الخميس، 25 ديسمبر 2014

اقتصاد بطعم السياسة

جريدة الاخبار - 25/12/2014


لقد سبقتنا بنجلاديش والمكسيك والبرازيل وماليزيا وإندونيسيا وتايلاند والهند في هذا المجال، فالتوسع في منح الائتمان لأصحاب المشروعات الصغيرة ضرورة ملحة



 (1) الإقصاء التمويلي: يعاني قطاع كبير من أصحاب المشروعات الصغيرة من الفقر التمويلي. فغالبية هؤلاء؛ مثل صاحب ورشة النجارة،أو كوافير حريمي في بداية نشاطه،أو صاحب ورشة خراطة،أو محل صغير لإصلاح الثلاجات،أو إصلاح السجاد... كل هؤلاء يعانون من قصور فرصهم للحصول علي تمويل من البنوك أو مؤسسات التمويل لدعم أنشطتهم أو التوسع فيها. كما أن هؤلاء محرومون من فرص الحصول علي قروض شخصية لشراء سيارة جديدة أو شقة؛ رغم قدرتهم علي سداد الأقساط. فالبنوك ومؤسسات التمويل وصناديق التمويل العقارية كلها لا تُقرض ولا تمول إلا أصحاب الدخول الثابتة مثل الموظفين والعاملين برواتب شهرية،أما أصحاب الحرف أو المشروعات الصغيرة ممن ليس لديهم دخل شهري ثابت مصدره محدد فليس لهم الأحقية في الحصول علي تمويل لأنشطتهم ولا لتمويل احتياجاتهم الشخصية. وهنا تبدو ظاهرة «الإقصاء التمويلي» جلية؛ فهناك قطاع كبير من المهنيين والحرفيين وأصحاب المشروعات الصغيرة -ممن لا يعملون لدي الغير- محرومون من الحصول علي تمويل،علي عكس الموظفين وأصحاب المشروعات الكبري. ولهذه الظاهرة تداعيات اقتصادية واجتماعية سلبية،شديدة الخطورة.. وأتعرض شخصياً للعديد من الحالات،فأتاني شاب منذ أسابيع قام بتأجير محل لبيع الورد ومشهود له بالكفاءة في هذا المجال،ويسعي لتجهيز محله واستخدام بعض المعدات،وأنفق أكثر من مائة وخمسين ألف جنيه،وكان في حاجة لمبلغ لا يزيد علي 30 ألف جنيه لاستكمال التجهيزات وافتتاح المحل،وواجه استحالة الحصول علي تمويل،فبطبيعة الحال ليس لديه دراسة جدوي،وليس لديه دفاتر منتظمة ولا مراقب للحسابات،وليس لديه تاريخ ائتماني،فهذا المبلغ الذي أنفقه هو كل ما يملك هو ووالداه،ولذلك كاد هذا المشروع أن يفشل قبل أن يبدأ لولا تدخل أولاد الحلال.. مثال آخر لصاحب ورشة يعمل منذ أكثر من ثلاثين عاماً في صناعة المشغولات النحاسية،ورشته قيمتها تتجاوز خمسمائة ألف جنيه،أراد شراء شقة سكنية في نفس الشارع الذي توجد فيه الورشة،وقيمتها 300 ألف جنيه،فتصور أنه أخيراً سيحقق آماله بعد ثلاثين عاماً من العمل المجهد والمضني،وذهب إلي كل البنوك العقارية وصناديق التمويل العقاري،إلا أن الأبواب كانت مغلقة في وجهه لأنه ليس صاحب دخل ثابت وليس له مرتب شهري،فالبنك المُقرِض يريد دخلا شهريا محدد المصدر حتي يستطيع الاستقطاع منه مباشرة. ونفس الصعوبات تثور بشأن إصدار بطاقات الائتمان.. والمحصلة واحدة،وهي أن هناك قطاعا كبيرا من المصريين وأسرهم رغم أنهم يعملون ويربحون إلا أنهم محرومون من الحصول علي الائتمان المصرفي،وهو ما يعني أنهم محرومون من فرص النمو ولا يعاملون علي قدم المساواة مع المواطنين الآخرين ممن يعملون برواتب ثابتة.. لقد رصد البنك الدولي هذه الظاهرة في مصر في تقرير نشر منذ ثلاثة أشهر،وأشار التقرير إلي أن استمرار هذه الظاهرة هو صورة من صور انعدام العدالة الاجتماعية وتهميش لفئة من المجتمع المصري من العاملين تتجاوز أكثر من نصف قوة المجتمع العاملة. علي البنك المركزي المصري والحكومة أن تضع برنامجاً واقعياً لتحقيق «الاحتواء التمويلي» Financing Inclusiveness.

لقد سبقتنا بنجلاديش والمكسيك والبرازيل وماليزيا وإندونيسيا وتايلاند والهند في هذا المجال،فالتوسع في منح الائتمان لأصحاب المشروعات الصغيرة ضرورة ملحة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتشجيع الأعمال الحرة والحد من القطاع غير الرسمي.

(2) بسكو مصر للمرة الأخيرة: أخذت عملية الاستحواذ علي شركة بسكو مصر مناحي سياسية،وجذبت اهتماما إعلاميا مبالغا فيه. وبنظرة هادئة للأمر برمته فإنه يمكن أن نخرج بعدد من الدروس المستفادة:
أولاً: مصر علي الرغم من كل ما تعانيه من أزمات لا تزال دولة جاذبة للاستثمار،خاصة في قطاع الصناعات الغذائية. وعلينا ألا نفقد الفرصة تلو الأخري؛ فنحن صرنا ننافس كل دول العالم علي جذب الاستثمار،فلا يجوز لنا أن نُصعّب المسألة علينا بالبيروقراطية وانعدام الرؤي،والصراخ الإعلامي والتحريض ضد الاستثمار الخاص.
ثانياً: الإعلام لا يزال يقفز علي النتائج ويضخم من القضايا،ويعطي بعض القضايا الاقتصادية منحي سياسيا أبعد ما تكون عنه،ويفتح ذراعيه لغير المتخصصين،وذلك دون تمحيص أو تأن أو دراسة،ولذلك؛ فإنه يجب الحرص في اختيار المعدّين لهذه البرامج وتأهيلهم ومدّهم بآلات البحث والدرس. فيجب أن نكون أكثر حرصاً في معالجة قضايا الاستثمار وألا نتعامل معها بشكل سطحي وكأنها أخبار حوادث.
ثالثاً: أسفرت هذه المسألة عن ظهور لوبي جديد للتأثير علي الرأي العام، وخطورة هذا اللوبي أنه يفتقر إلي أية حدود، فيبدو أن البعض في سبيل تحقيق مصالحه المالية لا يعبأ بقواعد المنافسة المشروعة،ولا يعبأ بنشر معلومات مغلوطة، ولا تعنيه مصلحة الوطن في شيء. كل ما يعنيه هو الفوز بصفقة هنا أو صفقة هناك.
إنني أدعو جهاز المنافسة ومنع الاحتكار، وكذا جهاز حماية المستهلك، وهيئة الرقابة المالية، ووزيرة القوي العاملة؛ لدراسة وتمحيص هذه القضية، ففيها دروس كثيرة مستفادة للمستقبل لتجنب التلاعب بالعاملين والمستهلكين والمصلحة الوطنية، واللعب بالوطن من أجل حفنة دولارات. اللينك
استمع الي مقالي عبر منصة اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

0 التعليقات:

إرسال تعليق