الخميس، 30 يوليو 2015

نيوتن المصري واختصار الوزارات

جريدة الاخبار - 30/7/2015

ولا يفوتني أن أتوجه إلي الأحزاب السياسية القليلة الجادة لكي تفيق من غفلتها، وأن تبدأ في التركيز علي التعامل مع القواعد وتعميق دورها في المجتمع.


تساءل نيوتن في مقاله اليومي في مطلع هذا الأسبوع بجريدة «المصري اليوم» عن إمكانية اختصار عدد الوزارات. وقد سبق أن عرضت لهذه المسألة في مقالات سابقة، وأؤكد ما سبق أن ذكرته من ضرورة تقليص عدد الوزارات بحيث يكون لدينا حكومة مصغرة من حيث العدد كبيرة من حيث الكفاءة والإنتاج. واختصار عدد الوزارات هو خطوة أولي وضرورية نحو إصلاح الجهاز الحكومي. فهيكل مجلس الوزراء الحالي يعاني من نواقص ثلاث شخصها الراحل د/ إبراهيم شحاته نائب رئيس البنك الدولي في كتابه الرائع «وصيتي لبلادي» منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. وهذه النواقص التي لا تزال قائمة تتمثل في الاّتي: 1) غياب التنسيق الأفقي بين الوزارات المتعددة، فصارت جزراً منعزلة. 2) غياب التنسيق الرأسي بين مجلس الوزراء ككل والأجهزة التنفيذية المعنية بالتطبيق فانعدمت المتابعة، وصارت السياسات والقرارات حبراً علي ورق. 3) ضعف الجهاز الفني التنفيذي لمجلس الوزراء المعني بإعداد الدراسات الفنية وتقييم ما يقدم للمجلس، وإعداد الرؤية والاستراتيجيات الخاصة بالحكومة ككل، فغابت بوصلة الإصلاح.

وأضيف لما سبق بأن هذه النواقص يصاحبها تعارض في توجهات الهيئات التابعة لهذه الوزارات. كما أن زيادة عدد الوزارات وضعف الهياكل التمويلية والإدارية لعدد من الوزارات المستحدثة أنهك الجهاز الحكومي وزاد من القصور في الأداء الحكومي، وضاعف الإنفاق الحكومي غير الرشيد.

ولا شك أن زيادة عدد الوزارات بشكل غير منطقي وتعارض اختصاصاتها وأهدافها ومناطق نفوذها مع تعدد الهيئات التابعة لها يجعل من رفع كفاءة الأداء الحكومي مهمة شبه مستحيلة، حيث يبلغ عدد الوزارات حالياً (39) وزارة. وهو ما يجعل حتي مناقشة أجندة المجلس واتخاذ قرارات سريعة مسألة صعبة للغاية. ولذلك أضم صوتي إلي صوت نيوتن، وذلك من خلال أمور أربعة ويجب القيام بها:

أولها: تخفيض عدد الوزارات الحالية من 39 وزارة إلي ما لا يزيد علي (22) وزارة مع الاحتفاظ بهذا الهيكل للمدة الباقية من فترة ولاية الرئيس السيسي الأولي لضمان الاستقرار الحكومي. وثانيها: تقسيم المجموعة الوزارية إلي مجموعات أربع، يكون لكل منها مقرر من الوزراء مسئول عن التنسيق بين أعضائها. وثالثها: رفع كفاءة المكتب الفني للمجلس وإعادة هيكلة وتطوير دور مركز دعم القرار التابع لمجلس الوزراء. وأخيراً: إعادة دور وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء والمتابعة، لضمان التنسيق الأفقي والرأسي لأعضاء الحكومة.

فالإصلاح المؤسسي وتطوير الجهاز الحكومي يبدأ من هيئة مكتب الوزراء. ولي تصور مبدئي بشأن اختصار عدد الوزارات، رداً علي تساؤل نيوتن، يمكن إجماله فيما يلي:
(1) دمج وزارتي الدفاع والإنتاج الحربي. (2) دمج وزراتي الإسكان والنقل، مع فصل قطاع النقل البحري نظراً لأهمية هذا القطاع علي مستقبل التجارة والصناعة في مصر. (3) دمج وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي، وهذا ليس تقليلا من شأن أهمية البحث العلمي، فهذا الملف وما يتعلق بنقل التكنولوجيا من الأمور الحيوية للنهضة. (4) دمج وزارتي التعليم الأساسي والفني. (5) دمج وزارات الصحة والسكان والبيئة، فالمحافظة علي البيئة جزء لا يتجزأ من الصحة الوقائية. (6) ضم وزارتي السياحة والطيران، وأضم هنا صوتي للكاتب الكبير سليمان جودة. (7) ضم وزارتي الثقافة والآثار. (8) دمج وزارتي العمل والتأمينات الاجتماعية. (9) دمج وزراتي التخطيط والتعاون الدولي. (10) دمج وزارتي الاتصالات والتنمية الإدارية إذا كنا جادين في تفعيل الحكومة الإلكترونية. (11) دمج وزارتي التنمية المحلية والتطوير الحضاري والعشوائيات فكلها مهام مرتبطة ببعضها البعض. (12) دمج وزارتي الري والزراعة. (13) دمج وزارتي البترول والكهرباء باعتبار قضايا الطاقة لا تنقسم عن بعضها. مع ضرورة تفعيل جهاز تنظيم وحماية المستهلك بخصوص قطاع البترول.

 وهناك حاجة -في رأيي- لاستحداث وزارة للنقل البحري لتعظيم قدرتنا اللوجستية وتطوير الموانئ البحرية، وأساطيل النقل التجاري البحري. كما أنه يجب إنشاء وزارة جديدة تنسلخ من وزارة المالية تكون مسئولة عن الموارد السيادية بما في ذلك الضرائب والجمارك لتطوير هذه المنظومة التي أصبحت عبئاً علي الموازنة، وفي هذه الحالة يمكن دمج المالية والتخطيط والتعاون الدولي في وزارة واحدة.. هذا المقترح يستتبع تقسيم المجلس إلي أربع مجموعات عمل وزارية، أولها المجموعة الوزارية للاستثمار والتنمية الاقتصادية، وثانيها المجموعة الوزارية لشئون المرافق والخدمات العامة، وثالثها المجموعة الوزارية للعدالة الاجتماعية، ورابعها المجموعة الوزارية لشئون الأمن الوطني. ويكون لكل مجموعة مقرر أو نائب لرئيس الوزراء من وزراء المجموعة. وتكون كل مجموعة معنية بمهام وأهداف محددة تكون مسئولة عنها وتحاسب عليها بشكل تضامني.

وهناك خطوة أخري يجب أن تصاحب هذا التشكيل، وهو فك الاشتباك بشكل واضح وحاسم بين عدد من الوزارات، منها فك الاشتباك بين اختصاصات وزارة العدل ووزارة الشئون البرلمانية والقانونية، وهي الآن تحت مسمي وزارة العدالة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بوظيفة إعداد مشروعات القوانين. وهناك مؤسسات ربما يكون من الأفضل - في رأيي - خروجها من تحت عباءة وزارة العدل، مثل الشهر العقاري.

ويجب أن يتبع ذلك كله إعادة هيكلة المكتب الفني ومجلس مستشارين مجلس الوزراء، والأهم مركز دعم اتخاذ القرار لكي يعمل هؤلاء جميعاً باعتبارهم وحدة إعداد الرؤي الحكومية وإعداد الاستراتيجيات، ومتابعة التنفيذ، وتحديد الأولويات، وخطط العمل الحكومي وبالمناسبة هذه هي المهمة التي أنشئ من أجلها أصلاً مركز دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء.

بعد ذلك يجب إعادة النظر في طريقة عمل دواوين الوزارة، وتفعيل الجهاز التنفيذي لكل وزارة من خلال وظيفة وكيل الوزارة الدائم، وضخ دماء شابة وصف ثانٍ وثالث حقيقي، فلم يعد مقبولاً إدارة دواوين الوزارة بعقلية اليوم بيومه، وفكر تسيير الأعمال.
هذا رأي يحتمل الخطأ والصواب، ولكنه ربما يكون جديرا بالدراسة والتمحيص من صانعي القرار السياسي.

المجتمع العميق:
أعجبتني كثيراً الدراسة التي أعدها د/ عمار علي حسن، بشأن نجاح الحركات الدينية المتشددة في التغلغل إلي أعماق المجتمع المصري من خلال النشاط التجاري وجمعيات الدعوة، والجمعيات الخيرية. هذا الاتجاه المتجذر في كل نجع وقرية، لا يمكن مواجهته للحفاظ علي وحدة الوطن ونسيجه والحفاظ علي الدولة إلا من خلال استراتيجية واضحة تعتمد علي أربعة أركان: الأول: حكومي من خلال تبني سياسات عدالة اجتماعية حقيقية موجهة للأكثر احتياجاً في قري ونجوع مصر، مع تفعيل سياسات حقيقية بشأن دعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر ويكون قياس تنفيذ هذه السياسات بشكل ربع سنوي. والثاني: من خلال تفعيل المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص مع وجود خريطة لتوجيه هذه المسئولية وتفعيلها للحفاظ علي الأمن والسلام الاجتماعي. والثالث: دعم منظمات المجتمع المدني بشكل مؤسسي لا عشوائي قطاعياً وجغرافياً وعمرياً، لدعم الرعاية الاجتماعية المباشرة للفئات الفقيرة. وأخيراً: تبني سياسة ثقافية واجتماعية بخطط خمسية واضحة، لمواجهة التطرف بكل أشكاله بما في ذلك التطرف الديني والتطرف الاجتماعي والتطرف الأخلاقي. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق