الخميس، 28 يناير 2016

ماذا بعد رفض البرلمان لقانون الخدمة المدنية؟

جريدة الاخبار - 27/1/2016

وأنا أتابع مناقشات البرلمان التي انتهت إلي رفض المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 2015 بإصدار قانون الخدمة المدنية قفز إلي ذهني كلمات «يا مصري ليه دنياك لخابيط» للشاعر الرائع سيد حجاب، والتي تغني بها الفنان المبدع علي الحجار، «يا مصري ليه دنياك لخابيط والغلب محيط... والعنكبوت عشش ع الحيط وسرح ع الغيط... يا مصري قوم هش الوطاويط... كفاك تبليط... صعبة الحياة والحل بسيط... حبة تخطيط»،…… فـ «يا مصري ياللي الغلا عاصرك... قوم للحياة واسبق عصرك... ولا حاجة هترجع مصرك إلا أن تكون شغال ونشيط».

إصلاح الجهاز الحكومي لم يعد خياراً بل هو أمر حتمي، إذا كنا جادين في القضاء علي البيروقراطية والفساد، وتحسين مستوي الخدمة العامة للناس. أما إذا كنا مصممين علي الاكتفاء بالتزييط والتهليل فاتركوا الجهاز الحكومي علي حاله، وعينوا فوق السبعة ملايين موظف الحاليين سبعة ملايين كمان، ودلعوا المواطنين فيكون لكل 6 مواطنين موظف في خدمتهم!!


قانون الخدمة المدنية كان مجرد محاولة لبداية إصلاح الجهاز الحكومي، هذا المرسوم بقانون الذي ألغاه مجلس النواب، أو «العفريت اللي طلعته الحكومة» علي رأي بعض النواب حسبما هو ثابت في مضبطة المجلس كانت الحكمة التشريعية من إصداره إصلاح الخلل وإنهاء حالة السيولة التي أصابت الجهاز الحكومي المصري، ومقاومة البيروقراطية التي صارت أخطر معوقات التنمية في مصر، وأصبحت مرتعاً للفساد بكل صوره.

اجتهد واضعو المرسوم بقانون الخدمة المدنية لتبني أسس فن الإدارة الحديثة، وتحفيز التدريب المستمر، وتطوير أسس نظم التدريب والترقية والنقل والإعارة والإجازة، ووضع نظم تراعي مقتضيات القرن الواحد والعشرين بشأن قواعد السلوك الوظيفي والتأديب، وضبط فوضي الأجور والعلاوات، فالنظم الحالية تسوي بين المجد وغير المجد، وتقتل روح المنافسة الشريفة وتقضي علي الحافز علي التدريب والتقدم، وتتبني مبدأ «إذا عملت كثيراً فسوف تخطئ كثيراً... أما إذا لم تعمل علي الإطلاق فإنك لن تخطئ علي الإطلاق».

السؤال المطروح الآن؛ هل البرلمان المصري ضد الإصلاح كما قالت الحكومة في بعض التصريحات؟ بالتأكيد لا، هل رفض البرلمان المصري كان الهدف منه أن يزيد من العجز المالي للموازنة؟ بالتأكيد لا هل كان هدف البرلمان إسقاط الحكومة وإحراجها؟ بالتأكيد لا، وإلا لماذا وافق علي كافة القوانين الأخري؟ هل كان الباعث علي رفض القانون سعادة النواب بمستوي أداء الخدمة العامة؟ لا شك لا، فهم يشعرون بمعاناة أبناء دوائرهم، ويلمسون تردي مستوي أداء الجهاز الحكومي خاصة في المحليات. هل كان الهدف هو إحراج الرئيس وتقويض جهوده في الإصلاح؟ الإجابة قولاً واحداً لا، فغالبية الأعضاء المنتخبين أعلنوا دون مواراة دعمهم الكامل للرئيس ودعم الدولة.

إذاً ماذا حدث، ولماذا رفضت لجنة القوي العاملة بالإجماع قانون الخدمة المدنية، ولماذا جاء التصويب بأغلبية كاسحة ضد قانون الخدمة المدنية. أي عاقل يعلم أن معارضة سبعة ملايين موظف للقانون لها ما يبررها من وجهة نظرهم. وفي رأيي أن الحكومة ركبت رأسها في رفضها للعدد من المقترحات التي تقدم بها العديد من ممثلي النقابات والموظفين. وأعتقد شخصياً أن وزارة المالية لم تكن محقة عندما أصرت علي سبيل المثال في المادة (36) من المرسوم بقانون علي حصر العلاوة الدورية السنوية بنسبة 5% من الأجر الوظيفي. فالأجور والمرتبات أصلاً متدنية ونسبة الـ 5% كنسبة ثابتة أقل بكثير من معدلات التضخم وتزايد الأسعار السنوي. فكان الأولي وضع نسبة الـ 5% باعتبارها حداً أدني. ولك أن تتخيل لو أن هناك مديراً عاماً يبلغ من العمر 45 سنة، فإن أجره الوظيفي طبقاً للجدول رقم (1) من القانون يبلغ (1335) جنيهاً فقط لا غير، فالزيادة السنوية بمعدل 5% كفيلة بأن يكون هو وأسرته تحت خط الفقر عند بلوغه سن الستين، وأنا هنا أتحدث عن مدير عام، وليس عن موظف في الدرجة الخامسة. هذا مثال علي بعض الاعتراضات علي القانون، ومعظمها دوافعه عدم الثقة في المستقبل. والسؤال لماذا رفض البرلمان القانون، ولماذا أخفقت الحكومة هذا الإخفاق الذريع سياسياً في إقناع النواب بالموافقة علي القانون؟ السبب الأول، أن الحكومة لم تدرك أن هناك ما لا يقل عن مائتي نائب في البرلمان من موظفي الدولة والمحليات، وهؤلاء جميعاً غير مقتنعين بجدوي القانون، ولديهم قناعة أنه سيضرهم وأسرهم. ولا شك أن هؤلاء الأعضاء كان لهم تأثير كبير علي زملائهم عند التصويت والمناقشة. 

ورأي أن السبب الثاني لعدم تمرير القانون يعود إلي عدم إبداء الحكومة أية مرونة إلا في المرحلة الأخيرة عند المناقشة العامة، فبدا الأمر إما الموافقة علي كل شيء أو لا شيء. وهذا السلوك في مواجهة ضغوط الرأي العام ليس بالضرورة هو الحل السياسي الأمثل. ومن ناحية ثالثة في ظني أن الحكومة ارتكبت خطأ سياسياً كبيراً حينما تصورت أن لديها دعماً من الأغلبية اكتفاءً بالتطمينات والكلمات الطيبة من بعض أعضاء البرلمان دون فحص أو تمحيص أو تدقيق في صحة هذه الحسابات. وهو ما كان يستوجب التحرك السياسي بشكل مختلف. والسبب الرابع لرفض القانون يتمثل في إصابة العديد من أعضاء البرلمان بـ«فوبيا 25 يناير» فالكثيرون منهم كان علي قناعة بأن الموافقة علي قانون الخدمة المدنية من شأنه أن يؤدي لإثارة الفتنة وتهييج الرأي العام، بل روج البعض إلي أن الجهات الأمنية ذاتها سيكون لديها قدر كبير من الارتياح لو تم رفض هذا القانون. ولذلك فإن الكثيرين من أعضاء البرلمان الذين صوتوا علي رفض القانون لم يكونوا قد قرأوا نصوصه بقدر من الإمعان، وكان هاجس إثارة الفتنة والمظاهرات كافياً لديهم لرفض القانون لامتصاص ما ظنوه قد يكون ذريعة لمظاهرات أو إشعال الفوضي في البلاد.

والسؤال الآن، بعد أن وقعت الفأس في الرأس، وتم رفض القانون، ماذا يتعين عمله؟ إن الإصلاح المؤسسي للجهاز الحكومي أمر لا نملك رفاهية الامتناع عنه. فالنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في حاجة لجهاز حكومي كفء غير متوافر لدينا الآن، لا يجوز التنازل عن إصدار تشريع إصلاحي يمثل البنية الأساسية لإصلاح الجهاز الحكومي. علي الحكومة أن تعيد دراسة أسباب الرفض بهدوء ومعظمها نفسي لدي الرأي العام. يجب أن تعيد الحكومة الحوار الموضوعي مع أصحاب المصالح المشروعة وأن تعيد النظر بجدية في بعض النصوص التشريعية وخاصة تلك المتعلقة بالأجر الوظيفي والعلاوات الدورية، والترقي، والتدريب. هذا القانون لا يهدف إلي سد عجز الموازنة علي حساب أسر الموظفين، بل يستهدف رفع كفاءة أداء الجهاز الحكومي والقضاء علي البيروقراطية. ليس الهدف من القانون أن يزداد الموظف فقراً علي فقر، ولا زيادة الموارد غير المشروعة لفئة محدودة. علي الحكومة أن تخاطب أعضاء البرلمان والرأي العام دون تعالٍ، وعلي الحكومة أن تتحقق من دعم الرأي العام قبل إعادة القانون مرة أخري بشكله المعدل إلي البرلمان. وعلي الحكومة العمل مع البرلمان بحرفية سياسية، وإقامة كوبري التواصل الإيجابي بين البرلمان والحكومة.

وعلي أعضاء مجلس النواب إعادة النظر في مواقفهم بعد أن انتهينا من الصخب، فعليهم قيادة الإصلاح ومواجهة الرأي العام والدراسة المتأنية للأمور، والاستماع إلي وجهة نظر المتخصصين، علي المجلس أن يدخل ما يراه ضرورياً علي قانون الخدمة المدنية أو تحت أي مسمي آخر لهذا القانون، وعليه أن يسعي لتحقيق الأهداف التي سيصدر القانون من أجلها ألا وهي رفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة، وتحسين مستوي الخدمات العامة، وحماية حقوق العاملين به. حذار من إصدار قانون جديد يعود بنا مرة أخري لقديمه فهذا القديم هو سبب ما نحن الآن عليه من محن وصعوبات. وتذكروا كلمات سيد حجاب مرة أخري، «الحل بسيط... حبة تخطيط ولا حاجة هترجع مصرك.... إلا أن تكون شغال ونشيط». اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 21 يناير 2016

علي أعتاب سن الخمسين

جريدة الاخبار - 21/1/2016

تذكر يا صديقي الخمسيني أن الإنجاز لا يحسب بعدد سنين العمر، فحياة الإنسان لا تقاس بالسنين وإنما بقدرته علي التأثير إيجابياً علي من حوله وفي مجتمعه


مواليد عام 1966 أمثالي سيبلغون عامهم الخمسين هذه السنة بإذن الله... متع الله الجميع بالصحة والعمر المثمر. وفي حوار لي مع زميل دراسة من أصحاب الخمسين؛ قال إنه عندما ينظر إلي المرآة لا يصدق أن الشخص الذي يراه في المرآة -وقد زحف الشعر الأبيض إلي رأسه، وظهرت بعض التجاعيد علي وجهه -هو نفسه الشخص الواقف أمام المرآة، فروحه من الداخل لم تصبها التجاعيد، ولم يؤثر عليها سلباً الزمان، علي عكس الأثر الذي تركه هذا الزمان علي ملامح وجهه.

ولجميع مواليد عام 1966، وممن جاوز منهم الخمسين بقليل، دعوني أشارككم بعضا من خواطري بمناسبة العام الخمسيني، وأقول لكل صديق خمسيني هذا العام إنك كبرت عاماً واحداً فقط... فلا تقلق، وإذا أردت أن تنظر إلي المسألة بشكل أكثر إيجابية؛ فإنك هذا العام تحتفل بالعيد السنوي العشرين لعيد ميلادك الثلاثين!!.

وكما قال الكاتب الراحل «ڤيكتور هوجو»: «إنك في سن الأربعين تعد أكبر الشباب سناً، أما في الخمسين فأنت أصغر الشيوخ سناً».

وإذا كنت يا صديقي الخمسيني قد عانيت كثيراً في حياتك لتصل إلي ما أنت عليه الآن؛ فعليك أن تتذكر أن الشيء الوحيد في حياتك الذي لم تتعب فيه أو تبذل مجهوداً بشأنه هو بلوغك سن الخمسين.

وإذا كنت تتمني طوال حياتك وتسعي أن تنمّي ثروتك بسرعة، وأن تحقق نجاحاً مهنياً بسرعة، وأن يكبر أبناؤك بسرعة، وأن تصبح مشهوراً بسرعة... فإنه من الآن وصاعداً عليك أن تسعي جاهداً أن تكبر وتشيخ ببطء شديد، وكفاك سرعة، ففي التأني لبلوغ الشيخوخة السلامة، وفي العجلة الندامة.

ومن الملاحظ أن معظم الأصدقاء الناجحين من أبناء الخمسين يتصرفون في حياتهم الخاصة كما لو كانوا لا يزالون أبناء العشرين، فنصيحة خالصة لهؤلاء إذا كان هذا السلوك مقبولا في سن الأربعين فهو لم يعد كذلك في سن الخمسين.

وعليك أن تتعامل مع اليوم وحاضرك علي أنه هدية ثمينة، فلا تهدرها. ويقول «إلينور روزفلت» في ذلك:»إن الأمس صار تاريخاً، وغداً لا نعرف عنه شيئاً، وأما اليوم فهو هدية من السماء فعلينا أن نقدرها ونحافظ عليها».

وأعد كل أصدقائي الخمسينيين؛ أنني من الآن فصاعداً سأتعامل معهم كصديق بمعني الكلمة... صديق يتذكر أعياد ميلادكم، وينسي أعماركم.

ويا صديقي الخمسيني، عليك أن تعمل بجدية علي الاحتفاظ بروح الدعابة والأمل والقدرة علي الضحك -خاصة من أنفسنا، وعليك أن تحتفظ بقلبك مضيئاً وبعقلك شاباً.

وبمناسبة نية الحكومة في تطبيق ضريبة المبيعات علي كل شيء في حياتنا تحت مسمي «ضريبة القيمة المضافة»، فعليك أن تبدأ في حساب عمرك علي أنه 49 سنة، والباقي ضريبة قيمة مضافة!!

ومن أجمل ما قرأت من نصائح لأصحاب الخمسين ما قاله «تشيلي دافيز» بأن:»كبر السن أمر حتمي لا خيار لنا فيه، أما نضج العقل والفكر فهو أمر اختياري، فاجعل النضج خيارك كلما تقدمت في العمر». وأحد مظاهر النضج هو الموضوعية في الحوار، وانحسار الانفعال عند الاختلاف، وقبول الآخر، وإدراك عيوبك قبل مزاياك، والتصالح مع الماضي... فبلوغك سن الخمسين يا صديقي ونضجك الفكري هو تغير إيجابي في حياتك يميزك عما كنت عليه في شبابك.

وقد آن الأوان يا صديقي الخمسيني، أن تفعل ما تحب وليس ما يحبه غيرك، فما الجدوي من الحياة عند بلوغك الخمسين، وأنت لا تزال لا تستطيع أن تفعل ما تحب واعلم أنك لست مستثني من الفرح أو الحب أو المرح... واستمر في اللعب وممارسة الرياضة إلي أن تضطر إلي إجراء عملية تغيير المفاصل!!

واعلم أنك صرت عجوزاً حينما يصبح لا فارق بين نهارك وليلك، واعلم أنك لا تزال تنتمي لجيل الوسط طالما لا تزال علي قناعة أنك خلال أسبوعين تستطيع بعد قليل من الريجيم والرياضة أن تعود إلي الحالة التي كنت عليها منذ عشر سنوات!!

وأنا علي يقين أنك علي مشارف الخمسين أصبحت أكثر ثقة بنفسك، وربما أكثر جاذبية...


وإذا كنت تعتقد أنك قد تحررت من كثير من قيودك عند سن الأربعين؛ فتأكد أنك أصبحت أكثر تحرراً عند سن الخمسين...

وإذا كان الله قد أمد في عمر والدتك حتي بَلَغت أنت سن الخمسين؛ فعليك أن تقنعها أن تكف من الآن فصاعداً عن الكذب بشأن عمرها، لأنه طبقاً لعمرها المعلن فأنت أصبحت أكبر منها بعدة سنوات.

وتذكر يا صديقي الخمسيني أن الإنجاز لا يحسب بعدد سنين العمر، فحياة الإنسان لا تقاس بالسنين وإنما بقدرته علي التأثير إيجابياً علي من حوله وفي مجتمعه، وبمدي قدرته علي الاستمتاع بكل ما في الحياة من جمال وتجاهل ما فيها من قبح، وعليك أن تَسعَد وتُسِعد بمن تحبهم.

واعلم أنك ستظل شاباً فكراً وروحاً طالما أنك تظل كل يوم تبحث عن شيء جديد في حياتك. وتذكر جيداً أن العجائز هم فقط من يتخلون عن حماسهم في الحياة، فالحياة قرار والموت قرار. وتأكد أنك لن تسقط من منحدر الحياة، وتستطيع أن تحافظ علي البقاء علي قمتها وأنت في الخمسين شريطة أن تكون قد بذلت الجهد الكافي لاعتلاء القمة وأنت لا تزال في الأربعين.

واحتفظ دائماً بقدرتك علي التغيير والتطور، فالعقل الشاب لا يحسب بالسن، وإنما هو ذلك العقل القابل دائماً للتغيير والتطوير، الرافض للجمود الفكري، المستشرف للمستقبل، القابل للجديد... فأنت صاحب فكر مترهل وعجوز -حتي لو كنت في الثلاثين من عمرك -إذا وضعت عقلك في قالب جامد متحجر، وسلمته للآخرين لكي يفكروا نيابة عنك.

وكن حذراً يا صديقي الخمسيني، فأنت شاب لمرة واحدة في الحياة، ولكنك من الممكن أن تكون غير ناضج ومتهور العمر كله، فالتقدم بالعمر لا يكفي وحده لضمان النضج والحكمة، وتذكر أن كلفة التهور في سن الخمسين باهظة وأكثر ضرراً عنها في سن الأربعين.

أنت مقبل يا صديقي الخمسيني علي حياة جديدة، وعليك أن تصدق الكاتبة العظيمة «أجاثا كريستي» حين قالت إن حياة جديدة تفتحت لها عند بلوغها سن الخمسين، فاستمتع بحياتك الجديدة. واعلم أن أخطر أنواع التجاعيد هي تجاعيد العقل والفكر وليست أبداً تجاعيد الوجه... فحافظ علي شباب عقلك وفكرك بالعمل المستمر.

سن الخمسين لن يحميك من الحب، ولكن الحب سيحميك من الأعراض السلبية لسن الخمسين، فأحب من حولك بصدق لكي تستطيع أن تقاوم جفاء الروح إنك تستطيع أن تعيش خمسين عاماً أخري -بإذن الله -بشرط أن تتنازل عن القيام بكل الأشياء التي تجعلك ترغب في الحياة خمسين سنة أخري!! فالقرار قرارك.

ولأصدقائي الخمسينيين ممن يعملون بالسياسة والعمل التنفيذي الحكومي...اعرف أن الفترة من الخمسين إلي السبعين هي الفترة الأصعب والأعقد في حياتك، لأنه سيطلب منك دائماً بذل المزيد من الجهد، وسيعرض عليك المزيد من المناصب، وأنت لم تتحل بعد بالحكمة الكافية لكي ترفض في الوقت المناسب!! فكن حذراً.

هل تعلم أن متوسط عدد الضحكات عند الأطفال يصل إلي 400 ضحكة في اليوم، في حين أن متوسط عدد الضحكات عند البالغين لا يزيد علي 15 ضحكة في اليوم!! فحاول يا صديقي في عيد ميلادك الخمسين أن تسترد الـ385 ضحكة المفقودة.

كل عام ومواليد عام 1966 وجيرانهم من مواليد 1964 و1965 بصحة وخير. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

السبت، 16 يناير 2016

الاقتصاد سيشهد انفراجة كبيرة في‏ 2016

الاهرام المسائي - 16/1/2016

البطالة وارتفاع الأسعار واحتياجات المواطن اليومية مرتبطة بشكل وثيق بتحسن الأوضاع الاقتصادية، وفي حواري مع الأهرام المسائي تركزت الاسئلة علي قراءة طالع المستقبل الاقتصادي، حيث لا تزال التحديات قائمة، الحياة علمتني أن التشاؤم صيغة مرفوضة اذا ما رغبت في الوصول للنجاح فأنا متفائل بعام 2016 بدرجة كبيرة لوجود عدة مؤشرات هامة تأتي علي رأسها:

استكمال البنية التشريعية بانتخاب مجلس النواب، فضلاً عن شعور المواطن بالأمن والبدء في تنفيذ المشروعات التنموية الكُبري مثل محور قناة السويس الجديدة،
ورغم أن الوضع يدعو للتفاؤل هناك تحديات كثيرة لا زالت موجودة منها، قدرتنا علي توفير الطاقة للقطاع الصناعي، وإصلاح إجراءات النظام الجمركي المعقدة والطويلة وتسهيل إجراءات التراخيص والقضاء علي البيروقراطية.

هل يمكن إلغاء الدعم للسيطرة علی عجز الموازنة؟
وماذا عن توقعاتنا الاقتصادية لعام 2016؟
أسئلة كثيرة تضمنها الحوار أدعوكم لقرأته علی هذا اللينك

الخميس، 14 يناير 2016

جمود الفكر وفكر الجمود: وجهان لعملة واحدة

جريدة الاخبار - 14/1/2016

هذه سابقة خطيرة ونذير سوء، وضربة للديمقراطية في مقتل من نواب الشعب.

1- إن قرار البرلمان المصري بوقف البث المباشر يتعارض مع مبدأ الشفافية، ويتعارض مع مبدأ علانية الجلسات الذي أقره الدستور، ويتعارض مع كافة السوابق البرلمانية داخل مصر وخارجها، ويتعارض مع أبسط قواعد الديمقراطية، ويتعارض مع حرية التعبير والرأي... فأول قرار لنواب الشعب هو تحويل البرلمان إلي برلمان سري، وحجب مناقشاته عن الشعب بشكل أو بآخر. قرار آخر للمجلس تداولته الصحف وهالني ما جاء فيه؛ وهو أن رئاسة اللجان المتخصصة - بشكل مؤقت بغرض مناقشة القرارات الرئاسية بقوانين - تم إسنادها إلي أكبر الأعضاء سِنّاً بكل لجنة!! رئاسة الجلسة الإجرائية أمر مفهوم، أما رئاسة اللجان وتسيير عملها ومناقشاتها الموضوعية لقوانين صدرت فهذا أمر آخر يجب أن تكون العبرة فيه بالكفاءة الفنية ودرجة التخصص وليس بالسن... هذه سابقة خطيرة ونذير سوء، وضربة للديمقراطية في مقتل من نواب الشعب!!

2- عند صدور حكم قضائي بحبس «إسلام بحيري» أصدرت تغريدة بأن حرية الفكر يجب ألا تواجه بالحبس، وقد هالني حجم السباب الذي تلقيته، وسوء الأدب والحوار. وبعيداً عن قضية إسلام بحيري؛ فإنه شتان الفارق بين حرية الاجتهاد وازدراء الأديان، فالثورة علي جمود الفقه ومدارس التقليد أمر واجب لحماية الدين. وأنا أتابع هذه المناقشات تذكرت العبارة الخالدة للإمام «محمد عبده» عميد المجددين في القرن الـ(19) حينما وصف الحالة بـ»جمود المسلمين» لا جمود الإسلام. وحينما قال بأن أخطر ما أصاب المسلمين هو جمود الفقه والعقل؛ وأن ذلك كان السبب الرئيسي في تردي حال المسلمين وانهيار علومهم.

أذكر أصحاب العقول الجامدة، والأصوات الحنجورية بما قاله الإمام «محمد عبده» بضرورة «تحرير الفكر من قيد التقليد... والنظر إلي العقل باعتباره قوة من أفضل القوي الإنسانية بل هي أفضلها علي الحقيقة». وكان الإمام محمد عبده ذاته هدفاً للهجوم من قبل التقليديين والمقلدين... لا شك أنه آن الأوان للمصلحين أن يجاهدوا - كما جاهد الإمام «محمد عبده» والشيخ «علي الخفيف» والعلامة «أبو زهرة» والشيخ «مصطفي عبد الرازق» في القرنين التاسع عشر والعشرين - وأن ينتفضوا لتنقيح الفقه الإسلامي وتجديده، فعلي حد تعبير الشيخ الإمام «محمد عبده» فإنه «كان الدين هو الذي ينطلق بالعقل في سعة العلم، ويسبح به في الأرض، ويصعد به إلي أطباق السماء ليقف به علي أثر من آثار الله... فكانت جميع الفنون مسارح للعقل تقتطف من ثمارها ما تشاء... فلما وقف الدين وقعد طلاب اليقين؛ وقف العلم وسكتت ريحه».

لقد طال أمر هذا الجمود لاستمرار عمل العاملين في المحافظة عليه، وولع شهواتهم بالدفاع عنه، وقد حدثت عنه مفاسد كثيرة، الإرهاب والقاعدة وطالبان والداعشيون من شواهدها. الجمود في الفقه الإسلامي، والتقليد في الفكر الديني علّة يجب أن تزول. يجب أن يجاهد حفدة العلم ضد حفدة الجهل، يجب أن يعمل أعوان الأمل علي مجابهة أعوان اليأس، لقد منحنا الله العقل لننظر في الغايات والأسباب والمسببات، فجمود الفقه والإفراط في التقليد هو إنكار للعقل الذي منحنا الله إياه.

الأزهر الشريف يجب أن يكون في قلب الإصلاح المؤسسي لمصر، وأُذكِّر شيخ الأزهر إمامنا الشيخ الطيب بما قاله الإمام «محمد عبده» بشأن إصلاح الأزهر منذ ما يزيد علي مائة عام: «إن بقاء الأزهر متداعياً علي حاله في هذا العصر محال... فهو إما أن يُعمَّر وإما أن يتم خرابه. وإني أبذل جهد المستطيع في عمرانه، فإن دفعتني الصوارف إلي اليأس من إصلاحه فإنني لا أيأس من الإصلاح الإسلامي».

3- علي الرغم من رياح الجهل، وأعاصير تكميم الأفواه، وظلمات العقول التي نشهدها... لاتزال هناك شموع تضاء لنا في طريق الإصلاح. وأحد هذه الشموع حكم قضائي صدر في 6 يناير عام 2016 من محكمة استئناف القاهرة بدائرتها السابعة التجارية، وبعيداً عن وقائع القضية التي تتصل ببطلان حكم تحكيم؛ أكدت المحكمة علي قيمة حرية الرأي وحق النقد، وأن التعبير عن الرأي في صوره المختلفة لا يمكن أن يشكل خطأً قانونياً في ذاته.

اسمحوا لي قرائي الكرام أن أشارككم في قراءة بعض سطور هذا الحكم القضائي الذي يجب أن تضعه السلطتان التشريعية والتنفيذية نصب أعينهما، فتقول المحكمة تأكيداً لأحكام المحكمة الدستورية:»... إن حرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير إنما تتقرر في الدستور بوصفها الحرية الأصل «الأم» التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، ذلك أن ما تتوخاه الدساتير من ضمان حرية التعبير هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير وإليه بقصد أن تترامي آفاقها وأن تتعد مواردها وأدواتها سعياً لتعدد الآراء وإرساء قاعدة من حيدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة مناراً لكل عمل. لذلك فإن حرية التعبير تمثل في ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديمقراطية عنها».

وأكدت المحكمة أن نقد الشئون العامة وتبيان أوجه التقصير في عمل السلطة جزء لا يتجزأ من حرية التعبير التي حماها الدستور، وأنه لا يجوز أن يكون صوت السلطة هو الصوت الوحيد الذي يعبر عن الرأي العام والمجتمع، فتقول المحكمة نقلاً عن المحكمة الدستورية العليا بأن: «حرية التعبير... أبلغ ما تكون أثراً في مجال اتصالها بالشئون العامة وعرض أوضاعها تبياناً لنواحي التقصير فيها بما يحول بين السلطة وفرض وصايتها علي العقل العام وأن لا تكون معاييرها - معايير السلطة - مرجعاً لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه - العقل العام - ولا عائقاً دون تدفق الآراء، لذلك لم يعد جائزاً تقييد حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتولد عنها بأغلال تعوق ممارستها سواء من ناحية فرض قيود مسبقة علي نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تفرض قمعها».

وتختتم المحكمة حكمها بشأن حماية حرية التعبير بكلمات من نور، أكدت فيها أيضاً علي ما رددته المحكمة الدستورية في كثير من أحكامها بقولها إن: «حرية التعبير... تفقد قيمتها إذا حجبت الآراء، ويعطل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار... ذلك أن الانعزال عن الآخرين يؤول إلي استعلاء وجهة النظر الفردية وتسلطها، ولعل أكثر ما يهدد حرية التعبير في مجال عرضها أو نشرها -أن يكون الإيمان بها شكلياً أو سلبياً - بأن تصير عبارة بلا معني أو ضرورة، بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولاً بتبعاتها وألا يفرض أحد علي غيره صمتاً ولو بقوة القانون».

أرجو مخلصاً من الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب - وهو أستاذ القانون الدستوري - أن يتأمل الكلمات السابقة التي سطّرها الحكم القضائي - الذي هو عنوان الحقيقة حسبما تعلمنا في كلية الحقوق. نعم هناك من يتربص ويتحرش بمؤسسات الدولة، ويتمني سقوطها، ولكن مواجهة ذلك لن تكون بحجب البث، ولا بحجب الآراء المعارضة، ولا بالكفر بتعدد الآراء، وبحرية التعبير، فالمواجهة تكون من الداخل من خلال إصلاح ما في مؤسساتنا من عيوب بما فيها مؤسساتنا التشريعية والتنفيذية، بل والقضائية، وإصلاح الخلل في ممارساتنا الخاطئة... نعم هناك أزمة في الإعلام، المشكلة ليست في مبدأ حرية التعبير، ولكن الأزمة في أن من يمارس الإعلام ليس متخصصاً، وأنه لا توجد قواعد للسلوك ولا للممارسة المهنية، ولا ضوابط لمباشرة العمل الإعلامي فالقصور عند أبناء المهنة ومنها نقابة الصحفيين وغرفة الإعلام... الإصلاحين المؤسسي والتعليمي هما الحل. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الثلاثاء، 12 يناير 2016

صورة واضحة عن المستقبل الاقتصادي لمصر

بوابة عين الإماراتية - 11/1/2016

لكل مقامٍ مقال .. هذه كانت إجابتي علی هذا السؤال حينما يطرح علي من الإعلاميين حول احتمالات ترشيحي لمنصب وزير الاستثمار، وأعيد طرحه في حواري مع بوابة عين الإماراتية .. والحق أن اي مصري مخلص لوطنه عليه أن يبذل قصارى جهده في أي مكان وتحت أي ظروف لخدمة بلده .. ولأن الاقتصاد والاستثمار وسوق المال هم همي الاول والشغل الشاغل للمهتمين بالشأن العام، يهتم الاعلام باستشراق المستقبل والسؤال عن الوضع الاقتصادي لمصر في ظل التداعيات التي لا تَخفى علی احداً منا، وليس من باب قراءة الطالع أو التفاؤل المفرط أن أقول أن المشروعات القومية الكبرى مثل تنمية محور قناة السويس أو العاصمة الادارية الجديدة سوف تساهم في تغير وجه الاقتصاد المصري، ولأكون منصفاً .. علي أن أوضح أن هذه التغيرات قد تأخذ وقتاً خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المحيطة بنا، سُئلت عن امكانية عودة الماضي بعودة رجال الأعمال للعمل بالسياسة ولي هُنا وجهة نظر قاطعة أن الماضي لن يعود ولا يمكن لأي اقتصاد ناجح أن يستغنى عن القطاع الخاص لأنه شريك اساسي في التنمية .. اسئلة اخري هامه أرجو أن تعرفوا إجابتها من التفاصيل الخاصة بالحوار علی هذا اللينك



الخميس، 7 يناير 2016

شاهد عيان علي حريق فندق العنوان بدبي

جريدة الاخبار - 7/1/2016

الإدارة البيروقراطية تنظر إلي الشباب باعتباره عبئاً، والإدارة المتحضرة تتعامل مع الشباب باعتباره وتداً.

سافرت إلي دبي للعمل كمستشار قانوني ومدير لإحدي كبريات المجموعات التجارية بها عام 2002. كان عمري وقتها (36) عاماً، ومع ذلك لم يتعامل معي الرئيس التنفيذي للمجموعة باعتباري شاباً قليل الخبرة، فالرئيس التنفيذي للمجموعة - التي بلغ حجم تعاملاتها في ذلك الوقت أكثر من 20 مليار دولار أمريكي - كان هو ذاته لم يتجاوز عمره أربعين عاماً. فكان كل شيء في هذه المدينة في ذلك الوقت مفعما بالحيوية والنضارة والرغبة في تحقيق النهضة.

وأذكر أنه قبل أشهر قليلة من سفري إلي دبي في ذلك الوقت؛ تلقيت عرضاً من إحدي المؤسسات المالية الحكومية العربية، وكان مستشارها الاقتصادي وقتها اقتصاديا مصريا مرموقا صار بعد ذلك رئيساً لوزراء مصر. وحينما التقيت به - وكان عمري 35 عاماً - كانت وجهة نظره أنه لا يمكن تعييني مستشاراً قانونياً ورئيساً للإدارة القانونية للصندوق لأنني لاأزال صغير السن، وأنه سيقترح تعييني نائباً لرئيس الإدارة القانونية. وخرجت من مكتبه متخذاً قراري النهائي وأنا في طريقي للمطار للعودة أنه لا يمكن لي أن أعمل في هذا المكان، ورفضت عرض العمل المكتوب فور تسلمي له. هذا كان أول فارق اكتشفته بين عقلية الوظيفة الحكومية والإدارة المتقدمة، فالإدارة البيروقراطية تنظر إلي الشباب باعتباره عبئاً، والإدارة المتحضرة تتعامل مع الشباب باعتباره وتداً... الإدارة البيروقراطية تعود بنظرها إلي الماضي، وتضع الإدارة الحديثة أعينها علي المستقبل.

وبعد أن بدأت العمل في دبي؛ حدث التغيير العائلي السلمي، وتولي شئون الإمارة الشيخ محمد بن راشد بدلاً من أخيه الأكبر، وكان من الواضح أن هذا التغيير تم بمباركة من الشيخ زايد حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة.


وكانت تلك هي البداية في نهضة شاملة اعتمدت رؤية قيادتها السياسية علي أن تكون دبي هي «سنغافورة العالم العربي» في أقل من عشر سنوات، وتم وضع أهداف وخطة محكمة لتحويل الحلم إلي واقع. وحينما كنت ألتقي ببعض المسئولين الحكوميين في دبي وكنت أتفاوض بشأن إنشاء عدد من الفنادق، فكانوا يقولون لي إننا نستهدف 5 ملايين سائح بحلول عام 2007، و10 ملايين في 2010، وهكذا... وكنت أستعجب؛ وما هي مقومات دبي لجذب السياحة؟ وكنت مخطئاً؛ فعملوا بجدية علي أن تكون دبي مزاراً للسياحة الترفيهية، وسياحة التسوق، وسياحة المؤتمرات، وهكذا...

وفي عام 2004 كان 80% من أوناش البناء في العالم كله موجودة في مدينة دبي، وتحولت مدينة دبي إلي موقع ضخم لأعمال البناء، وكان ابني - وعمره في ذلك الوقت حوالي 8 سنوات - يسألني وهو جالس إلي جواري في السيارة سؤالاً بريئاً: «بابا هما لسه بيبنوا دبي؟!»، وكان سؤالاً معبراً لأنه في تلك الفترة كانت بالفعل دبي تبني من أول وجديد بالمعني الحرفي للكلمة.

وكان من نتاج عملية التطوير العقاري؛ بناء منطقة في وسط دبي سميت بمنطقة «الداون تاون» أو وسط المدينة. وفي قلب هذا المربع أُنشئت أكبر نافورة راقصة في العالم يطل عليها أعلي مبني في العالم أطلق عليه اسم «برج خليفة». ويضم فندقا وشققا سكنية ومكاتب إدارية. وأحيط بالنافورة مجموعة كبيرة من المطاعم والكافيهات والفنادق المتصلة فيما بينها بكباري وأنفاق للمشاة والمتسوقين تقودهم إلي أكبر منطقة للتسوق في دبي. وصارت المنطقة السكنية المحيطة بنافورة دبي وبرج خليفة هي الأغلي ثمناً في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط في عام 2015. وقد شَهِدْتُ هذه المنطقة صحراء جرداء موحشة في عام 2002، وشَهِدْتُها علي ما هي عليه الآن عام 2016.

وها قد أصبحت منطقة «الداون تاون» من أكثر المناطق التي تعج بالزوار من شتي دول العالم، وأصبح هذا المربع الأكثر ازدحاماً ليلة رأس السنة، حيث يأتي إليه مئات الآلاف، ويقدر البعض العدد بـ2 مليون شخص يشهدون الألعاب النارية والنافورة الراقصة ليلة رأس السنة، وحيث تنطلق الألعاب النارية من برج خليفة. وصار العالم كله ينظر نحو هذا المربع ليتابع ما يدور فيه ليلة رأس السنة من احتفالات بتوديع عام 2015، والذي اتفق الكثيرون حول العالم أنه كان عاماً ثقيلاً يستوجب الاحتفال بمغادرته غير مأسوف عليه. وتنافس دبي في تلك الليلة أكثر مدن العالم شهرة مثل نيويورك ولندن وموسكو، وكانت الليلة الأخيرة في عام 2015 يتم الاستعداد لها في دبي لكي تكون الأكثر احتفاءً في العالم كله، وأكثر الألعاب النارية جذباً للعيون حيث تنطلق الألعاب النارية المتوهجة وترقص علي ألوانها وعلي الموسيقي المبهرة النافورة الراقصة.

ويبدأ الاستعداد للاحتفال بليلة رأس السنة في منطقة «الداون تاون» بشكل مختلف، ففي هذا اليوم يمنع دخول السيارات إلي المنطقة، وعلي مساحة لا تقل عن خمسة كيلومترات. فاعتباراً من الساعة الثالثة ظهر يوم 31 ديسمبر تتحول كافة الطرق المؤدية إلي منطقة الاحتفال إلي طرق للمشاة لا تسير فيه أية سيارة مهما كانت أهمية وحيثية صاحبها، وتترك مساحات وممرات واسعة لا يجوز المشي فيها أو الوقوف عندها حيث تسمح هذه الممرات بدخول وخروج سيارات الأمن والإسعاف والمطافئ دون أية عوائق حال حدوث ما يستدعي ذلك.

ومن الاستعدادات لهذا اليوم كذلك؛ أنه لا يسمح بالدخول للمطاعم المحيطة بالنافورة إلا لحملة تراخيص خاصة صادرة من بلدية دبي، فيجب الحجز مقدماً، وبعد الحجز يصدر لك ترخيص من البلدية تتسلمه، ولا يمكن الدخول إلي منطقة المطاعم إلا إذا كنت تحمل هذا الترخيص، والمسألة كلها لا تأخذ إلا دقائق قليلة ويتم تسليم الترخيص إليك في الفندق الذي تقيم به. ويهدف الإجراء إلي عدم تكدس المطاعم والمقاهي وما حولها، بحيث إذا حدث حادث لا قدر الله يمكن التعامل معه. وفي ذات اليوم كذلك يُسلّم الفندق لكل من يقيم فيه أسورة بلاستيكية يتم وضعها علي اليد، ولا يجوز التجول بدونها، ويكون لكل من المقيمين في أحد هذه الفنادق ممراً خاصاً بهم حتي لا تختلط أفواج المارة وحتي لا يحدث تزاحم.

وفي تمام الساعة 7.30 مساء تقريباً كان فندق «العنوان» يتلألأ، وكانت إضاءاته مبهرة، كان كل طابق من طوابقه الـ(52) المطلة علي النافورة الراقصة تتزين استعداداً للحفل الكبير. وبعد أقل من نصف ساعة تقريباً شاهدنا ما لم يكن من الممكن تصوره... فجأة اندلعت النيران من الفندق، وكان المنظر مرعباً، ففجأة تحولت الإضاءات المبهرة الرقيقة إلي كتلة من النيران، وكرات من اللهب، وتحولت الوجوه المتفتحة والابتسامات المنتشرة إلي وجوم وذهول اكتست بعدها هذه الوجوه بمظاهر الخوف والرعب... ولم يدم هذا الإحساس طويلاً، ولم تسمح الإدارة المنظمة بأية مظاهر للهلع أو الفوضي، ففي أقل من خمس دقائق - وكان الناس لايزالون ينظرون إلي الحريق وقبل أن ينتبهوا إلي خطورته - تم فتح منافذ الخروج من كافة المطاعم والفنادق المحيطة بالفندق المصاب، وتم إخلاء المربع بشكل منظم ومن مخارج محددة ومعروفة سلفاً، وفي دقائق معدودات وجد مئات الآلاف من المشاة أنفسهم في أقل من خمس دقائق بعيدين عن مكان الحريق بما لا يقل عن 500 متر. وظهر عشرات من المنظمين في لحظات، وبحركات كان من الواضح أنه تم تدريبهم عليها قبل ذلك بكثير. وشعر الجميع بالأمان بعد لحظات معدودات من القلق والخوف، ولم تحدث واقعة تدافع واحدة. وانتابني القلق علي كبار السن والأشخاص المقعدين علي كراسي متحركة؛ ماذا سيحدث لهم؟ ولم تطل حيرتي فوجدت عشرات بل مئات سيارات الجولف الخفيفة تحمل كبار السن والمقعدين وتنقلهم، ولم يكن هناك أي عائق لتحرك هذه السيارات، ونقل الجميع بأمان.

وبدأت تتحرك في رأسي أفكار سيئة عما يكون قد حدث لبعض أصدقائي المقيمين في الفندق المحترق، وبدأنا الاتصال للاطمئنان عليهم، ولم أكن متفائلاً فالحريق التهم 52 طابقاً في أقل من نصف ساعة، إلا أنه ولله الحمد كان الجميع بخير، وتم إخلاء كل من في الفندق بسلام، حيث كان يقدر المقيمون بالفندق وقت الحريق بحوالي 3600 شخص، ولم تحدث حالة وفاة واحدة.

وفي تمام الساعة العاشرة والنصف مساءً، ورغم استمرار الحريق، بدا أن كل شيء قد تمت السيطرة عليه، وكانت المفاجأة أن الاحتفال وإطلاق الألعاب النارية في موعده. وهنا ثار التساؤل بين عدد من الأصدقاء المصريين حول سلامة هذا القرار... وقد كنت شخصياً أري أن هذا القرار في منتهي الشجاعة والحكمة في ذلك الوقت، وأنه دلالة قاطعة علي أن الأمور تحت السيطرة. وقلت لأصدقائي أن في هذا دليلا آخر في رأيي؛ أنه لم تحدث حالات وفاة، لأنه لو حدث ذلك ما كان الشيخ محمد بن راشد سيتخذ القرار باستمرار الاحتفال.

وكان في هذه الحكاية درس بليغ يخص علم إدارة الأزمات، فإدارة الأزمة ليست رد فعل، بل هي إدارة للمخاطر يبدأ بتوقع الأزمة والاستعداد لها جيداً، والتدرب عليها وكيفية مواجهتها، فمتي حدثت تم التغلب عليها بسهولة. وقد يَرُدّ البعض ويقول إن ما حدث في دبي من نهضة أو قدرة علي إدارة الأزمات سببه توفر المال الغزير، وأنه لو لدينا نصف هذا المال لحققنا نجاحات أكثر إبهاراً... وأقول لهؤلاء إن النجاح سببه حسن الإدارة، فكثير من الدول معها أضعاف هذه الأموال في منطقتنا العربية وفي أمريكا اللاتينية من الدول المنتجة للنفط، ولم تحقق نفس الدرجة من الرخاء والعدالة الاجتماعية لمواطنيها، لم تحقق ذات التقدم والتطور السريع الذي نجحت فيه دبي، فمفتاح التقدم هو الإدارة الناجحة والرؤية السياسية الواضحة التي تعتمد علي جهاز تنفيذي كفء.

مشكلتنا في مصر ليست في ضعف الموارد المالية؛ ولكن في سوء استغلال مواردنا البشرية المتاحة، وهي عظيمة. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك