الخميس، 23 يوليو 2015

هل نحن جادون في مواجهة التطرف؟

جريدة الاخبار - 23/7/2015

إن إسناد معالجة التطرف الديني للمؤسسة الأمنية ومؤسسة الأزهر دون تطوير دور المؤسسات الثقافية والتعليم ومراكز الفكر ومؤسسات المجتمع المدني لن يحد من التطرف

التطرف والإرهاب ظاهرتان لا يجب التعامل معهما بذات المنطق وبذات الآلية. وإن كان التطرف مقدمة ضرورية للإرهاب. الإرهاب مواجهته أمنية في المقام الأول. أما التطرف فمواجهته تكون بشتي الطرق، وأقلها أهمية وتأثيراً هو المواجهة الأمنية.

الحد من التطرف يعني الحد من الإرهاب بالضرورة، والحد من التطرف يعني حماية أسس ومقومات الدولة الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية، كما أن الحد من التطرف يعني تطور المجتمع وتقدمه وليس مجرد المحافظة علي الدولة.

مشكلتنا في مصر كما أظهرت إحدي أوراق العمل التي شارك في إعدادها د/ يوسف ورداني ود. إيمان رجب بشأن قضايا التطرف، هو الطابع الانتقائي للتعامل مع أشكال التطرف. فسياسة الحكومة الداخلية الحالية لاتزال تتعامل مع التطرف الديني علي أنه الشكل الرئيسي للتطرف، مع التجاهل التام للأبعاد الأخري مثل التطرف الاجتماعي، والتطرف الإعلامي، والتطرف السياسي، بل والتطرف الأكاديمي والرياضي.

فما نلاحظه الآن من انتشار ظاهرة التخوين والإقصاء والقذف بالعمالة، واستخدام الألفاظ الخادشة للحياء عبر التليفزيون وشبكات الإنترنت كلها مظاهر للتطرف الاجتماعي والثقافي. إن جوهر مكافحة التطرف بكل صوره له علاقة بكيفية التعامل مع الآخر، وكيفية تطوير المجتمع ليسمح بالتعايش مع المختلف بكل ما يفترضه ذلك من وجود احترام ما للأفكار المختلفة.

فمواجهة التطرف بكل صوره يعتمد علي نشر ثقافات وتعاليم التعايش مع الآخر، وترسيخ قيم الحوار والموضوعية في النقاش، والاعتراف بحق الآخر في الاختلاف سواء كان هذا الآخر فريقاً رياضياً أو مشجعاً، أو كاتباً صحفياً أو إعلامياً أو حزباً سياسياً أو فناناً أو رجل دين طالما أن هذا الآخر لا يكفر ولا يخون ولا يسعي لهدم المجتمع أو الدولة.

ونشر هذه القيم يبدأ بالتعليم، وبالتزام الدولة المطلق بتطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال التنمية الشاملة.

الحكومة في مصر تتعامل مع قضايا التطرف بنظرية اليوم بيومه أي بشكل لحظي وأحياناً انتقائي مرتبط دائماً بقضايا الإرهاب في حين أن قضية التطرف مستقلة تماماً عن الإرهاب، والذي يعد النتاج الظاهر للتطرف.


الحكومة المصرية لا تتعامل مع قضية التطرف بشكل مؤسسي فلاتزال تعتمد علي إدارة مكافحة الإرهاب في التعامل مع قضية التطرف.


إن إسناد معالجة التطرف الديني للمؤسسة الأمنية ومؤسسة الأزهر دون تطوير دور المؤسسات الثقافية والتعليم ومراكز الفكر ومؤسسات المجتمع المدني لن يحد من التطرف، إن خلق شراكة بين هذه المؤسسات جميعاً لتكون قادرة علي مكافحة التطرف بصورة فعالة دون انتقاله إلي الأجيال الجديدة من الشباب أمر لازم لحماية المجتمع والدولة من الانهيار.

ولا شك أن دعوة الرئيس السيسي علي أهمية تجديد الخطاب الديني خطوة مهمة نحو مكافحة التطرف، كما أن دعوته للأزهر لتحمل مسئولياته خطوة أخري رئيسية نحو الطريق الصحيح. ولكنها خطوة غير كافية. فنحن بحاجة لما هو أبعد من تجديد الخطاب الديني، نحن بحاجة إلي القضاء علي فقه التقليد والجمود، نحن بحاجة لفتح باب الاجتهاد والتطوير المؤسسي لمشيخة الأزهر ذاتها.

يجب أن نتعامل مع هذه المسألة بحذر شديد، فدعوة الرئيس كما فهمتها لا تعني حصر الدور المصري في مجال مكافحة التطرف في مؤسسة الأزهر، إن الدعوة كما فهمتها هي أن تكون مصر بكل مؤسساتها الحكومية ومراكزها الفكرية والتعليمية الدولة القائدة في مجال مكافحة التطرف في المنطقة، وليست طاقة التطرف.

كلمة أخيرة في شأن السياسة النقدية للبنك المركزي:
هاجم بعض المصرفيين دعوتي بضرورة تفعيل المجلس التنسيقي بين الحكومة والبنك المركزي بشأن أهداف السياسة النقدية. إن اقتراحي بتفعيل المجلس التنسيقي ليس اختراعاً، بل هو مطالبة بتفعيل القانون، فالمادة (5) من قانون البنك المركزي تنص بوضوح وبشكل لا يحتمل التأويل علي أن «يضع البنك المركزي أهداف السياسة النقدية بالاتفاق مع الحكومة، وذلك من خلال مجلس تنسيقي يشكل بقرار من رئيس الجمهورية». فهل المطالبة بتفعيل القانون وتطبيقه أمر صار محلاً للنقد؟!

ما أحوجنا في هذه المرحلة إلي التنسيق بين السياسات النقدية والمالية.... هل أنتم سعداء بهذه الجزر المنعزلة.......... هل مطالبة البنك المركزي بالإعلان عن أهداف سياسته النقدية جريمة تستحق النقد؟! هل مطالبة الحكومة بأن تعلن عن سياستها المالية، وألا تعمل بمعزل عن البنك المركزي أمر يتعارض مع استقلالية البنك المركزي. البنك المركزي طبقاً للمادة 5/1 من قانون إنشائه مسئول عن (تحقيق الاستقرار في الأسعار وسلامة النظام المصرفي في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة).

فكل ما نطالب به التنسيق بين السياسات النقدية والسياسة الاقتصادية العامة للحكومة إن وجدت !! اللينك 
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق