يُخطئ من يتصور أن النادي الأهلى مُجرد ناد رياضي
. يُخطئ من يختصره في فريق كرة مبهر حقق إنجازات رياضية غير مسبوقة بين أندية
العالم، ويُخطئ كذلك مّن يظن أن عظمة النادي تكمن في أسماء لاعبين عظماء حازوا
شعبية عظيمة على مدى التاريخ سواء في كرة القدم أو غيرها من الألعاب الرياضية.
النادي الأهلي أكبر كثيرا من ذلك. إنه جزء من تاريخ مصر والمصريين ، جانب من
مشروعهم الحضاري. وهو نموذج لمؤسسة وطنية وثقافية وإجتماعية عظيمة لها تأثيرها
الأخلاقى والمجتمعى والثقافى.
وهو أيضا كيان حاضن للأفكار والقيم والمبادئ
النبيلة استفاد من إسهامات رجال عظام على مر التاريخ ، استوعب أفكارهم ، ونقلها
إلى الواقع نجاحا وتألقا.
منذ اليوم الأول عندما اجتمع عمر بك لطفي وإدريس
بك راغب ، وعبد الخالق بك ثروت وميتشل أنس سنة 1907 بتصوراتهم وحلمهم لإنشاء نادي
رياضي عصري، وهناك منافسة لبث كافة الأفكار البناءة لإنجاح حلم النادي الوطني
للمصريين ، بدءا من اسمه " الأهلى" المعبر عن الأمة المصرية شعبا لا
حكومة، وحتى اختيار سعد باشا زغلول وزير المعارف وقتها رئيسا للجمعية العمومية
الأولى للنادى في 1909 نظرا للتقدير الذي يحظى به باعتباره مسئولا عن تمصير التعليم
الوطني.
لقد اتسقت فكرة حشد طلبة المدارس المصرية لممارسة الرياضة في
ذلك الوقت ، مع فكرة تأسيس مقر إجتماعي وصحي آمن للترفيه وتقضية وقت الفراغ ،
ليولد الأهلى قويا مؤثرا مستوعبا لتطور العصر وقريبا من الناس ، متدخلا مع أفراحهم
وأتراحهم ، ممتزجا بحيواتهم .
من اللافت أن النادي أنشئ لكل المصريين وليس
نخبويا، إذ فتح باب الإشتراكات سنويا وشهريا وكانت قيمة الإشتراك عند افتتاح
النادي في فبراير سنة 1909 ثلاثة جنيهات سنويا لموظفي الحكومة، وخمسة جنيهات
لغيرهم، كما تم تمييز طلبة المدارس العليا" الجامعات" بالاشتراك بقيمة
جنيه ونصف سنويا.
وإذا كان الأهلي قد حقق على مستوى الرياضة إنجازات
عظيمة لم يحققها نادي عربي آخر، فإنه في الوقت ذاته مارس على مدى تاريخه الممتد
إحدى عشر عقدا، دورا عظيما ورائدا في مسيرة تطور وتمدن المجتمع، وساهم
في دعم القضية الوطنية في مواقف عدة. وليس سرا أن النادي احتضن بعض إجتماعات ساسة
وزعماء مصر خلال ثورة 1919 وما بعدها، لذا لم يكن غريبا أن يكون الثائر فكري أباظة
الذي حكم عليه الإنجليز بالإعدام خلال الثورة هو مؤلف نشيد" قوم يا
أهلي".
ولا يمكن إغفال الدور العظيم للنادي في
مواجهة الحركة الصهيونية عندما سافر فريق الكرة إلى فلسطين دعما للشعب الفلسطيني
خلال الأربعينيات، وبتشجيع من الزعيم فؤاد باشا سراج الدين، وكيل النادي وقتها،
والذي استخرج تصاريح سفر للاعبين رغم معارضة الإنجليز ورفض السراي لتتحول مباريات
فريق الكرة هناك إلى مناسبة لتأييد وتشجيع عملي لحق الفلسطينيين في رفض ومقاومة
المشروع الصهيوني.
والأهلي هو الذي فتح أبوابه ليتحول إلى معسكرات
تدريب للفدائيين خلال عدوان1956 وتبنى فكرة التدريب العسكري للشباب خلال حروب مصر
وإسرائيل في الفترة من1967 -1973 وكان دوما مفرخة رؤى وطنية عظيمة وقيم نبيلة
وحداثة وتطور مجتمعي .
وفي مواجهة كافة المحن والأزمات ظل النادي الأهلي
حريصا على تقديم النموذج المثالي في العطاء والتكاتف والمساهمة في خدمة المجتمع .
ومازال الكيان العظيم قادرا على بث قيم التسامح وإحترام الآخر والتكافل الإجتماعي
ونشر الثقافة والمعرفة ودعم قدرات الشباب ومشاركتهم طموحاتهم.