الخميس، 30 أكتوبر 2014

النمو الاقتصادي وحده لا يكفي



جريدة الاخبار - 30/10/2014

وعلي الجميع أن يعي أنه ليس هناك تعارض بين تشجيع الاستثمار في المشروعات الصناعية الكبري، وجذب الشركات العالمية، ودعم المشروعات الصغيرة وتشجيع ريادة الأعمال، فالأولي ستسرع بخطوات النمو الاقتصادي


التقيت في صيف 2013 بالسيد/ جيم كليفتون الرئيس التنفيذي لمعهد «جالوب» الأمريكي، والمعهد يعد من أكبر مؤسسات العالم في دراسات استطلاعات الرأي العام، وإعداد البحوث اللازمة لخطط الإصلاح الاستراتيجي والمؤسسي للشركات الكبري والحكومات المختلفة.
وخلال هذا اللقاء أطلعني السيد/ جيم كليفتون علي دراسة أعدها معهد جالوب، عن العلاقة بين معدل رضاء الرأي العام في مصر عن أحوالهم والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومعدل النمو الاقتصادي في مصر، وذلك عن الفترة من عام (2005) إلي عام (2010). وقد انتهت الدراسة إلي نتيجة صادمة أوضحت أنه خلال فترة الدراسة، كان معدل النمو الاقتصادي في مصر وأداء الاقتصاد الكلي في ارتفاع مستمر، في حين أن معدل رضاء الرأي العام وشعوره بالآثار الإيجابية في انخفاض مستمر حتي وصل السخط طبقاً لقياسات الرأي العام إلي أعلي مستوياته بنهاية عام 2010.

وبعبارة أخري، فإن الدراسة أبانت عن علاقة عكسية في مصر خلال الأعوام من 2005 إلي 2010 بين ارتفاع معدل النمو الاقتصادي ورضا الشعب عن وضعهم وأداء الحكومة، فكلما زاد النمو الاقتصادي كلما انخفضت معدلات الرضا!!

ولهذه الظاهرة أسبابها؛ فلا شك أنه كانت هناك طفرة في نمو الاقتصاد المصري اعتباراً من عام 2004، وأن متوسط معدل النمو بلغ 7% سنوياً، وأن تدفقات الاستثمار الأجنبي بلغت أعلي معدلاتها في عام 2006، وأن التشغيل بلغ حوالي 600 ألف فرصة عمل سنوياً. ومع ذلك لم يشعر 80% علي الأقل من المصريين بأية آثار إيجابية لهذا النمو الاقتصادي، رغم أنه كان نمواً حقيقياً. والمعضلة، أن هذا النمو لم يجلب معه تنمية شاملة، فالآثار الإيجابية للنمو لم يستفد منها غالبية المصريين، فظلت الخدمات الصحية والتعليمية والنقل العام دون تحسن ملحوظ، ولم يتحسن الوضع المالي للعاملين في الدولة وصغار المزارعين، ودفنوا تحت وطأة التضخم، وعلي الرغم من ضخ استثمارات عامة غير مسبوقة في مجال الصرف الصحي ومياه الشرب؛ إلا أن ذلك لم يكن كافياً، وظل الصعيد يعاني -ولا يزال- من وطأة الفقر المدقع، وزادت العشوائيات، وتدهور حال الجهاز الحكومي رغم محاولات البعض للإصلاح، فالفئات التي استفادت من النمو كانت محدودة العدد نسبياً، وتحققت طفرات في الثروات لأقلية نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي أو مكاسب البورصة، ولاشك أنها لم تنعكس علي الغالبية، وزاد الطين بلة غياب الشفافية وانعدام تكافؤ الفرص.

ولذلك كله وعلي الرغم من النمو الاقتصادي نتيجة اتباع سياسات إصلاح اقتصادي خلال الفترة من 2004 إلي 2007، فإن انعدام الرضاء والإحساس بغياب العدالة قد بلغ ذروته بنهاية عام 2010. وعلينا لا شك أن نستفيد جيداً من هذا الدرس، فتحقق الاستقرار السياسي وطموحات الشعب المصري لن يتحقق إلا بسياسات إصلاح اقتصادية تستهدف التنمية وليس النمو الاقتصادي وحده، وهذا بالضبط ما حدث في الهند وماليزيا. وعلي الجميع أن يعي أنه ليس هناك تعارض بين تشجيع الاستثمار في المشروعات الصناعية الكبري، وجذب الشركات العالمية، ودعم المشروعات الصغيرة وتشجيع ريادة الأعمال، فالأولي ستسرع بخطوات النمو الاقتصادي، والثانية ستحقق تنمية لأبناء الوطن واستقرار في الداخل وتستهدف فئة عريضة من أبناء الوطن. نحن لم نعد نملك رفاهية خلق مناخ غير جاذب للاستثمار للشركات العالمية، ولا نملك أن نتجاهل المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر؛ فهي الآلية الرئيسية لتحقيق التنمية، واستهداف محاربة الفقر.

وعلي الحكومة أن تصدر علي الفور حزمة من الإجراءات والتشريعات المتزامنة خلال الستين يوماً القادمة تستهدف دعم الاستثمار والمشروعات الصغيرة وتحقيق العدالة الاجتماعية في آن واحد، وتشمل هذه الحزمة التشريعية تعديل قانون الاستثمار للقضاء علي البيروقراطية، وقانون تمويل المشروعات متناهية الصغر، وقانون البنك الزراعي ودعم رأسماله لحماية حقوق المزارعين، وقانون تنمية منطقة قناة السويس، ودمج القطاع غير الرسمي في القطاع الإقتصادي. وطبعاً فإن الإصلاح لا يتحقق بتعديل القوانين، فلأهم والأصعب هو تطوير المؤسسات والقائمين عليها. اللينك
استمع الي مقالي عبر اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق