الخميس، 4 فبراير 2016

برنامـج الحكــومة


جريدة الاخبار- 4/2/2016

يجب أن تعمل الحكومة بدأب علي تغيير الثقافة داخل أجهزتها من خلال تطوير قياداتها التنفيذية البالغ عددهم ١٣ ألف تنفيذي 

أتصور أن برنامج الحكومة الذي سيتم عرضه علي مجلس النواب سيكون برنامجاً إصلاحياً يستهدف معالجة العوار السياسي، والخلل المالي والتمويلي، والترهل الحكومي، والنزيف الاجتماعي

وأياً كانت مشتملات البرنامج لحكومة المهندس/ شريف إسماعيل، فإن نجاح هذا البرنامج الإصلاحي إن وجد يستوجب خطوات ستا لازمة علي رئيس الحكومة ووزرائه ورؤساء الهيئات والمحافظين، ومعاونيهم. أولي هذه الخطوات، هو مصارحة المجتمع بحالة الخطر والضرورة التي نواجهها علي كافة المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. فعلي رئيس الحكومة -في رأيي- أن يبدأ برنامجه بمصارحة المجلس والرأي العام بحجم الخطر والأزمة. فالمخاطر الجسيمة والأزمات تستوجب إجراءات حاسمة وقاسية. ولو أن الرأي العام ومجلس النواب والتنفيذيين يدركون حجم هذه الأزمات، فإنهم سيدركون حالة الخطورة وسيتفهمون الإجراءات وحجم الإصلاح الواجب إعماله. فعلي سبيل المثال، وصل الاحتياطي النقدي الأجنبي لمرحلة الخطر، وعلي نحو يهدد الأمن القومي المصري، ويؤثر علي النمو الاقتصادي، وهو ما يقتضي اتخاذ إجراءات حاسمة وبعض السياسات التقشفية، ولكن لن يقتنع أحد بجدوي هذه الإجراءات أو يؤيدها لو لم نفهم حجم المشكلة والخطورة بشكل واضح، وكيف أن الإجراءات المقترحة ستخرجنا من هذه الأزمات، وكيف نضمن ألا ندخل في أزمات أكثر خطورة. لا يجب ترك الرئيس وحده لكي يتحمل مسئولية المصارحة.

وأما الخطوة الثانية، فإن برنامج الحكومة يجب أن يتضمن شرحاً وافياً للمجتمع لأهدافه ورؤاه للمستقبل القريب وأولوياته وآلياته لتحقيق هذه الأهداف. ويجب أن تكون هذه الأهداف واضحة وقابلة للقياس ويمكن لرئيس الدولة والبرلمان والرأي العام متابعة ما تم إنجازه، وما لم يتم ولماذا، فيجب أن يكون هناك أساس للمحاسبة مرتبط بأهداف محددة، وبجدول زمني. فعلي سبيل المثال، مصر تعاني من البطالة بنسبة قد تصل الآن إلي 18%، ويوجد أكثر من 60% من أبناء الشعب المصري تحت سن الخامسة والعشرين، ونحتاج لمواجهة البطالة والحد من الفقر والانهيار الاجتماعي خلق ما لا يقل عن مليون فرصة عمل سنوياً! يجب أن يكون البرنامج الحكومي واضحاً، فلا يمكن القول بأننا نستهدف الحد من البطالة ونقف، بل يجب إذا كنا جادين في الإصلاح أن يقول البرنامج إننا نستهدف علي سبيل المثال 500 ألف فرصة عمل سنوياً عام 2016، و750 ألفاً في عام 2017 ومليون فرصة عام 2018، وذلك من خلال زيادة معدل الاستثمار بنسبة 10% سنوياً، ومن خلال آليات محددة... وهكذا. ونفس الأمر ينطبق علي الخدمات والمرافق العامة وقطاع التعليم والصحة وهو ما يجب ربطه بسياسات واضحة بمواجهة الزيادة السكانية، ويجب أن يكون لكل منها أهداف واضحة، وخطة تنفيذية وبرنامج زمني محدد يصلح كأساس للمحاسبة. ويجب أن يشرح البرنامج آليات تحقيق هذه الأهداف، والأولويات، ولماذا تم تحديد هذه الأولويات خلال هذه المحصلة.

أما الخطوة الثالثة، فهي العمل علي حشد قوي للمجتمع لدعم وتأييد خطوات الإصلاح، والتواصل المستمر مع المواطنين لشرح ما يجري وما تم إنجازه وما نصادفه من معوقات. إن مفردات اللغة والحوار لدي معظم المسئولين صارت رخوة وقديمة وعامة ومبهمة ومتكررة. كما أن لغة الحوار والتواصل الإعلامي المطبقة لم تعد تواكب العصر، ولا لغة الزمان الذي نحن فيه. أنا هنا لا أتحدث عن بيانات الحكومة العقيمة، ولا المداخلات الإعلامية المبتسرة لبعض الوزراء أو رؤساء الأجهزة الحكومية، يجب أن تكون هناك سياسات واضحة للتخاطب مع الجمهور علي كافة المستويات، وبكل الآليات المتاحة. لا يجب التواكل علي رئيس الجمهورية للقيام بدور المتحدث الرسمي والوحيد للسلطة التنفيذية، يجب ضمان أن المعلومات التي تتاح للجمهور علي كافة المستويات، بما في ذلك المحليات، هي معلومات صحيحة وكافية وتصدر في الوقت المناسب.

أما الخطوة الرابعة، لإنجاح البرنامج الإصلاحي فهو ضم فريق عمل حكومي نزيه يتمتع بالكفاءة، والأهم أن يكون مؤمناً بخريطة الإصلاح للعمل الجدي علي التنفيذ. أعي تماماً أن هناك ندرة في الكفاءات المستعدة للانضمام للعمل التنفيذي الحكومي، وأدرك تماماً كم البيروقراطية والتحدي. ولكن علينا أن نؤمن بأن التغيير لا بديل عنه، وأعلم أنه قد تكون هناك أخطاء عند تنفيذ خطة الإصلاح ولكن أخطاء التغيير أفضل كثيراً عن الحالة التي نحن عليها الآن.

ولابد أن يرتبط بهذه الخطوة اتخاذ كل ما يلزم بحسم لإحداث التغيير المتفق عليه من المجتمع دون التردد في التخلص من كافة معوقات التغيير سواء كانت هذه المعوقات إجراءات بيروقراطية أو سياسات أثبتت فشلها علي مدار الخمسين عاماً الماضية، أو تمثلت هذه المعوقات في أشخاص تنفيذيين لا يؤمنون بالتغيير المقترح، أو لم يعودوا قادرين علي إحداثه أياً كانت الأسباب.

وأما الخطوة الخامسة، فهي تتعلق بضرورة تحقيق نجاحات سريعة علي أرض الواقع لبعض المشكلات المستعصية مثل مشكلة النظافة علي سبيل المثال أو بعض الأمور المتعلقة بالعشوائيات، والسكن الاجتماعي، أو توصيل مياه الشرب النظيفة أو تطهير الترع والمصارف... أعي تماماً أن ذلك يقتضي المليارات ويحتاج لسنوات، ويجب أن يكون مرتبطاً بالخطة الاستراتيجية العامة للدولة، ولكن من المهم أن يشعر المواطنون بالأمل وأننا علي الطريق الصحيح، فنحن ندرك نفاد صبر قطاع كبير من المجتمع ونعي ارتفاع سقف التوقعات. وهو ما يستلزم تحقيق بعض الطفرات خاصة فيما يتعلق بالخدمات العامة الملموسة للطبقات الكادحة.

وأما الخطوة السادسة، فهي تتعلق بالاستمرار في المحافظة علي التغيير، والإصرار علي نجاح مسارات الإصلاح المختلفة بشكل متوازن والربط بينها جميعاً. وهنا لابد من وقفة بشأن المستوي المتدني من التنسيق بين جهات الدولة ووزاراتها، فعلي سبيل المثال تقوم إحدي المحافظات الساحلية بإعداد مشروع لتطوير المحافظة وتعد الدراسات علي مدار شهور، وتحدث مقابلات مع المسئولين ومستشاري الرئيس، وفي ذات الوقت تقوم إحدي الوزارات بطرح مناقصة لتطوير نفس المنطقة، وكأننا نعمل في بلدين مختلفين. أيضاً يجب أن نقف عند ظاهرة إصدار تكليفات حكومية أو رئاسية لجهات مختلفة تخص نفس القطاع الفني أو الجغرافي دون أدني تنسيق بين هذه الجهات، فظاهرة تصارع الاختصاصات زادت ولم تقل.

يجب أن تعمل الحكومة بدأب علي تغيير الثقافة داخل أجهزتها من خلال تطوير قياداتها التنفيذية البالغ عددهم 13 ألف تنفيذي بحيث تصير ثقافة التغيير إلي الأفضل جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الوطن ووجدانه.

لقد نجح الرئيس السيسي في العامين الماضيين في إنقاذ الدولة من السقوط والانهيار، والتحدي في العامين القادمين هو النجاح في ألا تسقط الدولة المصرية في براثن الفشل، وأن تعجز عن تحقيق الحد الأدني المطلوب من التنمية والعدالة الاجتماعية لا قدر الله وهو ما يستوجب الإسراع بوتيرة الإصلاح الآن. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق