الخميس، 11 فبراير 2016

الأمثال العامية والحالة المصرية

جريدة الاخبار - 11/2/2016

ومن أروع الأمثال: "قالوا لعنتر: إنت تضرب ألف؟ قال أضرب ألف وورايا ألف".

للعلامة "أحمد تيمور باشا" كتاب بديع جمع فيه الأمثال العامية المصرية وشرحها ورتبها حسب الحرف الأول من المثل. وقد كان والده رئيس الديوان الخديوي علي عهد الخديوي إسماعيل، وأحمد تيمور باشا هو الشقيق الأصغر للشاعرة "عائشة التيمورية".

وهذا الكتاب الرائع يحتوي علي 3188 مثلاً من الأمثال العامية. وعندما تقرأ الكتاب وتطالع صفحاته تدرك علي الفور حكمة من سبقونا وخفة ظلهم. وكم من الأمثال العامية التي قيلت منذ مئات السنين لا تزال تصلح لوصف حالتنا السياسية المصرية الآن.

فـ"آخر خدمة الغز علقة"، هو مثل يشير إلي أن آخر خدمتك وإخلاصك للغزاة الأتراك هو الطرد والعُلَق. ويوجد مثل آخر له ذات المعني يقول "آخر المعروف ينضرب بالكفوف"، وهذا المثل ينطبق علي حالة المسئولين المصريين بعد انتهاء خدمتهم العامة، فنحن من الدول القلائل التي تحتفي بالمسئول عند تعيينه، وتتفنن في إهانته عند توديعه منصبه، وهذه الحالة الغريبة تنطبق علي كافة المسئولين ابتداءً من رئيس الدولة مروراً برئيس الحكومة والوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات ومديري الأمن، انتهاءً برؤساء الهيئات والمصالح الحكومية. ففي العالم المتحضر يتكسب الرئيس أو الوزير بعد خروجه من نشره لمذكراته ومن محاضراته التي يلقيها، أما عندنا نقول له "إياك تتكلم" أو "تفتح بقك". فظاهرة تجريس المسئول وتهميشه أو تجريمه أحياناً بعد خروجه ظاهرة يجب أن تنقشع إلا في حدود القانون، فالاحترام واجب أثناء تأدية الخدمة العامة، وواجب بعد انتهاء الخدمة. والحق يقال إنه خلال الأعوام الخمسة الماضية صار التنكيل والتحرش بالمسئولين شائعاً أثناء الخدمة وبعد الخروج منها علي حد سواء!!

"شاور كبيرك وصغيرك وارجع لعقلك"؛ مثل شعبي يعني أن مشاورة الجميع مفيدة قبل اتخاذ القرار، فشاور الكبير والصغير وبعد ذلك ارجع لعقلك لتميز الغث من الثمين. هذا المثل الشعبي قفز إلي ذهني وأنا أتابع صدور العديد من القرارات غير المدروسة الصادرة عن الجهات الحكومية. إن عملية صنع القرار في مصر بها عطب وخلل، فكثير من القرارات ومشروعات القوانين تجري بليل وفي سرية تامة، وبعيداً عن أعين المتلصصين من المتخصصين!! وتفرض بأدوات فوقية علي أصحاب المصالح المشروعة حيث تتعامل الدولة معهم باعتبارهم من الأعداء، ومن ثم تطبق عليهم نظرية "الحرب خدعة". قراراتنا الإدارية علي مدي عقود طويلة قرارات فوقية ومباغتة وغير متأنية، لذلك كثير منها لا يلقي تأييد الرأي العام لأنه لا يفهمها ولا يقتنع بجدواها ولا يصدق الدافع من إصدارها. ولكم عبرة في قرارات الاستيراد الأخيرة، وقانون الخدمة المدنية، وإجراءات تقييد التعامل بالعملات الأجنبية.

ومن الأمثال العامية المعبرة "ضلالي وعامل إمام، والله حرام". هذا المثل ينطبق علي حال الكثيرين من المدعين بفهم أمور الدين والسياسة عن غير علم أو تخصص، وإما لأهواء خاصة. وينطبق هذ المثل علي أصحاب العقول المتجمدة المتحجرة وعلي كل مسئول ليس في موضعه الصحيح ولا في تخصصه السليم.

ومن أروع الأمثال: "قالوا لعنتر: إنت تضرب ألف؟ قال أضرب ألف وورايا ألف". أي قالوا لعنترة بن شداد: عهدناك تقاتل ألفاً فتهزمهم وحدك لشجاعتك، فقال: نعم إني أفعل ذلك وأنا معتز بألف ورائي ينجدونني إذا احتجت للنجدة، فبوجودهم أصول وأضرب لا بشجاعتي وحدها.الهيئة الهندسية للقوات المسلحة والأجهزة المعاونة للقوات المسلحة تؤدي مهامها في إقامة المشروعات بروح قتالية عالية وانضباط جبار، ولكن دون تأهيل وتدريب للمؤسسات المدنية التنفيذية، ودون التنسيق المتكامل لن ننجح بالشكل الذي نسعي إليه، فالهيئة الهندسية الشجاعة تحتاج إلي ألف شركة ومؤسسة مثلها لتحقيق التنمية.

ومن الأبيات الشعرية التي تحتوي علي أمثال شعبية في غاية اللطافة ذلك الذي يقول فيه الشاعر:
راجي المحال عبيط وآخر الزمر طيط
والعلم من غير حظ لا شك جهل بسيط
تذكرت ذلك البيت، وأنا أعاود قراءة ما نشر عن مشروع توشكي منذ سنوات بعيدة.

"الإبريق المليان ما يلقلقش"، أتذكر هذا المثل حينما أسمع ضوضاء بعض الإعلاميين والسياسيين والبرلمانيين الذين يشعلون الدنيا صراخاً وضجيجاً وجدلاً عقيماً يخلو من أية أفكار موضوعية بناءة. فالإبريق المملوء بالماء لا يسمع صوت الماء فيه، وإنما يسمع صوته إذا كان قليلاً يتحرك بتحرك الإبريق، فلا يجعجع بالدعوي إلا قليل البضاعة، ولا ينعر بالصوت العالي سوي الفارغ من الأفكار والابتكار. ويقترب من المثل الشعبي السابق مثل آخر يقول: "أم قويق عملت شاعرة في السنين الواعرة"، فأم قويق يقصد بها البومة، فهي لا تحسن إلا الصياح المعروف في الأماكن الخربة، وهذا المثل يضرب للعاجز الذي يتعرض للأمر في أصعب حالاته. وفي الفساد وسنينه مثل شعبي معبر يقول: "إن سلم المارس من الحارس فضل من الله"، والمعني أنه قبل أن نفكر في سلامة المارس -أي خط الزرع -من اللصوص ينبغي لنا التفكر في سلامته من حارسه فإن سلم منه فذلك من الله. فعلي الرغم من أننا منذ ثورة 25 يناير حتي الآن نملأ الدنيا صخباً بضرورة محاربة الفساد، وعلي الرغم من أن الدستور الجديد نص علي إنشاء مفوضية عليا لمكافحة الفساد، فيؤسفني أن أقول لكم إن معدلات الفساد الحكومي قد ارتفعت ولم ننشئ المفوضية، ولم نصدر قانون حرية تداول المعلومات، ولم نرفع من كفاءة الأجهزة الرقابية أو نفعل تقاريرها، بل أوكلنا لبعض الأجهزة الرقابية أداء مهام الأجهزة التنفيذية!! ولم نواجه البيروقراطية بأية جدية، ولم تقم لجنة الإصلاح التشريعي التي أنشأها الرئيس بأية من المهام المنوطة بها بل كان المطلب الأول للحكومة وقف نشاطها، ولم ننقح القوانين المتعارضة والعتيقة منذ عام 1883، ولم نشغل أنفسنا بتدريب وتأهيل القيادات التنفيذية في الجهاز الحكومي، وانتشر الفساد في الأجهزة الحكومية بل واستشري في 
الأجهزة الأمنية.

حالنا ونحن نلوث مياه النيل رغم أننا في دائرة الفقر المائي، وحالنا ونحن نهدر أجود الأراضي الزراعية في حين أننا نجاهد للحصول علي الغذاء، وحالنا ونحن نكافح الاستثمار ونحارب المستثمرين ونكره القطاع الخاص في حين أننا في أمسّ الحاجة إلي جذب الاستثمار وزيادة الإنتاج وتشغيل العاطلين ودمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي؛ كل هذا يذكرني بالمثل العامي القائل: "بير تشرب منه ماترميش فيه حجر". فلا أعلم ولا أفهم كيف نتلف كل ما فائدته عائدة علينا، ولماذا نحارب كل ما فيه الخير لنا!! ولا شك أن "الغراب ما يخلفش سقر"، ويقصد به الصقر، وهو مثل يضرب في الأمر المستحيل وقوعه، فمن المستحيل أن يخلف الغراب صقرا، ومن المستحيلات أيضاً أن يولّد نظام التعليم الأساسي الحالي أمة متقدمة وشعبا متحضرا، ومن المستحيلات أن تؤدي المعالجات والمواجهات الأمنية وحدها لمكافحة الإرهاب، ومن المستحيلات أن يقود أئمة الجمود والتقليد حركة تجديد الخطاب الديني، ومن المستحيلات أن تقوم الأجهزة الموازية بواجبات ومهام الدولة، ومن المستحيلات أن تقوم الأجهزة التنفيذية الحكومية-دون إعادة هيكلتها وتطويرها وضخ دماء جديدة -بقيادة الإصلاح في التنمية في البلاد.

إن "فقد البصر أهون من فقد البصيرة"، والمعني ظاهر ولا يحتاج إلي شرح، متّع الله مسئولينا وشعبنا بالبصر والبصيرة. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق