الخميس، 31 ديسمبر 2015

أساتذتي الكرام : كل عام وأنتم بخير

جريدة الاخبار - 31/12/2015


انتفض من مكتبه وقد تأذي لسماع أحد العاملين بالكلية يتحدث إلي أحد المعيدين بطريقة رآها د.سمير غير لائقة، وصاح صيحته الشهيرة التي لا تزال تقرع آذاني - وكان عمري وقتها 21 عاماً: «إن كرامة المعيد من كرامة العميد»

ونحن علي مشارف عام جديد، مررت بشريط الذكريات، وبدايات عملي المهني والأكاديمي منذ ثلاثين عامأ تقريباً، وتذكرت أساتذتي أصحاب الفضل عليّ بعد الله سبحانه وتعالي، وكان لهم بصمات إيجابية علي حياتي.

كان أستاذي الأول هو والدي رحمه الله، والذي فارق دنيانا وكنت لا أزال في السنة الأولي من دراستي بكلية الحقوق، وترك لي بخط يده بعض النصائح لدراستي قبل وفاته بأيام قليلة، فمعه بدأ عشقي المبكر لمهنة والدي «المحاماة»، وكانت متعتي في الإجازة الصيفية وأنا لا أزال في العاشرة من عمري أن أصحبه في الصباح إلي المحكمة وفي المساء إلي مكتبه الخاص، ولا أزال أتذكر أسماء العديد من زملائه في المهنة من الرعيل الأول أمثال الدكتور علي الرجال، والأستاذ شوكت التوني.

وبعد وفاة والدي زاد تعلقي بالقانون علي يد المستشار عز الدين الحسيني، وكان يعاملني كابن له، وكان نائباً لرئيس محكمة النقض، وكان زملكاوياً حتي النخاع وملازماً لحسن حلمي (زامورا) وصديقاً لأبو رجيلة رئيس نادي الزمالك السابقين، وكان يتابع معي كافة أموري الدراسية ويوجهني لقراءة أمهات كتب القانون المدني والتجاري وكنت لا أزال في السنة الثانية من دراستي بالكلية، وكان أول من تنبأ لي بالنبوغ في الدراسة والمهنة. ولا أنسي يوم أن اصطحبني إلي محكمة النقض معه بعد تخرجي، وكان يقدمني لزملائه باعتباري ابنه، وتعرفت في ذلك اليوم علي د. مصطفي كيرة رئيس محكمة النقض الأسبق رحمه الله.

وما زلت أتذكر أول محاضرة لي بكلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1983، وكانت لأستاذي الدكتور يحيي الجمل في مادة النظم السياسي، وكان أسلوبه في الشرح ممتعاً وسلساً. وبعد عودتي من دراستي بالخارج وفي بداية أعوام تدريسي لطلاب الدراسات العليا، وفي أثناء إحدي المحاضرات استأذن أستاذي للدخول إلي المحاضرة، وطلب الاستماع لي من مقاعد الطلبة حيث كنت ألقي محاضرة في موضوع جديد نسبياً يتعلق بالجوانب التمويلية لمشروعات المرافق العامة، ولما أحسّ بحجم الحرج الذي أشعر به قال لي في أثناء المحاضرة: «هذه أسعد لحظات حياتي، فأنا اليوم أتتلمذ علي يد أنبغ تلاميذي». وكان هذا درسا لي في كيف أن الأستاذ الحقيقي هو من يستمر في أن ينهل العلم طوال حياته حتي ولو علي أيدي تلاميذه. فإذا توقفت عن الرغبة في التعلم فاعلم أنك توقفت عن الرغبة في الحياة.

ولن أنسي ما حييت قيمة وفضل أستاذي العلامة د. محمود سمير الشرقاوي - متعه الله بالصحة والعافية، فأخواله الكاتب الكبير الراحل عبد الرحمن الشرقاوي، وأستاذ المرافعات الدكتور عبد المنعم الشرقاوي. ود. سمير الشرقاوي هو أستاذ أساتذة القانون التجاري المعاصرين وعميد كلية الحقوق الأسبق، تتجسد فيه كبرياء الأستاذ وتواضع العالم في الوقت لذاته، يكره السياسة ويعشق العلم، لا أنساه حينما انتفض من مكتبه وقد تأذي لسماع أحد العاملين بالكلية يتحدث إلي أحد المعيدين بطريقة رآها د. سمير غير لائقة، وصاح صيحته الشهيرة التي لا تزال تقرع آذاني - وكان عمري وقتها 21 عاماً: «إن كرامة المعيد من كرامة العميد». فنشأنا علي احترام الذات وكيف يبدأ ذلك من احترام الآخرين. هكذا تعلمت وتربيت علي يد أستاذي.

وبفضله ودعمه تبدلت حياتي العلمية والأكاديمية، فبعد حصولي علي الدرجات النهائية في مادة القانون التجاري مع التعمق رأي العميد الشرقاوي أن مكاني الطبيعي ومستقبلي المهني في قسم القانون التجاري والبحري، وليس قسم تاريخ القانون الذي كنت أعمل به في ذلك الوقت، وصمم علي نقلي ودعمي. ومع انتقالي لقسم القانون التجاري تغير مجري حياتي المهني بفضل أستاذي الجليل الذي أدين له بالكثير.

وكان د. فتحي والي عميد كلية الحقوق الأسبق وصاحب النظريات الأهم في قانون المرافعات في عالمنا العربي؛ هو مثلي الأعلي في الحياة مهنياً وعملياً، عشقت رقيه في التعامل وابتسامته التي لا تفارقه في أصعب الأوقات، وكانت نصيحته لي منذ الأيام الأولي في مسيرتي المهنية: (هاني... عليك أن تحافظ علي تفوقك العلمي والمهني حتي تحافظ علي استقلاليتك طوال حياتك وحتي يكون قرارك دائماً نتاج فكرك الخالص.)

فصاحب المهنة والبارع فيها إنما مَنَحَهُ الله هدية غالية عليه أن يتمسك بها ويحافظ عليها، فمهنتك أبقي وأهم من أي منصب قد يضطرك لقبول أمور تفقد معها استقلالية قرارك. وبفضل العميد فتحي والي انتقلت إلي عالم التحكيم التجاري الدولي حينما رشحني -وكنت لا أزال ابن الثلاثة والعشرين عاماً - للعمل كمساعد لمدير مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي ونائب المحكمة الدستورية العليا في ذلك الوقت د. محمد أبو العينين، وكانت هذه نقلة نوعية أخري في حياتي المهنية.

أساتذتي كانوا دائماً نعم العون والدعم وأدين لهم بالكثير، ولن أنسي ما حييت نصائح ووقفات د. أحمد البرعي معيِ، واللمسات الإنسانية حتي هذه اللحظة لأستاذتي الدكتورة سميحة القليوبي، ولن أنسي أبوة د. محمود السقا، ولا حكمة د. فؤاد رياض، ولا تزال نصيحة د. فؤاد رياض ترن في أذني: (يا هاني.. لا تنزعج من سخافات ومضايقات منافسيك، فهذا دليل علي النجاح، فلا تجعل السخافات توقف قطار النجاح.)

ولا يمكن أن أنسي الوقفات أو اللمسات الإنسانية للعديد من أساتذتي رحمهم الله الذين فارقوا عالمنا، ومنهم مأمون سلامة، ود. نعمان جمعة، ود. صوفي أبو طالب، ود. طعيمة الجرف، ود. نجيب حسني، ود. صلاح عامر.

ولا يمكن أن أنسي بداياتي في عالم المحاماة حيث تتلمذت علي يد الأستاذ علي الشلقاني، وقد قدمني إليه الأستاذ أحمد الخواجة نقيب المحامين. وحينما التقيت بالأستاذ علي الشلقاني لأول مرة في صيف عام 1987 عينني في ذات اليوم وتسلمت العمل في لحظتها، وكان أول زميل لي في غرفة العمل حيث تزاملنا لمدة 3 أعوام متتالية د. زياد بهاء الدين الذي صار بعد ذلك نائباً لرئيس الوزراء.

وخلال رحلة الدراسة بإنجلترا كانت البداية مع عميد كلية الحقوق بـ«كوين ماري» جامعة لندن، وهو البروفيسور برايان نابير، وكنت قد حصلت علي منحة لدراسة الماجستير في قانون التجارة الدولية، وبعد أيام قليلة من بداية الدراسة وكان البروفيسور نابير من بين أساتذتي؛ رأي أنني مؤهل لبدء الدكتوراه مباشرة واستدعاني لمكتبه، وقام هو بنفسه بتقديم طلب تحويل المنحة من الحكومة البريطانية إلي الدكتوراه، وقد وافقت الحكومة البريطانية علي طلبه بعد أقل من أسبوعين. ولا أنسي البروفيسور جوزيف نورتون الذي منحني فرصة العمر حينما عينني -إلي جانب كوني طالبا للدكتوراه -مساعداً له في التدريس بجامعة لندن، وبعد حصولي علي الدكتوراه وقف بجانبي حتي تم تعييني أستاذاً لمادة القانون والتنمية الاقتصادية، وشاركته في نشر العديد من البحوث والمقالات المشتركة، وكنت لا أزال أبلغ من العمر 28 عاماً، ولم تكن السن عائقاً بل كانت دافعاً للتقدم. ومن أعظم الذين التقيت بهم وتتلمذت علي أيديهم كان القاضي البريطاني الشهير «همفريلويد»، وقد تعلمت منه الجدية في كل شيء واحترام الرأي الآخر، وكنت ألتقي به أسبوعياً علي مدار عامين بمكتبه بالمحكمة العليا في إنجلترا، حيث كان يشرف علي رسالتي قبل تعيينه قاضياً، وبعد تعيينه أصر علي الاستمرار في الإشراف علي الرسالة بذات الجدية... وقد سعدت بلقائه بعد عشرين عاماً حينما زاملته كمحكم دولي، وكان هو رئيس هيئة التحكيم، ولم يؤثر الزمان سلباً علي جديته واحترامه للآخر.

إلي كل أساتذتي أطال الله في أعمارهم... كل عام وأنتم بخير. وأتوجه إلي الله بالدعاء لكل أساتذتي ممن رحلوا عن عالمنا. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 24 ديسمبر 2015

من أين نبدأ إصلاح مناخ الاستثمار

جريدة الاخبار - 24/12/2015

صدر منذ أيام قليلة تقرير البنك الدولي لعام 2016 بخصوص تقييم وقياس جودة وكفاءة الإطار التنظيمي لمناخ الأعمال والاستثمار في دول العالم. ويغطي التقرير 189 دولة. وقد جاء ترتيب مصر متأخراً بين دول العالم حيث احتلت مصر المرتبة الـ (131) بشأن مناخ الاستثمار، في حين كان ترتيب مصر في تقرير عام 2015 رقم (126) علي مستوي العالم، أي أن أداءنا فيما يتعلق بتشجيع مناخ الاستثمار قد ازداد سوءاً عن العام الماضي!!

وقد صدر علي هامش هذا التقرير تقرير آخر يتعلق بترتيب الدول علي المستوي الإقليمي، ويعد دليلاً دامغاً علي فشل سياسات تحسين مناخ الاستثمار. فمصر علي مستوي الدول العربية جاءت في أدني المستويات حيث نحتل المستوي الـ (14) من إجمالي (21) دولة عربية والدول التي سبقناها يخوض معظمها حرباً أهلية!! فالدول التي سبقناها في الترتيب بفارق ضئيل في معظم الأحوال هي الجزائر والسودان وسوريا واليمن والعراق وليبيا وجيبوتي. وقد جاء ترتيبنا من حيث جودة وكفاءة مناخ الاستثمار أقل مرتبة من جميع الدول العربية الأخري بما في ذلك فلسطين (قطاع غزة والضفة الغربية)!!! ففي حين احتلت الإمارات الترتيب الـ (31) علي مستوي العالم جاء ترتيب مصر الـ (131) أي يفصلنا عن الإمارات مائة دولة!! وقد احتلت كل من تونس والمغرب المرتبتين الـ (74) و(75) أي تقدما علي مصر في تقرير هذا العام بمراحل ويفصل بين مصر وكل من تونس والمغرب أكثر من (55) دولة!!!

إن عدم القدرة علي تشجيع الاستثمار يعني ببساطة فشلنا في خلق فرص عمل جديدة، ومن ثم ارتفاع معدلات البطالة، إن تضاؤل حجم الاستثمارات الخاصة يعني إضعاف قدرتنا علي التصنيع المحلي، واعتمادنا المستمر علي الاستيراد، ومن ثم زيادة العجز في الميزان التجاري، وإضعاف قوة العملة المصرية، وهو ما يعني زيادة الأسعار وارتفاع التضخم، وزيادة العجز في الموازنة أي استنزاف الموارد، وصعوبة تحسين الخدمات الاجتماعية للناس. فتحسين مناخ الاستثمار الخاص هو بوابة الإصلاح الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية.. علينا أن نعترف أننا فشلنا في إصلاح مناخ الاستثمار فشلاً ذريعاً، وعلينا أن نعترف وندرك بأن العالم من حولنا يتقدم بسرعة بالغة، ونحن لازلنا منكبين علي أنفسنا نتحدث بلغة لم يعد العالم الحديث حولنا يفهمها.

إن تقرير البنك الدولي يعتمد في قياسه لجودة وكفاءة مناخ الاستثمار علي عشرة مقاييس. ليست هذه المقاييس وحدها كافية، ولكنها نقطة بداية لنا في خطة الإصلاح، فلنقم باتخاذ هذه المعايير أهدافاً لنا لقياس مدي تقدمنا في إصلاح مناخ الاستثمار، ولنقس كيف ينعكس هذا التقدم علي حجم الاستثمارات سنوياً. هذه المعايير العشرة كالآتي: 

المعيار الأول، سرعة إجراءات البدء في الاستثمار. وتحتل مصر المرتبة (73) علي مستوي العالم. وبالمناسبة، كان ترتيب مصر العام الماضي (79) أي انخفض مستوانا بست درجات. فهذا المعيار العبرة فيه بتأسيس الشركة، وهو يعتد بنوع واحد من الشركات، وهو الشركات ذات المسئولية المحدودة. فهذا المعيار لا يأخذ بعين الاعتبار، تراخيص التشغيل الصناعي والتجاري. فلو كان هذا المعيار يأخذ في حسبانه التراخيص ضمن التقييم لتأخر ترتيبنا أكثر من هذا بكثير.. والحقيقة، أن أول التحديات يجب أن تكون إعادة غربلة متطلبات التراخيص الصناعية والتجارية واختصارها، فهناك مصانع تعمل في مدينة 6 أكتوبر والعاشر من رمضان منذ عشر سنوات ولاتزال تراخيصها مؤقتة، وبعضها ليست لديه تراخيص علي الإطلاق!!!

أما المعيار الثاني لقياس جودة مناخ الاستثمار فيتعلق بتراخيص بناء المنشآت الصناعية والتجارية ويأتي ترتيب مصر في المرتبة (113) علي مستوي العالم. ولا شك أن منظومة تراخيص البناء تحتاج إلي عملية إصلاح شاملة خاصة فيما يتعلق بالمحليات، فعدد الإجراءات يزيد علي 20 إجراءً يمكن اختصارها إلي (8) إجراءات فقط كما هو الحال في دولة الإمارات العربية، وبلغ متوسط مدة الحصول علي ترخيص البناء إلي 180 يوماً، يجب أن نسعي إلي تخفيضه إلي 60 يوماً كما هو الحال في الأردن، ولا أقول (40) يوماً كما هو الحال في الإمارات.

أما المعيار الثالث، فيتعلق بسرعة الحصول علي الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل المشروع. وتحتل مصر في هذا الخصوص المرتبة الـ (144) علي مستوي العالم!! في حين تحتل تركيا المرتبة الـ (36) وقد حصلت مصر علي (صفر) في قياس شفافية التعريفة والثقة في توريد الكهرباء اللازمة.

أما المعيار الرابع، فهو تسجيل الملكية، وتحتل مصر المرتبة الـ (111) علي مستوي العالم. وعدم تسجيل ملكية المشروع وطول الإجراءات وتكلفتها يمثل عائقاً يحول دون التمويل المصرفي، ويعرقل إجراءات تراخيص المشروعات، ويعطل من الحصول علي الطاقة، ألم يحن الوقت لتفعيل مشروع التسجيل العيني الذي بدأناه عام 1964، ولم نستكمله حتي الآن؟!!

أما المعيار الخامس، فيقيس قدرة المشروعات للحصول علي تمويل مصرفي، وقد احتلت مصر هذا العام الترتيب (79) بعد أن كان ترتيبها العام الماضي (71)، ولا شك أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والمشروعات الصناعية بوجه عام تعاني الأمرين للحصول علي التمويل المصرفي، وهو ما يعيق نمو المشروعات، وخاصة المحلية. ولا بد أن تكون سياسات تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتعثرة بسبب الظروف الاقتصادية علي أولويات أجندة الحكومة والبنك المركزي.

أما المعيار السادس، فهو يتعلق بحماية حقوق الأقلية من المساهمين، وقد حققت مصر المرتبة (122)، ولا شك أن هناك تعديلات لازمة علي قانون الشركات المصرية، ولا بد كذلك من إصدار قانون لشركات الأشخاص، فالقانون المطبق عليها صدر عام 1883!!

أما المعيار السابع، فهو يتعلق بنظم سداد وتحصيل الضريبة وسعرها، فقد جاء ترتيب مصر الـ (151) علي مستوي العالم بعد أن كنا رقم (146) العام الماضي، فمدد الفحص، وأسس الفحص، ولا شك أن نظم الفحص الضريبي، وقواعد سداد الضريبة تحتاج إلي إصلاح شامل يمكن إتمامه في أقل من عام.

أما المعيار الثامن، وهو يحمل أسوأ ترتيب لمصر، وهو يتعلق بإجراءات التخليص الجمركي، وعمليات التصدير والاستيراد. فمصر ترتيبها جاء الـ (157) علي مستوي العالم في حين كان ترتيب الإمارات رقم (101) وتركيا (62) والأردن (50). فالإجراءات الجمركية في مصر واحدة من أسوأ وأبطأ الإجراءات علي مستوي العالم، وهو ما يعيق حركة التجارة الداخلية والتصنيع، للأسف الجمارك كانت دائماً في أدني مستويات اهتمامات وزراء المالية المتعاقبين. آن الأوان لفتح هذا الملف، والنظر فيه بجدية فقد صار من أخطر معوقات الاستثمار. فتعطل إجراءات الفحص يهدر أموالاً طائلة ويشجع علي التهريب، وكم من مصانع تعطل الإنتاج بها بسبب بطء إجراءات التخليص الجمركي، وقد صارت الموانئ المصرية مرتعاً للرشاوي والتهريب.

أما المعيار التاسع، فيتعلق بإنفاذ العقود وكفاءة إجراءات التقاضي، وقد حصلت مصر علي الترتيب (155) بين دول العالم. وهو ما يعني ببساطة بطء العدالة، وضياع حقوق العباد، فمتوسط مدة تسوية أية منازعة تجارية في المحاكم المصرية يصل إلي 3 أعوام ونصف طبقاً للتقرير.. وحتي هذه اللحظة لا أفهم لماذا تنعقد محاكم الاستئناف علي سبيل المثال (3) أيام فقط في الشهر، ولماذا لا يكون انعقاد الجلسات (10) أيام في الشهر مثلاً بدلاً من (3) ولماذا لا نعمل علي إنشاء محاكم جديدة... سؤال بلا إجابة!!


أما المعيار العاشر والأخير، فيتعلق بقواعد الإفلاس، وإقالة المشروعات من التعثر (الصلح الواقي من الإفلاس)، فقد جاء ترتيب مصر (119) علي مستوي العالم، ولا أفهم لماذا لم يكن مشروع هذا القانون ضمن اهتمامات لجنة الإصلاح التشريعي، بالمناسبة توجد عشرات من مشروعات القوانين الجاهزة بشأن هذا الموضوع، ومنذ أكثر من خمس عشرة سنة. ألا تستحق مصر أفضل من هذا؟ بالتأكيد تستحق، ولكننا والله مقصرون. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 17 ديسمبر 2015

5 مطبات تواجه د. أحمد درويش

جريدة الاخبار - 17/12/2015

إن نجاح التنمية الاقتصادية لمنطقة قناة السويس سيساهم في تحقيق التنمية الشاملة لمصر بأكملها.

لو أحسنّا استغلال المقومات الحالية للمشروع -من موانئ بحرية وبنية أساسية وظهير صناعي نستطيع خلق 50 ألف فرصة عمل سنوية خلال ثلاث سنوات من الآن، قابلة للزيادة إلي 100 ألف فرصة عمل سنوية خلال الخمس سنوات التي تليها. فتنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تعني المساهمة بما لا يقل عن 25% من إجمالي نسبة النمو الاقتصادي المستهدفة خلال الخمس سنوات القادمة علي مستوي الاقتصاد القومي ككل، وجذب استثمارات مباشرة بالعملة الأجنبية في هذه المنطقة بما لا يقل عن 3 مليارات دولار أمريكي سنوياً خلال السنوات الخمس الأولي من عمر المشروع وسوف تصبح مصر رقماً صحيحاً في التجارة العالمية.

ومهمة د. أحمد درويش وزير التنمية الإدارية الأسبق ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس؛ ليست مهمة سهلة، ولكنها ليست مستحيلة. وأُلفِت انتباهه إلي أن الحكومة السابقة قد وضعت -عن غير سوء قصد -بعض المطبات من شأنها أن تبطئ قليلاً من سرعة انطلاق سيارة التنمية والتطوير في هذه المنطقة، وإن كانت هذه المطبات قابلة للإزالة.

أول هذه المطبات يتعلق بتمويل أنشطة التنمية وإرساء البنية الأساسية والمؤسسية للهيئة الجديدة. فتطوير المنطقة والتخطيط الفني والإداري لها، وتشجيع الاستثمار الصناعي واللوجستي والخدمي والعقاري بل والسياحي بها، وتقديم كل الخدمات الحكومية داخلها يقتضي توفير موارد مالية كبيرة منذ اليوم الأول. وقد كان من المقترحات المقدمة لحكومة المهندس/ إبراهيم محلب أن يتضمن قرار إنشاء الهيئة موافقة مجلس الوزراء علي تخصيص 2 مليار جنيه سنوياً لمدة 10 سنوات من إيرادات هيئة قناة السويس لاستخدامها في أغراض تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. وقد سبق لحكومة د. حازم الببلاوي اتخاذ قرار مشابه. الهدف من هذا الاقتراح هو تفادي المعوقات التي سبق أن واجهتها الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية بشمال غرب خليج السويس، فنتيجة عجز الحكومة في ظل رئاسة المرحوم الدكتور عاطف عبيد ومن بعده الحكومات اللاحقة عن توفير 300 مليون جنيه عجزت هذه الهيئة لمدة عشر سنوات عن تنفيذ أي من المهام المنوط بها، ولم تتمكن الدولة لمدة تزيد عن عشر سنوات من تنمية وتطوير الاستثمار في منطقة لا تتعدي مساحتها 5كم2 وليس 461كم2 هي مساحة منطقة قناة السويس الجديدة. وللأسف الشديد رفض وزير المالية السيد هاني قدري. أرجو من الحكومة الحالية برئاسة المهندس شريف إسماعيل إعادة النظر في هذا الاقتراح، أو العمل علي توفير موارد بديلة ضخمة لهذه الهيئة لكي تنجح، فالتمويل المستدام شرط لنجاح التنمية المستدامة.

أما المطب الثاني فيتعلق بهيكل الهيئة ذاتها المعنية بتطوير المنطقة. وكان مشروع قرار إنشاء الهيئة المقدم إلي رئيس مجلس الوزراء يقترح إنشاء هيئة جديدة غير مكبلة بأية أعباء حكومية، وإنشاء إطار مؤسسي وتنظيمي وهيكلي يعتمد أهم المبادئ الحديثة في الإدارة، ويتم بعد ذلك نقل ودمج أية هيئات قائمة علي الهيكل الجديد وفي التوقيت الذي تراه الإدارة التنفيذية للهيئة الجديدة ملائماً. إلا أن الحكومة السابقة كان لها رأي مختلف فقررت عدم إنشاء هيئة جديدة، واستخدام الهيئة القائمة في ذلك الوقت المسماة بالهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لشمال غرب خليج السويس، وبها حوالي 190 موظفاً، ولها مقرها بجوار ميناء العين السخنة بدلاً من إنشاء هيئة جديدة. وبناء عليه تم تغيير «يافطة الهيئة» فأصبح اسمها «الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس» بدلاً من «الهيئة العامة لشمال غرب خليج السويس». وهو ما يعني دخول رئيس الهيئة الجديد علي نظام إداري ونظام حكومي قائم لم يحقق النجاح المنشود لتنمية 5كم2 علي مدار أكثر من 10 سنوات، والمطلوب الآن أو المتوقع منه إنجاح تنمية 461كم2 بذات الجهاز!!!

أما المطب الثالث فهو الإصرار علي عدم النص بوضوح علي نقل تبعية الموانئ البحرية الستة بكل عامليها ولو بعد فترة انتقالية إلي الهيئة الجديدة، وهذه هي الفلسفة الأساسية التي بني عليها قانون المناطق الاقتصادية، فتعدد التبعيات ينذر بتنازع كبير في الاختصاصات، وغموض في عمليات التطوير والإدارة والرقابة علي هذه الموانئ.

أما المطب الرابع فيتصل بالمعاملة الضريبية. فقد كان قانون المناطق الاقتصادية الخاصة قبل تعديله يتضمن النص علي ضريبة مخفضة قدرها 10% علي أرباح المشروعات المنشأة في المنطقة، وذلك بقصد جذب الاستثمار، وفرض ضريبة كسب عمل قدرها 5% علي المرتبات والأجور لجذب العاملين لهذه المناطق. وتتفق هذه السياسة مع ما هو معمول به في كافة دول العالم التي طبقت هذه النظم وحققت نهضة وطفرات في بدايات المشروعات. وكان المقترح علي الحكومة الاستمرار بهذه المعاملة الأفضلية من الناحية الضريبية خلال الخمس سنوات الأولي من عمر المشروع لتشجيع الاستثمار بشكل سريع، ثم تبدأ الزيادة التدريجية في المعاملة الضريبية بحيث تزاد من 10% إلي 15% بعد أول خمس سنوات، ثم تزاد إلي 22.5% في السنة العاشرة من عمر مشروع التنمية. إلا أن وزير المالية كان له رأي آخر أقنع به الحكومة السابقة، وهو زيادة سعر الضريبة في هذه المناطق من 10% إلي 22.5% منذ اليوم الأول، وإلغاء أية مزايا ضريبية بشأن أرباح الشركات أو مكافآت ومرتبات العاملين. فالمنطقة الاقتصادية تبدأ الآن نشاطها بدون مزايا ضريبية، وبمزايا غير ضريبية أقل من تلك المنصوص عليها في قانون الاستثمار.فهذا المطب يجعل تسويق الاستثمار أكثر صعوبة مع منافسينا.

أما المطب الخامس فيتعلق بحظر التملك للأراضي داخل المنطقة الاقتصادية، حتي ولو كان الاستثمار يتعلق بالتنمية العقارية، وهو ما يحول دون تطبيق التمويل العقاري للمشروعات السكنية، أو نظام التأجير التمويلي في المشروعات الصناعية. ولا شك أن في ذلك عبئا كبيرا علي سرعة التوسع وتمويل هذه المشروعات. وللأسف كان من المقترحات المقدمة للحكومة أن يتم تسجيل قرار رئيس الجمهورية بالمنطقة الاقتصادية بإيداعه في الشهر العقاري، مما يسهل بعد ذلك إجراءات تسجيل حقوق الانتفاع للمستثمرين، ورهن المباني للبنوك، إلا أن قسم التشريع بمجلس الدولة ارتأي عدم الضرورة لهذا التعديل، أعتقد أن هذه المسألة قد تمثل عائقاً لتمويل المشروعات في المستقبل.كما أن هناك أراضي في شرق بورسعيد وفي العين السخنة سبق بيعها وتم تسجيل ملكيتها للقطاع الخاص، وهو أمر يخلق مشكلة في المنافسة بين المستثمرين، ففي حين بعضهم ستكون لديه أرض مسجلة يستطيع بسهولة الحصول علي تمويل بشأن مشروعه، سيكون المستثمر بجواره ليس لديه ذات الميزة، كما أن بعض المطورين الصناعيين سيسوقون الأراضي بنظام الانتفاع، في حين أن منافسيهم سيسوقون لأراضي بنظام الملكية، وهو ما قد يؤثر سلباً علي معدل التنمية في المنطقة.

هذه هي المطبات الخمسة الأصعب في رأيي، ويمكن تجاوزها ولكن يجب إمعان التفكير فيها، فهناك أمور أخري يجب تجاوزها أيضاً منها نظم الجمارك الخاصة بالمنطقة ونظمها الضريبية، فعلي الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات علي إنشاء المنطقة الاقتصادية لشمال غرب خليج السويس لم يصدر وزير المالية القواعد المتعلقة بنظام الجمارك الخارجية بها، أرجو ألا ننتظر عشر سنوات أخري لإنشاء النظم الجمركية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.


كما ترون معظم المطبات السابقة هي مطبات من صنع أيدينا، كان يمكن أن نتفادها... ولكن للأسف نعيب الزمان والعيب فينا!! اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 10 ديسمبر 2015

البرلمان الجديد وأزمة الديون الحكومية

جريدة الاخبار - 10/12/2015

بلغ حجم الديون الخارجية علي الحكومة المصرية أكثر من 46 مليار دولار أمريكي. وخدمة هذا الدين - أي سداد الفوائد عليه للدائنين بالدولار الأمريكي - تبتلع أكثر من ربع الموازنة المصرية، وكلما انخفض سعر الجنيه زاد العبء علي موارد الدولة. أما الدين المحلي - أي ديون الحكومة بالجنيه المصري - فقد وصلت إلي معدلات غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديثة؛ حيث وصل حجم هذا الدين إلي أكثر من 88% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من العام المالي 2014-2015. وعلي البرلمان القادم مسئولية مراجعة الحكومة ومناقشتها قبل الموافقة علي قروض جديدة وفقاً لأحكام الدستور. وللأسف الشديد فإن إخفاق الحكومات المتعاقبة في الحد من العجز، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، واستمرار زيادة العجز في ميزان المدفوعات، والميزان التجاري؛ لا يجعل هناك بديلاً أمام الحكومة والبرلمان - لكي نكون واقعيين وبعيداً عن المهاترات - إلا زيادة الديون للعام المالي القادم.


وأحذر من الآن بأن استمرار سياسة الاعتماد علي الديون دون تحسين الاقتصاد القومي والقيام بعملية إصلاح حقيقية؛ ينذر بمخاطر جمة، فنحن لم نفعل منذ سنوات سوي تأجيل اتخاذ القرارات الحاسمة - المتعلقة بدعم المواد البترولية، ومعالجة سعر الصرف، ومواجهة مشاكل الصناعة، والإصلاح المؤسسي -من عام إلي عام، حتي صارت المشكلة أزمة. وصار أمام البرلمان في أول اختبار له أحد خيارين كلاهما مُرٌ بشأن معالجة الدين الحكومي للعام المالي القادم. هذان الخياران تضعهما أمام أعيننا بشكل واضح دراسة موجزة صادرة عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، وهو مركز غير حكومي للأبحاث الاقتصادية يُعدّ الأهم في مصر، وللأسف فإن الهيئات الحكومية لا تستفيد من دراساته القيّمة علي النحو الواجب.

أما الخيار الأول فهو أن تستمر الحكومة المصرية في الاعتماد علي الدين المحلي. ويعيب هذا الخيار وفقاً للدراسة المشار إليها أمور ثلاثة لا يخلو كل منها من المخاطر، فالاستمرار في التوسع في الاقتراض الحكومي بالجنيه من خلال إصدار السندات الحكومية وأذون الخزانة؛ يؤدي إلي مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في الحصول علي الائتمان المتاح. فالبنوك التجارية الخاصة والعامة علي حد سواء تفضل إقراض الحكومة من خلال شراء أذون الخزانة، حيث إن عمليات الشراء لهذه الأذون ربحيتها أعلي من الإقراض للقطاع الخاص، ومخاطرها التجارية أقل، ولا شك أقل عناءً من الناحيتين الفنية والإدارية. ولا شك أن ذلك الاتجاه علي مدار الأعوام الماضية أثر سلباً علي عمليات الإقراض للقطاع الخاص وخاصة القطاع الصناعي، فأغلقت كثير من المصانع، وتقلصت عمليات بناء مصانع جديدة. فاستمرار الاقتراض الحكومي من البنوك - شئنا أم أبينا - سيؤثر سلباً علي نمو القطاع الخاص والاستثمار الخاص، ومن ثَمّ سيؤثر علي النمو الاقتصادي سلباً، وسيساهم في ارتفاع معدل البطالة. كما أن ارتفاع معدلات الدين المحلي علي الحكومة من شأنها زيادة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، ومن ثم تراجع الثقة لدي المستثمرين، والتأثير سلباً علي معدلات النمو الاقتصادي، فكلما انخفض الاستثمار انخفض معدل نمو الاقتصاد، وانخفضت فرص تشغيل العمالة، وارتفعت البطالة، وانخفضت صادراتنا وزادت وارداتنا، وزادت آلامنا الاقتصادية والاجتماعية. وأخيراً... فإن زيادة الدين المحلي في ظل سياسات البنك المركزي نحو رفع سعر الفائدة؛ يعني اضطرار الحكومة إلي سداد عوائد مرتفعة علي ديونها، وهو ما يعني زيادة أعباء خدمة الدين الحكومي، وزيادة العجز في الموازنة، وتقليل الاستثمار في القطاعات الصحية والتعليم.

أما الخيار الثاني؛ فهو أن تقرر الحكومة التوسع في الاستدانة بالعملات الأجنبية. ويبلغ حجم الدين الخارجي حالياً 15% من الناتج المحلي الإجمالي. ويعيب هذا الخيار أن تكلفة الديّن تعد أكثر حساسية لسعر الصرف؛ فزيادة سعر الدولار بنسبة 12% مثلاً - أي من ثمانية جنيهات إلي تسعة جنيهات تقريباً - فإن هذا يعني ارتفاع تكلفة خدمة الدين بنسبة 12%. فانخفاض سعر الجنيه يؤدي إلي ارتفاع تكلفة خدمة الدين، واستهلاك موارد الدولة. ولكن يتميز هذا الخيار عن الخيار الأول بأمرين؛أولهما: أن محفظة الدين العام ستكون أكثر توازناً، كما أن توفير الدولار سيؤدي إلي الحد من الضغوط القصيرة التي يتعرض لها الجنيه. وثانيهما: أن توفير الدولار قد يساعد البنك المركزي في تبني سياسات نقدية أكثر توازناً تساعد علي عدم انهيار الجنيه وتلبية احتياجات الصناعة المحلية لاستيراد مستلزمات الإنتاج، ومن ثم العمل علي تلافي انهيار الصناعة المصرية.

أضع هذين الخيارين التي انتهت إليهما الدراسة أمام مشرعينا من أعضاء البرلمان لكي يعلموا من الآن أن المسئولية جسيمة... لابد من دراسة هذين الخيارين بعناية والاستماع إلي المتخصصين بجدية، وتأمل كافة الآثار بعناية... أمام البرلمانيين الجدد تحديات كثيرة، وعليهم مناقشة خطط الحكومة التفصيلية في كيفية الحد من الاعتماد علي الاستمرار في الإستدانة سواء كانت خارجية أو داخلية... يجب علي نواب الشعب إعادة النظر في قوانين الاستثمار وسياسات الاستثمار، وأولويات الإصلاح، لكي تكون مصر فعلاً قادرة علي تحقيق التنمية الشاملة، والحد من الاستدانة.

سيعجز نواب الشعب عن تحقيق طموحات أبنائه في تحقيق العدالة الاجتماعية دون إصلاح اقتصادي حقيقي. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 3 ديسمبر 2015

رسائل قصيرة إلي كل من...

جريدة الاخبار - 3/12/2015

السيد طارق قابيل، وزير الصناعة والتجارة:
لم أحظ بعد بمقابلة سيادتك، ولكن بمتابعة تاريخك المهني آمل خيراً في قدرتك علي وضع رؤية واضحة للنهوض بالصناعة المصرية، وإعداد استراتيجية حقيقية وواضحة، وخطة تنفيذية تحقق لمصر معها نهضة اقتصادية حقيقية. فلا أمل في التنمية المستدامة بدون تطوير قدرة مصر الصناعية. وفي رأيي أن نجاحك في وضع هذه الخطة وتنفيذها يعتمد علي عوامل رئيسية ثلاثة، أولها التنسيق والاتفاق الكامل بين وزارة الصناعة ووزارتي البترول والكهرباء، فلا يمكن إنجاح أية خطة صناعية دون أن تكون هناك خطة متفق عليها بين هذه الوزارات الثلاث، علي أن تكون المسئولية تضامنية بين هذه الوزارات، فلا معني بتبني بناء ألف مصنع، أو تطوير صناعات بعينها دون أن تتوفر لها الطاقة. فطوال الأعوام الماضية توافق هيئة التنمية الصناعية علي مشروعات وخطة الاحتياج من الطاقة، ولكن تتحطم المشروعات أمام حائط انعدام المرافق والطاقة... وقلة الأراضي المتوافرة لإقامة المصانع لابد من تدارك هذا الخطأ الجسيم.


أما العامل الثاني للنجاح فهو العمل علي تطوير صناعات رئيسية بشأن مدخلات الصناعات ذاتها، كما هو الحال بشأن صناعة البتروكيماويات. أعلم أن إنشاء خمسة أو ستة مصانع من هذه الصناعات - كما هو الحال بالنسبة لمصانع الأمونيا والبروبلين - تتكلف عشرات المليارات من الدولارات، لكنها تعني نجاح آلاف المصانع بعد ذلك. فلا يوجد معني لإنشاء صناعة السيارات في حين أن كافة مدخلات الصناعة يتم استيرادها من الخارج، ولا معني لتشجيع صناعة إطارات السيارات في حين أن (36) من مدخلاتها الكيماوية يتم استيراده من الخارج، مصر حتي الآن لا تستطيع أن تنتج قلما جافا أو زجاجة بلاستيكية لأن مكونات هذه الصناعات جميعها يتم استيرادها من الخارج!!

وأما العامل الثالث لنجاحك وقدرتك علي تحويل سياستك ورؤيتك إلي واقع؛ فهو أن تعمل بشكل متواز علي تطوير أداء الهيئات التابعة لوزارة التجارة والصناعة، واختيار أفضل الكفاءات التنفيذية حولك. فالسياسات والأفكار الجيدة لن تتجاوز حدود مكتبك لو لم يكن لديك جهاز تنفيذي كفء. أتمني لك التوفيق.

رئيس مجلس النواب الجديد:
حتي كتابة هذه السطور لم ينعقد مجلس النواب الجديد بعد، ولم ينتخب المجلس رئيسه. وأياً كان الاختيار فإن علي رئيس المجلس الجديد مهام ثقيلة أُشفق عليه منها حتي دون أن أعرفه. فرئاسة وإدارة برلمان يضم ستمائة عضو تقريباً، وعليه مراجعة أكثر من 215 قانون في أقل من خمسة عشر يوماً ويضطلع بمسئوليات دستورية نيابية تشريعية ورقابية غير مسبوقة أمر في غاية الصعوبة. فدستورنا الحالي يتبني نظام شبه رئاسي، وإن كان يميل في غير القليل من جوانبه إلي النظام البرلماني. نجاح البرلمان القادم في وضع مصر علي المسار الديمقراطي والسياسي يعتمد في المرحلة الأولي عليكم كرئيس للبرلمان، ورؤيتكم في وضع النظام المؤسسي السليم لعمل البرلمان. إن اللائحة الداخلية لنظام العمل البرلماني من بين مسئولياتكم الجسام لضمان سلاسة العمل البرلماني ودقته. إن مراجعة دور الأجهزة الفنية والإدارية ورفع كفاءة التدريب والبحث لدي العاملين بالبرلمان - مطبخ البرلمان الحقيقي - شرط مسبق لفاعلية الدور الرقابي والتشريعي للبرلمان. تنظيم عمل اللجان البرلمانية وقدرتها الفنية أمر لا يقل أهمية عن إدارة جلسات البرلمان... أتمني لكم التوفيق والنجاح في مهمتكم الثقيلة والمهمة.

رسالة إلي من يهمه الأمر:
هذه الرسالة وجهت لي من أحد القراء الكرام رفض أن يفصح عن اسمه أعتقد أنه أحسن الظن بي حينما افترض أن لي صلاحيات تنفيذية، أضع رسالته مع بعض الاختصار المحدود تحت نظر من يهمه الأمر من أعضاء الحكومة نظراً لأهميتها، وهي تعبر عن وجهة نظر صاحبها:

رسالة إلي الأستاذ الدكتور هاني سري الدين
رسالة جيدة وصريحة وواضحة تلك التي نشرت في جريدة الأخبار يوم الخميس الموافق 19/11/2015 تحت عنوان «رسالة مفتوحة إلي السيد رئيس الجمهورية...... هل لك أن تحول هذه الرسالة إلي برنامج محدد علي المسارين المؤسسي والاقتصادي؟ برنامج زمني علي مدي سنتين مثلاً يبدأ بخطوات بسيطة ثم يتدرج إلي الأعقد. مثلاً لن يفلح التغيير علي المسار المؤسسي دون إعادة النظر في القوانين واللوائح والضوابط المتوارثة للممارسة والتي تمثل عقبات لا يجتازها الموظف المحترم ويتحايل عليها الموظف الفاسد. هل تعلم أن معالي رئيس مجلس الوزراء يوقع علي قرارات تنشر في الجريدة الرسمية بقيمة تعويض ٧٫٨٠ جنيه (سبعة جنيهات وثمانون قرشاً) لمصابي العمليات الإرهابية في الوقت الذي يكون دوره باهتاً في توقيع اتفاقية المحطات النووية بالضبعة بقيمة تقديرية قدرها 20 مليار دولار أمريكي؟ هل يمكن الاستمرار بجرأة في إصلاح المسار المؤسسي بدون «ثورة تشريعية». أم أننا نتكلم ونتكلم حتي «ملَ» الكلام والمفردات منا من كثرة الترديد دون فعالية. هل يكفي لإصلاح الجهاز الوظيفي إصدار قانون الخدمة المدنية؟ وما هي البدائل المتاحة وتكلفتها لتطعيم الجهاز الحكومي بقيادات من خارجه قادرة علي التغيير مع ما يملكه كبار موظفي الحكومة من حق إرث المناصب العليا بحكم الأقدمية؟ نفس الكلام ينطبق علي الحاجة إلي برنامج محدد للتغيير في المسار الاقتصادي ولحسم قضايا دون حاجة إلي عملات أجنبية أو إقتراض خارجي مثل التعارض الذي لا معني له بين وزراء المجموعة الاقتصادية وتحديداً وزيري الاستثمار والمالية وقيادة البنك المركزي ما علينا من جهات أخري قد يكون لها دور في القرار الاقتصادي. هل أن تكون المجموعة الاقتصادية في مجلس الوزراء علي قلب رجل واحد وتعمل وفق رؤية ومنهجية محددة سلفاً وبوضوح ممكن أم مستحيل؟

هل تعلم أن - بعض الدراسات النظرية غير المدروسة -  لنظام حوافز الصادرات كانت سبباً مباشراً في انخفاض الصادرات الصناعية بما لا يقل عن 2 مليار دولار سنوياً بدلاً من أن تستهدف السياسات والأنظمة المحدثة زيادة الصادرات؟

كلنا نتكلم كويس ونكتب كويس وعند الفعل نصطدم بالعقبات غير المرئية وتبدأ خيوط البيروقراطية المصرية العتيدة في الالتفاف حول أي مصلحة أو أي تغيير لتجهضه.
هل تتذكر وعودك علي ما يزيد علي 18 شهراً بشأن قانون للاستثمار في منطقة قناة السويس ولم تف بوعودك ولم تنجح في التغلب علي العقبات التي واجهتك؟ هذا ليس عتاباً لك لأنك بذلت ما في وسعك والنتيجة لا شئ. ما هي المشكلة في تشكيل مجلس إدارة لهيئة تطوير منطقة قناة السويس؟

هل أنت مثلنا ممن يرسلون الرسائل والتوسلات والاستغاثات للسيد الرئيس. لك تحياتي...» اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك