الخميس، 24 سبتمبر 2015

إصابة الاستثمار بنيران صديقة

جريدة الاخبار - 24/9/2015

ولا شك أن التأخير في الإفراج الجمركي وإعادة التسعير العشوائي يؤدي إلي إهدار تسلسل حركة التجارة الخاصة بهذه الشركات العالمية دون مبرر


لن أملّ من التذكرة بأن معظم ملفات الاستثمار ليست في حوزة وزارة الاستثمار ولا هيئة الاستثمار، وأن معظم حلول مشاكل الاستثمار في أيادي وزارات وهيئات أخري. إن مسئولية تشجيع الاستثمار وحل مشاكله هي مسئولية تضامنية لجميع أعضاء الحكومة، وكثير من المصانع والمؤسسات توقفت عن النشاط أو تعطلت بسبب نيران صديقة أطلقتها بيروقراطية هيئات وجهات حكومية أو غير حكومية، وعجزت وزارة الاستثمار عن حلها. وكثير من القرارات التي أدمت الاستثمار وعطلت النمو الاقتصادي وقتلت فرص التشغيل كان الباعث علي إصدارها حماية المصلحة العامة وكانت مغلفة بحسن النية.

وهناك مثالان لقرارات صدرت مؤخراً كان الباعث عليهما تحقيق المصلحة والخير إلا أنهما انقلبا وبالاً علي الاستثمار والصناعة والتجارة في مصر، وزادا من أوجاع الاستثمار، وإهدار الجهود المبذولة لتشجيع الاستثمار...

أما المثال الأول علي النيران الصديقة هو صدور قرار منذ شهر تقريباً من وزير التجارة والصناعة يستهدف منع إغراق مصر بالسلع والبضائع المضروبة وحماية الصناعات المصرية، فأصدر قراراً منح به الصلاحية لمصلحة الجمارك التابعة لوزارة المالية بالتفتيش علي الواردات والشحنات المتعلقة بسلع معينة منها الأثاث، وحق إدارة الجمارك في الالتفات عن الفواتير الصادرة من مصدّري هذه السلع، وإعادة تقييم هذه البضائع مرة أخري، وتحديد أسعار جديدة لها بمعرفة مصلحة الجمارك، وفرض ضريبة جمركية علي أساس تسعير مصلحة الجمارك وليس علي أساس الأسعار المثبتة بفواتير الاستيراد. والهدف من القرار كما ذكرت هو حماية السلع المحلية خاصة الملابس والأثاث من الواردات القادمة من الصين وبأسعار مبالغ في تخفيض أثمانها، وهي أسعار في الغالب مضروبة وبالتالي تنخفض جماركها انخفاضاً مبالغا فيه، وهو ما يضر بالصناعات المحلية، ويعد من صور المنافسة غير المشروعة... لغاية هنا والأمور يمكن فهمها... ولكن المشكلة صارت عويصة حينما بدأ تطبيق القرار، فطبقته الجمارك المصرية بكل همة ونشاط علي كافة الواردات وأياً كانت بلد المنشأ وأياً كانت الشركة المصنعة، وبغض النظر عن نوعية المستورد وهل يستورد بناءً علي اتفاق توزيع معتمد أم لا... فكانت النتيجة أن مستوردا للأثاث مثل شركة "ايكيا" العالمية وهي شركة سويدية الأصل تعرضت لنفس نماذج الفحص، فأصبحت كافة البضائع تتعرض للفحص، وإهدار كافة الفواتير الصادرة عن الشركة الأم في السويد، وإعادة تقييم كافة الأسعار، ورفع الأسعار بشكل انتقائي وفرض ضريبة جمركية عليها، وهو ما يعني تأخر الإفراج الجمركي نتيجة هذا القرار لمدة أسابيع تصل إلي 3 أسابيع في حين أن الإفراج الجمركي عن بضائع ذات الشركة في موانئ دبي يستغرق 3 ساعات، وهذا الكلام علي مسئوليتي.

واستتبع تنفيذ هذا القرار كذلك إعادة تسعير كافة بضائع ايكيا وزيادتها بمعرفة مصلحة الجمارك، وإهدار كافة الفواتير الصادرة عن بلد المنشأ، أخذاً في الاعتبار أن هذا الإجراء يخالف اتفاقية التجارة الحرة (الـ"جات") والذي يمنع دولة الاستيراد من إهدار الفواتير إذا كان الاستيراد يتم من خلال موزع معتمد، وكانت اتفاقيات التوزيع موثقة ومعتمدة ولا تتضمن أي مخالفات. ولا شك أن التأخير في الإفراج الجمركي وإعادة التسعير العشوائي يؤدي إلي إهدار تسلسل حركة التجارة الخاصة بهذه الشركات العالمية دون مبرر والتدخل في عملية التسعير، وهو ما يعد مخالفة لضمانات وحوافز الاستثمار. ومن سخرية القدر أن تدخل الحكومة يؤدي إلي زيادة الأسعار علي المستهلك المصري دون مبرر. وبالمناسبة البضائع المهربة والمضروبة - المستهدف الرئيسي من هذا القرار - لاتزال تدخل بيسر وانسيابية إلي السوق المصري!!

أرجو من وزير التجارة والصناعة، المهندس/ طارق قابيل، أن ينظر إلي هذه المسألة ويتدخل فيها لحلها بشكل عاجل، فالموضوع دمه بقي تقيل، فالمطلوب اتخاذ قرار عاجل بعدم سريان القرار علي الواردات القادمة من خلال مستندات معتمدة وبناءً علي اتفاقات توزيع موثقة.

مثال آخر علي النيران الصديقة... لا يخفي علي أحد أن مصر تتعرض لهجمات إرهابية شرسة ومحاولات مستمرة لتهريب متفجرات ومواد قابلة للاشتعال لاستخدامها في عمليات إرهابية، ولذلك لم يكن من المستغرب في هذه الظروف الاستثنائية أن تصدر المخابرات الحربية قراراً بفحص كافة المواد الكيماوية من خلال معامل الدولة قبل الإفراج عنها للتحقق من استخداماتها، والقرار يستهدف حماية أمن الدولة وحماية الاستثمار... لا شك في ذلك... المشكلة التي ظهرت عند التطبيق هو قلة عدد المعامل المتخصصة التابعة للدولة وخاصة للبضائع المستوردة من خلال جمارك الاسكندرية، حيث يوجد معمل بالإسكندرية وآخر بالدخيلة... وكانت النتيجة هو أن كافة المصانع بدأت في التعطل نتيجة عملية الفحص، حيث إن الفحص يستغرق حوالي عشرين يوماً علي الأقل وقد يصل إلي ثلاثين يوماً في بعض الحالات، وتظل مستلزمات إنتاج المصانع محجوزة علي السفن. وهناك أحد المصانع مثل مصنع "بيرللي" المصري الإيطالي وهو يصنع حوالي مليون إطار كاوتش لسيارات النقل في العام ويصدر منها 65٪ وهو أكبر مصنع لـ"بيرللي" في الشرق الأوسط، اضطر لتخفيض إنتاجه بنسبة 50% بسبب تأخر الإفراج عن مستلزمات الإنتاج، وهو يستورد 36 مكوناً كيماوياً... نفس الأمر ينطبق علي شركات "يونيلفير" و"بروكتل أند جمبل"، فكل ما يتعلق بصناعات المناديل الورقية والكريمات والشامبو ومستحضرات التجميل، والمواد الغذائية إلي آخره توقفت تماماً... ولا شك أنه من أكثر المتضررين شركة كوكاكولا وغيرها، وهي تصدر من مصر إلي أكثر من 42 دولة في العالم. هذا كله بدأ يتوقف نتيجة عملية الفحص ناهيك عن فساد المستلزمات الغذائية وارتفاع تكلفة الفحص والانتظار والنقل، وتوقف المصانع عن الإنتاج، والإضرار بموقف مصر التصديري. هذا كله ولم نتكلم عن أوجاع عدم توافر العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد مستلزمات الإنتاج. فندرة المعامل المتاحة وعدم قدرتها علي القيام بأعمال الفحص في وقت قصير أدي إلي زيادة مدة التخليص الجمركي للمواد الخام لـ4 أسابيع، وتباطؤ الإنتاج وتوقفه في بعض المصانع، وارتفاع أعباء التصنيع، وتلف الكثير من الشحنات بسبب طول زمن التحليل، وتراجع الصادرات المصرية بسبب ضعف الإنتاج، وتأخر المصانع عن التصدير والتوريد في المواعيد المتفق عليها... ناهيك عن تكدس الحاويات في موانئ الجمهورية، وتأخر مغادرة السفن، واضطراب خطوط السير الملاحية بسبب طول الإجراءات.

أرجو من سيادة رئيس مجلس الوزراء المهندس/شريف إسماعيل أن يولي هذا الموضوع اهتمامه. إن الحلول يسيرة منها توسيع قاعدة معامل التحليل لتشمل معامل الرقابة علي الصادرات التابعة لوزارة التجارة وعددها حوالي (5) معامل، وتحديد المواد الكيماوية المطلوبة للتحليل بشكل أدق، ووضع لائحة بيضاء تشمل المصانع الكبري والشركات العالمية حيث تخضع الأخيرة للفحص من خلال العينات العشوائية، وتطبيق نظم أكثر حداثة. ليس المطلوب إلغاء قرار المخابرات الحربية؛ فهذا قرار يصب في حماية مصلحة الأمن والاستقرار، بل المطلوب اتخاذ حزمة من الإجراءات الحكومية تؤدي إلي خفض مدة الفحص إلي 48 ساعة علي الأكثر. آمل أن تتخذ الحكومة خطوات فعالة لحل هذه المشاكل، وهذا هو الاختبار الأول لقياس مدي جدية الحكومة الجديدة في دعم الاستثمار وتشجيعه. اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 17 سبتمبر 2015

التغيير الحكومي كان حتمياً

جريدة الاخبار - 17/9/2015

أتمني النجاح للمهندس شريف إسماعيل، فنجاحه نجاح لمصر وإخفاقه هو إخفاق وتعثر لمصر في هذه المرحلة، وهو ما لا يتمناه أي وطني مخلص لبلاده


انتقد الكثيرون التغيير الحكومي الأخير، كما يري البعض أن تغيير حكومة م.محلب الثانية في هذا التوقيت وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية بأسابيع قليلة أمر غير مبرر وقرار سياسي غير حكيم، فأي حكومة جديدة مهما كانت براعة أعضائها السياسية والفنية لن تستطيع أن تفعل شيئاً، وأن محصلة هذا التغيير مزيد من الإرباك والارتباك للجهاز الحكومي والدولة ككل.

واختلف جملة وتفصيلاً مع هذا الرأي، وأري أنه من الناحية السياسية لم يكن هناك أية خيارات أخري أمام القيادة السياسية سوي إقالة الحكومة رغم ضيق الوقت، ودقة الوضع السياسي، وشعبية المهندس إبراهيم محلب في الشارع المصري.

الحكومة بأخطائها الفادحة في الأسابيع الأخيرة، وانهيار التنسيق بين أعضائها، وتعرضها لهجمات وانتقادات غير مسبوقة في الإعلام المصري، وانهيار الثقة في قدرتها علي الاستمرار في قيادة الأمور، والاتهام بالفساد الذي طال بعض أعضائها، وظهور رئيس الحكومة بمظهر آخر من يعلم بشأن الاتهامات الموجهة لوزير الزراعة السابق، وتعطل الجهاز الوزاري عن اتخاذ القرار لعدم معرفة أي وزير باستمراريته من عدمها، ناهيك عن الضغط العصبي والنفسي الذي تعرض له كافة الوزراء، حتي أن أحدهم قد بكي لعدم قدرته علي تحمل الإهانات والضغوط النفسية، فالوزير وأسرته بشر لهم قدرة علي التحمل، فقد تحملوا ما لا يطيقه بشر، وظُلموا ظلماً بيّناً، ففارق كبير بين أن ننتقد سياسياً ونختلف في الرأي، وأن نبيح لأنفسنا أن نطلق الاتهامات والشائعات ونوجه الإساءات للوزراء دون ضابط أو رابط، فهذا المسلك الأخير يدخل في دائرة الأفعال المجرّمة.

في ظل هذا المناخ؛ كانت المحصلة حكومة فقدت الثقة - ربما بفعل فاعل - وصارت منهكة سياسياً وإدارياً إلي الحد الذي أصبحت معه - في رأيي - عبئاً سياسياً، وصارت مشلولة إدارياً غير قادرة علي الاستمرار. وكانت هناك بعض الإشارات التي لا يمكن تجاهلها، منها مناقشة الرئيس لقضايا تتعلق بالبنية الأساسية، وقضايا ثقافية، وقضايا تخص الاستثمار مع ممثلي دول أجنبية في غياب أي مسئول حكومي. ولم يكن أمام الرئيس السيسي سوي خيارات ثلاثة؛ أولها دعم الحكومة وإعلانه ثقته فيها حتي ولو اقتضي الأمر تعديل وزاري محدد، وثاني هذه الخيارات كان ترك الأمر علي ما هو عليه دون دعم من الرئيس أو تعليق منه، والخيار السياسي الثالث هو التغيير الوزاري، وطلب قيام الحكومة بتقديم استقالتها. وفي ظل هذا الوضع أعتقد أن الخيار الثالث كان حتمياً، فللأسف الحكومة - سياسياً - كانت قد انتهت صلاحيتها وفاعليتها، واستمرار الوضع علي ما هو عليه كان من شأنه إنهاك الجهاز الحكومي وأجهزة الدولة، ورفع درجة العصيان المدني، فللأسف صارت الحكومة سياسياً وإدارياً أضعف من المواجهة والاستمرار. وقد دارت بيني وبين بعض الأصدقاء منهم كتّاب وإعلاميون حديث بهذا الشأن قبل حدوث التغيير بأقل من 24 ساعة، وكنت أري أن التغيير حتمي وسيحدث لا محالة، وكان رأيي مبنياً علي التحليل الذي ذكرته أعلاه، وليس بناء علي معلومات.

والسؤال الذي طرحه البعض بشأن اختيار المهندس/ شريف إسماعيل وزير البترول كرئيس للوزراء، هل كان الاختيار متوقعاً؟... اختيار م.شريف إسماعيل بشخصه ربما لم يكن متوقعاً، ولكن اختيار وزير تكنوقراطي من داخل أعضاء مجلس الوزراء بكل تأكيد كان متوقعاً. فباستقراء كافة اختيارات رؤساء الوزراء علي مدي الخمسة والثلاثين عاماً الماضية، فإن كافة رؤساء الوزراء كانوا من أعضاء مجلس الوزراء، سواء كانوا في الخدمة وقت اختيارهم - وهو الغالب - أو كانوا من الأعضاء السابقين في الحكومة. والاستثناء الوحيد - من بين أكثر من 14 رئيساً لمجلس الوزراء منذ عام 1980 حتي تاريخه - كان الدكتور عاطف صدقي -رحمة الله عليه - إذ كان رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات وقت اختياره رئيساً للوزراء. ومنذ عام 2004 فإن الاختيار دائماً كان يصب في مصلحة وزراء الخدمات والمرافق العامة، فالدكتور نظيف كان وزيراً للاتصالات، والفريق شفيق كان وزيراً للطيران المدني، والدكتور عصام شرف كان وزيراً للنقل، والدكتور/ حازم الببلاوي كان وزيراً للمالية ونائباً لرئيس الوزراء، والمهندس/ إبراهيم محلب كان وزيراً للإسكان، وأخيراً المهندس/ شريف إسماعيل كان وزيراً للبترول. إذاً طريقة الاختيار وآلياتها والمعين الذي يتم الاختيار منه لم يتغير.

وربما يكون للنظام السياسي أسبابه الوجيهة في ذلك، فمنصب رئيس الوزراء هو المنصب السياسي الأهم بعد منصب رئيس الجمهورية، واختيار رئيس وزراء من خارج الصندوق لم يختبر أمر يحمل قدرا من المخاطرة، ربما من وجهة نظر القيادة السياسية تكون مخاطرة غير محسوبة. ولذلك لم يكن من المستغرب في ظل المحددات ومعايير الاختيار السائدة في مصر علي مدار الخمسة والثلاثين عاماً الماضية - والتي لاتزال سارية حتي الآن - أن يقع الاختيار علي م.شريف إسماعيل، فهو تكنوقراطي ناجح في مجاله يعمل في صمت ودون ضجيج، له نجاحاته وقدراته الإدارية في مجاله، ملمّ بدواليب العمل الحكومي، له رؤياه الاستراتيجية وأدواته. التحدي الحقيقي ربما يكمن في ضيق التخصص، وقلة الخبرة بالعمل السياسي.

ويستطيع م.شريف إسماعيل النجاح في هذه الظروف الصعبة، ولكن شريطة تحقق عدد من الأمور؛ أولها تعيين أمانة فنية لمكتبه عالية المستوي قادرة علي دعمه علي مدار الأربع والعشرين ساعة، ثانيها تقسيم مجلس وزرائه لمجموعات عمل أربعة للتركيز علي ملفات الأمن القومي والانتخابات البرلمانية، والاستثمار والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية الإدارية والتنمية المحلية والمرافق. ثالثها في هذا الوقت الضيق يجب تحديد الأولويات بشكل واضح لكل وزارة بخطة تنفيذ معلنة بعيداً عن الأهداف العامة والمبهمة، رابعاً تشكيل مجموعة عمل وزارية وتابعة لها لملفات بعينها، كملف الانتخابات، وملف الطاقة، وملف المشروعات القومية. ومن الأمور الضرورية كذلك تخفيض عدد الوزارات لأقل قدر ممكن لضمان التنسيق والمتابعة وتحقيق الإنجازات في هذا الوقت الضيق. وأخيراً لابد من جهاز متخصص تابع لرئيس الوزراء مباشرة لضمان التنسيق الأفقي بين الوزارات، والمتابعة اليومية لتنفيذ القرارات. ويجب أن يكون هناك اجتماع أسبوعي دوري بعيداً عن ملفات بعينها أو أية اجتماعات بروتوكولية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لضمان التنسيق والمتابعة.

أتمني النجاح للمهندس شريف إسماعيل، فنجاحه نجاح لمصر وإخفاقه هو إخفاق وتعثر لمصر في هذه المرحلة، وهو ما لا يتمناه أي وطني مخلص لبلاده. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

مشروعات تنمية محور قناة السويس الجديدة

جريدة الاهرام - 13/9/2015

ليست مجرد استثمارات ذات بعد اقتصادي فقط ولكنها تمثل الامل لكل المصريين. أكدت على هذا المعنى واستطردت في شرح الوضع القانوني لتنمية هذا المحور ومستقبله. ونظراً لما يبثه الحديث في هذا المشروع العملاق من امل لدى المصريين لما فيه من حيز كبير ولما سيحققه من فرص عمل لشباب المصريين وما سيجذبه من استثمارات محلية وعالمية. جاء حواري مع جريدة الاهرام ليلقي الضوء على هذا الامل ويؤكد اهميته... اليكم تفاصيل الحوار في هذا اللينك.

الخميس، 10 سبتمبر 2015

أسـبوع متخـم بالأحـداث

جريدة الاخبار - 10/9/2015

فساد الأفراد في مصر لم يعد هو المعضلة، فقد تحور هذا المرض الخبيث الذي ينخر في كافة جوانب الجهاز الحكومي والإداري ليصبح فساداً مؤسسياً


زيارةالرئيس إلي آسيا:
زيارة الرئيس السيسي الأخيرة للصين وسنغافورة وإندونيسيا لها أهمية خاصة من خلال أبعاد ثلاثة؛ البعد الأول سياسي، حيث إن انفتاح مصر علي شرق آسيا والتنسيق السياسي مع هذه الدول المهمة يصب في المصلحة المصرية، وأيضاً مصلحة دول شرق آسيا، فعلاقات مصر السياسية القوية بدولة كإندونيسيا تعود إلي عام 1955 ومؤتمر باندونج الذي تم فيه تأسيس حركة عدم الانحياز. ولا شك أن أمن مصر القومي يبدأ من خارج حدودها، ليس فقط بعلاقات قوية وفاعلة مع دول الجوار بل إلي هو ما أبعد من ذلك بكثير. مصر عادت بقوة منذ تولي السيسي الرئاسة لتصبح فاعلاً ومؤثراً في العالم الخارجي، وأرجو أن يتبع توثيق العلاقات الأفريقية والآسيوية الانفتاح كذلك علي أمريكا اللاتينية لاسيما البرازيل والأرجنتين.


أما البعد الثاني لهذه الزيارة فيتعلق بالتشجيع علي الاستثمار في مصر. فليس صحيحاً أن القيادة السياسة تتخذ موقفاً سلبياً من الاستثمار الخاص بل العكس هو الصحيح تماماً، فالقيادة السياسية تعي تماماً أن مواجهة العجز في الموازنة وما يقتضيه من زيادة الإيرادات، وإنقاص فجوة الدين المحلي والخارجي، والخلل في ميزان المدفوعات، وزيادة الواردات في مواجهة الصادرات وما يقتضيه ذلك من تحديث الصناعة المصرية ورفع كفاءة الإنتاج الزراعي؛ لن يتم إلا من خلال تشجيع الاستثمار الخاص الحقيقي الأجنبي والمصري علي حد سواء. فهذا هو السبيل الرئيسي لرفع معدلات التشغيل والقضاء علي البطالة. ولذلك لم يكن من المستغرب أن يعطي الرئيس بنفسه أولوية علي أجندته للقاء رجال الأعمال ومناقشة فتح الأسواق للمستثمرين المصريين داخل آسيا، وكذلك فتح الأسواق المصرية للمستثمرين الآسيويين. ومن هنا صار ملف ترويج الاستثمار من الملفات التي يتولاها ويتابعها الرئيس شخصياً.

أما البعد الثالث للزيارة وهو الأكثر أهمية فهو البعد التنموي والاستفادة من خبرات الدول الآسيوية، فهذه الدول جميعها بلا استثناء - وإن كان بدرجات - حققت طفرات نوعية نقلت معها شعوبها إلي آفاق أفضل. وعلينا أن نستفيد مما حققوه في كافة المجالات، ولنبدأ من حيث انتهي الآخرون. فلا شك أن تجارب دولة كسنغافورة في الإصلاح المؤسسي، والتعليم، وتطوير الموانئ البحرية، والقدرة التصنيعية، وتحلية المياه... خبرات يجب الاستفادة منها في عملية الإصلاح، ولا شك أن تجربة الصين في المزج بين الاستثمارات العامة والخاصة وخلق قيمة مضافة لصناعاتها ساعدها علي تحقيق نمو اقتصادي مطرد لأكثر من عشرين عاماً متتالية لهو أمر يستحق الدرس والاستفادة منه. إندونيسيا توجد في تركيبتها السياسية والدينية والثقافية عناصر قريبة من التجربة المصرية، فقد نجحت هذه الدولة في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل مذهل ساهم في دعم صادراتها وتقليل الفجوة في ميزان مدفوعاتها بشكل مذهل. يجب تكوين فرق عمل لزيارة هذه الدول ودراسة تجاربها... مصر تحتاج إلي قفزات هائلة وسريعة... الوقت داهمنا، ولم يعد عامل الوقت في صالحنا، ولن تتحقق هذه القفزات إلا بنقل التجارب الناجحة وتفعيلها، كما فعل "محمد علي" رائد نهضة مصر الحديثة منذ أكثر من مائة وخمسين عاماً.

الفساد في مصر فساد مؤسسي:
فساد الأفراد في مصر لم يعد هو المعضلة، فقد تحور هذا المرض الخبيث الذي ينخر في كافة جوانب الجهاز الحكومي والإداري ليصبح فساداً مؤسسياً. بحيث صار الجهاز الحكومي والإداري فاسداً إلي الحد الذي يفسد معه كل من يعمل في إطاره وطبقاً لآلياته، لأنها آليات ونظم فاسدة.
والفساد الإداري والحكومي ليس بالضرورة فسادا ماليا يؤدي إلي الرشاوي والاستيلاء علي الأراضي، فالفساد الإداري والحكومي أبعد من ذلك بكثير، فالمحسوبيات وعدم تكافؤ الفرص فساد، وسوء أداء العمل التنفيذي فساد، وسوء الإدارة فساد، وإساءة استخدام السلطة فساد، وإهدار المال العام فيما لا يفيد المصلحة العامة فساد، وتضخم الإنفاق العام غير الرشيد فساد، والامتناع عن اتخاذ القرار الصحيح فساد، والامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية فساد، وعدم تحقيق مصالح العباد فساد، والاستمرار في الاحتفاظ بالكوادر غير الكفؤ فساد.

الفساد صار نمطاً للسلوك الحكومي وإطاراً مؤسسياً لها، فصار تنفيذ القرارات والإجراءات واتباع النمط السائد الآن وبذات الكوادر هو استمرار وتكريس للفساد، والفساد المؤسسي لن تتم مواجهته والقضاء عليه إلا بإصلاح مؤسسي شامل... القضية أعمق من فساد مسئول مرتش والقبض عليه، فالحد من السلطة التقديرية من خلال نظم ولوائح مبسطة وواضحة أحد الحلول للقضاء علي الفساد، ووضوح الصلاحيات والمسئوليات أحد الحلول للقضاء علي الفساد، وتطبيق إجراءات تنافسية ومعلنة أحد الحلول للقضاء علي الفساد، ووجود نظم واضحة لتحديد أهداف المؤسسات والمسئولين، ومعايير قياس النجاح أحد الحلول للقضاء علي الفساد... الفساد لن ينتهي بمجرد القبض علي مسئول هنا أو هناك... الفساد لن ينتهي إلا إذا بدأنا ثورة إصلاح مؤسسي للجهاز الحكومي، ولندرس التجربة الماليزية وتجربة كوريا الجنوبية ومن قبلهما هونج كونج، فنحن برغم كل ما نعانيه نقطة البداية عندنا الآن أفضل مما كانوا هم عليه حينما بدأوا ثورتهم الإصلاحية. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 3 سبتمبر 2015

٢٠١٦.. فرصة إيجابية لمصر

جريدة الاخبار - 3/9/2015

يشهد العالم الآن انهياراً كبيراً في شتي بورصات العالم، ويري البعض أننا مقبلون علي أزمة اقتصادية عالمية جديدة لا تقل قسوة عن الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وتعاني أوروبا من بوادر أزمة حادة، في حين يعاني الاقتصاد الروسي نتيجة انخفاض أسعار البترول وتوالي الانخفاض لعام 2016. وعام 2016 - في رأيي - فرصة إيجابية لمصر وليست سلبية رغم ما يدور حولنا. وعلي مصر أن تتحرك في مسارات ثلاثة بشكل متواز...

المسار الأول: الاستمرار في تبني سياسة إنفاق عام متوازنة علي المشروعات القومية الكبري، بشرط أن يتوافر في هذه المشروعات شروط خمسة؛ أولها: أن تساهم بشكل حقيقي في خلق فرص عمل، وفي رأيي فإن كل مليار دولار أمريكي يجب أن يساهم في خلق مائة ألف فرصة عمل جديدة بشكل مباشر أو غير مباشر. وثانيها: أن يكون لهذا المشروع مردودا مباشرا بشأن رفع أداء الاقتصاد القومي ككل وزيادة معدل النمو الاقتصادي. وثالثها: أن يكون له مردود علي التنمية الاجتماعية وتغيير حالة المواطن إلي الأفضل. ورابعها: أن يكون هذا المشروع نواة لمشروعات قومية فرعية متنوعة لها تأثير متنوع علي القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية. وأما الشرط الخامس والأخير: فهو تنوع القطاع الجغرافي لهذه المشروعات، بحيث يكون لها تأثير علي المناطق الجغرافية المختلفة في مصر، حتي تتحقق عدالة التوزيع الجغرافي لآثار التنمية.


وللمشروعات القومية علي هذا النحو أمثلة متعددة، منها مشروع تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بكل ما يرتبط به من مشروعات فرعية صناعية ولوجيستية وبنية أساسية تستهدف خلق مليون فرصة عمل جديدة حقيقية بواقع مائة ألف فرصة عمل سنوياً، وزيادة قدرات مصر الصناعية والحد من العجز في الميزان التجاري. وأما المشروع القومي الثاني فهو محطة الضبعة الخاص بمحطة الطاقة النووية، وهو مشروع من شأنه رفع قدرات مصر لإنتاج الطاقة. ويجب أن يرتبط بهذا المشروع مشروع قومي آخر لا يقل عنه أهمية، وهو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتكاملة لمنطقة الضبعة وظهير الساحل الشمالي، وزيادة الرقعة الزراعية.


وأما المشروع القومي الثالث، فيخص إعادة التقسيم الإداري لمحافظات الصعيد وتطوير قدراتها الإنتاجية ورفع مستوي الاستثمار الصناعي والزراعي بشأنها، ويجب ربط ذلك بمشروع حقيقي للتطوير الحضاري والتنموي للمناطق العشوائية والقضاء علي أسبابها وتحجيمها. وأما المشروع القومي الرابع، فيتصل بإعادة تطوير شبكة السكك الحديدية في مصر، فذلك شرط بديهي لرفع كفاءة التجارة الداخلية. وهناك مشروعات قومية أخري كثيرة لا تنتهي لتحقيق النقلة النوعية المصرية. وهذه المشروعات القومية الاقتصادية ليست بديلاً عن مشروعات قومية أخري ذات طابع اجتماعي؛ أهمها نهضة التعليم الأساسي والبحث العلمي.

وأما المسار الثاني؛ فيخص ثورة حقيقية لدعم وتطوير المشروعات الصغيرة، فنجاح التنمية الشاملة لن يتحقق أبداً بالمشروعات الكبري وحدها. الهند والبرازيل والصين وماليزيا وهونج كونج وتايلاند نماذج ناجحة وترجمة واقعية لأهمية المشروعات الصغيرة. الصناعات الكبري والمشروعات القومية وحدها غير قادرة علي استيعاب كافة الطاقات الشابة والتي تتولد في المجتمع المصري بواقع 700 ألف شاب يخرج إلي سوق العمل سنوياً. وتطوير البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسات التشريعية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة سواء من حيث تحديد مجالات الاستثمار، وسبل التأهيل الفني، وتطوير النظم المالية، والإتاحة المالية، وتوفير آليات التمويل والتسويق والتدريب، والتوزيع الجغرافي العادل لهذه المشروعات، وربط أنشطتها بسياسات الدولة التصديرية، حيث تساهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في دول شرق آسيا بما لا يقل عن 60% من إجمالي النشاط التصديري.
كل هذه الأمور تعد مشروعاً قومياً بذاته لا يقل أهمية عن المشروعات القومية العملاقة لأن نشر ثقافة «زيادة المشروعات» وتحويلها إلي واقع هي السبيل الوحيد لتحقيق التنمية الشاملة والقضاء علي الفقر، وإدخال القطاع غير الرسمي إلي شرايين الاقتصاد القومي.

وأما المسار الثالث؛ فيتعلق بزيادة الاستثمارات المباشرة الخاصة، سواء كانت استثمارات مصرية أو أجنبية. حتي هذه اللحظة لم نفعل شيئاً جاداً لتحسين مناخ الاستثمار ورفع قدرتنا التنافسية لجذب الاستثمارات مباشرة حقيقية تستهدف التشغيل وتحقيق التنمية المستدامة... خفضنا الضرائب في 2005 ثم أعدنا رفع سعر الضريبة في 2013، ثم أعلنا عن خفض الضريبة عام 2015 ولم نخفضها فعلياً... أعلنا عن فرض ضرائب أرباح رأسمالية في 2014 ثم أوقفت الحكومة تطبيقها في 2015... أعلنا عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة في 2014 ولم تتضح الصورة ونحن نقترب من نهاية 2015... هذا مثال واحد بشأن السياسات الضريبية المرتبكة، نعلن شيئا ونطبق عكسه في ذات الوقت، ناهيك عن عدم تحقيق أية تطورات أو تحسينات في الهيكل التنظيمي، وتعطيل نصوص تشريعية منها امتناع الحكومة عن تفعيل المجلس الأعلي للضرائب منذ عام 2005... هذا بإيجاز يعني تخبط السياسات الضريبية، ولن يتحسن مناخ الاستثمار إلا بوضوح السياسات الضريبية...

مثال آخر يتعلق بالسياسات النقدية بشأن سعر الدولار وحرية تحويله، فإلي أن تكون لدينا سياسات واضحة بهذا الشأن وجداول زمنية معروفة؛ لن تدخل استثمارات جديدة. لايزال مناخ الاستثمار وسياساته في مصر ضعيفا وغير واضح، ودون العمل بجدية علي ذلك سنظل علي هامش المنافسة مع دول العالم حولنا... كنا نقارن في شأن الاستثمار وقدرتنا علي جذبه في الماضي بكوريا الجنوبية، ثم صرنا نقارن أنفسنا بماليزيا، وبدأت أحلامنا تنحصر في نهاية التسعينيات لنلحق بفيتنام ثم تونس من بعدها، والآن نتخذ من المغرب نموذجاً يحتذي به... أرجو ألا يأتي اليوم الذي ينخفض فيه سقف طموحاتنا إلي ما هو أدني من ذلك... أفيقوا يرحمكم ويرحمنا الله... اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك