الخميس، 25 يونيو 2015

قناة السويس الجديدة، وقطاع الكهرباء .. دلالات إيجابية في زمن صعب

 
جريدة الاخبار - 25/6/2015

في المقال السابق، أشرت إلي أهمية تطوير أساليب الإدارة للمؤسسات والأجهزة الحكومية، وأنه آن الأوان لاتباع أسلوب إدارة «الرؤية»، وهو ما يعني تحديد أهداف واضحة للمستقبل وإسناد المهمة التنفيذية لمن هو قادر علي تنفيذ هذه الرؤية. وأكدنا علي أن هذا الأسلوب يمكن معه نقل مصر نقلة نوعية في وقت قياسي، شريطة أن تكون هذه الرؤية محددة وقابلة للقياس، وأن تكون آثارها الإيجابية واضحة لعموم الناس.

والحقيقة أن لدينا مثالين ناجحين علي هذا الأسلوب الأمثل للإدارة، وأنه في أقل من عام واحد حققنا ما يشبه المعجزة بكل المقاييس.

المثال الأول هو قناة السويس الجديدة، فالفكرة بدأت منذ عام حين طرح الفريق مميش رؤية واضحة تتمثل في ضرورة أن تكون قناة السويس قادرة علي المنافسة لخدمة أجيال قادمة وقادرة علي استيعاب التطوير السريع في حجم السفن العالمية وزيادة القدرة الاستيعابية للقناة، ومواجهة أية منافسة أو مشروعات لقنوات بديلة أو طرق برية بديلة كخط السكة الحديد المزمع إقامته للربط من إسرائيل حتي الصين.

ففكرة حفر قناة موازية بطول 37 كيلومتراً مربعاً وعرض أربعمائة متر وعمق يستوعب السفن العملاقة وناقلات البترول هو رؤية استراتيجية للحفاظ علي قناة السويس باعتبارها محوراً رئيسياً للتجارة العالمية، وحفاظاً علي ثروة قومية وتنميتها.

وحينما تكون الرؤية واضحة يكون القرار السياسي سهلاً وحاسماً وواضحاً، وهنا كان قرار الرئيس السيسي قاطعاً بإعطاء الضوء الأخضر للتنفيذ، وفي زمن قياسي.
وحينما تكون الرؤية واضحة من الناحيتين الفنية والسياسية يكون الدعم الشعبي قوياً ومضموناً، وهو ما تمثل في الإقبال الشعبي علي السندات التي بلغت 64 مليار جنيه، وفي اعتبار المشروع مشروعاً قومياً لأجيال قادمة.

لقد سعدت وشرفت بالمرور بالقناة الجديدة أمس، والمشروع قارب علي نهايته. وهناك أمور كثيرة تعكس في رأيي النجاح، وهي ليست فقط عملية الحفر، وإنما الأهم العملية اللوجستية الخاصة بنقل العمال وإعاشتهم سواء في فنادق عائمة أو في أماكن مخصصة، وهم عشرات الآلاف، تابعت بانبهار إجراءات السلامة، وأنا أشاهد (45) حفاراً عملاقاً، كانت الساعة حوالي الثالثة بعد الظهر، تمر بالقناة الجميع يعمل بسلاسة وبهمة وهدوء وكأنك لست في موقع عمل، وإنما في نزهة بحرية خلابة. هذا هو النجاح الحقيقي في رأيي للإدارة، تمر بالموقع دون أدني مساس بالملاحة في القناة الأصلية.

مشروع القناة الجديدة يرتبط معه تنمية 461 كيلومتراً مربعاً لإنشاء مناطق صناعية وتجارية قادرة علي جذب ما لا يقل عن 30 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة خلال الخمس سنوات القادمة تساهم في خلق ما لا يقل عن خمسمائة ألف فرصة عمل.

فحفر قناة السويس الجديدة مصحوب برؤي اقتصادية واجتماعية مهمة لا تقل أهمية عن القناة الجديدة ذاتها، أهمها زيادة معدل التشغيل وخفض معدل البطالة، وزيادة معدل النمو الاقتصادي، وزيادة قدرة مصر التصديرية، وإعادة بناء أسطول تجاري يساهم في رفع القدرة التنافسية لمصر، وخفض العجز في الميزان التجاري.

بالمناسبة إن حفر القناة الجديدة وتطوير وتنمية منطقة قناة السويس هو تنفيذ لالتزام واستحقاق دستوري، فالمادة (43) من الدستور الجديد تنص علي «التزام الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها كما تلتزم بتنمية قطاع القناة باعتباره مركزاً اقتصادياً متميزاً.

إن حفر قناة السويس الجديدة مشروع قومي وليس مجرد تفريعة كما يقول البعض للانتقاص من الإنجاز، ومحاولة جلد الذات. لدينا سلبيات كثيرة، ولكن إذا اتبعنا أسلوب الإدارة الحديثة برؤية سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، وآليات للمتابعة التنفيذية سنكون قادرين علي تحقيق إنجازات تفوق كل توقعاتنا، علينا أن نؤمن بأنه لا بديل عن الإصلاح المؤسسي والإدارة الجيدة لتحقيق التنمية.

مثال آخر رائع علي إمكانية النجاح والتحول السريع. وهو ما يجري الآن في قطاع الكهرباء، الجميع يتذكر انقطاعات الكهرباء، ومآسي المستشفيات والبيوت وتوقف المصانع، وتعطل ماكينات الري وكيف أن محطات الكهرباء الحكومية كانت تعمل بأقل من 30% من طاقاتها الإنتاجية بسبب التوقف عن صيانتها. مرة أخري، توفرت رؤية واضحة نحو زيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء، وتوفرت خطة تنفيذية عملية مدروسة لأعمال الصيانة، ورفع الكفاءة الإنتاجية، وتحرير سعر التعريفة علي الشرائح الفنية والأكثر استهلاكاً، وتم وضع منظومة منضبطة لتوسيع دور القطاع الخاص في عملية إنتاج وتوزيع الكهرباء، وطرح مشروعات جادة للطاقة المتجددة، والحد من نزيف الدعم، وتوسيع قدرة الشبكة القومية، فكانت المحصلة في أقل من عام تقريباً، هو الحد من ظاهرة الانقطاع الكهربائي، وزيادة الطاقة الإنتاجية، إن مشكلة مصر خلال عامين من الآن ستتحول من قلة الطاقة الكهربائية المتاحة، إلي زيادة في الطاقة المتاحة!! وهو ما سيستلزم إعادة النظر في سياسات تصدير الطاقة والتصنيع ويساهم في خطط التطوير الزراعي.

مرة أخري الإصلاح المؤسسي والإدارة الجيدة والرؤية الواضحة والدعم السياسي كانت عوامل لتحقيق معجزة في عام واحد.. وبالمناسبة أيضاً فإن خطة وزارة الكهرباء في دعم التوسع في استخدام الطاقة المتجددة هو تنفيذ لالتزام دستوري جاء في المادة 32/2 من الدستور الجديد، والتي تنص علي التزام الدولة «بالعمل علي الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها».

ليست كل الأمور حولنا سيئة بل هناك أمثلة إيجابية ونجاحات تتبلور علي أرض الواقع. آمل أن نشهد طفرة حقيقية في القطاع الصناعي والتعليم خلال العامين القادمين، نحن قادرون علي النجاح إن شئنا. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 18 يونيو 2015

ما هي أهمية الرؤية الحكومية ومعناها؟

جريدة الاخبار - 18/6/2015

لنفترض أن هناك 3 مجموعات من الأفراد متواجدة في إحدي الحدائق، وبدأت عاصفة رعدية تنذر بأمطار غزيرة، فقام رئيس المجموعة الأولي بالوقوف وصاح في أعضاء مجموعته: «اجروا ورايا فوراً»، وابتدي يزعق في الناس اللي ما قاموش معاه.

أما رئيس المجموعة الثانية فقام بهدوء وقال لأعضاء مجموعته: «آدي الخطة، كل واحد منا هيقوم يقف ومافيش داعي للجري، وكل واحد ياخد معاه حاجته واتأكدوا انكم ماسبتوش حاجة أو أي متعلقات، وهنمشي بهدوء لغاية ما نوصل لشجرة التوت، وياريت كل واحد يسيب خطوتين بينه وبين اللي جنبه، ولما هنوصله نعمل كذا وكذا...وأنا أتابع مع واحد واحد بيعمل أيه

أما رئيس المجموعة الثالثة فقال لأعضاء مجموعته: «الدنيا هتمطر بعد بضع دقائق، إيه رأيكم نتحرك لهناك ونقعد تحت شجرة التوت الضخمة دي، وبكده مش هنغرق من المطرة وهنعرف ناخد غدانا ونحلي كمان من شجرة التوت».

رئيس كل مجموعة من الثلاثة كان عاوز ينقذ مجموعته من الأمطار، ولكن الفارق بينهم جوهري الأول: أسلوب الإدارة الديكتاتوري المفتقر إلي رؤية واضحة، المهم نبعد ونجري عن المطر، إزاي؟ مش مهم، ولم يطلع أعضاء مجموعته علي هدفه، وما هي الفائدة التي تعود عليهم، واعتمد علي اصدار قرارات فورية.

أما رئيس المجموعة الثانية فأدار المسألة بشكل تفصيلي، ولم يعط أي دور لأعضاء مجموعته وألغي دورهم تماماً، وأعتمد علي فلسفة الإدارة الفوقية التفصيلية  Micro Management.

أما رئيس المجموعة الثالثة فوضع رؤية - أي هدف واضح جداً في المستقبل، والنتائج والآثار الإيجابية لهذا التحرك والواجب الوصول إليها، ودون أن يغرق نفسه وغيره في التفاصيل.

وهذا ما نريده من الحكومة، أن تتبع الأسلوب الثالث مع وزرائها وأجهزتها التنفيذية. لا يمكن تحقيق الإصلاح الاقتصادي أو الاجتماعي بمجرد تعليمات وقرارات فوقية -كما حدث في الطريقة الأولي- ولايمكن تحقيق نجاحات حقيقية -كما في الطريقة الثانية-بأن يقوم رئيس المجموعة أو يحاول أن يدير كل شيء وأن يتابع كل التفاصيل، فهذا سيعيق الإصلاح بشكل سريع، وسيجعل الجميع في انتظار تعليمات محددة حتي يتحرك، ولن يتحرك أحد من نفسه. أكيد المتابعة التفصيلية من القيادة ستحقق نتائج إيجابية في بعض المناطق والجهات، ولكن لن تحقق التغيير الشامل، وإنما تغيير أو إصلاح جزئي.

أما التغيير الحقيقي وتجاوز حائط الصد البيروقراطي فلن يحدث إلا باتباع الأسلوب الثالث في الإدارة، هذا الأسلوب يعتمد علي وجود رؤية واضحة وآليات للمتابعة، ومشاركة للتنفيذين في أتخاذ القرار.

الرؤية تعني وضوح صورة المستقبل، مع التوضيح لعموم الناس لماذا يجب أن يعمل الجميع علي تحقيق هذا المستقبل.


الرؤية الجيدة تستهدف تحقيق أغراضا ثلاثة: الأول: توضيح الاتجاه العام للتغيير، مثل أن يقال نريد أن يكون ترتيب مصر رقم (80) علي مستوي العالم من حيث جودة التعليم الأساسي بدلاً من الترتيب الحالي رقم (141)، وذلك خلال 3 سنوات. أو أن نقول أننا نحتاج أن يصل معدل البطالة إلي 9% خلال 3 سنوات من الآن بدلاً من 13،5%. أو أن أخلق مليون فرصة عمل سنوياً اعتباراً من عام 2017.

هذه الطريقة تبسط وتمهد من القرارات الواجب اتخاذها لتحقيق هذا الهدف، ويجب أن يكون الهدف محددا وواضحا، فما ينفعش تيجي الحكومة تقول: «هدفنا التشغيل» وتسكت، أو «هدفنا إصلاح التعليم» وتسكت، أو «هدفنا القضاء علي البطالة» وتسكت... الرؤية تعني وضوح الهدف وإمكانية قياسه، تحديد الرؤية من ناحية تانية: تحفز الناس وأصحاب القرار علي التحرك واتخاذ قرارات في الاتجاه الصحيح.

فلو أن لدينا رؤية واضحة بشأن العشوائيات، فهذه الرؤية تعني أنه بعام 2018 سينخفض عدد العشوائيات إلي 50 فقط، فهذا لا يعني إصلاح ما هو قائم، أو هدم بعضها أو إجراء عملية إحلال وتبديل، بل أيضاً العمل علي تجنب وجود أو توسع عشوائيات قائمة من خلال إجراءات وآليات محددة.

وأخيراً، فإن تحديد الرؤية يساعد علي التنسيق بين تحركات وقرارات العشرات بل المئات من الهيئات والأجهزة الحكومية وآلاف العاملين في هذه الجهات.

فعلي سبيل المثال، لولم تكن السياسات المالية والضريبية لوزارة المالية متسقة مع سياسات وزارة الاستثمار وسياسات وزارة الخارجية والصناعة، والسياسات النقدية للبنك المركزي، فإن النتيجة ستكون جزرا منعزلة وقرارات تسير عكس بعضها البعض، وهذا في رأيي ما يحدث الآن بالضبط داخل الحكومة المصرية.

والرؤية لدي الحكومة يجب أن تكون واضحة ومحددة، وجاذبة لعموم الشعب إلي الالتفاف حولها ودعمها، وقابلة للتحقيق والتحقق من تنفيذها، ويجب أن تكون مرنة تسمح للتنفيذيين باتخاذ قرارات متنوعة تحقق هذه الرؤية، ويمكن محاسبتهم علي مالم يتم تحقيقه منها. كل وزير وكل رئيس هيئة لازم يكون عنده أهداف تفصيلية محددة له يحاسب عليها سنوياً إذا لم تحقق يتم إقصاؤه، والمسئولية يجب أن تكون تضامنية بين كل مجموعة من الوزراء لضمان التنسيق بينهم، فوزير المالية شأنه شأن وزير الاستثمار ووزير التجارة مسئول عن زيادة معدل النمو الاقتصادي ورفع معدلات الاستثمار.

نحتاج إلي رؤية في أي منحي من مناحي العمل الحكومي، في التعليم، والسياحة، والاستثمار، والسياسات المالية، والصحة، والمرافق العامة، والبحث العلمي، والآثار... إلي آخره، ويجب أن يكون لنا أولويات؛ فالعمل بدون أولويات يجعل الإصلاح مستحيل.

وسؤال ختامي: أين نحن الآن من مشروع المليون فدان زراعي، ولماذا أخفقنا بشأن الألف مصنع؟ نحتاج إجابة.

وللحديث بقية... اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك 

الخميس، 11 يونيو 2015

صندوق تحيا مصر والاستثمار البشري

جريدة الاخبار - 11/6/2015

أشرف بعضوية مجلس أمناء إحدي الجمعيات الأهلية، والتي أسستها إحدي الشركات المصرية المعروفة. وقد تأسست هذه المؤسسة التي لا تستهدف الربح عام 2007. وقد قامت هذه الشركة بالتبرع لجمعية القلعة التي أسستها بمبلغ 50 مليون جنيه، علي أن تقوم الجمعية باستثمار هذه المبالغ، واستخدام عائد الاستثمار السنوي في تقديم منح دراسية للمصريين الشباب غير القادرين مالياً علي مواصلة الدراسات العليا في الخارج. وهذه المنح يصل عددها سنوياً إلي حوالي 20 منحة. ورغم تقديم منح لأكثر من 150 طالبا علي مدار السنوات الثماني الماضية، فإن أصل المبلغ المتبَرع به قد زاد ولم ينقص نتيجة استثماره بشكل احترافي وحكيم. وقد شاركت هذا العام في اختيار ومناقشة المتقدمين للمنح الدراسية، وبلغ عدد أصحاب المنح (17) تم اختيارهم من مئات المتقدمين.

وهؤلاء الشباب تم بالفعل قبولهم في أفضل الجامعات في العالم، منها جامعة كامبردج، وكلية لندن للاقتصاد، وجامعة هارفارد، وبيركلي، وغيرها من الجامعات الرائدة في العالم. وتنوعت الاختصاصات؛ منها دراسات متخصصة في التعليم، والتنمية البشرية، والإدارة، والطب، والهندسة، والكمبيوتر، والتأليف الموسيقي، والحقوق، والاقتصاد، والجيولوجيا، وغيرها من التخصصات. وكثير ممن تم اختيارهم هذا العام يعملون بجهات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني.

واللقاء بهؤلاء الشباب يعطي جرعة إيجابية وتفاؤلية بالمستقبل القريب، وجميعهم لديهم طموحاتهم لبناء مصر جديدة، وجميعهم مؤهلون للقيادة. وأصحاب رؤية في مجال تخصصاتهم وقد استمعت أيضاً لبعض العائدين من دراساتهم، وتابعت تقارير عن مدي تفوقهم في الخارج وإنجازاتهم في الداخل.. وتتراوح أعمار هؤلاء الشباب بين 24 عاماً و27 عاماً تقريباً.. والمنح تقدم لدراسة الماجستير وليس الدكتوراه، وتغطي نفقات الدراسة والمعيشة الكريمة بالكامل خلال فترة الدراسة.

كل ما تطلبه المؤسسة من هؤلاء الشباب النابه؛ هو العودة إلي مصر والعمل بها علي الأقل مدة ثلاث سنوات. فالالتزام أقرب إلي أن يكون التزاما أدبيا منه التزام قانوني. والحقيقة أن نسبة الالتزام بين هؤلاء الشباب تجاوزت علي مدار الـ 8 سنوات الماضية الـ 95%، ولا توجد سوي حالتين استمر أصحابهما في الخارج ولأسباب معقولة، حيث تم حصولهم علي منح للدكتوراه من جامعاتهم في الخارج.

هذا النموذج لهذه الجمعية هو تطبيق كامل لفكرة «الاستثمار البشري» الذي هو أهم صور الاستثمار. الاستثمار في الإنسان المصري هو الشيء الوحيد والضمانة الأساسية لنمو هذا المجتمع. هذا النموذج أيضاً تطبيق بدرجة امتياز لفكرة «المسئولية الاجتماعية» للشركات ورجال الأعمال، فمثل هذه المساهمات الإيجابية في بناء المجتمع هي التي تصحح الصورة الذهنية الخاطئة -في رأيي- التي تولدت لدي عموم الشعب المصري لرجال الأعمال والشركات الصناعية والاستثمارية. وأرجو مخلصاً من الإعلام المصري أن يفرد مساحة لعرض هذه النماذج الايجابية. وبالمناسبة مؤسسة القلعة ليست الوحيدة في هذا المجال، فسبقتها بخمس سنوات تقريباً مؤسسة ساويرس، وأنا علي يقين أن هناك مؤسسات خاصة أخري تعمل في ذات المجال، فهناك مؤسسة أيضاً أسسها بعض رجال الأعمال تعطي منحاً دراسية سنوية لتطوير مهنة التمريض في مصر.

في هذا السياق لي مقترح محدد لصندوق تحيا مصر، وهو أن يخصص من موازنته السنوية مبلغاً يستثمر بشكل مستقل واحترافي، ويخصص عائده السنوي لمنح دراسية في حدود مائة منحة سنوية في دراسات الماجستير والدراسات التطبيقية للشباب المصري من العاملين بمؤسسات الدولة المختلفة، كوزارة الكهرباء، أو البترول، أو التعليم، أو الري، أو النقل، أو التخطيط، أو الاستثمار. وأن يركز هذا البرنامج علي تأهيلهم أيضاً للقيادة الإدارية في مجال تخصصهم. وحتي لا يتوهوا بعد عودتهم أو يتم اضطهادهم لابد من إنشاء بنك للمعلومات يضم هؤلاء وخبراتهم، ولابد من الحرص علي تسكينهم داخل مؤسساتهم بشكل احترافي، واستمرار عملية التأهيل لهم للقيادة في المستقبل ومتابعتهم بشكل دوري. الاستثمار في العقول أفضل بكثير لمصر من الاستثمار في الأسمنت- رغم أهمية الأخير وضروريته في عملية البناء والتنمية. أرجو من صندوق تحيا مصر ألا يلتفت عن هذه الفكرة وأن يدرسها بعناية، وأن يكون له دور في تأهيل جيل قيادي للمستقبل القريب.

وفي هذا السياق أيضاً أرجو من السيد وزير التعليم العالي إعادة النظر في برامج المنح الدراسية للجامعات، لا شك أن هذه المنح أصبحت شحيحة جداً، فبعض المعيدين والمدرسين المساعدين تخرجوا منذ أكثر من عشر سنين ولايزالون في انتظار المنحة الدراسية ولو بالنظام المعروف باسم الإشراف المشترك، وهو نظام عقيم، وغير مفيد إذا طبق منفرداً.

مقترحي يتخلص في أن توجه وتركز إدارة البعثات علي منح دراسية في الماجستير في كبري الجامعات العالمية، والتوقف عن منح الدكتوراه في المرحلة الحالية. يستهدف هذا الاقتراح الآتي: توسيع قاعدة الاستفادة من الموارد المحدودة، لأن طالب الدكتوراه يُنفَق عليه ما يعادل الإنفاق علي أربعة أو خمسة طلاب ماجستير أو دراسة تطبيقية. ومنح الماجستير فوائدها العلمية ليست قليلة، فطالب الماجستير لن ينجح إلا إذا كان يجيد لغة الدراسة، وسيكون مضطراً للانخراط في المجتمع الذي يعيش فيه، وسيكون مؤهلاً بسهولة بعد الحصول علي الماجستير للاستمرار في الدكتوراه لغةً وعلماً وكيفاً، وسيكون من السهل عليه مواصلة البحث العلمي حتي ولو كان في مصر. وهنا فقط يمكن المزج بين نظامين: منحة ماجستير كاملة، ومنحة لمدة سنة لدراسة الدكتوراه بنظام الإشراف المشترك.

أرجو من وزير التعليم العالي مناقشة هذا الاقتراح، فالعالم يجري من حولنا، ولا أمل لنا لتحقيق التقدم إلا من خلال تطوير منظومة التعليم المصري، والاستثمار في العقول البشرية. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك 

الخميس، 4 يونيو 2015

المستثمرون العرب والأجانب .. نظرة تفاؤل

جريدة الاخبار - 4/6/2015

سافرت إلي دبي لإلقاء كلمة عن فرص الاستثمار في مصر، وقد تلقيت هذه الدعوة من أحد البنوك التجارية العالمية، وكان المدعوون الرؤساء التنفيذيين والمديرين الماليين لكبري الشركات العالمية، وصناديق الاستثمار المباشر.

وكان الانطباع العام لديّ أن المستثمرين الأجانب والعرب ينظرون إلي المستقبل في مصر بشكل إيجابي وبنظرة أكثر تفاؤلاً منّا نحن المصريين، وأن مصر لا تزال محطا للاهتمام الحقيقي. وكان لدي الجميع تساؤلات كثيرة كان أهمها: هل تري رغم كل التحديات أنه لا تزال هناك فرص حقيقية للاستثمار؟ وكانت إجابتي أن مصر رغم كل شيء لا تزال الدولة رقم (1) المؤهلة للنمو والقدرة علي جذب الاستثمار في العالم العربي، وأننا لو أحسنّا إدارة مواردنا وعملنا علي الإصلاح المؤسسي بشكل أكثر جدية فسنكون من أقوي 30 اقتصاداً علي مستوي العالم بحلول عام 2030، أي في أقل من خمسة عشر عاماً. هذا حلم قابل للتحول إلي واقع، وإنني أدرك التحديات ومنها سوء الحالة الإدارية للدولة والبيروقراطية وتردي كفاءة العمالة ومشكلات الطاقة ومع ذلك فإن لدينا كافة المقومات لتحقيق الحلم. فهناك تنوع في الأنشطة الاقتصادية في مصر غير متوافر في أي مكان آخر، فهناك مقومات لتطوير النشاط الصناعي بكافة صوره، ونشاط الخدمات، وقطاع الاتصالات، والبنية الأساسية، والتنمية الزراعية، ونشاط التعدين، والتنمية العقارية، والنشاط السياحي... إلخ.

ولا يزال هناك سوق قابل للنمو واستيعاب كافة المنتجات، وقادر علي التصدير. وحتي هذه اللحظة لم نستغل الموقع الجغرافي لمصر، وقناة السويس، وموانينا البحرية التي تجعل من مصر مركزاً حيوياً للتجارة العالمية، وتفتح أمام العالم الأسواق في كل القارات.


ورغم كل المخاطر السياسية والقانونية التي تحيق بالاستثمار في مصر، فلا يزال عائد الاستثمار من أعلي العوائد، وهو ما يجعل مصر مركزاً مهماً لجذب الاستثمار.

من الأسئلة التي طرحها المستثمرون كذلك؛ إلي متي ستظل الحكومة تفرض قيوداً علي تحويل الأرباح والعملة الأجنبية إلي الخارج؟ وكان ردي أنه لا توجد أية قيود قانونية علي تحويل الأرباح إلي الخارج، ولا توجد أي موانع قانونية تحدّ من حق الأجانب في تحويل أرباحهم أو أموالهم إلي عملة أجنبية وتحويلها إلي الخارج، ولكن الصعوبات عملية نتيجة عدم توافر سيولة من النقد الأجنبي وشُح العملة، وهو ما يأخذ وقتاً حتي يتم توفير العملة ليضطر المستثمر إلي الوقوف في الطابور. وهي أزمة طارئة، وسبق أن تعرضت مصر عام 2003 لأزمة مشابهة وكانت أكثر قسوة وأنه بمجرد تحسن الوضع الاقتصادي بنهاية 2004 وتدفق الاستثمار وتوافر السيولة النقدية انتهت المشكلة. وقلت إنه في ظل ثورتين متتاليتين لم يمنع أجنبي أو مصري من تحويل أمواله إلي خارج مصر، وقلت إن لديّ قناعة أنه لن يمنع أحد في المستقبل من ذلك. ولكن ما نتعرض له سيزول بتحسن الوضع الاقتصادي، وقلت إن هذه الأزمة في رأيي ستزول في أقل من عام من الآن.

ومن الأسئلة التي لاتزال تحيّر كثيرا من المستثمرين والشركات العالمية العاملة في مجال التجارة الدولية؛ هو سياسات البنك المركزي بشأن وضع حد أقصي علي الإيداع بالبنوك بالعملة الأجنبية، وعدم توفير العملة الأجنبية بالبنوك لكثير من الأنشطة باعتبارها ليست من الأنشطة الاقتصادية ذات الأولوية. وقد أثر ذلك سلباً علي كثير من القطاعات - ومنها استيراد السيارات - إلي الحد الذي توقف معه وكلاء شركة مرسيدس عن الاستيراد، وهذه مسألة مختلفة عن توقف مرسيدس ذاتها عن الإنتاج في مصر.

وكان ردي باختصار، أن سياسة البنك المركزي في هذا الشأن كانت تستهدف في المقام الأول محاصرة السوق السوداء، إلا أن تبعية هذه السياسات أرهقت كافة القطاعات، وأثرت سلباً علي العديد من المصانع وقدرتها علي الإنتاج، بما فيها مصانع قطاع الأعمال العام، كما حدث مع الشركة الشرقية للدخان، علي الرغم من أن عوائدها لا تقل عن 75% من إجمالي أرباح شركات قطاع الأعمال العام مجتمعة. وفي رأيي أن البنك المركزي سيبدأ تدريجياً في التخفيف من حدة الآثار السلبية خلال الشهور الثلاثة القادمة، فالطريقة الوحيدة الممكنة للقضاء علي السوق السوداء هو تغيير العملة الأجنبية من خلال البنوك. فطالما يوجد عجز في العملة لدي البنوك فسيوجد سوق سوداء، وطالما يوجد سعران لأي سلعة أو خدمة - سعر حقيقي وسعر غير حقيقي- فسيكون هناك سوق سوداء.

ومن الأمور التي لاتزال محيرة، هو ما يتعلق بأزمة الضريبة علي البورصة، وشرحت التفاصيل التي أحاطت بهذا الأمر، ولي رجاء عند الحكومة أن تدرس الأمر بشكل احترافيي، وأن تستعين بأصحاب الخبرة قبل إصدار القانون الخاص بوقف ضريبة الأرباح الرأسمالية بالبورصة لمدة عامين. فقد أزعجتني بعض التصريحات المنسوبة لوزير الاستثمار - التي أتمني أن تكون غير صحيحة - عن نية الحكومة في عدم سداد ما تم تحصيله تحت حساب الضريبة من الأجانب خلال الفترة من صدور القانون بالضريبة وحتي صدور القانون بوقف الضريبة... هذا كلام غير قانوني، فما تم تحصيله كان تحت حساب الضريبة، وبأي منطق تحصّل الحكومة ضريبة من الأجانب فقط دون المصريين علي نفس المعاملة؟ رجاء تعاملوا مع الأمر بحذر.
خلاصة رحلتي القصيرة وحواري مع المستثمرين العرب والأجانب علي حد سواء أن الجميع يتطلع إلي الولاية الأولي للرئيس السيسي في الجمهورية الرابعة بتفاؤل وأمل وثقة نحو تحقيق التنمية والنمو. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك