الخميس، 24 ديسمبر 2015

من أين نبدأ إصلاح مناخ الاستثمار

جريدة الاخبار - 24/12/2015

صدر منذ أيام قليلة تقرير البنك الدولي لعام 2016 بخصوص تقييم وقياس جودة وكفاءة الإطار التنظيمي لمناخ الأعمال والاستثمار في دول العالم. ويغطي التقرير 189 دولة. وقد جاء ترتيب مصر متأخراً بين دول العالم حيث احتلت مصر المرتبة الـ (131) بشأن مناخ الاستثمار، في حين كان ترتيب مصر في تقرير عام 2015 رقم (126) علي مستوي العالم، أي أن أداءنا فيما يتعلق بتشجيع مناخ الاستثمار قد ازداد سوءاً عن العام الماضي!!

وقد صدر علي هامش هذا التقرير تقرير آخر يتعلق بترتيب الدول علي المستوي الإقليمي، ويعد دليلاً دامغاً علي فشل سياسات تحسين مناخ الاستثمار. فمصر علي مستوي الدول العربية جاءت في أدني المستويات حيث نحتل المستوي الـ (14) من إجمالي (21) دولة عربية والدول التي سبقناها يخوض معظمها حرباً أهلية!! فالدول التي سبقناها في الترتيب بفارق ضئيل في معظم الأحوال هي الجزائر والسودان وسوريا واليمن والعراق وليبيا وجيبوتي. وقد جاء ترتيبنا من حيث جودة وكفاءة مناخ الاستثمار أقل مرتبة من جميع الدول العربية الأخري بما في ذلك فلسطين (قطاع غزة والضفة الغربية)!!! ففي حين احتلت الإمارات الترتيب الـ (31) علي مستوي العالم جاء ترتيب مصر الـ (131) أي يفصلنا عن الإمارات مائة دولة!! وقد احتلت كل من تونس والمغرب المرتبتين الـ (74) و(75) أي تقدما علي مصر في تقرير هذا العام بمراحل ويفصل بين مصر وكل من تونس والمغرب أكثر من (55) دولة!!!

إن عدم القدرة علي تشجيع الاستثمار يعني ببساطة فشلنا في خلق فرص عمل جديدة، ومن ثم ارتفاع معدلات البطالة، إن تضاؤل حجم الاستثمارات الخاصة يعني إضعاف قدرتنا علي التصنيع المحلي، واعتمادنا المستمر علي الاستيراد، ومن ثم زيادة العجز في الميزان التجاري، وإضعاف قوة العملة المصرية، وهو ما يعني زيادة الأسعار وارتفاع التضخم، وزيادة العجز في الموازنة أي استنزاف الموارد، وصعوبة تحسين الخدمات الاجتماعية للناس. فتحسين مناخ الاستثمار الخاص هو بوابة الإصلاح الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية.. علينا أن نعترف أننا فشلنا في إصلاح مناخ الاستثمار فشلاً ذريعاً، وعلينا أن نعترف وندرك بأن العالم من حولنا يتقدم بسرعة بالغة، ونحن لازلنا منكبين علي أنفسنا نتحدث بلغة لم يعد العالم الحديث حولنا يفهمها.

إن تقرير البنك الدولي يعتمد في قياسه لجودة وكفاءة مناخ الاستثمار علي عشرة مقاييس. ليست هذه المقاييس وحدها كافية، ولكنها نقطة بداية لنا في خطة الإصلاح، فلنقم باتخاذ هذه المعايير أهدافاً لنا لقياس مدي تقدمنا في إصلاح مناخ الاستثمار، ولنقس كيف ينعكس هذا التقدم علي حجم الاستثمارات سنوياً. هذه المعايير العشرة كالآتي: 

المعيار الأول، سرعة إجراءات البدء في الاستثمار. وتحتل مصر المرتبة (73) علي مستوي العالم. وبالمناسبة، كان ترتيب مصر العام الماضي (79) أي انخفض مستوانا بست درجات. فهذا المعيار العبرة فيه بتأسيس الشركة، وهو يعتد بنوع واحد من الشركات، وهو الشركات ذات المسئولية المحدودة. فهذا المعيار لا يأخذ بعين الاعتبار، تراخيص التشغيل الصناعي والتجاري. فلو كان هذا المعيار يأخذ في حسبانه التراخيص ضمن التقييم لتأخر ترتيبنا أكثر من هذا بكثير.. والحقيقة، أن أول التحديات يجب أن تكون إعادة غربلة متطلبات التراخيص الصناعية والتجارية واختصارها، فهناك مصانع تعمل في مدينة 6 أكتوبر والعاشر من رمضان منذ عشر سنوات ولاتزال تراخيصها مؤقتة، وبعضها ليست لديه تراخيص علي الإطلاق!!!

أما المعيار الثاني لقياس جودة مناخ الاستثمار فيتعلق بتراخيص بناء المنشآت الصناعية والتجارية ويأتي ترتيب مصر في المرتبة (113) علي مستوي العالم. ولا شك أن منظومة تراخيص البناء تحتاج إلي عملية إصلاح شاملة خاصة فيما يتعلق بالمحليات، فعدد الإجراءات يزيد علي 20 إجراءً يمكن اختصارها إلي (8) إجراءات فقط كما هو الحال في دولة الإمارات العربية، وبلغ متوسط مدة الحصول علي ترخيص البناء إلي 180 يوماً، يجب أن نسعي إلي تخفيضه إلي 60 يوماً كما هو الحال في الأردن، ولا أقول (40) يوماً كما هو الحال في الإمارات.

أما المعيار الثالث، فيتعلق بسرعة الحصول علي الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل المشروع. وتحتل مصر في هذا الخصوص المرتبة الـ (144) علي مستوي العالم!! في حين تحتل تركيا المرتبة الـ (36) وقد حصلت مصر علي (صفر) في قياس شفافية التعريفة والثقة في توريد الكهرباء اللازمة.

أما المعيار الرابع، فهو تسجيل الملكية، وتحتل مصر المرتبة الـ (111) علي مستوي العالم. وعدم تسجيل ملكية المشروع وطول الإجراءات وتكلفتها يمثل عائقاً يحول دون التمويل المصرفي، ويعرقل إجراءات تراخيص المشروعات، ويعطل من الحصول علي الطاقة، ألم يحن الوقت لتفعيل مشروع التسجيل العيني الذي بدأناه عام 1964، ولم نستكمله حتي الآن؟!!

أما المعيار الخامس، فيقيس قدرة المشروعات للحصول علي تمويل مصرفي، وقد احتلت مصر هذا العام الترتيب (79) بعد أن كان ترتيبها العام الماضي (71)، ولا شك أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والمشروعات الصناعية بوجه عام تعاني الأمرين للحصول علي التمويل المصرفي، وهو ما يعيق نمو المشروعات، وخاصة المحلية. ولا بد أن تكون سياسات تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتعثرة بسبب الظروف الاقتصادية علي أولويات أجندة الحكومة والبنك المركزي.

أما المعيار السادس، فهو يتعلق بحماية حقوق الأقلية من المساهمين، وقد حققت مصر المرتبة (122)، ولا شك أن هناك تعديلات لازمة علي قانون الشركات المصرية، ولا بد كذلك من إصدار قانون لشركات الأشخاص، فالقانون المطبق عليها صدر عام 1883!!

أما المعيار السابع، فهو يتعلق بنظم سداد وتحصيل الضريبة وسعرها، فقد جاء ترتيب مصر الـ (151) علي مستوي العالم بعد أن كنا رقم (146) العام الماضي، فمدد الفحص، وأسس الفحص، ولا شك أن نظم الفحص الضريبي، وقواعد سداد الضريبة تحتاج إلي إصلاح شامل يمكن إتمامه في أقل من عام.

أما المعيار الثامن، وهو يحمل أسوأ ترتيب لمصر، وهو يتعلق بإجراءات التخليص الجمركي، وعمليات التصدير والاستيراد. فمصر ترتيبها جاء الـ (157) علي مستوي العالم في حين كان ترتيب الإمارات رقم (101) وتركيا (62) والأردن (50). فالإجراءات الجمركية في مصر واحدة من أسوأ وأبطأ الإجراءات علي مستوي العالم، وهو ما يعيق حركة التجارة الداخلية والتصنيع، للأسف الجمارك كانت دائماً في أدني مستويات اهتمامات وزراء المالية المتعاقبين. آن الأوان لفتح هذا الملف، والنظر فيه بجدية فقد صار من أخطر معوقات الاستثمار. فتعطل إجراءات الفحص يهدر أموالاً طائلة ويشجع علي التهريب، وكم من مصانع تعطل الإنتاج بها بسبب بطء إجراءات التخليص الجمركي، وقد صارت الموانئ المصرية مرتعاً للرشاوي والتهريب.

أما المعيار التاسع، فيتعلق بإنفاذ العقود وكفاءة إجراءات التقاضي، وقد حصلت مصر علي الترتيب (155) بين دول العالم. وهو ما يعني ببساطة بطء العدالة، وضياع حقوق العباد، فمتوسط مدة تسوية أية منازعة تجارية في المحاكم المصرية يصل إلي 3 أعوام ونصف طبقاً للتقرير.. وحتي هذه اللحظة لا أفهم لماذا تنعقد محاكم الاستئناف علي سبيل المثال (3) أيام فقط في الشهر، ولماذا لا يكون انعقاد الجلسات (10) أيام في الشهر مثلاً بدلاً من (3) ولماذا لا نعمل علي إنشاء محاكم جديدة... سؤال بلا إجابة!!


أما المعيار العاشر والأخير، فيتعلق بقواعد الإفلاس، وإقالة المشروعات من التعثر (الصلح الواقي من الإفلاس)، فقد جاء ترتيب مصر (119) علي مستوي العالم، ولا أفهم لماذا لم يكن مشروع هذا القانون ضمن اهتمامات لجنة الإصلاح التشريعي، بالمناسبة توجد عشرات من مشروعات القوانين الجاهزة بشأن هذا الموضوع، ومنذ أكثر من خمس عشرة سنة. ألا تستحق مصر أفضل من هذا؟ بالتأكيد تستحق، ولكننا والله مقصرون. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق