الخميس، 26 مايو 2016

يا دكتور علي... أيصح هذا؟

جريدة الاخبار - 26/5/2016

أعلنت  الحكومة عن نيتها في طرح ما يعادل نسبة 20% من رأس مال شركات قطاع الأعمال العام في البورصة للتداول الحر. وقد أكدت وزيرة الاستثمار علي خطة الحكومة في هذا الاتجاه في أكثر من مناسبة. وقد صرح محافظ البنك المركزي كذلك عن خطة الدولة في طرح نسبة من رأس مال بعض البنوك العامة مثل بنك القاهرة للبيع في البورصة. وأنا شخصياً أؤيد الحكومة في ذلك، وأرجو من رئيس الوزراء أن يدعم وزيرة الاستثمار في تنفيذ هذا التوجه الحكومي. فطرح حصة من رأس مال شركات قطاع الأعمال في البورصة له مزايا متعددة تصب في صالح الاقتصاد القومي. فمن شأن طرح حصة من شركات قطاع الأعمال في البورصة أن تؤدي إلي رفع كفاءة شركات قطاع الأعمال العام وزيادة درجة الإفصاح وتطوير أداء هذه الشركات. فالقيد بالبورصة يقتضي إصدار قوائم مالية ربع سنوية، ويقتضي نسبة معينة تتوافر من الربح حتي يمكن قيد الشركات فيها، ويستلزم الإفصاح عن أية أحداث جوهرية تؤثر علي نشاط الشركة، ويقتضي تحسين وتوفير معايير للحوكمة... كل هذه المتطلبات من شأنها رفع مستوي الأداء ودرجة الإفصاح داخل هذه الشركات.

أيضاً من شأن قيد شركات قطاع الأعمال بالبورصة وطرح نسبة من رأس مالها للتداول التأكيد من الدولة علي سياسة توسيع ملكية القطاع الخاص. ولكي تكون آلية القيد بالبورصة ذات نفع للشركات ذاتها ولإعادة هيكلتها، فإنني أقترح ألا تقتصر عملية الطرح علي بيع حصة من رأس مال هذه الشركات إلي الجمهور، وإنما يجب أن تكون عملية الطرح كذلك من خلال زيادة رأس مال عدد من هذه الشركات علي أن تكون الزيادة مطروحة للجمهور من القطاع الخاص، فالزيادة في رأس المال تعني ضخ هذه المبالغ داخل هذه الشركات واستثمارها مباشرة في نشاط الشركة المعنية وتوسيع أنشطتها، وهو ما يعني استغلال البورصة في تشجيع الاستثمار المباشر. فهناك العديد من شركات قطاع الأعمال تعاني من القصور في التمويل، ويعد زيادة رءوس أموالها من خلال البورصة وسيلة فاعلة لتوفير التمويل اللازم لها.

وتحضرني الذاكرة أن نجاح الدولة عام 2005 في طرح 20% من أسهم الشركة المصرية للاتصالات بالبورصة كان له مفعول السحر في زيادة معدل الاستثمار المباشر، وتنشيط البورصة المصرية، وأيضاً الحفاظ علي أداء الشركة المصرية للاتصالات وتطوير أدائها. فطرح نسبة من رأس مال شركات قطاع الأعمال العام والبنوك العامة في البورصة سيؤدي حتماً إلي تنشيط البورصة وعودة فعاليتها كأداة للتمويل والاستثمار المباشر في مصر.

ولكن لكي تنجح خطة الدولة في هذا الخصوص فإن هناك عدداً من الشروط الواجب توافرها، فعلي الدولة أن تعلن عن خطة زمنية محددة واضحة المعالم بحيث تبدأ عملية الطرح الأولي خلال الربع الأخير من هذا العام أو الربع الأول من العام القادم علي أكثر تقدير. وعلي الحكومة التنويع في أنشطة الشركات التي سيتم طرحها واختيارها بعناية، ويجب أن تبدأ إعادة الهيكلة قبل عملية الطرح، فهناك شركات يجب دمجها، وهناك إعادة لتوزيع العمالة بين الشركات يجب أن تحدث، ويجب إعادة توزيع الأصول بين الشركات المختلفة، ولابد من إعداد خطط واضحة مسبقة لتطوير أنشطة وإنتاج بعض هذه الشركات، وإعادة تشكيل مجلس إدارتها... كل هذا قبل البدء في الطرح في البورصة إن أردنا أن تكون عملية الطرح ناجحة، ويجب إسناد عملية الطرح لمؤسسات مالية وبيوت خبرة عالية المستوي. وفي رأيي الشخصي يجب ألا تقتصر عملية الطرح علي شركات قطاع الأعمال العام مثل شركات التأمين والأدوية والسياحة والتعدين والنقل البحري والبري، بل تمتد إلي شركات القطاع العام مثل شركات الطيران والبترول والكهرباء.

كلمة أخيرة... إن قانون قطاع الأعمال العام الحالي قد انتهت مدة صلاحيته ولم يعد مؤهلاً ولا صالحاً لكي يكون إطاراً تشريعياً جيداً للشركات في القرن الواحد والعشرين، فآن الأوان لإعادة النظر فيه برمته... هذه نصيحة خالصة لوجه الله للحكومة وهي تعد أجندتها التشريعية للدورة البرلمانية القادمة...

 
يفاجئنا د/ علي عبد العال رئيس مجلس النواب من آن إلي آخر بتصريحات عجيبة غريبة تجعلنا نضرب كفاً علي كف غير مصدقين ما نسمعه. فقد أصدر رئيس مجلس النواب مؤخراً صيحات تهديد ووعيد لأعضاء البرلمان، بأن كل من تسول له نفسه أن ينتقد السياسة النقدية من أعضاء البرلمان في الصحف أو في البرامج التليفزيونية ستتم إحالته إلي لجنة القيم!!... واأسفاه!! واستطرد سيادته أن تصريحات البرلمانيين تضر بالاقتصاد القومي!!... يا الله!! هل هذا الكلام جدي أم أنه نوع من الكوميديا السوداء؟!! هل مجرد اعتراض البنك المركزي أو خطاب منه يستنكر علي أعضاء البرلمان الحديث في السياسة النقدية يجعل رئيس مجلس النواب ينقلب علي أعضاء المجلس ويهددهم علي الملأ وفي الصحف؟!! إن اتهام أعضاء البرلمان بالمساس بالاقتصاد القومي والإضرار به اتهام خطير... فهل هناك محاولة لتكميم أفواه البرلمان بحيث لا يقتصر الأمر علي حرمان الشعب من متابعة أداء البرلمان بل امتد إلي محاولة منع أعضاء البرلمان من الظهور في الإعلام؟ وإذا افترضنا أن هناك من تكلم وأخطأ، ألم يكن من الأولي أن يكون الحديث مع هذا العضو أو الأعضاء في الغرف المغلقة بدلاً من تعميم التهديدات وتوجيهها عبر الصحف، إن في مثل هذا المسلك إضعافا وتهوينا بالبرلمان لا يليق برئيسه، وكان الأولي به أن يدافع عن حرية أعضائه في التعبير عن آرائهم، وليس تقريظهم وتهديدهم في العلن.

وقبل أن تنتهي صدمتنا من هذه التصريحات، فاجأنا رئيس البرلمان برصاصة أخري، فاتهم المراكز البحثية التي تقوم بتدريب أعضاء البرلمان علي قراءة موازنة الدولة وتحليلها وفهمها بأنها تعمل ضد المصلحة العامة وأنها تعمل طبقاً لأجندات أجنبية. ومن هذه المراكز البحثية المتهمة بالعمالة والعمل ضد مصالح الدولة مركز تابع لجريدة الأهرام القومية!! يا للعجب!! أمعقول أن تصدر مثل هذه التصريحات من مسئول في الدولة؟ هل تقديم برامج تدريبية في العلن للبرلمانيين من المتخصصين لإعانتهم علي أداء مسئولياتهم البرلمانية والرقابية يستوجب نعتهم بهذه الصفات وتجريسهم أمام الرأي العام من قبل رئيس البرلمان؟!... ما هذا الذي يجري داخل البرلمان المصري؟ وهل الهدف هو تكميم الأفواه والاغتيال المعنوي لأي عضو برلماني يستهدف البحث عن الحقيقة أو التعبير عن رأي مختلف؟!... إن قيمة البرلمان المصري في تعدد الآراء والتوجهات داخله، وفي قوة الحجة والمعرفة لدي البرلمانيين، لماذا لا يسعي رئيس البرلمان إلي تطوير أداء مركز البحوث والتدريب الخاص بالمجلس؟ لماذا لا يعد هذا المركز برامج جادة للتدريب كتلك التي تعرضها المراكز البحثية الأخري؟ هل يليق نعت مركز للبحوث تابع لجريدة قومية كجريدة الأهرام بأنها تعمل وفق أجندات أجنبية؟ وهل يعقل أن يصدر مثل هذا التصريح علي لسان رئيس البرلمان المصري؟!! يا للهول!!... ليس كل من يختلف مع رئيس البرلمان في الرأي أو يخالفه في التوجه خائن أو عميل أو يستوجب اغتياله معنوياً... مش كده ولا إيه يا دكتور علي؟!

 
طالعت دراسة موجزة صادرة عن وزارة المالية بشأن ضريبة القيمة المضافة المزمع إصدارها، ولاحظت قائمة السلع المعفاة من الخضوع للضريبة، وهي تشمل معظم السلع الغذائية الأساسية. وهذه القائمة تعبر عن أن وزارة المالية - وإن كانت تسعي لتوسيع دائرة الضريبة - إلا أنها تعي تماماً الأثر التضخمي لهذه الضريبة، وتسعي بشكل عام للحد من ارتفاع أسعار السلع الغذائية حال تطبيق هذه الضريبة. رغم التحديات فأنا متفائل ومتعشم خيراً في أداء وزير المالية وفريق عمله المتميز... كان الله في عونهم.

 
ربما لا يعلم الكثيرون أن عمدة لندن الجديد «صديق خان» المسلم ذو الجذور الباكستانية والميول اليسارية، لم يكن جديداً علي العمل العام في بريطانيا، فقد سبق أن كان وزيراً للنقل في حكومة حزب العمال البريطاني عام 2009. وهو أول وزير بريطاني يقسم علي المصحف في قصر باكنجهام، وحينما طلب منه القسم تبين أنه أحضر معه القرآن الكريم ليقسم عليه، وبعد انتهاء القسم أراد عاملو المراسم بقصر باكنجهام إعادة المصحف إليه، فكان رده عام 2009: «احتفظوا به للشخص المسلم القادم»، واحتفظ القصر بالمصحف. لقد فاز «خان» بأصوات 57% من الناخبين لكي يكون أول عمدة مسلم لواحدة من أهم العواصم في العالم - إن لم تكن أهمها علي الإطلاق. لقد أعطت واحدة من أكثر عواصم الغرب تحرراً فكرياً ثقتها في «خان» المسلم لرسم مستقبلها. رغم تعاظم ظاهرة الإسلام فوبيا في العالم الغربي، فإن انتخاب «خان» في 5 مايو الماضي عمدة لندن ممثلاً لحزب العمال البريطاني نقطة مضيئة وومضة أمل في مستقبل أقل عنصرية وأكثر أماناً... يا دكتور/ علي... المسيحيون البيض الإنجليز أحفاد الإمبراطورية البريطانية سكان لندن الليبرالية انتخبوا مسلما من أصول باكستانية عمدة لمدينتهم... فبالله عليك اسمح بحرية الرأي لأعضاء برلمانك، ففي حرية الرأي والاختلاف في الآراء مزايا وفوائد عظيمة... يرحمنا ويرحمك الله... اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 19 مايو 2016

قل لي من هم مساعدوك... أخبرك من أنت وكيف تفكر!

جريدة الاخبار - 19/5/2016

نصف الطريق إلي النجاح والإصلاح يبدأ من اختيار فريق العمل الجيد والقوي



السياسة لا تعرف المستحيل، هذا يجب أن يكون شعار الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام. «بيرني ساندرز» يبلغ من العمر 74 عاماً، عضو بالكونجرس الأمريكي، يساري الفكر، لا يحظي بأي دعم من أي لوبي أمريكي، ليست لديه أية موارد مالية، نجح في منافسة «هيلاري كلينتون» بقوة علي ترشيح الحزب الديمقراطي، ربما لن يحظي بالترشح في النهاية حيث يحتاج أن يكسب 66% من أصوات الولايات المتبقية وهو أمر صعب عملياً وإن لم يكن مستحيلاً. وعلي الرغم من الصعوبة يري هو ومساعدوه ومؤيدوه أن يستمروا حتي النهاية، وليس الهدف فقط هو المكسب ولكن الهدف الأهم لهم هو أن يكونوا مؤثرين علي سياسات «هيلاري كلينتون» حال ترشحها للانتخابات الرئاسية. وقد نجحوا بالفعل في ذلك، إذ اضطرت «هيلاري» وعيناها علي مقعد الرئاسة أن تعدل وتغير من بعض سياساتها وتقبل بالعديد من الأمور التي يؤيدها «ساندرز» أملاً في الحصول علي أصوات مؤيديه حال فوزها عن الحزب الديمقراطي.

ومن أهم هذه الأفكار هو الحد الأدني للأجور، فقد ظل «بيرني ساندرز» يناضل طوال تاريخه السياسي لإقرار هذا الحق للعاملين في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن هذا الأمر علي أجندة «هيلاري كلينتون» الانتخابية، وها هي الآن تقر بتبنيها أن يكون الحد الأدني للأجور (12) دولاراً في الساعة لأي عامل في أمريكا. «بيرني ساندرز» تبني أيضاً سياسة راديكالية بالنسبة لنظام التعليم الأمريكي، فهو يريد زيادة حجم المنح وليس القروض التعليمية في الجامعات الأمريكية والسماح لمزيد من الشباب الأمريكيين للالتحاق بالجامعات وعدم إرهاقهم في بدايات حياتهم العملية بسداد القروض، ورغم رفض «هيلاري كلينتون» في البداية لتلك الأفكار رضخت في النهاية أملاً في كسب تأييد الشباب، فغالبية مؤيدي «بيرني ساندرز» - صاحب الأربعة وسبعين عاماً - تتراوح أعمارهم بين 18 عاماً و25 عاماً!! وأكبر عدد من المتبرعين لأي حملة رئاسية كان من نصيب «بيرني ساندرز»، ومتوسط مبلغ التبرع لا يزيد عن 25 دولاراً أمريكياً فقط.

الشباب يصنعون المعجزات، وليس شرطاً أن تكون زعيماً شاباً لكي تحظي بتأييد الشباب، ولكن يجب أن تكون مؤمناً بالشباب وأنهم المستقبل، فليس منطقياً في السياسة أن تسعي إلي بناء المستقبل ثم تستبعد أو تعادي كل من ينتمون إلي هذا المستقبل ويعدون جزءاً منه. سر نجاح حملة «ساندرز» هو الشباب، وإحساسهم بأن هناك من يفهمهم ويعبر عن طموحاتهم ومشاكلهم حتي ولو كان من جيل آخر.

الاستقرار السياسي والتنمية لا يمكن أن يتحققا بأفكار من الماضي وإدارة عجوز تخاصم المستقبل، في مصر أكثر من 50% من الشعب المصري ينتمون إلي الفئة العمرية أقل من 25 عاماً، ما معني هذا؟ معناه سياسياً أنك يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن هؤلاء هم غالبية الشعب، وأنه لا يمكن أن تنجح سياسياً إذا كانت سياسة الدولة معادية لهؤلاء... هناك اتجاه متزايد داخل التكتلات الشبابية للتخاصم مع الدولة والحكومة، يجب أن ننتبه لذلك جدياً، انظروا إلي الفئة العمرية من المتظاهرين القلائل في قضية «تيران وصنافير»، وانظروا إلي الفئة العمرية للمتظاهرين في أحداث نقابة الصحافيين، الغالبية الكاسحة لا تتجاوز أعمارهم 30 عاماً... المسألة تحتاج إلي إعادة نظر، لا يمكن لدولة أو حكومة تسعي إلي أن تكون رقماً صحيحاً في المستقبل أن تعادي هذا المستقبل!!

من الأمور اللافتة أيضاً في الانتخابات التمهيدية الأمريكية؛ ظاهرة «دونالد ترامب»، فمنذ شهور قليلة كان يُنْظَر إليه باعتباره فقاعة ستذهب بعيداً في أيام معدودات، ولكن بعد أقل من 7 شهور أصبح «ترامب» هو المرشح المفترض للحزب الجمهوري، واكتسح جميع منافسيه، وصار خصماً قوياً في مواجهة المرشح الديمقراطي، ولم تعد فرصه في كسب الانتخابات الأمريكية أمراً مستحيلاً، بل احتمالاً قوياً وارداً.

لغة «ترامب» عدائية ضد المسلمين، وضد المكسيك والصين، وأهان السياسيين الأمريكيين، وأوقع قادة الحزب الجمهوري في مأزق؛ ففي قناعاتهم السياسية أن «ترامب» ليس جديراً بأن يترشح باسم الحزب، في حين أنه يحظي بأغلبية الأصوات، وعليهم أن يتبعوا قرار الأغلبية، فهذه هي الديمقراطية.

بعيداً عن كل هذا، فإن متابعة تحركات «ترامب» السياسية وتطور أدائه يستحق التحليل السياسي الدقيق. ففي مرحلة الانتخابات التمهيدية لعب علي «خوف» قطاع كبير من الأمريكيين، وانتشار الإسلاموفوبيا، وداعش، وتهريب المخدرات إلي الولايات المتحدة، وانتشار الهجرة غير الشرعية، وانتشار الجرائم، وإغلاق المصانع وهروبها من أمريكا إلي المكسيك ودول أخري - مثل مصانع «جنرال إليكتريك». فهو استغل الخوف لدي قطاع كبير من الأمريكيين، ولعب علي هذا الوتر، وأدرك أن هناك قطاعاً كبيراً من الأمريكيين لا يريد المنطقة الرمادية، وإنما يريد زعيماً قادرا علي قهر هذا الخوف، وقد بدا لكثير من الأمريكيين أنه هو هذا الرجل القوي السلطوي، وهنا نشأت داخل السياسة الأمريكية حركة movement جديدة، ففي المراحل التي تحس الأمة فيها بخطر تبحث عن زعيم واضح وقوي، ولا تسعي إلي أصحاب الحلول الوسطية. وهذا الوضع يذكرنا بما حدث في الانتخابات الرئاسية المصرية عام (2012)، مصر كانت في مفترق طرق ومنقسمة علي نفسها، فذهبت الأصوات إلي «شفيق» ممثلاً للدولة المدنية العلمانية القوية، وإلي «مرسي» ممثل التيار الثيوقراطي السلفي الإخواني، وكل من حاول من المرشحين الآخرين أن يقف في منطقة وسط يداعب أطراف كل من المعسكرين لم ينجح، وهذا ما حدث علي وجه الخصوص مع السيد/ عمرو موسي والدكتور/ عبد المنعم أبو الفتوح. وهو ما تأكد مرة أخري بعد 30 يونيو، ووقفت الأغلبية وراء الرئيس/ السيسي لكونه المرشح القوي القادر علي الحفاظ علي كيان الدولة المصرية.

وعودة إلي «دونالد ترامب»، فبعد أن تأكد من نجاحه في الانتخابات التمهيدية، بدأت لغته وتحركاته السياسية تختلف، وبدا أكثر هدوءاً وميلاً نحو لبس ثوب رجل الدولة، فعينه صارت علي المقعد الرئاسي. ومن المتوقع أن يبدأ «ترامب» من الآن في طرح أسماء لمساعدين له في المستقبل حال أن يصبح رئيساً، فهو سيسعي - وهذا ما يبدو - أن يتخير مساعدين له ذوي مصداقية وخبرة سياسية وفنية، ووجوه مقبولة لدي جميع الأمريكيين. وللرئيس الأمريكي الأسبق «رونالد ريجان» مقولة شهيرة: «Personell is policy»، وهو ما يعني أن اختيار أعضاء الحكومة والمساعدين ينبئ عن سياسات الرئيس وتوجهاته. وعلي الرغم من أن «رونالد ريجان» شأنه شأن «ترامب» لم يكن أحد يتخيل أن يصير حاكماً لكاليفورنيا ومن بعدها رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، بل كان يسخر منه الجميع، وبعد أن صار رئيساً للولايات المتحدة يحتسبه التاريخ الأمريكي واحداً من أعظم رؤسائه، ففي عهده انتعش الاقتصاد الأمريكي، وانهار الاتحاد السوفيتي، وسقطت أوروبا الشرقية... نجاح «رونالد ريجان» يعود في المقام الأول لنجاحه في اختيار معاونيه وأعضاء حكومته فجميعهم كانوا أصحاب فكر ورؤية من الطراز الرفيع... وعلي العكس، فإن رئيساً مثل «نيكسون» لا شك أنه كانت له خبرات سياسية وقانونية وتنفيذية أرفع مقاماً وأكثر عمقاً من «رونالد ريجان»، ولكنه سقط بسبب سوء اختياره لمعاونيه، حتي أن نائبه كان قد تم القبض عليه في قضية فساد قبل شهور قليلة من سقوط الرئيس نفسه واستقالته نتيجة فضيحة «ووترجيت». فما يسعي إليه «ترامب» هو جذب مزيد من الأنصار من خلال ترشيح فريق عمل قوي من الآن يستطيع أن يجذب إلي تأييده قطاعا من الأمريكيين لم يفكر يوماً في التصويت لـ»ترامب»، فـ»ترامب» يحاول من خلال اختيار فريق جيد أن يقنع قطاعا من الأمريكيين أن ينسوا تصريحاته الشاذة، وينظروا إلي فريقه الجيد.

قل لي من هم أعضاء فريق عملك الدائم، ومن هم مستشاروك، أستطع أن أحكم عليك كيف تفكر، وما إذا كنت ستنجح أم لا، فنصف الطريق إلي النجاح والإصلاح يبدأ من اختيار فريق العمل الجيد والقوي. لن تستطيع وحدك يا عزيزي أن تنجح، بل تحتاج إلي فريق عمل قوي كفء مخلص. وليس بالضرورة كل من ينصح بذلك يصلح أن يكون في فريق العمل أو يسعي لأن يكون جزءاً منه، ولكنه لا شك يخلصك النصح. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 12 مايو 2016

التسويق السياسي للحكومة صفر

جريدة الاخبار - 12/5/2016

ولكن لا شك أن الداخلية والحكومة خسرت ظهيراً مهماً لها - من الناحية السياسية - وهو الصحافة


اليوم علي وجه التحديد قررت أن أكتب عن بعض الإيجابيات التي تجري داخل مصر... فلا يعقل ألا نري سوي السلبيات، ولا شك أنه مهما حسنت نوايانا وكانت لدينا رغبة قوية في تصحيح المسار إلا أن تكرار الحديث عن السلبيات يخلق مناخاً غير صحي ويفتت الهمة والعزيمة. وقلت لنفسي لا تترك روحك وعقلك فريسة لهذا المناخ السلبي في كل شيء، وقررت أن أنظر إلي إنجازات الحكومة علي أرض الواقع وأتحدث عنها. وأردت أن أحصل علي بعض المعلومات والأخبار الإيجابية، واكتشفت أنه لا يوجد أي أخبار إيجابية حقيقية تنقلها أجهزة الدولة إلي الإعلام، وأن الأجهزة الحكومية ذاتها إما تصدر أمنيات للمستقبل أو أخبارا سلبية أو معلومات مبتسرة، أو أخباراً مبالغا فيها أحياناً أو تستعجل النتائج الطيبة. كما أن الخطاب السياسي الحكومي في مجمله يكتفي بأن النقد غير حقيقي، والمحصلة مزيد من المناخ السلبي حولنا في كل شيء. ولقد فشلت أن أزف لحضراتكم اليوم أخباراً إيجابية ولكني لن أيأس، وأعدكم بتكرار المحاولة. فالتسويق السياسي للإنجازات الحكومية محصلته صفر، والتواصل والخطاب الحكومي علي المستوي الرئاسي وعلي مستوي مجلس الوزراء وأجهزة الدولة مع الإعلام والرأي العام ضعيف للغاية ويحتاج إلي تطوير في الأداء ومراجعة دقيقة. فالحصول علي الأخبار السيئة أسهل بكثير من الحصول علي أخبار إيجابية. البيانات الصحفية التي تصدر عن المتحدثين الرسميين للوزارات والجهات الحكومية تتسم بالرتابة وتكرار الخبر وجفاء اللغة وتخلو من الأخبار التي تستوجب الإعلان عنها، السياسة غائبة في كل شيء، والتسويق الإعلامي وأسس التخاطب والتواصل مع الرأي العام أكثر من ضعيفة. فعلي سبيل المثال إنتاج القمح تضاعف ولكن شراءه وتحصيله من الفلاحين، وعدم وجود صوامع كافية وشكاوي الفلاحين وغضبهم، كلها أخبار سلبية طغت علي زيادة الإنتاج.

ولنأخذ كذلك أزمة نقابة الصحفيين الأخيرة كمثال لسوء التسويق السياسي، وضعف التعامل الحكومي مع الأزمات. الذي حدث أقل ما يمكن أن نصفه أنه تم «أمنجة أزمة سياسية» كان يمكن حلها في ساعات معدودات بعيداً عن الحلول الأمنية. بدأت المشكلة حينما صدر قرار من النائب العام بالقبض علي الصحفيين المتهمين لنشرهما ما يستوجب المسئولية الجنائية حيث تضمن ما تم نشره عبارات فيها تحريض علي القتل إلي آخره... وتم تفتيش منازلهما ولم يتم العثور عليهما، وقد اختبآ في مقر نقابة الصحفيين من خلال زملاء لهما، ووفقاً للتحريات الأمنية ثبت لدي الأجهزة المكلفة بالقبض علي الصحفيين تواجدهما بمقر النقابة، وتم اتخاذ القرار باقتحام النقابة والقبض علي الصحفيين المختبئين. حتي هذه اللحظة الأمر برمته يتعلق بتنفيذ قرار النيابة، والقرار الأمني بالقبض علي متهمين. اقتحام مقر النقابة حدث جلل أياً ما كانت مبرراته، وإجراءات التفتيش فيها مخالفة إجرائية للمادة (70) من قانون الصحافة، والتي تستوجب حضور النقيب وحضور ممثل للنيابة حال تفتيش المبني. المهم أنه حدث ما حدث، وتم القبض علي الصحفيين بمقر النقابة، دون تنسيق مسبق مع النقيب. الأزمة في رأيي بعد واقعة القبض تحولت إلي «أزمة سياسية» تخص رئيس الحكومة وحكومته، ولم تعد أزمة أمنية «تخص وزير الداخلية أو الأمن الوطني وحده»، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً، وتركنا للأجهزة الأمنية إدارة أزمة سياسية بعقلية أمنية. وتوارت الحكومة ورئيسها ووزير الثقافة -وهو صحفي أصلاً -عن المشهد تماماً، وصارت المعركة بين وزير الداخلية -يدعمه رئيس الحكومة في صمت -ونقابة الصحفيين، وأعد كل منهما عدته للقتال؛ فبيانات نارية من النقابة يقابلها جلب «مواطنين شرفاء» يسبون الصحفيين بالأتوبيسات من قبل جهات غير معلومة!! وتحرك لأعضاء مجلس النقابة وظهور في القنوات الفضائية يقابله اختيار قيادات أمنية سابقة من الداخلية للظهور المضاد والرد علي ممثلي النقابة، تصاعد واشتباك في برامج التوك شو من بعض مقدمي البرامج دفاعاً عن زملائهم يقابله اتصالات وتحركات من ضباط الأمن للحديث مع هؤلاء المذيعين تارة بالترغيب وأخري بالترهيب من استضافة عناصر بعينها، ويتطور الأمر فتستدعي النقابة رؤساء التحرير لاتخاذ موقف موحد، فيبدأ التحرك الأمني للتواصل مع بعض من هؤلاء بهدف التفتيت والتقسيم، وتنشأ حركة تصحيح المسار وتصوير الأمر علي أن هناك انقساما حادا داخل النقابة، ويبدأ نقيب الصحفيين في التحرك السياسي، فتواجهه بلاغات متعددة في انتظاره، ووعيد أمني بتقديمه للمحاكمة آجلاً أم عاجلاً... فيتزايد التحرك الأمني السياسي، ويزداد الحنق الصحفي علي الداخلية في وقت يحارب فيه أفراد الأمن الإرهاب بمفردهم، ويسقط منهم شهيد تلو الآخر دفاعاً عن الوطن... سوف تنتهي أزمة نقابة الصحفيين خلال أيام معدودات، ولكن الأثر السلبي لهذه الأزمة علي الحياة السياسية في مصر سيمتد إلي سنين، لن يقال وزير الداخلية أو يستقيل وطلب إقالته في رأيي كان مبالغة في التصعيد، ولن يقال مجلس نقابة الصحفيين أو يستقيل، وتشويه الصحفيين ومهنة الكلمة نجح!! 

ولكن لا شك أن الداخلية والحكومة خسرت ظهيراً مهماً لها -من الناحية السياسية -وهو الصحافة والإعلام نتيجة سوء إدارة قيادات الداخلية والحكومة للأزمة والإصرار علي تصعيد التصادم الأمني لا التصادم السياسي وشتان الفارق بين الأمرين، فالصراع السياسي -مهما كانت حدته - لا يترك شرخاً في النسيج الوطني ولا الاستقرار الاجتماعي، وذلك علي العكس تماماً بشأن المواجهات الأمنية -والتي لا تعتمد فقط علي العنف البدني بل امتدت إلي التخوين والتشويه والإيذاء النفسي وهو أكثر قسوة وقدرة علي تأجيج العنف السياسي... ربنا يلطف علينا وعليكم من السيديهات وتسريب المكالمات الخاصة!! أرجو من الحكومة ومن قيادات الداخلية إعادة النظر في هذه السياسات، فهي لن تنجح علي المدي المتوسط -وإن نجحت من وجهة نظرهم تكتيكياً علي المدي القصير. علي الحكومة أن تستعيد دورها السياسي، وأن تستعين بخبراء في عمليات التسويق السياسي، فتصدير وزارة الداخلية في كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في رأيي ظلم للضباط والعاملين في قطاع الأمن، وتفتيت لجهود الأجهزة الأمنية لمواجهة ما هو أهم وأخطر علي الوطن.

وبعيداً عن أزمة الصحفيين، فأنا عندي أمل كبير في عدد من وزراء المجموعة الاقتصادية في دفع مصر للأمام في الاتجاه الصحيح، فما زلنا -رغم أزمة الدولار -نحافظ علي معدل النمو للناتج المحلي بنسبة 4%، وهي نسبة -وفقاً للتقرير المنشور بمجلة الإيكونمست هذا الأسبوع لـ52 دولة -يعد هو الأعلي، تسبقنا فيه فقط الصين (6.5%) والهند (7.5%) وإندونيسيا (5.1%) وماليزيا (5.5%) والفلبين (6.1%). مصر قادرة علي رفع المعدل الاقتصادي خلال عامين إلي 7.5% كالهند، وهذا يعني قدرة مصر علي خلق 700 ألف فرصة عمل سنوياً، وخفض معدل البطالة من 13% -وهو المعدل الحالي -إلي أقل من 10% خلال 3 أعوام.

وتحمل المؤشرات الاقتصادية بصيصاً من الأمل حيث شهد ارتفاع الأسعار المجنون للسلع خلال الأيام القليلة الماضية انخفاضاً طفيفاً خلال هذا الشهر. ولكن تحمل المؤشرات الاقتصادية أيضاً أخباراً غير سارة، حيث انخفض الإنتاج الصناعي في مصر إلي أكثر من 12% وهو معدل مخيف، وفي رأيي يعود السبب الرئيسي في هذا إلي ارتفاع الدولار وعدم القدرة علي استيراد مستلزمات الإنتاج، إضافة إلي تزايد حالات التعثر المالي، وهو ما يقتضي تفعيل دور البنك المركزي لمواجهة حالات التعثر ودعم الصناعة في هذا التوقيت الصعب، كما صار ضرورياً تفعيل الصندوق المقترح إقامته لمواجهة حالات التعثر المالي وتعويم هذه المشروعات للحفاظ علي العمالة المصرية والصناعة المصرية، فحتي الأمور الاقتصادية ستستفيد من المعالجات السياسية الحكيمة، والتسويق السياسي الجيد حتي يدعم الشعب القرارات الصعبة إن احتجنا إليها. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 5 مايو 2016

هيبتا: علاقة الشعب بالرئيس

جريدة الاخبار - 5/5/2016

هيبتا من أروع الأفلام المصرية التي شاهدتها مؤخراً، والفيلم مأخوذ عن قصة للكاتب محمد صادق. قصة ناعمة، إخراج رائع، تمثيل يفوق الخيال. فيلم يعطي الأمل في عودة القوة الناعمة للسينما المصرية. تغوص القصة، والتي قرأتها بعد مشاهدة الفيلم في تشريح العلاقات الإنسانية ومراحلها، ولماذا تنجح علاقات إنسانية وتفشل أخري.

من وحي قصة «هيبتا» سرحت في العلاقة الإنسانية بين الشعب ورئيسه، أي رئيس، وكيف أن هذه العلاقة شأنها شأن أي علاقة إنسانية تمر بمراحل صعود وهبوط، وهو ما يسمي باللغة السياسية «شعبية الرئيس». لا يمكن لأي رئيس في أي زمان أو مكان أن يحافظ علي شعبيته مرتفعة طوال الوقت، ولكنه يستطيع ذلك معظم الوقت إذا حافظ علي المسار وصححه حال الخطأ، ولم يعاند الواقع، ويفترض أنه الوحيد الذي علي حق والجميع علي خطأ. المطالعة المتأنية للتاريخ والحاضر تكاد تنطق بأن علاقة الشعوب بزعمائها ورؤسائها ينطبق عليها معايير نجاح وفشل أي علاقة إنسانية أخري.

فقد تمر علاقة الشعب برؤسائه خاصة أصحاب الكاريزما والزعامة منهم بمراحل ومشاعر متدرجة ومتناقضة أحياناً. والعلاقة الناجحة بين الشعب ورئيسه تمر بمراحل سبعة في غالب الأحوال:
(1) اللقاء: هذه هي المرحلة التي يتعرف فيها الشعب علي زعيمه المنتظر لأول مرة، وعادة ما تكون معلومات الشعب عن زعيمه في اللقاء الأول مبهمة وغامضة، ولكن تكون ممتلئة بالإعجاب بثقة الزعيم في شعبه ونفسه، وبمظهره القوي الغامض وصلابته جسداً وروحاً... وتنشأ عن هذا اللقاء حالة إعجاب ما تلبث أن تتطور إلي حب للزعيم، وأمل في أن يصير هو القائد المنتظر للأمة لكي يخرجها من كبوتها ويحقق طموحاتها.

(2) الانبهار: سرعان ما تتحول حالة الإعجاب إلي حالة انبهار لدي جموع الشعب بزعيمهم المنتظر، انبهار بقدرته علي القيادة، انبهار بقوة شخصيته الناعمة، انبهار بحبه لشعبه، انبهار بانحيازه للضعفاء وقدرته علي الوصول إليهم، وانبهار بتصالحه مع نفسه، انبهار بتحركاته التكتيكية المحسوبة والمفاجئة لأعداء الوطن، انبهار بطموحاته لشعبه، انبهار بقدرته علي الحسم ومواجهة المخاطر. هنا تكون شعبية الزعيم في أعلي القمة.

(3) الحلم: هنا يبدأ حلم الشعب، وتبدأ معه مرحلة الأمل، الأمل في تغيير الواقع غير السعيد، الأمل بأن يحول الزعيم أحلام شعبه إلي واقع جديد مشرق، الحلم بالقضاء علي الفساد، الحلم بالقضاء علي الفقر، الحلم بتكافؤ الفرص بين كافة أفراد الوطن، الحلم بالمساواة أمام القانون، الحلم بالحرية في التعبير عن الرأي والحق في الاختلاف دون خوف، الحلم بتعليم جيد لأبناء الطبقة دون المتوسطة، الحلم بالأمن، الحلم بالقضاء علي التجارة بالدين، الحلم بكوب مياه نظيفة، الحلم بالقضاء علي العشوائيات، الحلم بالعلاج الجيد، الحلم بالحصول علي الدواء، الحلم بصناعة وطنية قوية، الحلم بالكرامة، الحلم بدولة قوية تحافظ علي مصالحها الوطنية... أحلام كثيرة يشارك الزعيم شعبه فيها. ربما يدرك الزعيم أكثر من غالبية أبناء وطنه بأن تحقيق هذه الأحلام ليس يسيراً ولكنه يقتضي بذل العرق والدم ولكنه -أي الزعيم- عازم بكل ما أوتي من قوة علي تحقيق هذه الأحلام، والشعب بدوره حالم آمل في قدرة زعيمه علي تحويل هذه الأحلام إلي واقع في وقت قصير لا يتناسب مع حجم التحديات، ولا يوجد سقف لطموحات الشعب خلال هذه المرحلة.

(4) الوعد: هنا يعد الزعيم المخلص الممتن لشعبه بتحقيق أحلام أبناء وطنه، وهو صادق في وعده لم يخدعهم للحظة فهو حالم وآمل مثلهم، ولا ينقصه الإيمان ولا العزيمة، هو من الشعب ويشعر بنبضه وآلامه. تتعاظم شعبية الزعيم، وتسعي الغالبية لجعله رئيساً للبلاد. الإصلاح ممكن ولكنه طريق شاق وقد يستغرق وقتاً أطول مما يتوقعه الشعب، وشعبية الزعيم في مرحلة الوعد لا تتزعزع، فحسن النوايا يحكم الجميع. وينتخب الشعب زعيمه رئيساً للبلاد ليحقق لهم طموحاتهم وأحلامهم وليقضي علي طيور الظلام، وتكون الانتخابات حقيقية غير هزلية، ويكون الشعب في هذه المرحلة علي قلب رجل واحد خلف رئيسهم الجديد، ويبدو المستقبل مشرقاً والانقسام غير ممكن. وتصعد شعبية الرئيس إلي السماء.

(5) الواقع: رغم أن الرئيس يدرك منذ اللحظة الأولي لانتخابه صعوبة الموقف وخطورته إلا أن الواقع علي الأرض يبدو أسوأ بكثير مما كان يأمل أو يتصور، فمؤسسات الدولة ذراعه في تحقيق أحلام وطموحات شعبه، منهارة لا تقوي علي فعل شيء، فلها شكل مؤسسات الدولة في كل شيء، إلا أنها تفتقر المقومات الحقيقية لمؤسسات الدولة في كل شيء. موارد سيادية محدودة، كفاءات إدارية معدومة، انقسام سياسي غير مسبوق، أحزاب سياسية منزوعة التأثير الشعبي ولاتزال تتخبط طريقها، جهاز إعلامي حكومي يمثل عبئاً علي الدولة وليس داعماً لها، بنية أساسية بدأت في التآكل، قوي سياسية داخلية وخارجية متربصة، قصور في الإنتاج، عجز في الاستثمار، فساد يستفحل ولا يرحم، افتئات متزايد علي القانون، إدارة سيئة للمنظومة الاقتصادية، ارتفاع في الأسعار، بطالة متزايدة، وشعب حالم آمل. ماذا يفعل الرئيس؟ الرئيس يعلم بالمشكلات، وضرورة التدخل العاجل... ليس لديه وقت يضيعه أو يستنزفه ليواجه أجهزة الدولة المدنية العتيقة، فيلجأ لجيشه في كل شيء لسد الفجوة. ورغم المجهود الجبار والإنجازات السريعة إلا أن ظاهرة الجزر الحكومية المنعزلة تتزايد، وحالة الجهاز الحكومي تسوء، ولا يجد الرئيس الوقت، ولا تعاونه أجهزة الدولة للبحث عن كفاءات تعينه من أهل الخبرة من الحريصين علي الرئيس أكثر من حرصهم علي عدم إغضاب الرئيس، فتسود حالة من الهمهمة وضعف الأمل في تغيير ما كان عليه حال البلاد قبل الرئيس.

(6) القلق والإحباط: يبدأ في هذه المرحلة كرد فعل للواقع الصعب ووجود بعض الأخطاء ارتفاع أصوات بعض المؤيدين المخلصين بوجود مشكلات وسوء إدارة للملفات، فيتم تهميشهم بدعوي أنهم أصوات للإحباط، أو أنهم لم يحصلوا علي ما كانوا يصبون إليه فتحولوا إلي المعارضة، ومعاول للهدم، فيبدأ هؤلاء تدريجياً في الانسحاب، ورغم تقدير الرئيس وتفهمه لبعض وجهات النظر هذه إلا أنه ليس لديه الوقت لإعادة النظر في السياسات القائمة، ولا يخفي أحياناً غضبه مما تسير عليه الأمور، ويسود قطاع كبير من الشباب حالة من الإحباط، ومعه قطاع من الشعب. ولا شك أن شعبية الرئيس تتأثر قليلاً في هذه المرحلة، إلا أن الأغلبية لم تتخل عن الرئيس بل لاتزال تدعمه وتؤيده ويدرك الجميع أنه لا بديل عن النجاح وتحقيق طموحات وأحلام الشعب وتنفيذ الوعد. ويأمل قطاع كبير من أبناء الوطن أن يدرك الرئيس أنه آن الأوان للتقييم الهادئ لإدارة البلاد والاعتراف بوجود بعض الأخطاء حتي داخل المؤسسة الرئاسية ذاتها.

(7) القرار وقيام الرئيس بتصحيح المسار: يدرك الرئيس المشكلات، ويتحرك بسرعة لتصحيح المسار، فالتحديات تزايدت واصطياد الأخطار تعاظم، والإحباط خطر جسيم، فالإحباط يقتل أمل الشعوب. فكان لابد من إعادة النظر فيما يجب إنجازه، وضرورة تصحيح الأخطاء، ويواجه الرئيس شعبه بالأخطاء قبل الإنجازات، وبما قرر اتخاذه من خطوات لتصحيح المسار فهو لايزال علي وعده، ويبدأ الرئيس في اتخاذ قرارات جريئة لتصحيح المسار الإداري لشئون الدولة، وملفاتها السياسية والاقتصادية، وتتحقق المعجزة وينفذ الرئيس الوعد الذي قطعه علي نفسه بنهاية مدة رئاسته الأولي. وتعود شعبية الرئيس لترتفع إلي عنان السماء.

يذكر التاريخ دائماً أن الزعماء والرؤساء المخلدين في ذاكرة أممهم هم هؤلاء الذين اعترفوا بالأخطاء وواجهوها وهم في قلب المعركة، ولم يعاندوا الواقع بل غيروا من سياساتهم ونهج إدارتهم، فالتاريخ سيذكر ذلك لـ «تيودور روزفلت «و» ونستون تشرشل»، ومن الزعماء العرب الملك «محمد السادس» ملك المغرب، ومهاتير محمد في ماليزيا.

تصحيح المسار صعب ولكنه ليس مستحيلاً، وتصحيح المسار السياسي والاقتصادي والإداري ضرورة لتحقيق الحلم، وقهر صعوبات الواقع...

الأمر الآن برمته بيد الرئيس السيسي، فلايزال تحقيق الوعد ممكناً، ولكن آن الأوان لتصحيح المسار. اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك