الخميس، 5 مايو 2016

هيبتا: علاقة الشعب بالرئيس

جريدة الاخبار - 5/5/2016

هيبتا من أروع الأفلام المصرية التي شاهدتها مؤخراً، والفيلم مأخوذ عن قصة للكاتب محمد صادق. قصة ناعمة، إخراج رائع، تمثيل يفوق الخيال. فيلم يعطي الأمل في عودة القوة الناعمة للسينما المصرية. تغوص القصة، والتي قرأتها بعد مشاهدة الفيلم في تشريح العلاقات الإنسانية ومراحلها، ولماذا تنجح علاقات إنسانية وتفشل أخري.

من وحي قصة «هيبتا» سرحت في العلاقة الإنسانية بين الشعب ورئيسه، أي رئيس، وكيف أن هذه العلاقة شأنها شأن أي علاقة إنسانية تمر بمراحل صعود وهبوط، وهو ما يسمي باللغة السياسية «شعبية الرئيس». لا يمكن لأي رئيس في أي زمان أو مكان أن يحافظ علي شعبيته مرتفعة طوال الوقت، ولكنه يستطيع ذلك معظم الوقت إذا حافظ علي المسار وصححه حال الخطأ، ولم يعاند الواقع، ويفترض أنه الوحيد الذي علي حق والجميع علي خطأ. المطالعة المتأنية للتاريخ والحاضر تكاد تنطق بأن علاقة الشعوب بزعمائها ورؤسائها ينطبق عليها معايير نجاح وفشل أي علاقة إنسانية أخري.

فقد تمر علاقة الشعب برؤسائه خاصة أصحاب الكاريزما والزعامة منهم بمراحل ومشاعر متدرجة ومتناقضة أحياناً. والعلاقة الناجحة بين الشعب ورئيسه تمر بمراحل سبعة في غالب الأحوال:
(1) اللقاء: هذه هي المرحلة التي يتعرف فيها الشعب علي زعيمه المنتظر لأول مرة، وعادة ما تكون معلومات الشعب عن زعيمه في اللقاء الأول مبهمة وغامضة، ولكن تكون ممتلئة بالإعجاب بثقة الزعيم في شعبه ونفسه، وبمظهره القوي الغامض وصلابته جسداً وروحاً... وتنشأ عن هذا اللقاء حالة إعجاب ما تلبث أن تتطور إلي حب للزعيم، وأمل في أن يصير هو القائد المنتظر للأمة لكي يخرجها من كبوتها ويحقق طموحاتها.

(2) الانبهار: سرعان ما تتحول حالة الإعجاب إلي حالة انبهار لدي جموع الشعب بزعيمهم المنتظر، انبهار بقدرته علي القيادة، انبهار بقوة شخصيته الناعمة، انبهار بحبه لشعبه، انبهار بانحيازه للضعفاء وقدرته علي الوصول إليهم، وانبهار بتصالحه مع نفسه، انبهار بتحركاته التكتيكية المحسوبة والمفاجئة لأعداء الوطن، انبهار بطموحاته لشعبه، انبهار بقدرته علي الحسم ومواجهة المخاطر. هنا تكون شعبية الزعيم في أعلي القمة.

(3) الحلم: هنا يبدأ حلم الشعب، وتبدأ معه مرحلة الأمل، الأمل في تغيير الواقع غير السعيد، الأمل بأن يحول الزعيم أحلام شعبه إلي واقع جديد مشرق، الحلم بالقضاء علي الفساد، الحلم بالقضاء علي الفقر، الحلم بتكافؤ الفرص بين كافة أفراد الوطن، الحلم بالمساواة أمام القانون، الحلم بالحرية في التعبير عن الرأي والحق في الاختلاف دون خوف، الحلم بتعليم جيد لأبناء الطبقة دون المتوسطة، الحلم بالأمن، الحلم بالقضاء علي التجارة بالدين، الحلم بكوب مياه نظيفة، الحلم بالقضاء علي العشوائيات، الحلم بالعلاج الجيد، الحلم بالحصول علي الدواء، الحلم بصناعة وطنية قوية، الحلم بالكرامة، الحلم بدولة قوية تحافظ علي مصالحها الوطنية... أحلام كثيرة يشارك الزعيم شعبه فيها. ربما يدرك الزعيم أكثر من غالبية أبناء وطنه بأن تحقيق هذه الأحلام ليس يسيراً ولكنه يقتضي بذل العرق والدم ولكنه -أي الزعيم- عازم بكل ما أوتي من قوة علي تحقيق هذه الأحلام، والشعب بدوره حالم آمل في قدرة زعيمه علي تحويل هذه الأحلام إلي واقع في وقت قصير لا يتناسب مع حجم التحديات، ولا يوجد سقف لطموحات الشعب خلال هذه المرحلة.

(4) الوعد: هنا يعد الزعيم المخلص الممتن لشعبه بتحقيق أحلام أبناء وطنه، وهو صادق في وعده لم يخدعهم للحظة فهو حالم وآمل مثلهم، ولا ينقصه الإيمان ولا العزيمة، هو من الشعب ويشعر بنبضه وآلامه. تتعاظم شعبية الزعيم، وتسعي الغالبية لجعله رئيساً للبلاد. الإصلاح ممكن ولكنه طريق شاق وقد يستغرق وقتاً أطول مما يتوقعه الشعب، وشعبية الزعيم في مرحلة الوعد لا تتزعزع، فحسن النوايا يحكم الجميع. وينتخب الشعب زعيمه رئيساً للبلاد ليحقق لهم طموحاتهم وأحلامهم وليقضي علي طيور الظلام، وتكون الانتخابات حقيقية غير هزلية، ويكون الشعب في هذه المرحلة علي قلب رجل واحد خلف رئيسهم الجديد، ويبدو المستقبل مشرقاً والانقسام غير ممكن. وتصعد شعبية الرئيس إلي السماء.

(5) الواقع: رغم أن الرئيس يدرك منذ اللحظة الأولي لانتخابه صعوبة الموقف وخطورته إلا أن الواقع علي الأرض يبدو أسوأ بكثير مما كان يأمل أو يتصور، فمؤسسات الدولة ذراعه في تحقيق أحلام وطموحات شعبه، منهارة لا تقوي علي فعل شيء، فلها شكل مؤسسات الدولة في كل شيء، إلا أنها تفتقر المقومات الحقيقية لمؤسسات الدولة في كل شيء. موارد سيادية محدودة، كفاءات إدارية معدومة، انقسام سياسي غير مسبوق، أحزاب سياسية منزوعة التأثير الشعبي ولاتزال تتخبط طريقها، جهاز إعلامي حكومي يمثل عبئاً علي الدولة وليس داعماً لها، بنية أساسية بدأت في التآكل، قوي سياسية داخلية وخارجية متربصة، قصور في الإنتاج، عجز في الاستثمار، فساد يستفحل ولا يرحم، افتئات متزايد علي القانون، إدارة سيئة للمنظومة الاقتصادية، ارتفاع في الأسعار، بطالة متزايدة، وشعب حالم آمل. ماذا يفعل الرئيس؟ الرئيس يعلم بالمشكلات، وضرورة التدخل العاجل... ليس لديه وقت يضيعه أو يستنزفه ليواجه أجهزة الدولة المدنية العتيقة، فيلجأ لجيشه في كل شيء لسد الفجوة. ورغم المجهود الجبار والإنجازات السريعة إلا أن ظاهرة الجزر الحكومية المنعزلة تتزايد، وحالة الجهاز الحكومي تسوء، ولا يجد الرئيس الوقت، ولا تعاونه أجهزة الدولة للبحث عن كفاءات تعينه من أهل الخبرة من الحريصين علي الرئيس أكثر من حرصهم علي عدم إغضاب الرئيس، فتسود حالة من الهمهمة وضعف الأمل في تغيير ما كان عليه حال البلاد قبل الرئيس.

(6) القلق والإحباط: يبدأ في هذه المرحلة كرد فعل للواقع الصعب ووجود بعض الأخطاء ارتفاع أصوات بعض المؤيدين المخلصين بوجود مشكلات وسوء إدارة للملفات، فيتم تهميشهم بدعوي أنهم أصوات للإحباط، أو أنهم لم يحصلوا علي ما كانوا يصبون إليه فتحولوا إلي المعارضة، ومعاول للهدم، فيبدأ هؤلاء تدريجياً في الانسحاب، ورغم تقدير الرئيس وتفهمه لبعض وجهات النظر هذه إلا أنه ليس لديه الوقت لإعادة النظر في السياسات القائمة، ولا يخفي أحياناً غضبه مما تسير عليه الأمور، ويسود قطاع كبير من الشباب حالة من الإحباط، ومعه قطاع من الشعب. ولا شك أن شعبية الرئيس تتأثر قليلاً في هذه المرحلة، إلا أن الأغلبية لم تتخل عن الرئيس بل لاتزال تدعمه وتؤيده ويدرك الجميع أنه لا بديل عن النجاح وتحقيق طموحات وأحلام الشعب وتنفيذ الوعد. ويأمل قطاع كبير من أبناء الوطن أن يدرك الرئيس أنه آن الأوان للتقييم الهادئ لإدارة البلاد والاعتراف بوجود بعض الأخطاء حتي داخل المؤسسة الرئاسية ذاتها.

(7) القرار وقيام الرئيس بتصحيح المسار: يدرك الرئيس المشكلات، ويتحرك بسرعة لتصحيح المسار، فالتحديات تزايدت واصطياد الأخطار تعاظم، والإحباط خطر جسيم، فالإحباط يقتل أمل الشعوب. فكان لابد من إعادة النظر فيما يجب إنجازه، وضرورة تصحيح الأخطاء، ويواجه الرئيس شعبه بالأخطاء قبل الإنجازات، وبما قرر اتخاذه من خطوات لتصحيح المسار فهو لايزال علي وعده، ويبدأ الرئيس في اتخاذ قرارات جريئة لتصحيح المسار الإداري لشئون الدولة، وملفاتها السياسية والاقتصادية، وتتحقق المعجزة وينفذ الرئيس الوعد الذي قطعه علي نفسه بنهاية مدة رئاسته الأولي. وتعود شعبية الرئيس لترتفع إلي عنان السماء.

يذكر التاريخ دائماً أن الزعماء والرؤساء المخلدين في ذاكرة أممهم هم هؤلاء الذين اعترفوا بالأخطاء وواجهوها وهم في قلب المعركة، ولم يعاندوا الواقع بل غيروا من سياساتهم ونهج إدارتهم، فالتاريخ سيذكر ذلك لـ «تيودور روزفلت «و» ونستون تشرشل»، ومن الزعماء العرب الملك «محمد السادس» ملك المغرب، ومهاتير محمد في ماليزيا.

تصحيح المسار صعب ولكنه ليس مستحيلاً، وتصحيح المسار السياسي والاقتصادي والإداري ضرورة لتحقيق الحلم، وقهر صعوبات الواقع...

الأمر الآن برمته بيد الرئيس السيسي، فلايزال تحقيق الوعد ممكناً، ولكن آن الأوان لتصحيح المسار. اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق