الخميس، 5 نوفمبر 2015

الإصلاح الاقتصادي الشامل الآن هو الحل الوحيد

جريدة الاخبار - 5/11/2015


صرح محافظ البنك المركزي الجديد بأنه سيعمل علي إعادة تفعيل المجلس التنسيقي بين الحكومة والبنك المركزي إعمالاً للمادة (5) من قانون البنك المركزي، وتحقيق أكبر تنسيق ممكن بين السياسات المالية للحكومة والسياسات النقدية للبنك. ولقد سعدت كثيراً بهذا التصريح، وأعتقد أنه بداية موفقة جداً وتصريح إيجابي وأمر طالما طالبت به علي مدار العامين السابقين. فليس من المعقول والمقبول في دولة تواجه أزمة اقتصادية بهذه الحدة يغيب فيها أي نوع من التنسيق بين وزارة المالية، والبنك المركزي وكأن كلاً منهما يقع في دولة مستقلة عن الأخري. لا أذيع سراً حينما أقول إن محافظ النبك المركزي كان يقرأ قرارات تتعلق بالاستيراد والسياسات الضريبية تؤثر تأثيراً مباشراً علي السياسة النقدية من الصحف رغم تواجده ودعوته إلي المجموعة الوزارية الاقتصادية. ونفس الشيء كان يحدث بالنسبة لقرارات البنك المركزي المتعلقة بالفوائد تحرير سعر الدولار الأمريكي، فكان جميع وزراء المجموعة الاقتصادية يعلمون بها لأول مرة من الصحف، ودون أية مناقشات مسبقة. إن التعاون بين الحكومة والبنك المركزي والتنسيق بينهما يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني وعملية التنمية وليس فيه أي مساس باستقلالية البنك المركزي، وصلاحياته المطلقة في الرقابة علي البنوك ووضع السياسات النقدية اللازمة التي تستهدف في النهاية استقرار الأسعار والحد من التضخم، وهو ما لا يمكن تحقيقه بعيداً عن سياسات الحكومة المالية. التعارض والاختلاف في وجهات النظر والآراء مقبول طالما أن باعثه المصلحة العامة أما غير المقبول فهو تعطيل القانون وشخصنة الخلافات وانعدام التنسيق علي حساب المصلحة العامة ومصالح المواطنين المطحونين.

أزمة الدولار وشحه في السوق ليس مسئولية البنك المركزي، بل هو نتيجة للوضع الاقتصادي وسوء إدارة الملف الاقتصادي. صحيح أن قرارات البنك المركزي كانت تستهدف ضخ الدولارات في القطاع الرسمي المصرفي وأصابت باعتبارها نيرانا صديقة القطاع الصناعي في مقتل وساهمت في الانكماش الاقتصادي إلا أن هذه القرارات ليست هي السبب الرئيسي في المشكلة، فانخفاض الاستثمارات والتدفقات النقدية الأجنبية، وانخفاض عائد السياحة، وانخفاض عوائد التصدير كلها وراء الأزمة، فالتصدير تأثر سلباً لسببين، الأول غلق عدد من المصانع وانخفاض إنتاجية البعض الآخر نتيجة صعوبة استيراد مستلزمات الإنتاج، وانعدام الدعم الحكومي؛ والسبب الثاني، انخفاض قيمة العملات الأجنبية وخاصة اليوان الصيني واليورو مما أدي إلي اشتعال المنافسة، فحجم تصديرات السلع الغذائية في مصر زاد بنسبة لا تقل عن 20% وانخفضت عائدات التصدير بما لا يقل عن 40% نتيجة انخفاض الأسعار العالمية.



وتشخيص المشاكل سهل، ولكن الأصعب إيجاد حلول عملية للخروج من الأزمة الاقتصادية. الأزمة لن تحل في شهر واحد بل تحتاج إلي عامين علي الأقل تبدأ بقرارات صعبة وهيكلية.

فلا بد من فتح باب الاستثمار الأجنبي والمحلي بإزالة معوقاته. أرجو من السيد رئيس الجمهورية أن يخصص يوماً كاملاً مع المجموعة الوزارية الاقتصادية والوزارات الأخري المعنية في حضور السيد رئيس مجلس الوزراء للمناقشة التفصيلية لتقريرين، التقرير الأول هو تقرير التنافسية العالمية، والتقرير الثاني الخاص بمؤشرات الاستثمار ومناقشة المعايير الواردة بهذين التقريرين، ولماذا تدهور ترتيب مصر بشأن المؤشرات الاقتصادية والقدرة علي جذب الاستثمار. سيتضح بجلاء أن الأزمة ليست لها علاقة بالبنية الأساسية ولا بالوضع الأمني والسياسي، ولا بقدرة مصر علي النمو فهذه المؤشرات جميعها إيجابية بشكل نسبي. ولكن الأزمة في بطء القرارات وبيروقراطية النظام الإداري، وسوء منظومة التحصيل الضريبي، وترهل نظم الشهر العقاري، والتوثيق وحالة منظومة الجمارك وتفشي الفساد في هذا القطاع التي، وسوء نظم التراخيص الصناعية والعقارية، وارتفاع تكلفة الأراضي للمشروعات الصناعية، وعدم وضوح السياسات النقدية، يجب أن توضع خطة تفصيلية لمواجهة هذه المعوقات واحداً تلو الآخر، وتحديد جدول زمني، ورفع تقرير أسبوعي لمدة عام بشأن ما تم من خطوات نحو إزالة هذه المعوقات، وقياس آثار ذلك بشأن حجم التدفقات الاستثمارية، ومعدلات التشغيل، والتصدير ويكون هذا التقرير قطاعيا وجغرافيا.

أيضاً تحسين الوضع الاقتصادي، ورفع معدلات التشغيل ومواجهة التضخم يقتضي سياسات مالية ونقدية مختلفة. فلا شك أن الحد من ارتفاع أسعار الدولار والحد من نفوذ السوق السوداء لن يتحقق من خلال القيود علي حجم إيداعات الدولار، ولا الإيداعات بالجنيه، ولا بالقيود علي الاستيراد، فهذه الإجراءات غير مجدية، بل أدعي أنها تؤدي إلي إضعاف الاستقرار الاقتصادي والحد من النمو الاقتصادي والتدفقات الاستثمارية. قد لا يعجب كلامي البعض إلا أن هناك حزمة عاجلة من الإجراءات يجب اتخاذها معاً، منها الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية بما لا يقل عن خمسة مليارات دولار عاجلة بهدف وحيد وهو دعم الاحتياطي الأجنبي وأدوات السياسة النقدية علي أن يكون ذلك مصحوباً بإجراءات إصلاحية جذرية لفتح الاستثمارات وتدفقاتها، مع تقييد الاستيراد لمدة ستة أشهر، ويجب أن يصاحب ذلك الوفاء بأكبر قدر ممكن من طلبات الاعتمادات المستندية. وقد كان البنك المركزي عام 2004 وقبل تحسن المخزون الاحتياطي يطبق قاعدة أسماها محافظ البنك المركزي السابق د/ فاروق العقدة قاعدة 80% إلي 20% مؤداها أن من 60% إلي 80% من طلبات فتح الاعتمادات المستندية بالاستيراد أقل من 10 ملايين دولار، ومن ثم يمكن الاستجابة لها أما الـ 20% الأخري فهي مبالغ ضخمة، فالاستجابة العاجلة للقيم الأقل تقلل من طابور الانتظار الطويل وتعطي انطباعاً بالانفراجة والاستقرار. لا شك أن هذه الخطوات مع الإصلاح الهيكلي للنظم الضريبية والجمركية والحلول العاجلة للأزمات البيروقراطية، مع توفير مخزون جيد من السلع الضرورية والأساسية للحد من التضخم يمكن أن يسمح بإطلاق سراح الجنيه والدولار، ومن ثم رفع قدرة مصر التصديرية وقدرتها علي التنافسية، ويجب إتمام الخطوة الأخيرة في رفع الدعم عن المنتجات البترولية للأغنياء. إن وجود سعرين للدولار أحدهما 8.3 للجنيه في البنوك، والآخر 8.5 في السوق السوداء في حين أن السعر الحقيقي ربما يقترب من 10 أو 11 جنيهاً معناه عملياً أننا ندعم استيراد السلع الغنية وسلع الرفاهية، فحينما تفتح اعتماداً لسلعة ترفيهية بـ 8 جنيهات في حين أن القيمة الحقيقية للدولار 11 جنيهاً، فأنت هنا كدولة تدعم استيراد السلع الترفيهية بـ 30% من قيمتها الحقيقية علي الأقل. هذا أمر غير مقبول ويتنافي مع العدالة. لا شك أن هذه الإجراءات علي المدي القصير (ستة أشهر علي الأكثر) ستكون قاسية ولكنها ضرورية، فالإصلاح الاقتصادي يحتاج إلي جراحة ولم تعد المسكنات كافية لأنها تجعل المرض أكثر خطورة وشراسة. الإصلاحات الاقتصادية ضرورية للحد من الفقر الذي تجاوزت نسبته في 2012/2013، 27% من إجمالي عدد السكان. 

الإصلاح الاقتصادي ضرورة للتشغيل والحد من البطالة التي تجاوزت 14%، الإصلاح الاقتصادي ضرورة للتنمية المستدامة ونمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فحتي الآن تبلغ نسبة المصريين ممن لهم حسابات مصرفية أقل من 10%. لا مجال لتحقيق العدالة الاجتماعية دون الإصلاح الاقتصادي. الإصلاح لا يزال ممكناً وعلينا أن نكمل بقوة ما بدأناه. اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق