الخميس، 19 مايو 2016

قل لي من هم مساعدوك... أخبرك من أنت وكيف تفكر!

جريدة الاخبار - 19/5/2016

نصف الطريق إلي النجاح والإصلاح يبدأ من اختيار فريق العمل الجيد والقوي



السياسة لا تعرف المستحيل، هذا يجب أن يكون شعار الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام. «بيرني ساندرز» يبلغ من العمر 74 عاماً، عضو بالكونجرس الأمريكي، يساري الفكر، لا يحظي بأي دعم من أي لوبي أمريكي، ليست لديه أية موارد مالية، نجح في منافسة «هيلاري كلينتون» بقوة علي ترشيح الحزب الديمقراطي، ربما لن يحظي بالترشح في النهاية حيث يحتاج أن يكسب 66% من أصوات الولايات المتبقية وهو أمر صعب عملياً وإن لم يكن مستحيلاً. وعلي الرغم من الصعوبة يري هو ومساعدوه ومؤيدوه أن يستمروا حتي النهاية، وليس الهدف فقط هو المكسب ولكن الهدف الأهم لهم هو أن يكونوا مؤثرين علي سياسات «هيلاري كلينتون» حال ترشحها للانتخابات الرئاسية. وقد نجحوا بالفعل في ذلك، إذ اضطرت «هيلاري» وعيناها علي مقعد الرئاسة أن تعدل وتغير من بعض سياساتها وتقبل بالعديد من الأمور التي يؤيدها «ساندرز» أملاً في الحصول علي أصوات مؤيديه حال فوزها عن الحزب الديمقراطي.

ومن أهم هذه الأفكار هو الحد الأدني للأجور، فقد ظل «بيرني ساندرز» يناضل طوال تاريخه السياسي لإقرار هذا الحق للعاملين في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن هذا الأمر علي أجندة «هيلاري كلينتون» الانتخابية، وها هي الآن تقر بتبنيها أن يكون الحد الأدني للأجور (12) دولاراً في الساعة لأي عامل في أمريكا. «بيرني ساندرز» تبني أيضاً سياسة راديكالية بالنسبة لنظام التعليم الأمريكي، فهو يريد زيادة حجم المنح وليس القروض التعليمية في الجامعات الأمريكية والسماح لمزيد من الشباب الأمريكيين للالتحاق بالجامعات وعدم إرهاقهم في بدايات حياتهم العملية بسداد القروض، ورغم رفض «هيلاري كلينتون» في البداية لتلك الأفكار رضخت في النهاية أملاً في كسب تأييد الشباب، فغالبية مؤيدي «بيرني ساندرز» - صاحب الأربعة وسبعين عاماً - تتراوح أعمارهم بين 18 عاماً و25 عاماً!! وأكبر عدد من المتبرعين لأي حملة رئاسية كان من نصيب «بيرني ساندرز»، ومتوسط مبلغ التبرع لا يزيد عن 25 دولاراً أمريكياً فقط.

الشباب يصنعون المعجزات، وليس شرطاً أن تكون زعيماً شاباً لكي تحظي بتأييد الشباب، ولكن يجب أن تكون مؤمناً بالشباب وأنهم المستقبل، فليس منطقياً في السياسة أن تسعي إلي بناء المستقبل ثم تستبعد أو تعادي كل من ينتمون إلي هذا المستقبل ويعدون جزءاً منه. سر نجاح حملة «ساندرز» هو الشباب، وإحساسهم بأن هناك من يفهمهم ويعبر عن طموحاتهم ومشاكلهم حتي ولو كان من جيل آخر.

الاستقرار السياسي والتنمية لا يمكن أن يتحققا بأفكار من الماضي وإدارة عجوز تخاصم المستقبل، في مصر أكثر من 50% من الشعب المصري ينتمون إلي الفئة العمرية أقل من 25 عاماً، ما معني هذا؟ معناه سياسياً أنك يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن هؤلاء هم غالبية الشعب، وأنه لا يمكن أن تنجح سياسياً إذا كانت سياسة الدولة معادية لهؤلاء... هناك اتجاه متزايد داخل التكتلات الشبابية للتخاصم مع الدولة والحكومة، يجب أن ننتبه لذلك جدياً، انظروا إلي الفئة العمرية من المتظاهرين القلائل في قضية «تيران وصنافير»، وانظروا إلي الفئة العمرية للمتظاهرين في أحداث نقابة الصحافيين، الغالبية الكاسحة لا تتجاوز أعمارهم 30 عاماً... المسألة تحتاج إلي إعادة نظر، لا يمكن لدولة أو حكومة تسعي إلي أن تكون رقماً صحيحاً في المستقبل أن تعادي هذا المستقبل!!

من الأمور اللافتة أيضاً في الانتخابات التمهيدية الأمريكية؛ ظاهرة «دونالد ترامب»، فمنذ شهور قليلة كان يُنْظَر إليه باعتباره فقاعة ستذهب بعيداً في أيام معدودات، ولكن بعد أقل من 7 شهور أصبح «ترامب» هو المرشح المفترض للحزب الجمهوري، واكتسح جميع منافسيه، وصار خصماً قوياً في مواجهة المرشح الديمقراطي، ولم تعد فرصه في كسب الانتخابات الأمريكية أمراً مستحيلاً، بل احتمالاً قوياً وارداً.

لغة «ترامب» عدائية ضد المسلمين، وضد المكسيك والصين، وأهان السياسيين الأمريكيين، وأوقع قادة الحزب الجمهوري في مأزق؛ ففي قناعاتهم السياسية أن «ترامب» ليس جديراً بأن يترشح باسم الحزب، في حين أنه يحظي بأغلبية الأصوات، وعليهم أن يتبعوا قرار الأغلبية، فهذه هي الديمقراطية.

بعيداً عن كل هذا، فإن متابعة تحركات «ترامب» السياسية وتطور أدائه يستحق التحليل السياسي الدقيق. ففي مرحلة الانتخابات التمهيدية لعب علي «خوف» قطاع كبير من الأمريكيين، وانتشار الإسلاموفوبيا، وداعش، وتهريب المخدرات إلي الولايات المتحدة، وانتشار الهجرة غير الشرعية، وانتشار الجرائم، وإغلاق المصانع وهروبها من أمريكا إلي المكسيك ودول أخري - مثل مصانع «جنرال إليكتريك». فهو استغل الخوف لدي قطاع كبير من الأمريكيين، ولعب علي هذا الوتر، وأدرك أن هناك قطاعاً كبيراً من الأمريكيين لا يريد المنطقة الرمادية، وإنما يريد زعيماً قادرا علي قهر هذا الخوف، وقد بدا لكثير من الأمريكيين أنه هو هذا الرجل القوي السلطوي، وهنا نشأت داخل السياسة الأمريكية حركة movement جديدة، ففي المراحل التي تحس الأمة فيها بخطر تبحث عن زعيم واضح وقوي، ولا تسعي إلي أصحاب الحلول الوسطية. وهذا الوضع يذكرنا بما حدث في الانتخابات الرئاسية المصرية عام (2012)، مصر كانت في مفترق طرق ومنقسمة علي نفسها، فذهبت الأصوات إلي «شفيق» ممثلاً للدولة المدنية العلمانية القوية، وإلي «مرسي» ممثل التيار الثيوقراطي السلفي الإخواني، وكل من حاول من المرشحين الآخرين أن يقف في منطقة وسط يداعب أطراف كل من المعسكرين لم ينجح، وهذا ما حدث علي وجه الخصوص مع السيد/ عمرو موسي والدكتور/ عبد المنعم أبو الفتوح. وهو ما تأكد مرة أخري بعد 30 يونيو، ووقفت الأغلبية وراء الرئيس/ السيسي لكونه المرشح القوي القادر علي الحفاظ علي كيان الدولة المصرية.

وعودة إلي «دونالد ترامب»، فبعد أن تأكد من نجاحه في الانتخابات التمهيدية، بدأت لغته وتحركاته السياسية تختلف، وبدا أكثر هدوءاً وميلاً نحو لبس ثوب رجل الدولة، فعينه صارت علي المقعد الرئاسي. ومن المتوقع أن يبدأ «ترامب» من الآن في طرح أسماء لمساعدين له في المستقبل حال أن يصبح رئيساً، فهو سيسعي - وهذا ما يبدو - أن يتخير مساعدين له ذوي مصداقية وخبرة سياسية وفنية، ووجوه مقبولة لدي جميع الأمريكيين. وللرئيس الأمريكي الأسبق «رونالد ريجان» مقولة شهيرة: «Personell is policy»، وهو ما يعني أن اختيار أعضاء الحكومة والمساعدين ينبئ عن سياسات الرئيس وتوجهاته. وعلي الرغم من أن «رونالد ريجان» شأنه شأن «ترامب» لم يكن أحد يتخيل أن يصير حاكماً لكاليفورنيا ومن بعدها رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، بل كان يسخر منه الجميع، وبعد أن صار رئيساً للولايات المتحدة يحتسبه التاريخ الأمريكي واحداً من أعظم رؤسائه، ففي عهده انتعش الاقتصاد الأمريكي، وانهار الاتحاد السوفيتي، وسقطت أوروبا الشرقية... نجاح «رونالد ريجان» يعود في المقام الأول لنجاحه في اختيار معاونيه وأعضاء حكومته فجميعهم كانوا أصحاب فكر ورؤية من الطراز الرفيع... وعلي العكس، فإن رئيساً مثل «نيكسون» لا شك أنه كانت له خبرات سياسية وقانونية وتنفيذية أرفع مقاماً وأكثر عمقاً من «رونالد ريجان»، ولكنه سقط بسبب سوء اختياره لمعاونيه، حتي أن نائبه كان قد تم القبض عليه في قضية فساد قبل شهور قليلة من سقوط الرئيس نفسه واستقالته نتيجة فضيحة «ووترجيت». فما يسعي إليه «ترامب» هو جذب مزيد من الأنصار من خلال ترشيح فريق عمل قوي من الآن يستطيع أن يجذب إلي تأييده قطاعا من الأمريكيين لم يفكر يوماً في التصويت لـ»ترامب»، فـ»ترامب» يحاول من خلال اختيار فريق جيد أن يقنع قطاعا من الأمريكيين أن ينسوا تصريحاته الشاذة، وينظروا إلي فريقه الجيد.

قل لي من هم أعضاء فريق عملك الدائم، ومن هم مستشاروك، أستطع أن أحكم عليك كيف تفكر، وما إذا كنت ستنجح أم لا، فنصف الطريق إلي النجاح والإصلاح يبدأ من اختيار فريق العمل الجيد والقوي. لن تستطيع وحدك يا عزيزي أن تنجح، بل تحتاج إلي فريق عمل قوي كفء مخلص. وليس بالضرورة كل من ينصح بذلك يصلح أن يكون في فريق العمل أو يسعي لأن يكون جزءاً منه، ولكنه لا شك يخلصك النصح. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

1 التعليقات: