الخميس، 21 يوليو 2016

إنه الاقتصاد يا عزيزي !!

جريدة الاخبار - 21/7/2016

قوة  الاقتصاد لأي دولة في العالم، وصلابة برامج التنمية فيها، وما يرتبط بها من تحقيق للعدالة الاجتماعية؛ هي العوامل الأساسية للسلم والأمن الاجتماعي داخل الدولة، والبوابة الرئيسية للنهضة المستدامة. الوهن الاقتصادي يعني - قولاً واحداً - ضعف سياسي داخلي وخارجي. قلة الإيرادات العامة وسوء حالة الاستثمار البوابة الواسعة لانهيار العدالة الاجتماعية وسوء حالة التعليم والصحة والخدمات العامة. فمع ضعف الاقتصاد تقل الموارد السيادية، والاستثمارات في الخدمات العامة، فيقل الإنفاق علي الصحة والنقل العام والتعليم والبنية الأساسية، وهذا هو حالنا منذ زمن. تدهور المناخ العام للاستثمار الخاص يعني ببساطة تضاؤل قدرة الدولة ككل علي تصنيع ما تحتاجه والتواكل علي الاستيراد، وهو ما يعني زيادة ما نستورده من الخارج عن ما نقوم بتصديره أو تصنيعه وزراعته في الداخل... وهو ما يعني - بلغة الاقتصاديين - العجز في الميزان التجاري، فنحن نعتمد علي الخارج تقريباً في كل شيء، فالوهن الاقتصادي والضعف الإداري أديا إلي العجز في الميزان التجاري.

وهذا الخلل أدي إلي استنزاف مواردنا بالعملة الأجنبية، فما نصرفه بالدولار من أجل الاستيراد أعلي بكثير مما نحصل عليه من دولار، نتيجة قلة الصادرات وشحاحة ما ننتجه ونزرعه محلياً. يضاف إلي ذلك أن تردّي المناخ العام للاستثمار أدي إلي شُحّ الاستثمارات الخاصة - أي التدفقات النقدية بالعملة الأجنبية إلي داخل الوطن، وهو ما أدي إلي شُحّ الدولار، ونقص الاحتياطي النقدي بالعملة الأجنبية واستنزافه علي مدار السنوات، وهو ما يسميه الاقتصاديون العجز في ميزان المدفوعات... فهانت قوة الشراء للعملة الوطنية، وارتفعت الأسعار بهذا الشكل الجنوني لأننا نستورد أكثر مما نزرع أو نصنع... فتدهور حال المصريين وزادت قسوة الحياة علي الأسر ذات الدخل الأقل. ومع كل هذا وذاك زادت البطالة، فالتشغيل وخلق فرص العمل يقتضي بناء المصانع وتوسيع قاعدة المشروعات الصغيرة والمتوسطة سواء كانت خدمية أو صناعية أو زراعية... الخلاصة أننا نحتاج إلي برنامج اقتصادي متكامل نعالج به كل هذه المشكلات، فالأزمات السياسية والاجتماعية ستزداد وتتفاقم لو لم نعالج مشاكلنا الاقتصادية بحسم...

دعونا نعترف، وهذه هي الخطوة الأولي للإصلاح الجذري... ليس لدينا برنامج اقتصادي واضح الملامح. نعم... فشلت كافة الحكومات المتعاقبة - منذ ثورة 25 يناير - في وضع برنامج اقتصادي إصلاحي موضع التنفيذ... كل ما يطل علينا من آن لآخر مجرد أفكار هنا وهناك، محاولات لإصلاح جزئية، تعامل مع المشكلات الاقتصادية بمنطق اليوم بيومه... هذا ليس نقدا أو تجريحا أو تقليلا من المجهودات المبذولة، ولكنه تحليل لواقعنا أياً كانت أسبابه ومبرراته، فهذه الأفكار المبتسرة والحلول الجزئية والتعامل اليومي وليس التخطيطي مع مشكلاتنا الاقتصادية وما يترتب عليها من آثار اجتماعية وسياسية سلبية؛ هي السبب فيما نحن عليه الآن، وهي المسئول الأول عن حالة "الغموض" و"القلق" التي نعيشها، والتي يعبر عنها السؤال المتكرر اليومي الذي نواجهه جميعاً: "هو احنا رايحين علي فين؟"، "هو فيه أمل؟"، "أرجوك طمني؟"... هذه الأسئلة المتكررة من المواطنين بكل طوائفهم - موظفين وعاملين وأصحاب مصانع وهكذا... ماحدش عارف بالضبط إيه ملامح الإصلاح الاقتصادي، وما هي الخطوات القادمة بشأن السياسة المالية، أو أسعار الطاقة، أو قضية الدعم، أو قواعد الاستيراد، أو التعامل مع العملة الأجنبية، وسعر الجنيه، أو الموقف الضريبي وأسعار الضرائب، أو ماذا نحن فاعلون مع السياسات الصناعية وخاصة مستلزمات الإنتاج المحلي... كل هذا غامض وغير معروف وغير واضح، فعنوان سياستنا الاقتصادية هو "الغموض" أو "عدم اليقين" Uncertainty، وهذا الغموض أو عدم الوضوح هو العدو رقم (1) لأي تطوير أو تنمية... هذا الوضع أشبه في حياة الشعوب بحالة "اللا سلم واللا حرب"... استمرار الوضع علي ما هو عليه كارثي، يجب أن نعلن عن برنامجنا للإصلاح الاقتصادي، يجب أن نعلن عن البرنامج الزمني... السياحة مهمة، تحويلات المصريين من الخارج ضرورية، ولكن الأهم من هذا وذاك هو الإصلاح الاقتصادي ووجود صناعة مصرية قوية، وزراعة معتبرة.

في هذا السياق، تثور تساؤلات غامضة، هل مصر بصدد التفاوض مع صندوق النقد الدولي لوضع برنامج إصلاحي للاقتصاد الوطني؟... هذا أيضاً مسألة في غاية الغموض، بعض المسئولين يؤكدون نعم، والبعض لا يعرف، والبعض يقول لا!!... سبق لمصر أن خاضت هذا البرنامج في عهد حكومة الدكتور/ عاطف صدقي، وكانت النتيجة إيجابية إلا أننا لم نكمل المشوار، وتراجعنا عن الاستمرار في سياسة الإصلاح الاقتصادي، وعدنا عام 2004 لنبدأ مشوار الإصلاح الاقتصادي، وبدأنا بهمة وجدية، وعدنا وتراجعنا اعتباراً من عام 2008، ولم نسر في طرق متوازية للإصلاح تلتقي في نهاية المشوار، وهي الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي والإصلاح السياسي، فكان الإصلاح الاقتصادي علي حساب الإصلاحين السياسي والاجتماعي، فتعطلت مسيرة الإصلاح علي كافة الجوانب بنهاية عام 2009، ولازلنا ندفع الثمن حتي الآن... خضنا بعد "25 يناير" جولتين من المفاوضات مع الصندوق لم يكتملا... في رأيي لأسباب سياسية، لم ترد الحكومات المؤقتة أن تتحمل الثمن السياسي!!

في رأيي الشخصي أن البدء الآن في برنامج إصلاحي مع صندوق النقد - رغم كل ما قد يصيبني من انتقادات - يصب في مصلحة مصر بشرط أن تكون عنصراً فاعلاً في وضع البرنامج ومؤمنين بنتائجه الإيجابية، ومستوعبين لمخاطر فشله، وقادرين علي تطبيقه... أهمية البرنامج هو عودة الانضباط إلي الاقتصاد المصري ومؤسساته. ويجب أن يكون واضحاً لدي الجميع أن البرنامج الإصلاحي الاقتصادي هدفه هو تحقيق العدالة الاجتماعية، فإذا كان من شأن أي برنامج اقتصادي المساس بالعدالة الاجتماعية فلا داعي له. ولكن يجب أن يكون معلوماً أن أية خطوة إصلاحية حقيقية سيكون لها ثمن سياسي واجتماعي علي المدي القصير، ويمكن الحد من هذه المخاطر بتخطيط جيد، وحوار مجتمعي حقيقي ومحترم، وشفافية عالية، وهدف ورؤية واضحة وخطط زمنية معلنة، وأهداف جزئية محددة... عندها فقط ستكون إجابتنا علي السؤال المحير "إحنا رايحين فين؟" هي: "احنا ماشيين في الطريق الصحيح، وسيكون غداً أفضل".

إنه الاقتصاد يا عزيزي!! اللينك

استمع الي المقال على ساوند كلاود.. اللينك

الخميس، 14 يوليو 2016

سألوني عن المجلس الأعلي للاستثمار


جريدة الاخبار - 14/7/2016



في  مصر للأسف عندنا "كل حَاجة شبه الحاجة بس مش هي نفس الحاجة"... يعني إيه؟ يعني عندنا في كل نظمنا الاجتماعية والسياسية والحكومية شئ شبه الشئ المفروض، لكنه مختلف عن الشئ اللي المفروض يبقي موجود!! يعني إيه؟ مثلاً عندنا مدارس حكومية، المدرسة من حيث الشكل شبه المدرسة في ألمانيا... بلاش ألمانيا، خليها تركيا!! المدرسة من حيث الشكل مدرسة، مباني، وطلاب ومدرسون ومناهج تعليمية وامتحانات، لكن من حيث المضمون لا علاقة لها بالمدرسة، فمن حيث المضمون المدرسة علشان تبقي مدرسة لازم تخرج مواطنين صالحين، شباب مثقف ومتعلم وقادر علي العمل ومواصلة الدراسة الجامعية أو غير الجامعية، وعنده حد أدني من المخزون الثقافي والاجتماعي، فلدينا مدرسة من حيث الشكل، وأي شئ آخر من حيث المضمون... نفس التحليل ينطبق علي معظم نظمنا ومؤسساتنا الأخري... عندك قطاع الصحة، عندنا مستشفيات حكومية في كل المحافظات، من حيث الشكل والمفهوم هي مستشفي -أي مؤسسة علاجية، ولكن من حيث المضمون هي أداة لتعذيب المواطنين ومصدر شقائهم، فالمستشفي الحكومي -أو حتي الخاص - في مصر مكتمل الأركان من حيث الشكل فيه أطباء وأجهزة طبية وممرضون وأسِرّة وعيادات خارجية وغرف عمليات وغرف طوارئ، أما من حيث نوعية الخدمة والتشخيص والمعاملة الآدمية وتوفير العلاج وحالة التمريض وتوافر التخصصات؛ فحدث ولا حرج.

ولا يخرج إطار أو مناخ الاستثمار في مصر عن نظرية "الشئ شبه الشئ"، فالحكومات المتعاقبة تتحدث عن أهمية الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي لتحقيق التنمية، وضرورته للتشغيل ومحاربة البطالة، وللقضاء علي مشاكل العجز في الموازنة، وللنهضة بالاقتصاد المصري. كل الحكومات المتعاقبة تتحدث عن أهمية المنافسة مع العالم، والقضاء علي مشاكل الاستثمار الأزلية مثل توفير الطاقة والقضاء علي البيروقراطية، وحل مشكلة تخصيص الأراضي وتسعيرها، وإزالة التعقيدات الإدارية، وتبسيط إجراءات البناء ومنح التراخيص، وتيسير إجراءات التقاضي، وتحسين إجراءات الربط الضريبي، وإزالة التعقيدات الجمركية بكل صورها، وتفعيل قواعد المنافسة الحرة... إلي آخره. ولكن الواقع علي الأرض عكس ذلك بالمرة، فلا يوجد خريطة استثمارية واضحة لمصر، ولا نعرف خريطة استثمارية لأي محافظة داخل القطر المصري، ولا يعرف المستثمر الوطني أو غيره ملامح للسياسة النقدية، ولا توجد خريطة للصناعة الوطنية، ولم يعمل أحد علي تقديم أي حل جدّي لهذه المشكلات طوال السنوات السابقة، وإنما مجرد كلام × كلام، وعود جوفاء لا طائل منها، والخلاصة هروب كثير من الاستثمارات إلي بلاد أخري مثل المغرب والإمارات وشرق آسيا، وتجميد العديد من الاستثمارات داخل مصر، ناهيك عن انخفاض الإنتاج الصناعي المحلي بما يزيد علي 15%.


والمشكلة ليست في عدم توافر الرغبة في الحل أو في تطوير مناخ الاستثمار، وإنما المشكلة أننا خلال السنوات الماضية كنا مصممين علي تحسين مناخ الاستثمار بنفس الفكر التقليدي العقيم، ونفس الأدوات البالية. ومشكلة الاستثمار ليست عند وزارة الاستثمار، فمشاكل الاستثمار أقرب "بدم تفرق بين القبائل" فضاع الهدف وضاعت المسئوليات. فإذا شئت أن تبني مصنعاً للأدوية فتذهب إلي هيئة الاستثمار لتأسيس الشركة، وإلي التنمية الصناعية لتخصيص الأرض، وإلي وزارة الكهرباء والبترول للتعاقد علي الطاقة، وإلي وزارة الصحة للحصول علي تراخيص التشغيل، وإلي المحليات للحصول علي ترخيص البناء، وإلي وزارة الآثار لاستصدار شهادة بعدم وجود آثار في منطقة كفر البطيخ، وإلي وزارة البيئة للحصول علي الموافقات البيئية، وقد تحتاج إلي موافقة الدفاع الجوي للحصول علي الموافقة علي ارتفاعات معينة في بعض المناطق، وإذا كنت في سيناء فعليك التعامل مع جهاز تنمية شبه جزيرة سيناء، وعند التشغيل واستيراد المعدات فهناك مشكلات العملة والاستيراد والتصدير، والتسعير وهكذا... وطبعاً كل جهة تعمل في وادٍ.

وزارة الاستثمار مسئولة عن رسم سياسات الاستثمار وتشجيعه، ولكن كل ملفات الاستثمار بلا استثناء وكل مفاتيح معوقات الاستثمار خارج نطاق الاختصاص الوظيفي والولائي لوزارة الاستثمار، فبدون المسئولية التضامنية لكافة الوزارات والهيئات والمحافظات لن نتقدم خطوة واحدة في ملف الاستثمار. وهذا ما أدركته وزيرة الاستثمار داليا خورشيد، فوزير الاستثمار شأنه شأن المستثمر ضحية البيروقراطية وسياسات الجزر المنعزلة، فتحول كثير من وزراء الاستثمار إلي "مطيباتية ياخدو بخاطر المستثمر الشاكي". ومن هنا -في رأيي -جاء التحرك الأخير نحو اقتراح إنشاء مجلس أعلي للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية. وهو اقتراح سبق أن تقدمت به شخصياً منذ أكثر من أربعة أعوام، وكتبت عن تفاصيله في مقال لي في هذا المكان يوم 6/11/2014. ولذلك سعدت بتفعيل هذا الاقتراح أخيراً، وأحيي الوزيرة عليه، فالهدف من هذا الاقتراح هو تصحيح مسار الاستثمار والاقتصاد الوطني بعد معاناة طويلة، فالتنمية والتشغيل والعدالة الاجتماعية لن تتحقق إلا من خلال الاستثمار الصناعي والزراعي والإنتاجي بشكل عام، ولن يتم القضاء علي المعوقات إلا من خلال رئيس السلطة التنفيذية، ولتحديد الأهداف والمسئوليات لأعضاء الحكومة، فوزراء الطاقة مسئولون عن توفير الطاقة للمشروعات الإنتاجية والتصديرية التي توافق عليها الحكومة، وفي ضوء الخطة الصناعية والزراعية التي تضعها وزارتا الصناعة والزراعة، ووزارة النقل مسئولة عن مشروعات البنية الأساسية للنقل النهري والبري في ضوء هذه الخطط وهكذا... ويكون الجميع مسئول أمام رئيس الدولة. ليس الهدف من المجلس الأعلي للاستثمار أن يباشر أي دور تنفيذي ولا أن يحل محل الوزارات، ولكنه أداة تحقيق أهداف الاستثمار داخل جميع أجهزة الدولة والمحافظات، والآلية المسئولة عن ضمان أداء كل جهة لواجباتها في هذا الإطار. ولقد سبق أن كتبت في هذا المكان منذ عامين تقريباً عن أفكاري بشأن هذا المجلس، وأعيد تكرار بعضها هنا:
أعتقد أنه يجب أن يكون شعار المجلس هو "الاستثمار من أجل التنمية والتشغيل"، فخلْق مليون فرصة عمل سنوياً يقتضي استثمارات لا تقل عن 15 مليار دولار في السنة الواحدة، فلا نمو ولا تنمية ولا عدالة اجتماعية بدون استثمارات مباشرة حقيقية تساهم في زيادة الناتج القومي المحلي.

أقترح أن يكون من أولويات المجلس وضع أهداف استراتيجية أساسية، منها -علي سبيل المثال-رفع حجم الاستثمارات المباشرة إلي 20 مليار دولار أمريكي خلال السنوات الأربع القادمة، ووضع مصر علي مرتبة أفضل 50 دولة في العالم بشأن مناخ جذب الاستثمار، وتوسيع قاعدة التمويل المصرفي إلي المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بحيث لا تقل نسبة التمويل لهذه المشروعات عن 30% من إجمالي حجم التمويل الصناعي والزراعي والتجاري والخدمي.

أري أن تقتصر مهام المجلس الأعلي للاستثمار علي مهام رئيسية:
وضع استراتيجيات خريطة الاستثمار في مصر.
تحديد أولويات الإصلاح الخاصة بإزالة معوقات الاستثمار، بما في ذلك الإصلاحات التشريعية والضريبية والمؤسسية والجمركية، وسهولة بدء النشاط، والتراخيص، وتخصيص الأراضي، وبيئة العمل، وإنفاذ العقود، ونظم تسوية المنازعات... وغيرها من الأمور.

متابعة تنفيذ الحكومة والهيئات المختصة لتنفيذ خريطة إصلاح الاستثمار وتحقيق الأهداف الاستراتيجية، من خلال جدول زمني محدد. فالاستثمار من أجل التنمية هو مسئولية تضامنية للحكومة والمحافظين والهيئات التابعة لها.
الفصل في تنازع الاختصاصات بين الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة بشأن أمور الاستثمار، مثل الولاية وتخصيص الأراضي... إلخ.

متابعة تنفيذ آليات حسم منازعات الاستثمار، ومدي التزام الجهات الحكومية بقرارات لجان فض المنازعات والتسوية وأحكام المحاكم.

ليس المطلوب من المجلس الأعلي للاستثمار أي دور تنفيذي، حتي لا تختلط وتتعدد الدوائر، ولكنه يجب أن يكون الصخرة التي تنكسر عليها كل مشكلات الاستثمار ومعوقاته.

إن قيادة الرئيس لهذا المجلس رسالة قوية بأن الاستثمار العام والخاص والوطني علي رأس أولويات اهتمام الدولة. هذه خطوة علي الطريق الصحيح علينا أن نستثمرها جيداً. اللينك

استمع الي المقال على ساوند كلاود.. اللينك

الخميس، 7 يوليو 2016

ليليان داود .. من الجاني ومن المجني عليه؟

جريدة الاخبار - 6/7/2016

بينما كانت الطائرة في طريقها إلي الإقلاع من ألمانيا متوجهة إلي طريق العودة إلي الوطن تلقيت علي تليفوني رسالة مقتضبة تتضمن خبر «القبض علي ليليان داود» التي لا أعرفها معرفة شخصية، وإن ظهرت معها في برنامجها لمرة واحدة منذ أكثر من أربعة أعوام تقريباً... انزعجت للخبر لأن القبض علي أي إعلامي أو صاحب رأي خبر مزعج... بعد أن وصلت الطائرة إلي مطار القاهرة بدأت تتضح معالم القصة... كان من الواضح أن إقامة «ليليان داود» التي تحمل الجنسيتين اللبنانية والبريطانية قد انتهت، وامتنعت السلطات المصرية عن التجديد منذ فترة، رغم أنها كانت تعمل بقناة أون تي في، وعلي الرغم من أنها تقيم في مصر منذ أكثر من عشر سنوات، وأن ابنتها مصرية تبلغ من العمر عشر سنوات... يبدو مما نشر في الصحف، أنها استدعيت من الإدارة الجديدة لقناة أون تي في، وأبلغت بإنهاء عقدها معها، وبعد ساعات معدودات من عودتها إلي منزلها في الزمالك داهم منزلها ثمانية - حسب روايات الصحف - من رجالات الأمن الأشداء، وطلبوا منها مغادرة مصر فوراً لانتهاء إقامتها وعقد عملها، وأمروها أن تغادر البلاد دون ابنتها الوحيدة وتتركها خلفها، ودون أي حق في الاعتراض القانوني، ودون أن تصطحب أية متعلقات شخصية، ودون الحق في الاتصال تليفونياً بأحد، وتم تخييرها بين السفر إلي لبنان أو إلي بريطانيا التي تحمل جنسيتهما، وقد اختارت السفر إلي لبنان... ربما يكون لـ «ليليان» خطها الإعلامي أو الفكري غير المرضي عنه، ومن حق الإدارة الجديدة أن تنهي علاقة العمل مع أي من مذيعيها أو ممن لا تتفق آراؤهم مع وجهة نظر القناة أو توجهها، ولا شك من حق الدولة أن تُرحل من انتهت إقامته».


لن أناقش أياً من هذه الأمور رغم أنها تحتاج إلي المناقشة... ولكن للأسف وللمرة المليون، فإن الطريقة التي تم التعامل بها مع هذه القضية دلالة علي الفشل وعلي الإصرار علي الإساءة إلي مصر وسمعتها، وذكرني التعامل الأمني مع هذه الواقعة بما سبق أن حدث مع المهندس صلاح دياب منذ عدة أشهر!! نفس التخبط ونفس النهج العقيم الضار بسمعة مصر ومصداقيتها، نفس النهج المتخلف الذي تم التعامل به مع قضية «روجيني»... لا شك أن الطريقة التي تم التعامل بها مع «ليليان» من وجهة نظر من أعطي الأمر ومن قام بالتنفيذ، أنها يجب أن تكون عبرة لأي إعلامي يتخذ خطاً منفرداً أو ينطق بكلام تعتبره السلطات من باب التكدير للأمن العام، ولكن ما فات هؤلاء العباقرة أن طريقة التعامل كان بها قدر من المبالغة والتنكيل بأصحاب الرأي بشكل غير مفهوم، كان يمكن التعامل بشكل حضاري مع المسألة يليق بمصر، وبطريقة أكثر هدوءاً وأكثر عقلانية وأكثر إنسانية... لايزال بيننا من يتعامل بنظرية «الدبة اللي قتلت صاحبها»... ففي واقعة المهندس صلاح دياب أراد صاحب القرار وإخراج عملية القبض عليه التنكيل بكل من يختلف من رجال الأعمال مع الدولة، فكانت النتيجة الإضرار البالغ بمناخ الاستثمار في مصر، وإرسال رسالة تعيسة بالغة السوء إلي كل من تسول له نفسه بالاستثمار والتعبير عن رأيه في ذات الوقت، وخرج صلاح دياب، وتمت تسوية الأمر ولكن الضرر الناجم عن هذه التصرفات غير المدروسة لانزال ندفع ثمنه حتي هذه اللحظة، نفس الأمر حدث في التعامل مع واقعة «ليليان داود»، ويتم تصوير مصر وتصديرها علي أنها مثال للقمع والاستبداد، وبعدم وجود أي رحمة في التعامل مع كل من يختلف في الرأي، للأسف الشديد لا نتعلم من الدرس، وسأظل أعيد وأزيد وأكرر... التعامل مع قضايا الرأي ومع الأمور السياسية يكون بالسياسة وليس بالقمع الأمني... القمع الأمني يوحد أعداء الأمس، ويوجد الخصوم السياسيون، ويشعل الغضب المكبوت... المجني عليه نتيجة هذه التصرفات هو مصر!! متي نتعلم... لا أعلم؟

ملحوظة : المقال كان مقدرا له النشر الخميس الماضي وتأجلت الصفحة لضيق المساحة. اللينك
استمع الي المقال على ساوند كلاود.. اللينك