جريدة الاخبار - 29/10/2015
مصر تشهد هذه الأيام أكبر موجة هجرة للعقول المتميزة
كنت خارج مصر خلال الأسبوع الماضي، واطلعت علي تصريح إلي أستاذ
الأجيال الكاتب الكبير/ محمد حسنين هيكل كان خلاصته أن كثيراً من القيادات العجوزة
لا تزال متشبثة بمقاعدها وترفض منح الفرص للشباب.
والمشكلة في رأيي ليست في الأشخاص، فالذي شاخ بالفعل هو نظامنا
الإداري والجهاز الحكومي، فالنظم الحالية، وأساليب العمل والإدارة وقواعد الاختيار
عفا عليها الزمن، وصارت طاردة لكل ما هو جديد ومبتكر، ولكل ما هو شاب ويتفق مع
التطور والحداثة. وبالتالي كل الطرق والأساليب المستخدمة ودوائر الاختيار أشبه
بالباب الدوار في مكان مغلق من يخرج من الباب يعود إليه لأن النظام الإداري
والحكومي صار منغلقاً علي نفسه. بأمانة صار الجهاز التنفيذي للدولة أشبه بسيارة
موتورها «فوت» أي موتور خربان. وكل ما نقوم به بشأن هذا الجهاز علي مدار العقود
الماضية أشبه بإجراء عمليات طلاء للسيارة وتغيير للكاوتش وتلميع السيارة من الخارج
في حين أن موتور السيارة نفسه لا يعمل، ونستغرب هو ليه العربية مش بتمشي، هو ليه
عندنا نفس المشاكل وما بتتحلش رغم إننا غيرنا عشرين وزارة في الخمس سنوات اللي
فاتت وغيرنا 7 رؤساء وزارة ورؤساء هيئات... الإجابة ببساطة لأننا نعتمد علي نفس
الموتور الخرب، نفس الجهاز التنفيذي الحكومي لم نعالجه ونفس أساليب الاختيار لم
نغيرها، ونفس النظم الإدارية لم نطورها، ونكتفي بالكلام المعسول، والغريب أننا
ننتظر نتائج مختلفة.
ولا تزال الاجهزة تقول أصل مفيش ناس كويسة... عفواً الكويسين كثير
جداً بس أنتم متعرفوهمش، وما تعرفوش توصلوا ليهم لأنكم تعتمدون علي نظم لا تعرف
إلا القديم، ولا تعرف شيئاً عن الكفاءات الشابة المصرية الموجودة في كل الدنيا.
خلال زيارة ليوم واحد في ألمانيا التقيت علي العشاء بمجموعة من الشباب
المصري خريجي الجامعات المصرية، والمدارس الحكومية أكبرهم عنده 33 سنة، كلهم حيوية
وأفكار إيجابية ويعملون في شركات عالمية ووظائف مرموقة بعضهم لم تتح له الفرصة في
مصر وحوربوا حتي هاجروا... مصر يا سادة تشهد هذه الأيام وفقاً لأحدث الدراسات أكبر
موجة هجرة منذ 1967 للعقول المصرية المتميزة.
إن المجتمع المتطور القادر علي النهضة هو الذي يعتمد علي شبابه
ويعطيهم الفرصة وأتحدث عن الكفاءات وما أكثرها لمن لا يعلمون. انظروا إلي رؤساء
وزراء إيطاليا وأسبانيا وفرنسا وإنجلترا أكبرهم سناً لا يزال في العقد الرابع من
عمره، انظرواً إلي رؤساء شركات جوجل وفيس بوك شباب في العقد الثاني والثالث من
أعمارهم.
لن نخرج من محنتنا، ولن نخرج من أزمتنا إلا إذا أتحنا الفرصة لأجيال
جديدة قادرة علي التغير والتفكير خارج الصندوق، وتحلينا بشجاعة التجربة والاعتراف
بالخطأ.
خلال مناقشة مع أحد أبنائي وعمره 19 سنة، وكنا نتحدث عن تنشيط السياحة
في مصر، وعما تقوم به الدولة من محاولات لتنشيط السياحة، وما يحدث في مصر من
محاولات لإقامة برامج جديدة وإعلانات في القنوات العالمية، فرد علي باستغراب، وليه
تدفع الدولة كل الفلوس دي، ما تقترح عليهم يجيبوا النجمة الأمريكية المشهورة «كيم
كاردشيان» وتقيم في مصر ليومين وتاخد صور جنب الهرم وشوارع مصر القديمة وإرسال
رسالة إيجابية عن مصر بدلاً من تصدير أخبار الحوادث. فقلت له واشمعني «كيم
كاردشيان» ما فيه نجوم أكثر شهرة قال لي باستغراب أيضاً «كيم كاردشيان» عندها 40
مليون متابع علي الانستجرام يعني كل صورة لها بيتابعها لحظياً 40 مليون شخص، هي
أكثر شخص في العالم له متابعين “Followers”، وده يعني عن إعلانات بملايين الدولارات الأمريكية!! هذه أفكار
شاب عنده (19) سنة وضعتها بالفعل تحت نظر وزير السياحة الصديق العزيز/ هشام زعزوع.
شاب آخر زميل لابني عمره (20) سنة سألني باستغراب هو ليه مفيش غير
رحلة واحدة من لندن للأقصر خلال الأسبوع كله، هو مش لو عاوزين نشجع السياحة للأقصر
مش كنا زودنا الرحلات سؤال أضعه أمام وزير السياحة.
اسمعوا
للشباب... عدلوا وصلحوا الجهاز التنفيذي، واسألوا أنفسكم بجد هو ليه عندنا كل
المشاكل الاقتصادية، المشكلة مش في الدولار ونقصه، المشكلة في أننا بسبب
البيروقراطية الحكومية قفلنا 4000 مصنع، وقفلنا باب الاستثمار الأجنبي بالضبة
والمفتاح رغم كل النوايا الحسنة، ولخبطنا المستثمرين حول اتجاه الاقتصاد، وبنقرف
بكل همة ونشاط كل من يعمل في الصناعة، ونضيف لأعباء الاقتصاد فكانت المحصلة انخفاض
الصادرات وزيادة الواردات، وزيادة العجز في الموازنة، وزيادة المصروفات وقلة
الإيرادات، وانهيار ميزان المدفوعات وتغير الاقتصاد. تغيير حجم الطلب علي الدولار
والسلع لا يكون بإجراءات إدارية ولا بوليسية، وانما وفقاً لآليات السوق صلحوا
موتور العربية.... وصدقوني النتائج ستكون مذهلة. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك