الخميس، 7 أبريل 2016

دولة الفرص الذهبية بديلاً عن دولة الفرص الضائعة

جريدة الاخبار - 7/4/2016

تعرض الأستاذ ياسر رزق رئيس التحرير في مقاله يوم الأحد الماضي لموضوع في غاية الأهمية، وهو دعم الصادرات. وأبدي رزق في مقاله معارضته لزيادة دعم الصادرات المقترح في الموازنة الجديدة والمقرر أن يصبح 5.1 مليار جنيه بدلاً من 3.5 مليار جنيه طبقاً للموازنة الحالية، واعتبر الصديق ياسر رزق هذا الدعم أنه دعم للأغنياء. وتساءل: هل من المنطقي أن نتحدث عن ترشيد الدعم المقدم للمواطنين المصريين، بينما نحن ندعم المستهلك الأجنبي الذي يشتري السلع والبضائع المصرية؟!!


وليسمح لي الأستاذ/ ياسر رزق أن أختلف معه... فدعم الصادرات هو دعم لعملية الإنتاج، ودعم للفقراء وليس دعما للأغنياء... كيف؟ دعم الصادرات مفهومه - ببساطة مفرطة -يعني أن هناك جزءاً من تكاليف الإنتاج تسدده الدولة لحساب الشركات المصدرة للسلع والبضائع المنتجة أو المزروعة في مصر، وتكون مساهمة الدولة في هذه التكلفة مشروطة بإتمام عمليات التصدير إلي الخارج وتوريد العائد النقدي الأجنبي إلي داخل مصر.

والسؤال المطروح؛ هل يجب أن تستمر الحكومة في هذا الاتجاه؟ أم أنها يجب أن تعيد النظر فيه وأن توقفه؟... والرأي عندي قولاً واحداً؛ أنه يجب علي الحكومة أن تستمر في تحفيز النشاط التصديري وعليها أن تتوسع في هذا الاتجاه. إن دعم الصادرات ليس بدعة مصرية بل هو اتجاه تقوم به العديد من الدول التي نجحت في غزو الأسواق العالمية وعظمت من ناتج عمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي فيها.

ويحضرني في هذا الموضوع أنه أثناء إعدادي لدراسة الدكتوراه بجامعة لندن - منذ 25 عاماً تقريبا - كنت أتناول صناعة الإنشاءات الدولية، ولفت انتباهي أن المقاولين وموردي المعدات من كوريا الجنوبية وتركيا كان لهم نصيب الأسد في مشروعات البنية الأساسية والمشروعات الكبري في السعودية ودول الخليج خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي، وكان لها حصة أكبر من الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية - رغم فارق الخبرة في هذا المجال. وكانت الأسعار التي تضعها الشركات التركية والكورية أكثر تنافسية، وأقل بكثير من تلك التي يضعها منافسوها. أسفرت الدراسة التي أعددتها في ذلك الوقت أن السبب الرئيسي للقدرة التنافسية لهذه الشركات ليس في قلة تكلفتها أو بسبب انخفاض أجور العاملين فيها؛ بل كان نتيجة للدعم الحكومي لهذه الشركات الخاصة من حكومتي تركيا وكوريا الجنوبية... كيف؟ كانت أسعار هذه الشركات تقل عن الأسعار المحددة من الشركات العالمية المنافسة بأقل من 15% أو 20%! وكانت حكومتا كل من تركيا وكوريا الجنوبية تقومان بسداد هذا الفارق للشركات التركية والكورية... بمعني لو أن السعر العالمي للمشروع مليار دولار، فإن السعر الذي تضعه شركة هيونداي الكورية - علي سبيل المثال - كان 800 مليون دولار، فترسي عليها المناقصة، وتقوم الحكومة الكورية بسداد هذا الفارق لشركة هيونداي، فتصير هذه الشركات أكثر تنافسية وتحصل علي حصص أكبر في السوق الخليجية والسوق العالمية وتحقق نفس هامش الربح الذي كانت ستحققه الشركات المنافسة. لماذا كانت تفعل ذلك حكومتا تركيا وكوريا الجنوبية؟ لا شك لم تكن تفعل ذلك لدعم الخزانة السعودية!! وإنما كانت تفعل ذلك نظير التزام شركاتها بتشغيل العمالة الكورية والتركية، وتوسيع حصصها في السوق العالمية بشكل سريع، ودعم الميزان التجاري والنقدي لصالح هذه الدول، ومن ثم زيادة معدل نموها الاقتصادي بشكل سريع ومطرد. وبعد فترة - لم تزد عن عشر سنوات - رفعت الحكومات أيديها، وصارت الشركات التركية والكورية قادرة علي المنافسة والحفاظ علي حصصها في السوق العالمية دون دعم حكومي.

إن دعم الصادرات له أهداف عديدة ليس من بينها دعم الأغنياء بل تصب جميعها في المصلحة العامة والعدالة الاجتماعية... إن الهدف الرئيسي من دعم الصادرات النقدي هو خلق حافز لتشجيع الإنتاج والمصانع التي تقوم بالتصدير وتشغل عمالة مصرية وتجلب عملة أجنبية داخل السوق المصري، وتساهم في تقليل فجوة العجز في ميزان المدفوعات والميزان التجاري. إن دعم الصادرات هو دعم لعملية الإنتاج وليس دعما للاستهلاك... لن تقوم لمصر قائمة ولن تكون رقماً صحيحاً في العالم المعاصر لو لم نشجع الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، ونكون منافسين حقيقيين في التجارة العالمية. وتحفيز النشاط التصديري هو إحدي هذه الآليات، ويجب أن يتسع هذا التشجيع للمصانع كثيفة العمالة. وعلي الدولة تشجيع هذه المشروعات من خلال مزايا غير ضريبية منها أن تقوم الدولة بسداد جزء من مستحقات استهلاك الطاقة، أوسداد جزء من تكلفة التأمينات الاجتماعية، أو المساهمة في نفقات التدريب والتأهيل للعاملين... ويجب أن يتسع التشجيع ليشمل علي وجه الخصوص المشروعات التي تعمل في المناطق النائية وصعيد مصر، فذلك يصب في تحقيق العدالة الاجتماعية قولاً وفعلاً، إن الهدف هو تشغيل الشباب. إن تحفيز الصادرات ليس دعما للمستهلك الأجنبي وإنما لرفع قدرة شركاتنا التنافسية لأنه لو أن شركاتنا ومصانعنا لم تستطع تقديم أسعار منافسة؛ فإن الاستيراد سيتم من دول أخري تدعم صادراتها، وسيزداد العجز التجاري وتتفاقم مشاكلنا المرتبطة بتوفير العملة، ويزداد التضخم وارتفاع الأسعار داخل المجتمع المصري.

إن تحفيز النشاط الصناعي والزراعي أمر حتمي لزيادة الإيرادات السيادية ورفع كفاءة منظومة العدالة الاجتماعية. إن تحفيز الصادرات والإنتاج هو دعم للفقراء لتحسين أحوالهم المعيشية وخلق فرص عمل أفضل، ولزيادة موارد الدولة، وهو دعم للتشغيل، ودعم للإنتاج الوطني، ودعم للعملة الوطنية، ودعم للخزانة العامة، ودعم للاحتياطي النقدي الأجنبي... صححوا النظام إن كان هناك عيب في التطبيق ولكن لا تقتلوه، فالعيب فينا وليس في دعم الصادرات الذي نجح في العديد من دول العالم.

لقد تحولت مصر خلال العقود الماضية علي أيادي البيروقراطية المصرية من أرض الفرص الذهبية إلي أرض الفرص الضائعة. إن رؤية مصر 2030 التي وضعتها الحكومة المصرية، أعلنت فيها أنها تستهدف أن يصل صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلي 15 مليار دولار أمريكي عام 2020. ولك أن تعرف يا صديقي المواطن أن هذا الرقم الذي نسعي إليه عام 2020 كنا قد حققناه عام 2007، فما نسعي إلي تحقيقه في المستقبل بعد أربع سنوات من الآن هو أن نحقق ما سبق أن حققناه من عشر سنوات!! أي أننا نحلم في عام 2016 أن نحقق في عام 2020 ما كنا قد حققناه في عام 2007!!! 

لقد خسرنا الكثير بسبب البيروقراطية، وبعد أن كنا نحاول أن نلحق بكوريا الجنوبية انخفض سقف طموحاتنا في التسعينات لنلحق بماليزيا، فانخفض سقف الطموحات مرة أخري لكي نحاول أن نلحق بتركيا في بداية الألفية الثانية، وعدنا لنخفض طموحاتنا الآن لكي نحتذي بحذو المغرب وتونس. أرجو أن نرفع مرة أخري من سقف طموحاتنا وأحلامنا... مصر لديها القدرة علي جذب ما لا يقل عن عشرين مليار دولار سنوياً من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ولكن لن نستطيع أن نتحرك خطوة واحدة للأمام إذا تحركنا بنفس الفكر الحالي الذي يسيطر علي مناخ الاستثمار... انسفوا نظام التراخيص الصناعية العقيم الحالي الذي يستوجب خمس سنوات لتشغيل مصنع، وطبقوا النظم الحديثة في العالم من حولنا... حرروا نظم أسعار الأراضي للأنشطة الصناعية، فلا يجوز أن تزيد تكلفة الأرض عن 2% من إجمالي تكلفة الإنشاء والتشغيل... ادعموا المشروعات كثيفة العمالة، فكلما شغلنا مصريين أضفنا مزايا لهذه الشركات... دعموا مشروعات التصدير ولا تلغوا حوافز التصدير... ضعوا نظماً تناسب المشروعات الصغيرة من خلال نظم مرنة للمحاسبة المالية والموافقات والتراخيص والدعم الفني تلائم هذه المشروعات، بحيث يكون لدينا مئات الآلاف من هذه المشروعات في أقل من خمس سنوات... انسفوا كل الموافقات العقيمة التي لا لزوم لها والتي يعود بعضها إلي أكثر من مائة عام... طوروا من نظم السجل الصناعي والتجاري... فعلوا نظم الحكومة الإلكترونية ولا تخافوا من التجسس، فقوائم الأرقام القومية تباع للشركات في شارع عبد العزيز!!... انسفوا إجراءات الجمارك العقيمة بشأن التصدير وسهلوا ولا تعوقوا... رخص المباني لهذه المنشآت الصناعية يجب أن تصدر في خلال ثلاثين يوماً وليس ثلاثين شهراً... العالم كله يتحرك إلي الأمام... اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

1 التعليقات: