الخميس، 28 يناير 2016

ماذا بعد رفض البرلمان لقانون الخدمة المدنية؟

جريدة الاخبار - 27/1/2016

وأنا أتابع مناقشات البرلمان التي انتهت إلي رفض المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 2015 بإصدار قانون الخدمة المدنية قفز إلي ذهني كلمات «يا مصري ليه دنياك لخابيط» للشاعر الرائع سيد حجاب، والتي تغني بها الفنان المبدع علي الحجار، «يا مصري ليه دنياك لخابيط والغلب محيط... والعنكبوت عشش ع الحيط وسرح ع الغيط... يا مصري قوم هش الوطاويط... كفاك تبليط... صعبة الحياة والحل بسيط... حبة تخطيط»،…… فـ «يا مصري ياللي الغلا عاصرك... قوم للحياة واسبق عصرك... ولا حاجة هترجع مصرك إلا أن تكون شغال ونشيط».

إصلاح الجهاز الحكومي لم يعد خياراً بل هو أمر حتمي، إذا كنا جادين في القضاء علي البيروقراطية والفساد، وتحسين مستوي الخدمة العامة للناس. أما إذا كنا مصممين علي الاكتفاء بالتزييط والتهليل فاتركوا الجهاز الحكومي علي حاله، وعينوا فوق السبعة ملايين موظف الحاليين سبعة ملايين كمان، ودلعوا المواطنين فيكون لكل 6 مواطنين موظف في خدمتهم!!


قانون الخدمة المدنية كان مجرد محاولة لبداية إصلاح الجهاز الحكومي، هذا المرسوم بقانون الذي ألغاه مجلس النواب، أو «العفريت اللي طلعته الحكومة» علي رأي بعض النواب حسبما هو ثابت في مضبطة المجلس كانت الحكمة التشريعية من إصداره إصلاح الخلل وإنهاء حالة السيولة التي أصابت الجهاز الحكومي المصري، ومقاومة البيروقراطية التي صارت أخطر معوقات التنمية في مصر، وأصبحت مرتعاً للفساد بكل صوره.

اجتهد واضعو المرسوم بقانون الخدمة المدنية لتبني أسس فن الإدارة الحديثة، وتحفيز التدريب المستمر، وتطوير أسس نظم التدريب والترقية والنقل والإعارة والإجازة، ووضع نظم تراعي مقتضيات القرن الواحد والعشرين بشأن قواعد السلوك الوظيفي والتأديب، وضبط فوضي الأجور والعلاوات، فالنظم الحالية تسوي بين المجد وغير المجد، وتقتل روح المنافسة الشريفة وتقضي علي الحافز علي التدريب والتقدم، وتتبني مبدأ «إذا عملت كثيراً فسوف تخطئ كثيراً... أما إذا لم تعمل علي الإطلاق فإنك لن تخطئ علي الإطلاق».

السؤال المطروح الآن؛ هل البرلمان المصري ضد الإصلاح كما قالت الحكومة في بعض التصريحات؟ بالتأكيد لا، هل رفض البرلمان المصري كان الهدف منه أن يزيد من العجز المالي للموازنة؟ بالتأكيد لا هل كان هدف البرلمان إسقاط الحكومة وإحراجها؟ بالتأكيد لا، وإلا لماذا وافق علي كافة القوانين الأخري؟ هل كان الباعث علي رفض القانون سعادة النواب بمستوي أداء الخدمة العامة؟ لا شك لا، فهم يشعرون بمعاناة أبناء دوائرهم، ويلمسون تردي مستوي أداء الجهاز الحكومي خاصة في المحليات. هل كان الهدف هو إحراج الرئيس وتقويض جهوده في الإصلاح؟ الإجابة قولاً واحداً لا، فغالبية الأعضاء المنتخبين أعلنوا دون مواراة دعمهم الكامل للرئيس ودعم الدولة.

إذاً ماذا حدث، ولماذا رفضت لجنة القوي العاملة بالإجماع قانون الخدمة المدنية، ولماذا جاء التصويب بأغلبية كاسحة ضد قانون الخدمة المدنية. أي عاقل يعلم أن معارضة سبعة ملايين موظف للقانون لها ما يبررها من وجهة نظرهم. وفي رأيي أن الحكومة ركبت رأسها في رفضها للعدد من المقترحات التي تقدم بها العديد من ممثلي النقابات والموظفين. وأعتقد شخصياً أن وزارة المالية لم تكن محقة عندما أصرت علي سبيل المثال في المادة (36) من المرسوم بقانون علي حصر العلاوة الدورية السنوية بنسبة 5% من الأجر الوظيفي. فالأجور والمرتبات أصلاً متدنية ونسبة الـ 5% كنسبة ثابتة أقل بكثير من معدلات التضخم وتزايد الأسعار السنوي. فكان الأولي وضع نسبة الـ 5% باعتبارها حداً أدني. ولك أن تتخيل لو أن هناك مديراً عاماً يبلغ من العمر 45 سنة، فإن أجره الوظيفي طبقاً للجدول رقم (1) من القانون يبلغ (1335) جنيهاً فقط لا غير، فالزيادة السنوية بمعدل 5% كفيلة بأن يكون هو وأسرته تحت خط الفقر عند بلوغه سن الستين، وأنا هنا أتحدث عن مدير عام، وليس عن موظف في الدرجة الخامسة. هذا مثال علي بعض الاعتراضات علي القانون، ومعظمها دوافعه عدم الثقة في المستقبل. والسؤال لماذا رفض البرلمان القانون، ولماذا أخفقت الحكومة هذا الإخفاق الذريع سياسياً في إقناع النواب بالموافقة علي القانون؟ السبب الأول، أن الحكومة لم تدرك أن هناك ما لا يقل عن مائتي نائب في البرلمان من موظفي الدولة والمحليات، وهؤلاء جميعاً غير مقتنعين بجدوي القانون، ولديهم قناعة أنه سيضرهم وأسرهم. ولا شك أن هؤلاء الأعضاء كان لهم تأثير كبير علي زملائهم عند التصويت والمناقشة. 

ورأي أن السبب الثاني لعدم تمرير القانون يعود إلي عدم إبداء الحكومة أية مرونة إلا في المرحلة الأخيرة عند المناقشة العامة، فبدا الأمر إما الموافقة علي كل شيء أو لا شيء. وهذا السلوك في مواجهة ضغوط الرأي العام ليس بالضرورة هو الحل السياسي الأمثل. ومن ناحية ثالثة في ظني أن الحكومة ارتكبت خطأ سياسياً كبيراً حينما تصورت أن لديها دعماً من الأغلبية اكتفاءً بالتطمينات والكلمات الطيبة من بعض أعضاء البرلمان دون فحص أو تمحيص أو تدقيق في صحة هذه الحسابات. وهو ما كان يستوجب التحرك السياسي بشكل مختلف. والسبب الرابع لرفض القانون يتمثل في إصابة العديد من أعضاء البرلمان بـ«فوبيا 25 يناير» فالكثيرون منهم كان علي قناعة بأن الموافقة علي قانون الخدمة المدنية من شأنه أن يؤدي لإثارة الفتنة وتهييج الرأي العام، بل روج البعض إلي أن الجهات الأمنية ذاتها سيكون لديها قدر كبير من الارتياح لو تم رفض هذا القانون. ولذلك فإن الكثيرين من أعضاء البرلمان الذين صوتوا علي رفض القانون لم يكونوا قد قرأوا نصوصه بقدر من الإمعان، وكان هاجس إثارة الفتنة والمظاهرات كافياً لديهم لرفض القانون لامتصاص ما ظنوه قد يكون ذريعة لمظاهرات أو إشعال الفوضي في البلاد.

والسؤال الآن، بعد أن وقعت الفأس في الرأس، وتم رفض القانون، ماذا يتعين عمله؟ إن الإصلاح المؤسسي للجهاز الحكومي أمر لا نملك رفاهية الامتناع عنه. فالنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في حاجة لجهاز حكومي كفء غير متوافر لدينا الآن، لا يجوز التنازل عن إصدار تشريع إصلاحي يمثل البنية الأساسية لإصلاح الجهاز الحكومي. علي الحكومة أن تعيد دراسة أسباب الرفض بهدوء ومعظمها نفسي لدي الرأي العام. يجب أن تعيد الحكومة الحوار الموضوعي مع أصحاب المصالح المشروعة وأن تعيد النظر بجدية في بعض النصوص التشريعية وخاصة تلك المتعلقة بالأجر الوظيفي والعلاوات الدورية، والترقي، والتدريب. هذا القانون لا يهدف إلي سد عجز الموازنة علي حساب أسر الموظفين، بل يستهدف رفع كفاءة أداء الجهاز الحكومي والقضاء علي البيروقراطية. ليس الهدف من القانون أن يزداد الموظف فقراً علي فقر، ولا زيادة الموارد غير المشروعة لفئة محدودة. علي الحكومة أن تخاطب أعضاء البرلمان والرأي العام دون تعالٍ، وعلي الحكومة أن تتحقق من دعم الرأي العام قبل إعادة القانون مرة أخري بشكله المعدل إلي البرلمان. وعلي الحكومة العمل مع البرلمان بحرفية سياسية، وإقامة كوبري التواصل الإيجابي بين البرلمان والحكومة.

وعلي أعضاء مجلس النواب إعادة النظر في مواقفهم بعد أن انتهينا من الصخب، فعليهم قيادة الإصلاح ومواجهة الرأي العام والدراسة المتأنية للأمور، والاستماع إلي وجهة نظر المتخصصين، علي المجلس أن يدخل ما يراه ضرورياً علي قانون الخدمة المدنية أو تحت أي مسمي آخر لهذا القانون، وعليه أن يسعي لتحقيق الأهداف التي سيصدر القانون من أجلها ألا وهي رفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة، وتحسين مستوي الخدمات العامة، وحماية حقوق العاملين به. حذار من إصدار قانون جديد يعود بنا مرة أخري لقديمه فهذا القديم هو سبب ما نحن الآن عليه من محن وصعوبات. وتذكروا كلمات سيد حجاب مرة أخري، «الحل بسيط... حبة تخطيط ولا حاجة هترجع مصرك.... إلا أن تكون شغال ونشيط». اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق