الخميس، 12 مايو 2016

التسويق السياسي للحكومة صفر

جريدة الاخبار - 12/5/2016

ولكن لا شك أن الداخلية والحكومة خسرت ظهيراً مهماً لها - من الناحية السياسية - وهو الصحافة


اليوم علي وجه التحديد قررت أن أكتب عن بعض الإيجابيات التي تجري داخل مصر... فلا يعقل ألا نري سوي السلبيات، ولا شك أنه مهما حسنت نوايانا وكانت لدينا رغبة قوية في تصحيح المسار إلا أن تكرار الحديث عن السلبيات يخلق مناخاً غير صحي ويفتت الهمة والعزيمة. وقلت لنفسي لا تترك روحك وعقلك فريسة لهذا المناخ السلبي في كل شيء، وقررت أن أنظر إلي إنجازات الحكومة علي أرض الواقع وأتحدث عنها. وأردت أن أحصل علي بعض المعلومات والأخبار الإيجابية، واكتشفت أنه لا يوجد أي أخبار إيجابية حقيقية تنقلها أجهزة الدولة إلي الإعلام، وأن الأجهزة الحكومية ذاتها إما تصدر أمنيات للمستقبل أو أخبارا سلبية أو معلومات مبتسرة، أو أخباراً مبالغا فيها أحياناً أو تستعجل النتائج الطيبة. كما أن الخطاب السياسي الحكومي في مجمله يكتفي بأن النقد غير حقيقي، والمحصلة مزيد من المناخ السلبي حولنا في كل شيء. ولقد فشلت أن أزف لحضراتكم اليوم أخباراً إيجابية ولكني لن أيأس، وأعدكم بتكرار المحاولة. فالتسويق السياسي للإنجازات الحكومية محصلته صفر، والتواصل والخطاب الحكومي علي المستوي الرئاسي وعلي مستوي مجلس الوزراء وأجهزة الدولة مع الإعلام والرأي العام ضعيف للغاية ويحتاج إلي تطوير في الأداء ومراجعة دقيقة. فالحصول علي الأخبار السيئة أسهل بكثير من الحصول علي أخبار إيجابية. البيانات الصحفية التي تصدر عن المتحدثين الرسميين للوزارات والجهات الحكومية تتسم بالرتابة وتكرار الخبر وجفاء اللغة وتخلو من الأخبار التي تستوجب الإعلان عنها، السياسة غائبة في كل شيء، والتسويق الإعلامي وأسس التخاطب والتواصل مع الرأي العام أكثر من ضعيفة. فعلي سبيل المثال إنتاج القمح تضاعف ولكن شراءه وتحصيله من الفلاحين، وعدم وجود صوامع كافية وشكاوي الفلاحين وغضبهم، كلها أخبار سلبية طغت علي زيادة الإنتاج.

ولنأخذ كذلك أزمة نقابة الصحفيين الأخيرة كمثال لسوء التسويق السياسي، وضعف التعامل الحكومي مع الأزمات. الذي حدث أقل ما يمكن أن نصفه أنه تم «أمنجة أزمة سياسية» كان يمكن حلها في ساعات معدودات بعيداً عن الحلول الأمنية. بدأت المشكلة حينما صدر قرار من النائب العام بالقبض علي الصحفيين المتهمين لنشرهما ما يستوجب المسئولية الجنائية حيث تضمن ما تم نشره عبارات فيها تحريض علي القتل إلي آخره... وتم تفتيش منازلهما ولم يتم العثور عليهما، وقد اختبآ في مقر نقابة الصحفيين من خلال زملاء لهما، ووفقاً للتحريات الأمنية ثبت لدي الأجهزة المكلفة بالقبض علي الصحفيين تواجدهما بمقر النقابة، وتم اتخاذ القرار باقتحام النقابة والقبض علي الصحفيين المختبئين. حتي هذه اللحظة الأمر برمته يتعلق بتنفيذ قرار النيابة، والقرار الأمني بالقبض علي متهمين. اقتحام مقر النقابة حدث جلل أياً ما كانت مبرراته، وإجراءات التفتيش فيها مخالفة إجرائية للمادة (70) من قانون الصحافة، والتي تستوجب حضور النقيب وحضور ممثل للنيابة حال تفتيش المبني. المهم أنه حدث ما حدث، وتم القبض علي الصحفيين بمقر النقابة، دون تنسيق مسبق مع النقيب. الأزمة في رأيي بعد واقعة القبض تحولت إلي «أزمة سياسية» تخص رئيس الحكومة وحكومته، ولم تعد أزمة أمنية «تخص وزير الداخلية أو الأمن الوطني وحده»، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً، وتركنا للأجهزة الأمنية إدارة أزمة سياسية بعقلية أمنية. وتوارت الحكومة ورئيسها ووزير الثقافة -وهو صحفي أصلاً -عن المشهد تماماً، وصارت المعركة بين وزير الداخلية -يدعمه رئيس الحكومة في صمت -ونقابة الصحفيين، وأعد كل منهما عدته للقتال؛ فبيانات نارية من النقابة يقابلها جلب «مواطنين شرفاء» يسبون الصحفيين بالأتوبيسات من قبل جهات غير معلومة!! وتحرك لأعضاء مجلس النقابة وظهور في القنوات الفضائية يقابله اختيار قيادات أمنية سابقة من الداخلية للظهور المضاد والرد علي ممثلي النقابة، تصاعد واشتباك في برامج التوك شو من بعض مقدمي البرامج دفاعاً عن زملائهم يقابله اتصالات وتحركات من ضباط الأمن للحديث مع هؤلاء المذيعين تارة بالترغيب وأخري بالترهيب من استضافة عناصر بعينها، ويتطور الأمر فتستدعي النقابة رؤساء التحرير لاتخاذ موقف موحد، فيبدأ التحرك الأمني للتواصل مع بعض من هؤلاء بهدف التفتيت والتقسيم، وتنشأ حركة تصحيح المسار وتصوير الأمر علي أن هناك انقساما حادا داخل النقابة، ويبدأ نقيب الصحفيين في التحرك السياسي، فتواجهه بلاغات متعددة في انتظاره، ووعيد أمني بتقديمه للمحاكمة آجلاً أم عاجلاً... فيتزايد التحرك الأمني السياسي، ويزداد الحنق الصحفي علي الداخلية في وقت يحارب فيه أفراد الأمن الإرهاب بمفردهم، ويسقط منهم شهيد تلو الآخر دفاعاً عن الوطن... سوف تنتهي أزمة نقابة الصحفيين خلال أيام معدودات، ولكن الأثر السلبي لهذه الأزمة علي الحياة السياسية في مصر سيمتد إلي سنين، لن يقال وزير الداخلية أو يستقيل وطلب إقالته في رأيي كان مبالغة في التصعيد، ولن يقال مجلس نقابة الصحفيين أو يستقيل، وتشويه الصحفيين ومهنة الكلمة نجح!! 

ولكن لا شك أن الداخلية والحكومة خسرت ظهيراً مهماً لها -من الناحية السياسية -وهو الصحافة والإعلام نتيجة سوء إدارة قيادات الداخلية والحكومة للأزمة والإصرار علي تصعيد التصادم الأمني لا التصادم السياسي وشتان الفارق بين الأمرين، فالصراع السياسي -مهما كانت حدته - لا يترك شرخاً في النسيج الوطني ولا الاستقرار الاجتماعي، وذلك علي العكس تماماً بشأن المواجهات الأمنية -والتي لا تعتمد فقط علي العنف البدني بل امتدت إلي التخوين والتشويه والإيذاء النفسي وهو أكثر قسوة وقدرة علي تأجيج العنف السياسي... ربنا يلطف علينا وعليكم من السيديهات وتسريب المكالمات الخاصة!! أرجو من الحكومة ومن قيادات الداخلية إعادة النظر في هذه السياسات، فهي لن تنجح علي المدي المتوسط -وإن نجحت من وجهة نظرهم تكتيكياً علي المدي القصير. علي الحكومة أن تستعيد دورها السياسي، وأن تستعين بخبراء في عمليات التسويق السياسي، فتصدير وزارة الداخلية في كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في رأيي ظلم للضباط والعاملين في قطاع الأمن، وتفتيت لجهود الأجهزة الأمنية لمواجهة ما هو أهم وأخطر علي الوطن.

وبعيداً عن أزمة الصحفيين، فأنا عندي أمل كبير في عدد من وزراء المجموعة الاقتصادية في دفع مصر للأمام في الاتجاه الصحيح، فما زلنا -رغم أزمة الدولار -نحافظ علي معدل النمو للناتج المحلي بنسبة 4%، وهي نسبة -وفقاً للتقرير المنشور بمجلة الإيكونمست هذا الأسبوع لـ52 دولة -يعد هو الأعلي، تسبقنا فيه فقط الصين (6.5%) والهند (7.5%) وإندونيسيا (5.1%) وماليزيا (5.5%) والفلبين (6.1%). مصر قادرة علي رفع المعدل الاقتصادي خلال عامين إلي 7.5% كالهند، وهذا يعني قدرة مصر علي خلق 700 ألف فرصة عمل سنوياً، وخفض معدل البطالة من 13% -وهو المعدل الحالي -إلي أقل من 10% خلال 3 أعوام.

وتحمل المؤشرات الاقتصادية بصيصاً من الأمل حيث شهد ارتفاع الأسعار المجنون للسلع خلال الأيام القليلة الماضية انخفاضاً طفيفاً خلال هذا الشهر. ولكن تحمل المؤشرات الاقتصادية أيضاً أخباراً غير سارة، حيث انخفض الإنتاج الصناعي في مصر إلي أكثر من 12% وهو معدل مخيف، وفي رأيي يعود السبب الرئيسي في هذا إلي ارتفاع الدولار وعدم القدرة علي استيراد مستلزمات الإنتاج، إضافة إلي تزايد حالات التعثر المالي، وهو ما يقتضي تفعيل دور البنك المركزي لمواجهة حالات التعثر ودعم الصناعة في هذا التوقيت الصعب، كما صار ضرورياً تفعيل الصندوق المقترح إقامته لمواجهة حالات التعثر المالي وتعويم هذه المشروعات للحفاظ علي العمالة المصرية والصناعة المصرية، فحتي الأمور الاقتصادية ستستفيد من المعالجات السياسية الحكيمة، والتسويق السياسي الجيد حتي يدعم الشعب القرارات الصعبة إن احتجنا إليها. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق