس، 1 سبتمبر 2016

البكيني والبوركيني.. الكل في التطرف الفكري سواء!!

جريدة الاخبار - 1/9/2016


شاهدت أهالي عمان وعرب وهنود وأوروبيين، شاهدت سيدات يرتدين النقاب والحجاب يباشرن رياضة المشي بمفردهن، وشاهدت سيدات يركضن بملابس رياضية، وشاهدت نساء يسبحن بالبوركيني وأخريات بالبكيني 


عدت  بالأمس من رحلة عمل قصيرة من مسقط في سلطنة عمان حيث كنت عضواً بهيئة تحكيم لنظر نزاع بين شركات وهيئات عُمانية. وبعد أن انتهينا من جلسة طويلة تبارز فيها المحامون وتقارعوا بكافة الحجج القانونية والإجرائية، عاد أعضاء هيئة التحكيم إلي الفندق الذي نقيم فيه بمسقط، ويقع مباشرةً علي البحر، فاقترح أحد زملائي من أعضاء هيئة التحكيم أن نتبادل الأفكار في الشئون العامة أثناء التريض علي الشاطئ المواجه للفندق، فوافقنا وبدأنا رحلة التريض ومناقشة الفكر بالفكر فيما بيننا.

 وأثناء المشي لفتت انتباهي ظواهر عدة أسعدتني بل أبهجتني. أما الظاهرة الأولي، فكانت اكتظاظ الشاطئ بالبشر من كل الجنسيات من يلعب الكرة من الشباب، ورجال ونساء يركضون، وآخرون يهرولون، وآخرون في المياه، وأمهات وأسر بصحبة أبنائهم. وعلي الرغم من أن الشاطئ أمام الفندق، إلا أن الشاطئ مفتوح للجميع، فهناك ممر لنزلاء الفندق إلا أن الشاطئ الممتد لأكثر من 2 كيلومتر علي الأقل مفتوح لكل الجنسيات والأعمار، ولا فارق بين مقيم بالفندق وغير مقيم، لا فارق بين غني وفقير فالكل سواء في الحق في العوم والمشي والتنزه والركض، لا تُفرض رسوم علي أحد ولا قيود علي أحد. وفي الواقع هذه الظاهرة واحدة من مظاهر التحضر الأساسية، وأعدها واحدة من أهم مظاهر العدالة الاجتماعية!

 فممارسة الرياضة والبهجة حق للجميع وجزء لا يتجزأ من حقوق المواطنة. لا توجد مبانٍ تحجب الرؤية، ولا متاريس علي الرغم من أن كافة السفارات الأجنبية وبيوت السفراء تطل علي الشاطئ، ولا توجد رسوم دخول، ولا توجد إشغالات، ولا توجد قهاوي ونوادي تمنع الجمهور، بل توجد أماكن لانتظار السيارات ومداخل متعددة، وملاعب خضراء علي مدي الشاطئ مفتوحة للجميع، فالرياضة والمحافظة علي الصحة بدون فلوس!

 وللأسف الشديد وأنا أسير علي الشاطئ تداعبنا الأمواج الدافئة برفق تذكرت ما آلت إليه شواطئنا، ولا أتحدث عن الساحل الشمالي وما أدراك ما الساحل الشمالي!! ولكن أتحدث عن شواطئ الإسكندرية والسويس والبحر الأحمر والإسماعيلية وبورسعيد، متاريس ونوادي ونقابات ونفايات وأسوار تحجب الرؤية والجمال، قيود علي البسطاء والفقراء والشباب من مباشرة أبسط حقوقهم في الاستمتاع بالطبيعة، في ممارسة الرياضة، في العوم، حرمان الأطفال من التنزه والعوم بصحبة أهاليهم... شيء محزن، النيل نعيش علي بعد خطوات منه ونسير بجواره كل يوم ونراه بصعوبة... أما آن الأوان لإعادة النظر في هذه السياسات، لو كنا جادين في العدالة الاجتماعية، لو كنا جادين في إقرار أبسط الحقوق لكافة المواطنين؟! إذا كنا جادين في منح الجميع التكافؤ في أبسط الحقوق، فلنعالج هذا الاعوجاج فوراً ولنتعظ بدول العالم حولنا، ولتكن سلطنة عمان نموذجاً لنا!!!

وأما الظاهرة الثانية، التي أعجبتني، بل أبهرتني، هي المزج بين كل الفئات العمرية والطبقات المهنية، والأجناس، والجنسيات، الكل متوائم والكل منسجم، والكل في حاله متقبلاً للآخر، شاهدت أهالي عمان وعرب وهنود وأوروبيين وكل الجنسيات، شاهدت سيدات يرتدين النقاب والحجاب يباشرن رياضة المشي بمفردهن، وشاهدت سيدات يركضن بملابس رياضية، وشاهدت نساء يسبحن بالبوركيني وأخريات بالبكيني، ولا أحد ينظر إلي أحد، ولا أحد يصدر أحكاماً مسبقة علي أحد كما يحدث في مصر، وكما يحدث الآن في فرنسا! حالة من السلام والأمان الاجتماعي، حالة من التعايش السلمي. لا يحكم أحد علي أحد من الغلاف.

 تذكرت ونحن نسير والشمس علي وشك الغروب ما نعيشه في مصر منذ أواخر السبعينيات أنتِ غير محجبة، فأنتِ إما مسيحية أو مسلمة غير ملتزمة دينياً!؟ أنتِ محجبة فإما أنك متزمتة دينياً، وإما أنكِ منافقة اجتماعياً!! أحكام يصدرها مجتمعنا علي بعضه البعض من خلال المظهر لا الجوهر... للأسف الشديد صار التعصب متجذراً في عقول وقلوب المصريين مسلميهم ومسيحيهم علي حد سواء، وصار كثير من الوسطيين في مصر من مسلمين ومسيحيين يشعرون بالاغتراب داخل الوطن.

 آمل أن يكون إصدار قانون بناء الكنائس خطوة علي الطريق الصحيح، وأن تتحمل الأجهزة الحكومية والأمنية مسئوليتها أمام الوطن... بالمناسبة ثقافة التسامح واحترام الآخر، وقبول الاختلاف، واحترام الحوار، ومواجهة الفكر بالفكر كلها أمور نفتقدها، والتعليم الأساسي نقطة البدء في إعادة بناء هذه الثقافات... التعليم الجيد والسلام الاجتماعي داخل الوطن وجهان لعملة واحدة... هل يسمعني أحد!! اللينك
استمع الي المقال على ساوند كلاود.. اللينك


0 التعليقات:

إرسال تعليق