9/9/2012
لدينا الان حزب حاكم بكل ما تعنيه الكلمة هو حزب الحرية
و العدالة، فالرئيس المنتخب د/محمد مرسي هو رئيسه السابق، وبرنامجه الرئاسي
الانتخابي هو برنامج الحزب، ومجلس الشوري اغلبية اعضائه من الحرية والعدالة، والذي
قام بتعين رئيس الحكومة الجديدة هو الرئيس المنتخب، وتنوعت تشكيلة الحكومة من
وزراء منتمين لحزب الحرية والعدالة وجماعة الاخوان المسلمين، وكانت لهم الكلمة
النهائية في اختيار الوزراء من خارج الجماعة، فان الاختيار كان للرئيس/ محمد مرسي،
وكان لجماعة الاخوان المسلمين و حزب الحرية و العدالة كذلك رؤية واضحة في رسم السياسات الخاصة بالحكومة.
وقد أعلن رئيس الحكومة تبنيه مشروع النهضة الذي أعلنه
الرئيس مرسي، وهذا البرنامج بحذافيره هو برنامج حزب الحرية و العدالة. و قد أعلن
عدد كبير من المحافظين وخاصة في الدلتا تأييدهم لبرنامج النهضة والالتزام به. ولأعضاء
حكومة حزب الحرية و العدالة تأثير هام علي وزارات الحشد و الخدمات و منها، د/اسامة
ياسين لوزارة الشباب ،والسيد/خالد الازهرى لوزارة القوي العاملة ،والسيد/ عبد
المقصود لوزارة الاعلام، والمهندس طارق وفيق لوزارة الإسكان واخرين. ولحزب الحرية
والعدالة الحاكم وجماعة الاخوان هيمنة علي النقابات المهنية، وتأثير كبير الان علي
اتحاد عمال مصر ولا شك فيه ان حركة تعيين المحافظين الأخيرة شهدت نمو نفوذ الحزب
الحاكم و هيمنته علي مؤسسات الدولة و خاصة المؤسسات الصحفية، ولم يسلم كل من المجلس
الأعلي لحقوق الانسان، والمجلس الأعلي للصحافة من هذه الهيمنة. وبدأ نفوذ الحزب
الحاكم يمتد كذلك وبسرعة شديدة إلي المؤسسات الاقتصادية وبدايتها كانت مع شركة المقاولون
العرب وسوف تكون هناك محاولات بشكل اكبر خلال العام الحالى لنشر نفوذ الحزب الحاكم
على الشرطة والمؤسسة العسكرية والقضاء.
ولا غضاضة فى ظل النظم الديمقراطية من سعى الحزب
الحاكم الى نشر نفوذه ومحاولة تعميق جذوره فى المجتمع لتنفيذ برنامجه الحكومى وسياساته
التى انتخب على اساسها. ولكن الخطر كل الخطر على الوطن ان يسعى الحزب الحاكم الى احلال
اتباعه محل الدولى وان يكون الاختيار مبنيا فقط على الولاء والطاعة والثقة وهو ما يعنى
اقصاء اصحاب الكفاءات ممن لا ينتمون الى الحزب الحاكم هو ما يهعنى ببساطة انتاج النظام
السابق.
فالمعضلة الحقيقية فى رايي ان الحزب الحاكم قد
بدا يستحسن فكرة الابقاء على الهيكل المؤسسى للنظام السابق مع الاقتصار على احلال قيادات
جديدة تنتمى الى الحزب الحاكم الجديدة محل القيادات القديمة ومن ثم الاستفادة من السيطرة
والتمكين القائم. وهذا هو مكمن الخطورة فمشكلة مصر لم تكن ابدا فى الاشخاص بقدر ما
كانت تتعلق بفساد مؤسسات الدولة وعدم صلاحيتها وهشاشة الدولة وهو ما عبر عنه دكتور
جلال امين بنظرية "الدولة الرخوة" . فلا افهم حتى الان مقاومة الحزب
الحاكم لاصدار قوانين الحريات النقابية والنقابات المستقلة الا اذا كان السبب هو الرغبة
فى الابقاء على اتحاد عمال مصر بهيكلة الحالى والهيمنة عليه واستخدامه وتطويعه لاغراض
الحزب الحاكم على الرغم من ان هذا الاتحاد وفساده الهيكلى هو الذى اضر بالعمال وبحركة
العمالية فى مصر. ولا افهم كيف يتم الابقاء على وزارة الاعلام فى حين ان الجميع اتفق
على ان هذة الوزارة كانت مفسدة مطلقة وان الحل الوحيد هو الغائها واسناد شئونها الى
اتحاد مستقل . ومع ذلك قررت حكومة الحزب الحاكم الابقاء على وزارة الاعلام ربما للرغبة
فى تطويع الاعلام الحكومى لصالح الحزب الحاكم على النحو الذى مضى وربما لمحاولة التاثير
عليه ومواجهة الانتقادات والهجوم على الحزب الحاكم من قبل الاعلام الخاص.
ولم أفهم كذلك تعيين أعضاء من الحزب الحاكم في مجلس حقوق
الإنسان، مع أن الأصل هو أن يكون أعضاؤه مستقلين عن الحكومة.
إن الاستمرار في استغلال النظام المؤسس الحالي الفاسد من
قبل الحزب الحاكم لن يحقق النهضة التي ينشدها، وإنما يعمق من الدولة الرخوة ويعجل
بالانهيار.
في المقابل لن تتحقق التنمية والنهضة بدون معارضة قوية،
"فكما نحتاج إلي حكومة منتخبة قوية نحتاج فورا إلي معارضة مستنيرة
أقوي" لها كوادرها وكفاءتها ورؤيتها الواضحة، لديها جذور شعبية وقدرة علي
الحشد والتأثير، والقدرة علي الوصول إلي الحكم عن طريق الصندوق الانتخابي، والأهم
القدرة علي الحكم حال وصولها إليه. ولن نبني مصر قوية بدون حكومة قوية ومعارضة
أقوي.فأين المعارضة الآن من الحزب الحاكم.للأسف الشديد، فإن المعارضة لاتزال ضعيفة
رغم أنها تضم أفضل العقول، وأخلص الرجال مثل د/ محمد غنيم ود/ البرادعي
والمهندس/منير فخري عبد النور، ود/أيمن نور، وحمدين صباحي، وعمرو موسي، والأهم
أجيال مخلصة من خيرة شباب مصر وعقولها.
إلا أن المعارضة لاتزال منكبة علي مشاكلها الداخلية،
ومحاولات تأكيد زعامات واهية، وتعاني من قصور في الهمة، وعدم الحماسة للعمل
الشعبي، وقصور في التمويل، تركيز الأحزاب السياسية علي نقاط اختلافها وعلي
مايفرقها أكثر مما يعمقها.علي قوي المعارضة المستقلة وأحزابها التوحد وخلق معارضة
قوية لمواجهة حكومة قوية لأن هذه هي الديمقراطية، وهذا هو الحل الوحيد لبناء مصر
قوية، وتحقيق النهضة، فإن لم يحدث ذلك من الآن، فلا تلوموا إلا أنفسكم، ولاتلعنوا
حظوظكم، ولاتلوموا الحزب الحاكم فقد أفسحتم له الطريق.