الدكتور إبراهيم شحاتة أحد أعظم فقهاء
القانون الدولى للقرن العشرين، وعلى الرغم أنه كان نائباً أول لرئيس البنك الدولى
إلا أنه لم ينسى أبداً مصريته فقد كان عاشقاً ومخلصاً لمصر حتى النخاع.
وقبل وفاته أصدر كتابه القيم "وصيتى
لبلادى" ضمنه وأحلامه لوطنه، وقد كانت وصيته من أجل التغيير إلى الأفضل، تغيير
أنفسنا وتغيير مفاهيمنا وتغير سلوكياتنا. إن وصية الدكتور شحاتة لمصر تقع فى (416) صفحة خص منها
رؤيته لدستور مصر الجديد فى أكثر من (90) صفحة، ما أحوجنا هذه الأيام لأن تكون هذه
الرؤية تحت نظر أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع دستور الجمهورية الثانية. وقد عرض د/شحاتة
رؤيته الدستورية من خلال الإجابة على سؤالين،
-
الأول: هل هناك حاجة ضرورية لتغير دستور
1971؟
-
الثانى: كيف نعالج المسائل الأساسية والحساسة
فى الدستور الجديد؟
وأما عن إجابة السؤال الأول، فقد إنتهى إلى
عدم صلاحيتة دستور (71) لبناء مجتمع جديد. وتبدو أهمية هذه الإجابة فى الرد على من
يقولون بأن دستور (71) يصلح للجمهورية الثانية مع بعض التعديلات بالحذف أو الإضافة
هنا وهناك. فدستور (71) برمته لا يصلح
لمصر الحديثة، فدستور (71) يفترض مقومات إقتصادية لاتصلح لبناء مجتمع حديث وبناء
دولة عصرية، كما انه أخضع كثيراً من الحريات والحقوق المدنية والسياسية الواردة فيه
لقيود غير محددة قد يأتى بها التشريع، مما يفقدها أهميتها الدستورية. خاصة ما يتصل
بحرية الرأى والتعبير وحرية المواطن فى التنقل والإقامة، فقد جاءت جميعها فى حدود
القانون! أن دستور (71) يتضمن شعارات لم تطبق عملاً، فجاء فى صياغته خلط بين
الحقائق والأوهام وأقرب فى بعض أحكامة الى النصوص الأدبيىة، والشعارات الجوفاء
خاصة ما يتصل بالضمانات التى تكفل الحريات. ويضاف إلى ما تقدم أن دستور (71) توسع
فى سلطات رئيس الجمهورية الإستثنائية التى تسمح له بتعطيل العمل بالدستور أو
بالقوانين العادية. كما أنه تضمن تفاصيل ليس محلها الدستور، ولاتجد مقابلاً لها فى
دساتير الدول الديمقراطية العريقة من ذلك النص على أن الصحافة سلطة شعبية مستقلة
تمارس رسالتها على الوجه المبين– فى الدستور والقانون! ووضع نائب رئيس الجمهورية
فى دستور (71) لا معنى له.
كما أن هذا الدستور يتضمن أموراً لا تتفق والديمقراطيات
الحديثة خاصة ما يتصل بصفات أعضاء البرلمان، كما يعد من العبث جواز الجمع بين
عضوية مجلس الشعب والوظائف في الحكومة والقطاع العام الموجود في دستور (71) إضافة
إلى ما يتعلق بكيفية وطريقة موافقة مجلس الشعب على القروض. كما أن هذا الدستور
يتضمن أحكاماً عقيمة خاصة بمسئولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وكذلك دور مجلس
الشورى الملتبس.
وأخيراً، فإن دستور (71) رغم إسهابه لا يتضمن
أحكاماً مهمة تنص عليها الدساتير الحديثة، فليس فيه مادة واحدة بشأن حماية البيئة،
أو بحقوق المصريين في الخارج أو بحماية الآثار، أو دور المجتمع المدني. كما أن
دستور (71) لا يتكلم عن مسئولية البنك المركزي عن السياسة النقدية ولا يكفل
استقلاله.
لهذه الأسباب فإنه يجب على أعضاء الجمعية
التأسيسية عدم الاعتماد على نصوص دستور (71) كأساس للدستور الجديد، فما يتضمنه من أحكام وما سكت عنه من أحكام منتهي
الصلاحية ولا يجوز التعويل عليه لصياغة (العقد الاجتماعي) الجديد.
والسؤال الثاني، يتعلق بمعالجة المسائل
الأساسية والحساسة في الدستور الجديد، وأهمها مسألتى الحقوق والواجبات العامة،
وعلاقة الدين بالدولة. فأما الحقوق والواجبات العامة، فإنه يجب أن
يأتي النص على الحريات العامة الأساسية على النحو الذي يرد في الاتفاقات الدولية
بشأن حقوق الإنسان التي انضمت مصر إليها وذلك حتى تتساوى التزامات مصر الدولية مع
التزاماتها الدستورية ويتمتع المصريون بالحريات المقررة لشعوب الدول المختلفة
طبقاً لهذه الاتفاقيات. كما يجب أن تأتي الإحالة إلى القانون أو الشريعة في النصوص
التي تقيد الحقوق بضوابط محددة للقيود التي يسمح
الدستور بها في هذا المجال، وألا يترك الأمر للسلطة التشريعية في تقييد
الحقوق الدستورية على أي نحو تشاء.
ويجب
أن توضح الحقوق الإيجابية (مثل الحق في العناية الصحية والحق في الإسكان والحق فى
العمل) مدى الالتزام القانوني للدولة بتوفيرهذه الحقوق، ولا تتركها مجرد عبارات
إنشائية. ويجب أن تأتي النصوص الخاصة بالواجبات العامة أكثر تحديداً، بتوضيح من
يقع عليهم عبء كل واجب من هذه الواجبات والمسئولية القانونية في حالة الامتناع عن
القيام بها. وأخيراً فإنه يلزم إضافة نصوص
جديدة تتصل بالحق في بيئة نظيفة وحقوق المصريين في الخارج وحقوق الوالدين والأطفال.
وأما بالنسبة للعلاقة بين الدين والدولة (المادة 2 من دستور1971)، فقد أدرك
الدكتور/شحاته إدراكاً عميقاً لحساسية أية محاولة لتعديل الدستور أو تغييره في العلاقة
بين الدين والدولة فأية محاولة لإعادة النظر في الدستور ستكون مناسبة من جانب
أصحاب الاتجاهات المختلفة لتغيير هذه الأحكام على النحو الذي يريدونه فالذين يرددون
الشعارات الدينية سوف يحاولون بلا شك الإضافة إلى الأحكام القائمة بما يجعل
الدستور دستوراً عقائدياً صرفاً على نحو الدستور الإيراني أو النظام الأساسي للحكم
في السعودية، مع حذف النصوص الأخرى التي تتنافى مع هذا الاتجاه العقائدي أو تتأسس
على اتجاه عقائدي مغاير. والذين يرون أن الخلاص هو بناء دولة عصرية حديثة تحترم الدين
دون أن تجعل له دوراً في الحكم سوف يحاولون التخفيف من الأحكام القائمة أو حذفها
ضمن محاولتهم تخليص الدستور من النصوص العقائدية المختلفة سواء ما كان منها دينياً
أو غير ديني... وللحديث بقية.
أليس
هذا هو الموقف الذي نواجهه اليوم بحذافيره، فالمطالبة بتطبيق الشريعة - للأسف - قد أصبحت رمزاً لإتجاه سياسي، وهو رمز
يعرف أصحاب هذا الاتجاه أن له وقعاً لدى الجماهير فيستغلونه لجلب التأييد السياسي،
وليس لمجرد الاقتناع بجدواه أو أهميته، ولأن نتائجه سوف تختلف كثيراً عما هو كان
فعلاً. فالأسلم والأجدى فى هذه المرحلة للمجتمع المصري أن نبقى على المادة (2) من
دستور (71) كما هي دون أن نعبث بها، فتعديلها في تلك المرحلة تهديد للسلام
الاجتماعي لهذا الوطن، وهذا ما أدركه العلامة ابراهيم شحاته منذ زمن بعيد، وأكد
عليه شيخ الازهر الشريف حرصاً على سلامة الوطن ووحدته.
0 التعليقات:
إرسال تعليق