الخميس، 3 يونيو 2010

زلزال البورصة وتوابعه


مجلة المصور - 2/6/2010


·       الصدمات والانخفاضات التي تصيب البورصة المصرية وان كانت مرتبطة ومتأثرة بما يحدث حولنا فهي تفوق في أضرارها وفي اثارها ما يجب أن يكون بل وتفوق الانخفاض ما يصيب بورصات الدول الأخر الأخرى الأكثر اتصالا بالأزمة بل ويصدرها، فكيف يكون تأثير الزلزال أشد وأكثر قوة على المناطق التي تبعد عن مصدر الزلزال ومكان وقوعة ؟!
·       الشركات ومعظمها مقيد من خلال شهادات الايداع الدولية ببورصة لندن اذا ما اصاب احداها مشكلة او انخفاض ترتب عليه انخفاض فى اداء البورصة ككل والعكس صحيح فيجر معه مؤشر البروصة كله لانخفاض لثقله النسبى فى مؤشر البورصة.
·       هناك اسهم لشركات لا يليق ولا يصح ان تكون مقيدة بالبورصة المصرية فلا اداء هذة الشركات الاقتصادى ولا عدد المساهمين بها ولا حجم تداولها ولا مستوى الافصاح بها يؤهلها لاستمرارها بالقيد فى البورصة.
شهدت البورصة المصرية خلال شهر مايو هذا العام أكبر انخفاض لها منذ أكثر من عامين، ويعد هذا الانخفاض بمثابة الضربة القاضية التي تلقاها العديد من المستثمرين بعد الضربات المتتالية التي أصابتهم على مدار العام الماضي. وقد أدى هذا الهبوط الحاد في أسعار الأسهم الي الحاق الخسائر بالكثير من المستثمرين الأفراد وبخاصة البسطاء منهم وهو ما جعل الكثيرين منهم يملأون الدنيا صراخا على ما أصابهم من خسائر ابتلعت معها تحويشة العمر، وضاع معها الكثير من الأحلام المشروعة بتكوين ثروة تعين على أعباء الحياة. وتمني البعض أن يسترد ولو ربع ما استثمره في البورصة لي\اخذ ما تبقى ويذهب بعيدا عن البورصة بلا رجعة.
وصاحب أداء البورصة، والانخفاض في رأسمالها السوقي بالمليارات، مظاهرات صاخبة من قبل ضحايا البورصة المصرية، وشهدنا لاول مرة اعتصامات أمام مبني مجلس الشعب لينضم المستثمرون بالبورصة لاصحاب المظالم، والعاملين المتضررين، وذوي الاحتياجات الخاصة !! كما شهدنا على البرامج الفضائية صراخا وغضبا جما، نال رئيس البورصة المصرية منه الجانب الاكبر، وطالب المستثمرون الغاضبون باقصاء رئيس البورصة من منصبه محملينه وحده المسئولية عن ما أصاب البورصة من انخفاضات ولحق بهم من خسائر والي جانب هؤلاء الغاضبين، أصحاب الاكتئاب جانب اخر منهم فانزووا مبتعدين.

والسؤال المطروح الان، ماذا يحدث في البورصة المصرية، وما هي اسبابه، وهل يمكن الخروج من هذه الازمة، وكيف يتحقق ذلك، وما هي السبابه، هل يمكن الخروج من هذه الازمة، وكيف يتحقق ذلك، وما هي التوصيات التي يمكن ان تخرج بها المستثمر المصري؟

وابدا الاجابة عن هذه التساؤالات, فأوكد أن ما شهدته البورصة المصرية من أزمات خلال شهر مايو لم يكن بمعزل عما يدور حولنا في العالم فالاسابيع الماضية شهدت انهيارات وانخفاضات في كافة بورصات العالم فالزلزال بدأ بالولايات المتحدة، وانتشرت تباعته في العالم أجمع مرورا بأوروبا وآسيا وانتهاء بالدول العربية وبخاصة ذات الاسواق النشطة مثل مصر والسعودية والامارات.
 فالبورصات في العالم اجمع تلقت ضربات موجة متتالية بدأت بالازمة الملية العالمية، وما كاد العالم اجمع يلتقط انفاسه في بداية هذا العالم، الا وعاجلته ضربة جديدة قاسية تمثلت في انهيار الاقتصاد اليوناني، و تفاقم الدين، الحكومية علي نحو غير مسبوق  بحيث تجوز حجم الدين 115 في المئة من ناتج الدخل القومي في نهاية 2009 وما أن ظهرت هذه الازمة التي هددت استقرار البنوك الاوربية، و ضربت عمله الاتحاد الأوربي (اليورو) في مقتل، الا و ظهرت المؤشرات الاخيرة لتبين أن دولا اوربية مهمة أخري ليست بعيدة عن ازمة مماثلة لما حدث في اليونان. وتشمل التكنهات اسبانيا واطليا، بل والمملكة المتحدة. وكان لذلك كله انعكاس سلبي علي اداء البورصات في العلم واضطراب في نمو الاستثمارات و في توقعات الخروج من الازمة العلمية، و شمل دولا كانت تعد بعيدة عن مناطق الخطر، فحتي الصين من المتوقع أن يقل نموها بمعدلات غير مسبوقة حيث يعتمد الاقتصاد الصيني بشكل كبير في نموه علي الصادرات وبخاصة لدول الاتحاد الاوروبي التي اصبحت منهكة اقتصاديا.

فالوضع الاقتصادي العالمي الصعب والمتشابك دفع بالكثير من مؤسسات الاستثمار في الدول النامية الي الانزعاج، وحصول بيوع عشوائية.

ولم يكن من الممكن عزل البورصة المصرية عن هذه الأزمة العالمية، وهو ما انعكس على أداء البورصة المصرية، وترتب عليه انخفاض حاد ومتتال في أسعار التداول.

وبالرغم من دقة التحليل في رأيي الا أن هناك حقيقة مرة يجب ألا تغيب عنا، وهي أن الصدمات والانخفاضات التي تصيب البورصة المصرية وان كانت مرتبطة ومتأثرة بما يحدث حولنا فهي تفوق في أضرارها وفي اثارها ما يجب أن يكون بل وتفوق الانخفاض ما يصيب بورصات الدول الأخر الأخرى الأكثر اتصالا بالأزمة بل ويصدرها، فكيف يكون تأثير الزلزال أشد وأكثر قوة على المناطق التي تبعد عن مصدر الزلزال ومكان وقوعة ؟!

وفي رأيى أن هناك أسبابا هيكلية تخص البورصة المصرية تجعل اثار الازمات العالمية أشد قوة عليها من غيرها من البورصات، وتعرض البورصة المصرية لمزيد من التذبذبات والانخفاضات الحادة دون مبرر معقول. ويمكن اجمال أهم هذه الأسباب فيما يأتي:
فمن ناحية أولى،لا تزال تعاملات الأفراد في البورصة المصرية هي المسيطره على حجم التعامل. فنسبة الأستثمار المباشر للأفراد في البورصة المصرية يتجاوز 65 في المائة من اجمالي حجم التعامل.

فمعظم تعاملات الأفراد تتم بشكل مباشر من قبلهم دون الرجوع الي مؤسسات أو مستشاريين ماليين، دون استخدام لشركات ادارات محافظ الاستثمار أو صناديق الاستثمار المتخصصة وان وجدت استشارات فهي من غير المتخصصين ومعنى ذلك ببساطة ان عمليات البيع والشراء في البورصة المصرية يغلب عليها الطابع العشوائي، فغالبية قررات المستثمرين مدفوعة بجشع وانعدام حرفية بعض العاملين في السوق مبنية على الاقوال المرسلة، والشائعات، والانطباعات العامة والتوقعات الساذجة. فيقع الكثير عرضة للتضليل والتلاعب.

ففي ظل هذاالمناخ، يترتب على أية أومة صغيرة كانت أو كبيرة مبررة اقتصاديا أو سياسيا أو غير مبررة نشوء حركة بيعية، وتوتر كبير بين المتعاملين يدفعهم الي بيع العشوائي، ومن ثم انخفاض الأسعار طبقا لقوانين العرض والطلب.

ومن ناحية ثانية، فان البورصة المصرية تعاني من ظاهرة التركيز فالبرغم من أعداد الشركات المقيدة والمتداولة بالبورصة يتجاوز (300) شركة، الا أن هناك عددا لا يزيد عن (10) شركات يسيطر على أكثر عرضة من غيرها لأزمات الحادة؟ تفسير ذلك أن المشكلة تكمن في أن هذه الشركات ومعظمها مقيد من خلال شهادات الايداع الدولية ببورصة لندن، اذا ما أصاب احدها مشكلة أو انخفاض ترتب عليه انخفاضا في أداء البورصة ككل -  والعكس صحيح – فيجر معه مؤشر البورصة كله لانخفاض لثقله النسبي في مؤشر البورصة فأي تأثير سلبي أو ايجابي على عدد من الشركات لا يتجاوز (5) شركات في البورصة المصرية يترتب عليه دفع أو خفض مؤشر البورصة بالكامل بما فيه أكثر من (300) شركة مقيدة.

ومن ناحية ثالثة، فان البورصة المصرية تعاني من الانخفاض النسبي لحجم التداول وعدد الأسهم المتداولة فالسوق المصرية بالرغم من نموها المضطرد لا تزال سوقا لا يتم بالتنوع والعمق فمتوسط حجم التداول لا يزال أقل من 800 مليون جنيه يوميا، وهو رقم غير كاف ليجنبه التذبذب والانخفاض الحاد غير المبرر فلو افترضنا في ظل هذه الأومة ان هناك صندوقا للاستثمار الأجنبي قد قرر لمواجهة الازمة العالمية تصفية جزء من استثماراته في مصر وتسيليها  وليكن ذلك بواقع30 أو 40 مليون دولار، فما لا شك فيه أن بيع محفظة بهذا المبلغ على ضألتها النسبية سيؤدي الي انهيار الأسعار في بورصة لا يتجاوز حجم التداول اليومي فيها 150 مليون دولار أمريكي.

ومن ناحية رابعة، علينا أن نعترف بأن هناك أسهما لشركات لا يليق ولا يصح أن تكون مقيدة بالبورصة المصرية فلا اداء هذة الشركات الاقتصادي ولا عدد المساهمين بها ولا حجم تداولها ولا مستوى الافصاح بها يؤهلها لاستمرارها بالقيد فى البورصة فهذه الاسهم (وقد سبق ان اطلقت عليها اصطلاح اسهم الميكى ماوس) يتيح للمقامرين والمتلاعبين الاضرار بمصالح المستثمرين من الافراد غير المتمرسين على الاستثمار فى البورصة وتزيد من حدة الخسائر والانخفاضات واوقات الزمات.

وليس كلها هذه هى بعض المشكلات الخاصة بالبورصة المصريةوالتى تزيد من الامها وتعمق من حدة خسائرها وانخفاض على نحو مبالغ فيه وتتجاوز الحدود التى كان يجب ان تقتصر عليها الازمة المالية وادعو الهيئة الرقابية وادارة البورصة الى دراسة هذه الاسباب ووضع الحلول لها وهناك استراتيجية بالفعل قائمة يجب تفعيلها لمواجهة هذة المشكلات. ودعونى اكون صريحا فان صب كل هذا الغضب على ماجد شوقى رئيس البورصة المصرية فى غير محله وغير عادل فرئيس البورصة وانا اعرفه شخصيا واعرف قدراته رجل مسئول وكفء ولا يجب ان نحمله مسئولية الازمة الماليه وما يحدث فى البورصة الان فالمطالبة باقالة رئيس البورصة امر غير عقلانى ولن يحل المشكلة وليس له ما يبرره موضوعيا. ولكن كنا ذكرت فاننا يجب ان نواجه الخلل الهيكلى فى البورصة المصرية علىالنحو الذى ذكرته عالية وهذا واجب الهيئة العامة للرقابة المالية والبورصة وخلفهما وزارة الاستثمار وكافة الجهات العامة فى السوق المال المصرى. فنحن شئنا ام ابينا سوق ناشئ يسيطر على تعاملاته العشوائية ومن ثم وجب علينا وضع حلول غير تقليدية ووجب مناقشة هؤلاء المستثمرين الغاضبين وعدم تجاهلهم ووجب العمل المنظم على التوعية المستمرة.

سوق الاوامر وهناك امور لا يجوز الاستمرار فيها فيجب ازالة التشوهات فى سوق المال المصرية التى تفتح الباب للمضاربات العشوائية والتلاعب بالاسعار فعلى سبيل المثال سوق الاوامر يجب ان يختفى وكفانا سياسات الترقيع ويجب شطب كافة الاوراق المالية التى لا تستوفى شروط القيد مع مسائلة المخطئين والحفاظ على حقوق المثتسمرين حسنى النية ويجب العمل المستمر على تشجيع الافراد وخلق الاليات الملائمة للاستثمار من خلال صناديق الاستثمار والمؤسسات المتخصصة ويجب الحد من ظاهرة  التركز. وكل ذلك من خلال سيايات واضحة وممكنة بعيدا عن سياسة الصدمات فهى امر غير مقبول فى السوق المالواضرارها وخيمة. وعلينا ان نعترف بشجاعة بان معالجة بعض التشوهات فى سوق المال لم يكن موفقا. فتجميد التعامل على عدد من الاسهم لمدة تتجاوز ستة اشهر امر غير مقبول. فانا على يقين من ان ادارة البورصة كان لديها مبررات موضوعية وقوية يهدف لحماية المتعاملين لاتخاذ مثل هذا القرار ولكن استمرار التجميد لمدة طويلة وتجميد الاموال المستثمرة والاوراق المالية لما يزيد على ستة اشهر دون اعلان عن نتائج التحقيقات ودون احالة للمخالفين مسالة تخلق قدرا من عدم الثقة ولا يجوز استمرار هذا الوضع الى مالا نهاية. وبالرغم من رايي هذا فاننى اوكد ان هذا القرار بالتجميد ليس مسئولا من قريب او بعيد عن الانخفاض الذى اصاب البورصة.

المستثمر البسيط والسؤال المتبقى بعد كل ما ناقشناه ماذا يفعل المستثمر البسيط واين يضع امواله او ما تبقى منها ؟..


وله نتوجه ببعض النصائح:

·        ان التنويع فى الاستثمار مسالة ضرورية فلا تجوز المخاطرة بوضع كافة ما لديك فى البورصة فالاستثمار بالبورصة له منافعة ولكن له ايضا مخاطرة ولذلك لا تخاطر بكل اموالك فضع جزءا فى البنك مهما قل قدره وجزءا للاستثمار فى البورصة وجزءا اخر فى السندات والاذون الحكومية.
·        الاستثمار من خلال صناديق الاستثمار وكذالك صناديق الادوات النقدية (كالاستثمار فى السندات الحكومية) اكثر امنا واقل مخاطرة للمستثمرين غير المتخصصين وان كان لا يعنى البعد تماما عن المخاطر.
·        ابتعد عن المضاربة غير المدروسة فالبيع و الشراء فى ذات الجلسة على سبيال المثال من انشطة المضاربة عالية المخاطر فلا يجوز لغير المحترفين اتباعها.
·        تجنب الاقتراض والشراء على المكشوف فلا تقترض من اجل الاستثمار فى البورصة ففى وقت الازمات ستضطر البيع بخسائر وفى اوقات غير مناسبة لوقف نزيف الخسائر فستكون المحصلة مزيدا من الخسائر.
·        يجب تجنب التعامل على الاسهم المغمورة والتى لا يستفيد من التعامل عليها الا المضاربون وسيئو النية فعليك الابتعاد عن الشراء والبيع العشوائى الذى يعتمد على الاقوال المرسلة ونصائح غير المتخصصين. فعليك ان تحمى نفسك من نفسك قبل ان تطلب الحماية من الرقيب.
·        لا تضع كل استثماراتك فى ورقة مالية واحدة فعليك ان تتبع الحكمة الشعبية القائلة (بالا تضع كل البيض فى سلة واحدة).
·        يجب كذلك التنويع فى الاستثمار فى القطاعات مختلفة فلا تستثمر فى قطاع اقتصادى واحد فينصح على سبيل المثال بالاستثمار فى قطاعات متعددة كالقطاع العقارى والاتصالات والصناعى دون ان تقتصر على قطاع بعينه.
·        فى اوقات الازمات لا تنجرف وراء تيارات البيع خاصة اذا كانت هذه الازمات فى طبيعتها مؤقتة او عارضة.





الاثنين، 17 مايو 2010

اهم المباديء القانونية التي أرستها محكمة القضاء الإداري بشان عروض الشراء الإجباري بقصد الأستحواذ


16 مايو 2010
§  بالجلسة المنعقدة علنا في يوم السبت الموافق 10/4/2010 أصدرت محكمة القضاء الإداري المصري، دائرة المنازعات الاقتصادية والاستثمار، الدائرة السابعة برئاسة المستشار حمدي ياسين عكاشة نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة، وعضوية المستشارين جمال محمد سليمان عمار وحاتم داوود فرج الله نائبي رئيس مجلس الدولة، حكما قضائيا مهما أرسي مبادئ قانونية جوهرية بخصوص عروض الشراء الإجباري بقصد الاستحواذ وفقا لأحكام قانون سوق رأس المال المصري.

§  ويعد هذا الحكم القضائي هو الأول من نوعه في مصر الذي يتناول تفصيلا الأحكام القانونية المنظمة لعروض الشراء الإجباري، وله الريادة في هذا الخصوص.. وقد صدر هذا الحكم القضائي  بمناسبة النزاع الناشئ بين شركة أوراسكوم تليكوم و فرانس تليكوم والذي بدأت فصوله أمام هيئات التحكيم التجاري الدولي منذ أكثر من عامين مرورا بمحكمة القضاء الإداري المصري، وانتهاء بالتسوية الودية الدرامية بين طرفي النزاع.. ولاتزال تداعيات هذا النزاع الذي تابعه الملايين قائمة حتي الأن.

§  وسوف نحاول في هذا المقال أن نلخص للقارئ أهم المبادئ القانوينة  المهمة التي أرستها محكمة القضاء الإداري المصري بشأن عروض الشراء الإجباري، وذلك بعيدا عن وقائع النزاع بين أوراسكوم وفرانس تليكوم.. ولعله ضروريا أن نذكر بأن الفصل في هذا النزاع بشقيه المستعجل والموضوعي قد استغرق ثلاثة أشهر وبضعة أيام لا اكثر حيث تم رفع الدعوي من أوراسكوم تليكوم في 4/1/2010، وتحددت جلسة 9/1/2010 لنظر الشق العاجل سماع مرافعات الدفاع، وتحدد أجل غايته الثالثة عصر يوم الأحد الموافق 10/1/2010 لتبادل المستندات. وأجل غايته الثالثة عصر يوم ألأثنين الموافق 11/1/2010 لتبادل المذكرات وتحددت جلسة 13/1/2010 للنطق بالحكم في الشق المستعجل، والذي قضت فيه المحكمة بوقف تنفيذ قرار الهيئة العامة للرقابة المالية الصادرة بتاريخ 10/12/2009 بالموافقة علي عرض الشراء الإجباري المقدم من شركة أورنلج بارتسبيشنز لشراء أسهم الشركة المصرية لخدمات التلفون المحمول "موبينيل" بسعر "245" جنيها وما يترتب علي ذلك من آثار أخصها اعتبار الإعلان بعرض الشراء الإجباري المقدم من شركة أورنلج بارتسبيشنز كأن لم يكن.

    وعقدت المحكمة جلسات ثلاث بعد ذلك في 13/12/2010 و6/3/2010 و27/3/2010 استمعت فيها لمرافعات مطولة من جميع أطراف الدعوي، وبجلسة 27/3/2010 صرحت المحكمة للأطراف بتقديم مذكراتهم الختامية خلال أسبوع، ثم حجزت المحكمة الدعوي للنطق بالحكم في 10/4/2010.

   وفي الأجل الحدد لنطق بالحكم وبجلسة 10/4/2010 أصدرت المحكمة حكمها القضائي بإلغاء قرار الهيئة العامة للرقابة المالية الصادر في 10/12/2010 بالموافقة علي عرض الشراء الإجباري، مع ما يترتب علي ذلك  من آثار.

§  وبعد إصدار هذا الحكم في الموضوع ( والذي وصل عدد صفحاته الي 75 صفحة ) خلال "96" يوما بالرغم من صعوبة القضية، وضخامة مستنداتها، وتعقيدتها الفنية علامة فارقة في تاريخ الفصل في منازعات الاستثمار في مصر، ودليلا علي قدرة القضاء المصري علي سرعة حسم المنازعات القضائية الاستثملرية في أقل وقت ممكن لتحقيق العدل بين المتقاضين.. هذا العدل، الذي وصفه رئيس محكمة القضاء الإداري المستشار حمدي ياسين بأنه "لو تمثل خلقا جميل الطلعة، حسن المحيا، حلو الحديث، مؤلفا للقلوب، محققا إرضاء الناس كافة، في بسمته الطمأنينة والسلام، وفي راحته البركة والرخاء والنعيم المقيم".
§  وعود للمبادئ القانونية المهمة التي أرستها محكمة القضاء الإداري بشأن عروض الشراء الإجباري بقصد الاستحواذ، فإنني سأحاول إجمال أهم هذه الأحكام والمبادئ "التي يتعلق بعضها بأحكام موضوعية، والبعض الآخر بمسائل إجرائية" للقارئ الكريم من غير المتخصصين علي الوجه الآتي:
        المبدأ ألأول: لجمعيات حماية المستثمرين في الأوراق المالية. ومنها الجمعية المصرية لمستثمري البورصة مصلحة جدية للتدخل في الدعاوي القضتئية التي ترفع لإلغاء قرار إداري يمس بمصلحة الأقلية من المساهمين، وذلك في حدود وقائع الدعوي المطروحة.

        أكدت محكمة القضاء الإداري أنه إذا كان الثابت أن الجمعية المصرية لمستثمري البورصة هي جمعية مشهرة طبقا لأحكام القانون رقم"84" لسنة 2002 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية برقم 6747 تاريخ 22/11/2006، وانها جمعية تعمل في المجال الاقتصادي ومن أنشطتها توفير المعلومات لمستثمر بشكل واضح ومحايد وإيجادسوق مالي متوازن والعمل علي حل المنازعات بين المستثمر وشركات السمسرة، ومن ثم تكون الجمعية المتدخلة انضماميا في حالة قانونية خاصة بالنسبة للقرار المطعون فيه بحسبانه وثيق الصلة بالمستثمرين حاملي أسهم الشركة المستهدفة بعرض الشراء الإجباري الصادر بشأنه القرار المطعون فيه، الأمر الذي يجعل مثل هذه القرارات مؤثرة في مصلحة جدية للجمعية برر لها التدخل في الدعوي.

       ويعد هذا المبدأ انتصارا لحقوق المستثمرين في البورصة، والأخذ بمفهوم أكثر مرونة لشرط المصلحة الذي يعد أساسا لقبول الطعن في القرارات الإدارية، والانحياز لحماية مصالح المستهلك بمفهومه الواسع الذي يتسع ليشمل أقلية المساهمين والمستثمرين بالبورصة.

      المبدأ الثاني: لأقلية المساهمين في الشركة المساهمة المقيدة بالبورصة مصلحة جدية ومباشرة في الطعن علي قرارات الرقابة المالية بقبول عرض شراء إجباري.

      مثل هذا القرار يمس بالمركز القانوني لأقلية المساهمين من حملة الأوراق المالية محل العرض. فطبقا لما أقرته محكمة القضاء الإداري فإن لأقلية المساهمين مصلحة شخصية مباشرة في طلب إلغاء قرار الهيئة الرقابية بقبول عرض الشراء الإجباري.

     وقد أكدت المحكمة علي أن فصلها في الشق المستعجل بطلب وقف التنفيذ بتوفر شرط المصلحة للأقلية، وعدم الطعن فيه في المواعيد القانونية هو حكم قطعي له مقومات الأحكام القضائية، كما أنه حكم نهائي قيد المحكمة عند نظر موضوع الدعوي.

     المبدأ الثالث: إن القرارات الصادرة عن الجهات الرقابية بشأن تنظيم عروض الشراء الإجباري سواء بقبول العرض أو رفضه هي قرارات إدارية حقيقية يجوز الطعن ضدها بالإلغاء.

     وتتضمن هذه القرارات إفصاحا من جانب الهيئة عن إرادتها باعتبارها جهة إدارية، ويترتب عليها آثار قانونية تمس بمن ينتمون إلي المركز القانوني الذي تتعلق به هذه القرارات تقبل الطعن فيها بالإلغاء أمام القضاء الإداري الذي يراقب مشروعيتها في جميع أركنها، وهي ركن الاختصاص وركن المحل، وؤكن السبب، وركن الشكل والإجراءات، وركن الغاية مثلها في ذلك مثل جميع القرارات الإدارية.

المبدأ الرابع : ضرورة تحقيق المساواة بين مالكي الاوراق المالية محل عرض الشراء ، وكذلك فيما بين الأشخاص المعنية بالعرض :

هذا المبدا أقرته أحكام اللائحة التنفيذية ، وأكدت عليه المحكمة . وفي تحديد مفهوم المساواة- وهو أمر لم يعترض عليه الهيئة العامة للرقابة المالية بل أكدت عليه _ قالت المحكمة إن مؤدى المساواة وتكافؤ الفرص أن يكون العرض مقدماً لكل المساهمين وليس مقصوراً علي بعضهم دون البعض وأن تتحقق المساواة علي مستوي السعر بوجوب الشراء بسعر موحد دون التمييز بين المساهمين في السعر ، كما يجب أن تتحقق المساواة علي مستوي المعلومات بحصول مالكي الأوراق المالية محل عرض الشراء الأشخاص المعنية بالعرض علي المعلومات الكافية والفرصة المناسبة والتوقيت الملائم لتقييم عرض الشراء واتخاذ القرار الإستثماري بطريقة تكفل للمساهمين إجراء الموازنة ما بين الفوائد التي عساها تعود عليهم من جراء البيع ، وكذلك بما يفرضه من حظر للتلاعب في سهم الشركة المستهدفة بالعرض لتلاقي اضطرابات السوق وتضارب المصالح .
هذا المبدأ ، لم يكن محلاً للاعتراض من قبل الهيئة كما ذكرنا ، وإنما كان محل المنازعة هو مدي توفر الأسباب للمغايرة بين سعر شراء أسهم الشركة القابضة ، وسعر شراء أسهم الشركة التابعة المستهدفة بالعرض .

المبدأ الخامس : يتسع مفهوم المساواة بين حملة الأسهم المستهدفة بالعرض ليشمل المساواة بين حملة الأسهم في الشركة القابضة ، وحملة الأسهم في الشركة التابعة المستهدفة :

ينطبق ذلك تحديداً علي الحالات التي تنحصر فيها ملكية الشركة القابضة لأسهم شركة تابعة وحيدة هي الشركة المقيدة بالبورصة . والقول بغير ذلك يهدم أسس المساواة وتكافؤ الفرص التي استهدفتها قواعد عرض الشراء الإجباري .. وبطبيعة الحال ، يختلف الوضع لو أن للشركة القابضة شركات تابعة متعددة ، وأصولاً مختلفة ، فهذه الأحوال الأخيرة لا يجوز القياس عليها .

المبدأ السادس : إن من يستحوذ علي أغلبية رأس المال أو حقوق التصويت علي الشركة المستهدفة بالعرض بشكل غير مباشر من خلال شركة مرتبطة أو شركة قابضة يخضع لقواعد عرض الشراء الإجباري :

إن الهدف من عروض الشراء الإجباري وفقاً لما أكدته محكمة القضاء الإداري ، فضلاً عن الإستحواذ والسيطرة ، إقامة وضمان نوع المساواة بين المساهمين من الأقلية في الشركات المقيدة بالبورصة ، ومن ثم فإن عروض الشراء الإجبارية إنما تقوم علي التزام المساهم الذي تتجاوز ملكيته عدداً معيناً من أسهم الشركة التي لها حق التصويت .. وهذا الإجبار ولئن كان يخالف مبدأ حرية التعاقد ، إلا أنه إجبار يستهدف حماية الأقلية من المساهمين علي ألا يجبروا علي الإنصياع الي قرارات تحقق مصالح الأغلبية ، كما أنه من ناحية أخري إجبار يستهدف كذلك مصلحة مقدم العرض بإفساح المجال أمامه لإكمال سيطرته علي الشركة المستهدفة تطبيق التطوير وتحقيق الخطط المستقبلية ، وهو إجبار يتلافي بالدرجة الأولي ظاهرة تجميع أسهم الشركة المستهدفة من خلال عمليات شراء لأسهمها بأسعار مفاوتة علي فترات زمنية متعاقبة إخلالاً بمبدأ المساواة فيما بين المساهمين في الشركة المستهدفة ما دامت لا تتم عروض الشراء الإجبارية إلا بسعر واحد يتعين فيه دوماً ألا يقل عن أعلي سعر دفعه مقدم العرض أو أحد الأشخاص في عرض شراء سابق خلال الاثني عشر شهراً السابقة علي تقديم عرض الشراء المعني .

الغاية من عرض الشراء الاجباري هو حماية الأقلية من المساهمين ولا يغير من الأمر شيئاً أن يكون بلوغ السيطرة أو النسبة المستوجبة تقديم عرض شراء إجباري قد تم من خلال الاستحواذ المباشر علي أسهم الشركة المستهدفة بالعرض أو من خلال شراء أسهم شركة قابضة أو مرتبطة بالشركة المستهدفة بالعرض.

والقول بغير ذلك يعني إمكانية تأسيس شركات قابضة غير مقيدة بالبورصة ، أو شركات قابضة غير مصرية يتم التعامل علي أسهمها ونقل السيطرة الفعلية من خلال التعامل علي أسهم الشركة القابضة دون أية ضوابط ودون الالتزام بحماية حقوق الأقلية ، وهو ما يعني الإضرار بمصالح المساهمين من الأقلية في الشركات التابعة ، ويجعل من جميع القواعد الصادرة في هذا الخصوص لغواً لا طائل منه .. وقد أكدت علي هذا الفهم الهيئة العامة للرقابة المالية .

المبدأ السابع : إن اجراءات تقديم عروض الشراء الإجباري الواردة باللائحة التنفيذية إجراءات جوهرية تقتضيها المصلحة العامة ومصلحة الأفراد علي السواء :

وفي ذلك تقول محكمة القضاء الإداري " إنه بالنظر إلي أحكام قانون سوق رأس المال وطبيعة وغايات المشرع من أحكام الباب الثاني عشر من اللائحة التنفيذية للقانون المشار اليه وإذا عنيت بعروض الشراء بقصد الاستحواذ وهي عروض رائدها ومنطلقها ما قرره القانون من مسئولية للهيئة في تحقيق الشفافية والإفصاح وحماية المتعاملين في الأسواق المالية غير المصرفية ، وقد وردت عبارات المراحل والإجراءات المتعلقة بتقديم تلك العروض ، وايداعها ، وإعلام المساهمين والجمهور بها ، ومتطلبات الإفصاح عن البيانات والمعلومات والتوجهات العامة والخطط المستقبلية ، وفحص تلك العروض واعتمادها ، والإعلان عنها قاطعة الدلالة علي وجوب الالتزام بها حماية لمصالح المساهمين ، وهم جمع غفير إذا افترض المشرع علمهم وتحقق مصالحهم بأسلوب بذاته صار غيره لا يرقي بديلاً ، الامر الذي يتعين معه النظر الي تلك الإجراءات وفقاً لغاياتها مقتضي أمرها إنما هي إجراءات جوهرية يتعين علي الأطراف المعنية كل فيما يخصه مراعاتها نزولاً عند قواعد وضوابط الشرعية في ضوء غاياتها التي لا تتحقق إلا تلك الإجراءات ".

المبدأ الثامن : إن الإفصاح عن التعهدات والتوجهات العامة لمقدم العرض يجب أن يكون واضحاً لا يشوبه غموض أو إبهام :

وفي ذلك تقول محكمة القضاء الإداري " إذا شاب التعهدات الغموض والإبهام واحتاج من أطراف الخصومة للتناضل لبيان مضمونه فما حال صاحب الشأن المقدم له الإفصاح ، كما أنه يتنافي مع التزام تقدم العرض بمباديء الشفافية التي تعني التزام مقدم العرض بتوفير البيانات والمعلومات المتعلقة بنشاط الشركة بيسر وسهولة وعدم حجبها عنهم حتي يتمكن كل منهم من اتخاذ قراره السليم بالبقاء بالشركة المستهدفة بالعرض أو الرحيل عنها وبيع أسهمه.

المبدأ التاسع : لا يجوز للمتدخل انضمامياَ في دعوة الغاء القرار الإداري بقبول عرض الشراء الإجباري أن يضيف أسباباً لدعم صحة القرار إذا لم تكن هذه الأسباب قائمة عند إصدار القرار :

وهذا المبدأ من المباديء المستقر عليها في القضاء الإداري عند مراقبته لصحة السب كركن من أركان القرار الإداري .. فقضت المحكمة بانه لا يجوز للشركة المتدخلة انضماميا مع الهيئة ، إضافة أسباب إضافية للقرار بقبول عرض الشراء اعترفت الهيئة مصدرة القرار أنها لم تكن ضمن أسباب أو مقومات إصدار الإدارة لقرارها المطعون فيه ، فإضافة مثل هذه الأسباب تعد في حقيقتها تغييراً للسبب الحقيقي الذي صدر القرار علي أساسه .
إن المباديء القانونية السابقة الي أرستها محكمة القضاء الإداري ليست محلاً للمجادلة أو المنازعة ، فهذه المباديء تعد أساساً راسخاً لتحقيق العدالة ، وحماية حقوق المساهمين ، ودليلاً علي نضج سوق راس المال المصري .. قد يختلف الأطراف في ظل ظروف الدعوى أو النزاع المطروح أمام المحكمة علي ما إذا كانت هذه المباديء قد تمت مخالفتها أم لا ، إلا أن هذه المباديء في ذاتها لم ، ولا يجب أن تكون محلاً للخلاف .



الخميس، 15 أبريل 2010

الاسهال التشريعي وغموض المغزي

13/4/2010


بحكم طبيعة عملى كأستاذ للقانون التجارى، والتشريعات الاقتصادية بحقوق القاهرة وكممارس للعمل القانونى، أطلع بشكل منتظم على جميع القرارات واللوائح التى تتعلق بالشؤون الاقتصادية والمالية.وللأسف الشديد عند تحليلى ودراستي الدقيقة لهذه القرارات واللوائح ينتابني الإحساس بالمرارة لما يشوب بعضا من هذه القرارات واللوائح من سوء الصياغة وركاكة المعني وغموض المغزي
حينما أطالع وأحلل هذه القرارات واللوائح، أجد أننا أمام ظواهر ثلاث: أولاها، وكأن مصدري هذه القرارات واللوائح يعانون من الإسهال التشريعي المزمن، وأما الظاهرة الثانية، أن هذه القرارات جاءت في مجملها غير مكتملة، وكأنها نصف تشطيب. وأما الظاهرة الثالثة، فهي تعارض ظاهر هذه النصوص في عدد من الحالات مع الغايات والمقاصد التي صدرت من أجل تحقيقها

فأما عن الظاهرة الأولي، وتتمثل في غزارة هذه القرارات علي حساب المضمون، فإن تفسير هذه الظاهرة في رأي يتمثل في وجود اعتقاد خاطئ لدي صانعي القرار في غير قليل من الحالات أن حل المشاكل القائمة، ووضع حلول للمعضلات الحالية لا يكون إلا من خلال إصدار قرارات جديدة وتعديلات علي كل ما هو قائم، وهو اعتقاد يشوبه الخلل في العديد من الحالات. فإصدار القرارات "عمال علي بطال" يؤدي إلي مزيد من التخبط، سيطرة لبيروقراطية، وإطلاق العنان لتفسيرات غير منطقية. فالأهم والأولي هو التطوير المؤسسي، وتفعيل النصوص القائمة والتخلص أو التقليل التدريجي من كل ما هو غير ضروري ولوزارة التجارة والصناعة تجربة لا بأس بها في هذا الشأن، وإن لم تكتمل بعد، حينما صدر قرار بإلغاء جميع القرارات التي لم تعد ذات محل، أو تتعارض مع ما صدر حديثا، أو تخالف توجهات الوزارة الاستراتيجية، وهذا لا ينفي أنه هناك مشاكل الا يمكن مواجهتها لا بقرارات ولوائح بل وتشريعات جديدة، ولكل الحل ليس بالضرورة كل مرة في إصدار قرار أو قانون جديد

وأما الظاهرة الثانية، وهي ظاهرة القرارات واللوائح نصف التشطيب، فإنه لا يخفي علي كثير من رجالات القانون، أنه بمجرد مطالعة بعض القرارات واللوائح الصادرة مؤخرا يستشعر المتخصص وغير المتخصص بالقدر الكبير من "العجلة" و"السريعة" التي أصابت صانعي ومصدري هذه القرارات واللوائح، فصدرت غير مكتملة الملامح والشخصية، وكأن ثقافة النصف التشطيب التي انتشرت في مجال التنمية العقارية قد انطبعت علي لوائحنا وقراراتنا التنفيذية، فجاءت في بعضها متبسرة، وفي البعض الآخر متناقضة. فالحاجة إلي التطوير وثبات أن هناك تحريكا للمياه الراكدة، تدعو أحيانا إلي الاستسهال من خلال إصدار قرارات، وللأسف الشديد، فإن من هذه اللوائح تخرج مبتسرة غير مدروسة مفتقرة لأبسط قواعد الصياغة، فتصدر ركيكة الصياغة ضعيفة المضمون

وأما الظاهرة الثالثة، وهي أخطر هذه الظواهر، وهو تعارض الغايات والمقاصد من هذه القرارات مع ظاهرة نصوص هذه القرارات واللوائح. فيتضح انقطاع الصلة بين واضعي السياسات من ناحية، والقائمين علي صياغة هذه السياسات في قوالب لائحية تنظيمية كانت أو تنفيذية من ناحية أخري. ولا يصلح في بعض الأحيان أية تفسيرات أو منهج غائي يعمل علي تفعيل المعاني والمقاصد من هذه النصوص إزاء عوارها وتناقضها البين

ولعله من الأمور الملفتة للانتباه، ظاهرة أخري تتمثل في تعدد الجهات الاستشارية في مجال إعداد القرارات واللوائح التنفيذية ومشروعات القوانين. فلدينا قسم التشريع بوزارة العدل، وقسم الفتوي والتشريع بمجلس الدولة ولهما خبرة كبيرة، وحصن لا يهين من الخبرة والدقة، إضافة إلي وزارة الدولة للشئون القانونية والمجالس البرلمانية، كما أنشئت لجنة عليا للتشريعات الاقتصادية ـ اختفت في ظروف غامضة ـ ناهيك عن لجان متعددة بكل وزارة علي حدة وما تتضمنه كذلك كل وزارة أو هيئة من جيش من المستشارين وأحيانا تعمل أكثر من جهة علي مشروع مختلف متصل بذات الموضوع والأمثلة عديدة، والنتيجة تشتت الجهود، ناهيك عن غياب استراتيجية موحدة بشأن السياسات التشريعية والقانونية، وتوهان أصحاب القدرة ونري التخصص في تيه ودواليب العمل داخل هذه الجهات. والمحصلة صفر في غير القليل من الحالات

وإلي جانب ما تقدم، وطالما أننا نتحدث عن الجوانب القانونية للوائح والقرارات التنفيذية، فإن لي بعض الملاحظات عن التعليم والتدريب القانوني بشكل عام في مصر وكذلك بعض الملاحظات المرتبطة ببعض الممارسات المرتبطة بالعمل القانوني والحقوقي. فالمسألة تبدأ من التعليم القانوني ومناهج العلوم القانونية في جامعاتنا، اذ صارت العبرة بالكم لا بالكيف، ناهيك عن ابتعاد هذه العلوم عن الواقع العملي فيتخرج الطالب مفتقرا إلي الأساسيات والآليات الأساسية بما فيها البحث القانوني، والمنطلق التحليلي، والقدرة علي حل المشكلات بشكل منهجي ويجب ألا ننسي أن هؤلاء الخريجين هم نواة النخب القانونية فكيف يتوقع منهم خيرا اذا كانت بنيتهم الاساسية غير متينة

ومن ناحية ثانية، علينا أن نعترف بغياب التعليم القانوني المستمر والتدريب المنظم عن جميع مؤسساتنا القانونية، سواء مكاتب المحاماة أو الوزارات المعنية، أو حتي نقابة المحامين، بل وفي ظل المعاهد القضائية بالرغم من المجهودات الكبيرة التي تبذل في هذا الشأن فلا يعقل ولم يعد من المقبول ألا يرتبط الترقي بحد أدني من التدريب الجدي وحضور الدورات المتخصصة لجميع المشتغلين بالعمل القانوني دون استثناء كما أن العديد من المراكز التدريبية داخل الجامعات صارت من قبيل باب الوجاهة الاجتماعية، والمحصلة ضعيفة

هذا جانب ضئيل من المشكلة وليس كل جوانبها، ويحتاج الموضوع منا إلي تحليل أكبر قد لا تسمح به المساحة المخصصة للنشر. ولذا اختم هذه المقال ببعض التوصيات لعل يكون لها صدي، وذلك بإيجاز علي النحو التالي
1ـ ضرورة اتخاذ خطوات جادة، والبدء في مؤتمر عملي مستمر يضم كل النخب القانونية في مصر لاعادة النظر في المناهج العلمية الحالية داخل كليات الحقوق ووضع استراتيجية عامة، وأهداف واضحة للسنوات العشر القادمة، والتخلص من النظم العقيمة المطبقة حاليا، والعمل علي الاهتمام بالكيف لا بالكم

2- احياء برامج ومعاهد التدريب المتخصصة داخل نقابة المحامين العامة، والنقابات الفرعية، بحيث يكون لهذه المعاهد دور حقيقي وفاعل في التدريب المستمر لابناء المهنة

3- إنشاء لجنة وطنية دائمة علي نسق ما هو متبع في الدول المتقدمة تضطلع بوضع برامج واستراتيجيات عامة وأسس لفن التشريع والربط مع جميع الوزارات والهيئات المعنية، ويكون لهذه اللجنة لجان فرعية تضم أفضل العناصر وأكثرها خبرة في مجال التخصص مع توفير سكرتارية فنية وإدارية دائمة. ولا تعني هذه اللجنة الغاء أدوار الجهات والوزارات المعنية، ولكنها تكون المحطة الاخيرة للتنسيق ولتوفير الجهد والتحقيق من استيفاء سياسة واستراتيجية عامة بما في ذلك التدريب علي صياغة اللوائح والقرارات ومشروعات القوانين